سلسلة مثالب
معاوية في الأحاديث المرفوعة (2)
حديث الدبيلة
وهل سعى معاوية بن أبي سفيان لاغتيال النبي (ص) في غزوة تبوك؟
دراسة
موسعة لحديث الدبيلة الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وبيان طرقه وألفاظه وفوائده
وشواهده، وكشف دلالة مناسبته وتفسير غوامضه وإخراج قرائنه وبيان مواقف الناس من
هذا الحديث وتفسيره، ومناقشة آراء السنة والشيعة والنواصب في هذا الحديث.
تأليف
حسن بن فرحان المالكي
محتويات
الكتاب
مقدمة وتمهيد
.. عن البحث وفائدته.. ومعنى حديث الدبيلة..
تمهيد (1) مجموعة إيقاظات..:
-
مات
النبي (ص) فانتهى النفاق!
- إهمال النفاق الحي .. وضرب النفاق الميت!
-
المنافقون
في القرآن .. غير المنافقين في الحديث!
- العلم بالنفاق والمنافقين ثقافة قرآنية معطلة..
-
هذا
الكتاب إسهام في إحياء ثقافة القرآن الكريم عن المنافقين.
-
العلم
بالنفاق فرض عين على أهل العلم.
-
إضاءات
نبوية .. فهل من مهتدٍ؟
-
إضاءة
نبوية لسبب هلاك الأمة.. ما مصيرها؟
-
نصيحة
نبوية لتجنب هذا الهلاك .. ما مصيرها؟
- ثم
استكتمني الحديث ما عاش معاوية!
- نصيحة نبوية ثانية... اعتزال القوم! ما مصيرها؟
-
هل
سيحذر النبي (ص) من الدجال .. ويترك معاوية وبني أمية؟
- شهادات صحابية صحيحة على محو بني أمية لدين الإسلام
في القرن الأول!
-
تحذير
النبي (ص) من تصديق الكاذبين وإعانة الظالمين.. ما مصيرها؟
- كلا.. لم يكن النبي (ص) عيياً ولا جباناً...!
-
هل
حذف أحمد بن حنبل النصيحة النبوية؟.
-
سلفية
غريبة!
-
محاولة
اغتيال النبي (ص) من أصحابه.. لمن كان له قلب!
-
فئة
كانت تخطط دائماً لاغتيال النبي (ص) .. فهل نجحت؟
مقدمة (2)
: حقيقة إسلام معاوية..
تسبقها الإيقاظات التالية :
-
معاوية
بين سلفيتين..
-
أثر
معاوية في السلفية المحدثة..
-
بضاعة
القرآن .. وبضاعة معاوية .. متضادتان..
-
إذا
لم يستيقظ الضمير السلفي بعد هذه الأسئلة فمتى يستيقظ؟
-
فساد
كثير من السلف.. وصلاح كثير منهم..
-
جرح
قرآني مفصلي لم يأخذ به أهل الحديث! لماذا؟
-
لا
تذهبوا بعيداً.... اعتبروا بزمانكم وعلمائه..
-
السلف
ليسوا أقوى ثباتاً من النبي (ص)..
-
كيف
تتعبد عقولهم بالتناقض؟
-
الأحاديث
السياسية.. والعقائد السلطانية.. أصل كل البلاء...
-
اعرف
الظلم من القرآن .. تعرف أهله في الدنيا..
-
حقيقة
إسلام معاوية .. ( رأي السلفية العتيقة مختصراً)
- رأي
عمار بن ياسر في حقيقة إسلام معاوية..
- رأي
أهل بدر في حقيقة إسلام معاوية..
-
الخلاصة
في حقيقة إسلام معاوية..
المبحث الأول: حديث الدبيلة وشواهده وقرائنه.
-
الإجمال
في الحديث وشواهده ومصادره..
-
إيقاظات
قبل التفصيل في حديث الدبيلة..
- النفاق في آخر النبوة أكثر منه في أولها..
-
سر
حذيفة ... هو علمه بتلك العصابة..
-
نفاق
جماعي.. بعد فتح مكة..
-
تلخيص
قصة العقبة الرزية قبل سرد الأحاديث والروايات..
- التشويش على القصة... بين معذور ومتعمد.
- تأسيس علم الجهل.
-
لا
حجة في تولية عمر بن الخطاب لمعاوية.
-
الإجمال
في طرق حديث حذيفة بن اليمان..
-
الطريق
الأول : عمار عن حذيفة بن اليمان.. مع التفصيل والتعليق:
-
عمار
عن حذيفة ( طريق أسود بن عامر عن شعبة) والتعليق عليه
-
عمار
عن حذيفة ( طريق غندر عن شعبة) والتعليق عليه
- الطريق الثاني: عبد الله بن سلمة عن حذيفة
والتعليق عليه
-
الطريق
الثالث: أبو البختري عن حذيفة والتعليق عليه
-
الطريق
الرابع : أبو الطفيل عن حذيفة والتعليق عليه
-
البزار
لم يحتمل تكملة الحديث..!
-
جزء
من طريق أبي الطفيل ( واتهام أبي موسى الأشعري).
-
من
أقوال حذيفة في أبي موسى الأشعري..
-
نماذج
من الحرج السلفي من هذا الحديث.
-
انقسام
أهل السنة .. بين اتهامهم لأحد البدريين أو لأبي موسى الأشعري!
-
قسم
ثالث من أهل السنة ... نموذج ابن عبد البر
-
قسم
رابع : موقف الذهبي العجيب!
-
الطريق
الخامس : صلة بن زفر عن حذيفة
-
الطريق
السادس: زيد بن وهب عن حذيفة ( واتهام أبي سفيان بن حرب)
- التعليق على الحديث وعلاقته بقصة العقبة..
-
التكتم
على عذاب أبي سفيان ومعاوية بالأدواء المختلفة..
-
معنى
قوله تعالى عن المنافقين ( سنعذبهم مرتين)؟
-
جوانب
من التعمية على هذا الحديث..
- الطريق السابع: زر بن حبيش عن حذيفة ( وفيه رابط
الجمل الأحمر).
المبحث الثاني: شواهد حديث الدبيلة..
-
الشاهد
الأول : حديث الجمل الأحمر، وصلته بحديث العقبة
والدبيلة.
-
حديث
أبي أيوب في الجمل الأحمر..
-
حديث
ابن سيرين في الجمل الأحمر..
-
حديث
الحسن بن علي في الجمل الأحمر..
-
حديث
عمار بن ياسر في الجمل الأحمر..
-
الشاهد
الثاني : حديث لعن الله الراكب والقائد والسائق، وصلته بحديث العقبة.
-
حديث
سفينة في لعن الثلاثة ( الراكب والقائد
والسائق)..
-
حديث
ابن عمر في لعنهم..
-
حديث
الحسن بن علي في لعنهم..
-
حديث
المهاجر بن قنفذ في لعنهم..
المبحث الثالث: الأحاديث الرابطة بين عقبة تبوك والإغلاظ للمنافقين
في المدينة
-
حديث
الحسن البصري
-
حديث
ثابت البناني
-
حديث
ابن عباس
-
حديث
أبي مسعود البدري..
المبحث الرابع: أحاديث الإغلاظ في المدينة
-
حديث
عاصم الليثي
- حديث
أبي سعيد الخدري..
-
الخلاصة
في أحاديث الربط والإغلاظ..
-
خلاصة
تذكيرية لحديث حذيفة بن اليمان وشواهده وروابطه وقرائنه
- أسئلة عامة
عن قصة العقبة لم تسألها السلفية المحدثة..
-
أسئلة
خاصة بحديث عمار عن حذيفة ودلالته على اشتراك معاوية
- مجموع التعليقات المتبقية على بعض الأحاديث..
المبحث
الخامس: موت معاوية بالدبيلة:
-
تعريف
الدبيلة..
-
ابن
إسحاق يقول : ( مات بها معاوية)..
-
الروايات
في دبيلة معاوية..
-
الرواية
الأولى : طلحة بن يحيى عن أبي بردة الأشعري ( شاهد عيان ناصبي)
-
الرواية
الثانية : حميد بن هلال عن أبي بردة
الأشعري
-
الرواية
الثالثة: عاصم بن كليب عن أبي بردة الأشعري..
-
الرواية
الرابعة: عبد الملك بن عمير ( شاهد عيان، وفيها الدبيلة)
-
الرواية
الخامسة : رواية ثابت.. (؟)
- الرواية السادسة: رواية ابن سيرين.. مرسل
-
الرواية
السابعة : رواية هشام بن حسان.. مرسل
- الرواية الثامنة: رواية عبد الملك بن عمير
والأشدق، ( زيادة تفصيل)
-
الرواية
التاسعة : رواية أخرى لعبد الملك بن عمير ( زيادة تفاصيل)
- الرواية العاشرة : رواية قيس بن أبي حازم ( شاهد
عيان)
-
الرواية
الحادية عشرة : رواية قبيصة بن ذؤيب ( وفيها الدبيلة)، شاهد عيان.
-
الرواية
الثانية عشرة: رواية عبد الله بن ثعلبة..
-
المبحث السادس: أسرار في وفاة معاوية
-
سر
تبركه ومواعظه..
-
سر
تقلبه وتقليب أهله له وتأوهه واستراخ
لحمه..
-
سر
اتخاذه ثياباً من حواصل الطير..
- طول
مرض معاوية.. وفيها أخبار..
-
خبر
عمرو بن العاص..
-
خبر
مصقلة بن هبيرة وأرجافه
-
هل
استمر مرضه باللقوة ثم الدبيلة سنوات؟
المبحث السابع: روايات إصابة معاوية باللقوة.
-
الرواية الأولى: رواية أبي الزناد، وسبب إصابته
باللقوة..
-
ماذا
كان يريد معاوية من بئر بالأبواء؟
- هل
يريد أن ينبش قبر أم النبي (ص) ويلقي رفاتها في تلك البئر؟
-
الرواية
الثانية : رواية الشافعي في إصابته باللقوة..
- الرواية الثالثة: رواية عبد المؤمن بن المهلل عن
أحد الزياديين..
- الرواية الرابعة: رواية الشعبي في اللقوة أيضاً
-
الرواية
الخامسة: رواية يزيد بن أبي زياد في اللقوة..
-
زيادات
في أخبار وآثار اللقوة على معاوية..
- إصابة معاوية بمرض ثالث ( شدة البرد) ولعله من
آثار الدبيلة..
-
عبرة
وعظة..
-
استطراد
(1) : نبشه قبر حمزة بن عبد المطلب.. والروايات فيه
-
استطراد
(2): معاوية يريد اقتلاع منبر النبي (ص) .. والروايات فيه
المبحث الثامن: أساليب النواصب في حماية معاوية من هذا الحديث
نموذج
(1): إلصاق هذه المحاولة بالأنصار وتبرئة
قريش كلها!
نموذج
(2) : إلصاق محاولة اغتيال النبي (ص) بعلي
بن أبي طالب بدلاً من معاوية!
نموذج
(3) إماتة ذكر الحديث وتقليل مصادره ( كما فعل ابن تيمية).
نموذج
(4): زعمهم أن النبي (ص) لا يعرف هؤلاء المنافقين أصلاً!
نموذج (5) : تحريفهم الحديث..
نموذج
(6) نقل عقبة تبوك إلى الطائف، وقريش إلى ثقيف!
نموذج
(7): حصرهم هذه العصابة في شخص مجهول!
الملاحق التفصيلية:
الملحق (1) بقية الأحاديث والروايات:
1- حديثا أبي الطفيل..
2- حديث أبي سعيد الخدري
3-
حديث أبي قتادة الأنصاري
4- حديث جابر بن عبد الله
5- حديث علي بن أبي طالب
6-
حديث عقيل بن أبي طالب.
ومن الروايات
المرسلة:
1-
رواية
عروة بن الزبير
2-
رواية الضحاك بن مزاحم
3-
رواية الزهري
4-
رواية طاوس بن كيسان
5-
رواية
ابن إسحاق
6-
نقد ابن القيم لرواية ابن إسحاق..
7-
سياق الواقدي..
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله
والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله الطيبين، ورضي الله عن صحابته من أهل بدر
والرضوان، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
مات النبي (ص) فانتهى التفاق!
كنت
وما زلت أتعجب غاية العجب من كثرة ذكر النفاق والمنافقين في القرآن الكريم وفي
السيرة النبوية وفجأة وبلا مقدمات وبلا تفسير منطقي ينتهي النفاق بموت النبي (ص)!
وكأن النفاق كانت حالة خاصة بزمن النبي (ص)! وكأن النبي (ص) هو المسبب الوحيد
للنفاق، فلما مات صلحت نيات الناس! وأصبحوا على قلب رجل واحد في حب الإسلام والحرص
على مبادئه ونشر تعاليمه ..الخ! واختفى مصطلح النفاق تماماً من الثقافة الإسلامية،
وعلى هذا فلا داعي لنصف القرآن الكريم الذي يحذر من النفاق والمنافقين ويذكر
سماتهم وصفاتهم وخطورتهم ومكرهم وخداعهم وتحالفاتهم...الخ!..
فجأة
انتبهنا على اليوم الثاني من وفاة النبي (ص) والدنيا خالية من النفاق! فلا داعي
لتلك الآيات والسور لأنها كانت خاصة بمنافقين في عهد النبي (ص) فلما مات افترق
الناس بين مؤمن صالح وكافر مرتد، فكان
الناس ثلاثة أصناف في عهد النبوة ثم أصبحوا صنفين في اليوم الثاني! أليست هذه سوءة
فكرية تسالم عليها المسلمون؟ وهل هي فكرة أصيلة صحيحة أم كانت بفعل فاعل، سواء بأثر سياسي أو نتيجة نقص الوعي الديني؟
وهل إهمال ذكر النفاق والمنافقين من مصلحة العلم نفسه؟ العلم بالدين والدنيا
والناس والتغير والتبدل والمصالح والسياسة والحكم والمعارضة ..الخ.
هل كان هذا الانتقال من حالة وصف المجتمع المسلم
بالتنوع وألوان الطيف كلها إلى حالة أخرى تقصر المجتمع المسلم على لونين فقط (مسلم وكافر)
هل هذا في مصلحة العلم أولاً والحركة الاجتماعية والسياسية ثانياً؟ أم لا.. هل هو متفق مع العقل أم لا؟ هل يدل عليه الشرع
والدين والقرآن أم لا؟ هل هو طبيعي في حياة الشعوب أم لا؟ هل من المعقول والطبيعي
أن ينقسم الشعب إلى قسمين فقط لا ثالث لهما؟ ولا ألوان بينهما ؟ ولا تغير في النفس
البشرية؟ ولا خداع ولا مكر ولا مصلحة ولا استغلال للدين ..الخ؟ هل من مصلحة عقولنا
وعلمنا أن نصدق بهذا الفصل الثنائي الصارم؟ فعند المجتمع قسمان لا ثالث لهما، مسلم
وكافر، ثم هذا المسلم فيه كل الأخيار وكل الأشرار إلا المنافقين!
ثم
يصبح هذا المجتمع بعد النبوة فيه الكافر والمسلم والمرتد والظالم والفاجر
والفاسق والعابد والمجاهد والعالم والجاهل ... وكل شيء إلا النفاق ليس فيه منافق! هل
هذا معقول في حياة كل الشعوب دينية كانت أو دنيوية، أيام النبوات أو بعدها؟ هل هذا
نتيجة لتحريف معنى النفاق نفسه؟ بحيث تم وصف النفاق وصفاً مشوهاً؟ أم أن الناس
انشغلوا بما هو أهم؟ وهل أشغلتنا الفتوح والعداوة مع الشرق والغرب إلى نسيان نصف
القرآن الكريم؟
أم
كان هذا الإهمال الغريب والعجيب جاء لحماية المنافقين أنفسهم؟ المنافقون الذين كان فساد الأمة على أيديهم؟ هل
انتهى التحذير القرآني من المنافقين؟ هل انتهى بالتقادم أو انتهاء الصلاحية؟ ماذا
نفعل بسورة المنافقين وسورة براءة؟ لماذا أنزل الله هذه السور؟ هل هي لمعالجة
حالات آنية في عهد النبوة ثم لم يعد لنا بهذه السور والآيات حاجة بعد النبوة؟
إهمال النفاق الحي .... وضرب النفاق الميت:
هل
من المعقول أن يبقى المسلمون منشغلين بالمنافقين الذين ماتوا مبكراً ولم يكن لهم ضرر أصلاً إلا في حياتهم،وليس لهم
اثر بعد موتهم، فلم تكن السلطة بأيديهم ولا أيدي أبنائهم؟ ولا يعرف لهم حديث رووه
ولا فقه قرروه ولا عقائد وضعوها ولا سياسة انتهجوها؟.. هل نملأ صدورنا ببغض وذم
الهواء؟ وذم الموتى الذين لا أثر لهم .. ونترك دراسة المنافقين الذين كان لهم أبلغ
الأثر على السياسة والفكر والدين والحرية والعدالة والمال العام وحقوق الإنسان؟ ما
الذي يفيد المسلمين؟ أو الاهتمام بهذا الصنف أم ذاك؟ أي الفريقين أحق بدراسة
أحواله واكتشافه ودراسة أثره على العقل المسلم والضمير المسلم والتدين نفسه
والنظرة لحقائق الدين والحياة والتطور والكرامة ؟ أين أثر عبد الله بن أبي بن سلول
على الإسلام والمسلمين اليوم؟ لا تجد لهم أثراً.
لكن
في الجانب الآخر أين أثر معاوية ودولته؟ تلفت.. وستجد في كل واد أثر من ثعلبة، في
الحديث والفقه والعقائد والتفسير والسياسة والمال العام والاقتصاد والثقافة
والسلوك والنفس والعقل..الخ، ما من علم إلا ولمعاوية ودولته فيه أسوأ الأثر، وهو مفتاح
دراسة النفاق وأثره في الدين الإسلامي.
المنافقون في القرآن ..... غير المنافقين في الحديث:
هل
وضع لنا الشرع علامات للمنافقين؟ أم تركها لنا لنحدد نحن صفات النفاق؟ وهل ما
استقر في ذاكرتنا من أن صفات المنافق ثلاث أو أربع هو حق؟ هل هذه فقط هي الصفات
التي تحدث عنها القرآن الكريم عند حديثه عن النفاق والمنافقين؟ هل يجوز أن يذكر
القرآن نحواً من خمسين صفة ثم يأتي الحديث ليقصرها على ثلاث أو أربع؟ هل هناك تدخل
سياسي في هذا التحديد؟ ومِن مَنْ؟ من له
مصلحة في تقسيم النفاق إلى نفاق عملي وعقدي؟ هل هذا التقسيم في كتاب الله؟ أم هو
استنباط بعد دراسة وافية للنفاق المذكور في الكتاب والسنة الصحيحة المتفقة مع
الكتاب؟ أم هو اتباع للرواية والحديث التي لا نأمن بتدخل السياسي فيها وصرف النفاق
عن معالمه الكبرى إلى معالم يشترك فيها أكثر الناس .. إذا حدث كذب وأذا خاصم فجر
وإذا أؤتمن خان.. الخ؟
هذا
التشويش على المعنى القرآني هو من آثار سلطة المنافقين، فذاكرة المسلمين اليوم لا
يعرفون عن النفاق إلا ما رواه أهل الحديث ثم هم يتركون ما دلت القرائن على صحة
متنه، ويظهرون ما اشترك فيه المنافقون مع غيرهم، ولا يعرفون النفاق بالمعنى
القرآني، ولا أقول إن كل الأحاديث في النفاق ضعيفة أو مبتورة .. كلا .. إلا أن
القرآن الكريم يعطي معنى أبلغ وأشمل وأدق، وأما الأحاديث ففيها تفاصيل.
والأحاديث
المشهورة في النفاق كحديث : « أَربع مَنْ
كُنّ فيه كان منافقا خالصا. وَمَنْ كانت فيه خَصْلَة منهن كانت فيه خَصْلَة مِنَ
النِّفَاق ، حتى يَدَعَهَا : إِذا ائْتُمِن خَانَ ، وإِذا حَدّث كَذَبَ. وإِذا
عَاهَدَ غَدَرَ. وإِذا خَاصَم فجر »، وفي رواية - عِوَضَ : « إِذا اؤتُمِنَ خان» -
« إِذا وَعَدَ أخلف ».
أخرجه
الجماعة ، إِلا الموطأ. فهذه ليست علامات المنافقين فقط مع أنها كلها في معاوية،
إلا أن هذا يحدث من سائر الناس أيضاً،
ولذلك قال الترمذي بعد إيراده
الحديث ( معنى هذا - عند أهل العلم - نفاق العمل. وإنما كان نفاق التكذيب على عهد
رسول الله -صلى الله عليه وسلم) اهـ قلت: وكلا الصنفين من النفاق موجود بكثافة في
معاوية، فالنفاق العملي واضح، فلا فجور
في الخصومة أبلغ من لعن علي على المنابر، ولا كذب أبلغ من الكذب على رسول
الله ( وقد حققت مسند معاوية، لم يصدق في حديث انفرد به) ، ولا خيانة أبلغ
من خيانته الأمة في بيت مالها وحقوقها، ولا خلف أظهر من تغيير الخلافة إلى
ملك والبيعة ليزيد وكان قد وعد الناس بجعلها شورى، ولا غدر أبلغ من غدره
بالحسن بن علي وشيعته في تتبع أصحاب علي وقتلهم بعد عاهدهم وشرط لهم الأمان، في
غير ذلك من عشرات الأمثلة لكل خصلة، ومع ذلك فهذه الخصال عامة يقع فيها كثير من
الناس من باب المعصية وليس من باب النفاق، أما معاوية فزاد خصالاً خاصة بالمنافقين
فقط كبغض علي وبغض الأنصار فلا يحبهما إلا مؤمن ولا يبغضهما إلا منافق وخاصة في
القرن الأول إذ ينتفي الجهل بمكانة الإمام علي ومكانة الأنصار.
إذن
فعند قراءتنا تعميم النفاق في الأمة بناء على معاصٍ يقع فيها المنافق وغير
المنافق، وإهمال المسائل الخاصة بالمنافقين كبغض علي والأنصار، هل أتى هذا التعميم
والإهمال هكذا صدفة أو جهلاً، أم كان للمنافقين كمعاوية الدور الأكبر في تعميم
النفاق والتشويش على معالمه الكبرى؟ لا سيما وأن رواة هذه الخصال والرواة عنهم
مقربون جداً من معاوية وسلطته ورجاله؟ هل استلم المنافقون – ولو بعد ثلاثين
سنة- دفة الحكم ووجهوا الثقافة الدينية
بما يخفي النفاق والمنافقين بالتشويش على المعالم الخاصة التي تحدد للمسلمين العلم
بهؤلاء المنافقين وتستشرف خطرهم على الثقافة نفسها؟ وإذا تغيرت الثقافة أو تشوهت، هل
يبقى هذا التشوه محصوراً في القرن الأول أم يسري عبر أحاديث هؤلاء ليدخل في العلوم
الدينية والثقافة العامة؟ وبهذا يدخل المسلمون في صحراء قاحلة من التدين الدائري
الذي يبدأ بالنفس وينتهي بها، يشغل النفس بالنفس، في تدين سلبي غريب عجيب كئيب، لا
يخرج إلى أفعال خارجية تنعكس على الفرد والجماعة والشعب والسلطة، ترفع من شأن
الإنسان وتعرف حقوقه وكرامته وتعلي شأنه وتنير له الحياة والتفاعل معها بما يفعّل
العقل وينشر العدل ويخرج النفس المسلمة من الضنك والعنت والشك والخوف والجهل
والظلم.
العلم بالنفاق والمنافقين... ثقافة قرآنية معطلة!
العلم
بالنفاق والمنافقين وأثر المنافقين وعقول المنافقين وتحالفات المنافقين ليست ثقافة
يراد بها الوقيعة في شخص أو جماعة، إنها ثقافة عميقة، تؤصل علم النفس والاجتماع
والسياسة دينيناً، وعن علم وقوة فراسة واستشراف وتحليل..
هذه
الثقافة القرآنية بالنفاق والمنافقين لوتم
تفعيلها وتحليلها وتفسيرها لأعطتنا مزيداً من العلم بالله وسننه في الخلق وعجيب
قدرته في خلق هذا الإنسان، ومعرفة مسئوليته عن هداية نفسه وعن اشتراكه في مسئولية
التخلف والظلم في مجتمعه..
إن
العلم بالنفاق والمنافقين ليس عبثاً ولم تتكثف المادة القرآنية عن النفاق لأجل أن
نبقى طوال القرون نبغض ونذم أربعة أو خمسة
من المنافقين قد علقت أسماؤهم بذاكرتنا! ما هذا التفكير الساذج والظن العجيب.
ثم هل في موضوع النفاق نفسه هل يجوز أن نقتصر
على هذه الصفات الأربع ونهمل الصفات الأخرى في القرآن الكريم؟ هل القرآن هو الذي
يهدي للتي هي أقوم؟ أم الحديث الذي لم كفل الله لنا حفظه؟ ولا نأمن تدخل السياسي
والمذهبي فيه؟ نعم الحديث يجب الأخذ به ولكن بعد أن نعرف أنه صح عن النبي (ص) بمعايير
قرآنية وعقلية لا بمعايير مذهبية أو سياسية لا تعتمد العلم في الجرح والتعديل
وإنما العصبية والمخزون الثقافي المغاير لثقافة القرآن، وإيماننا أن ثقافة السنة
لا تعارض ثقافة القرآن، فإذا وجدنا الثقافة الحديثية تخالف ثقافة القرآن فيجب أن
نعتقد جازمين أن هذه الثقافة ألصقت بالدين زوراً وبفعل فاعل[1].
هذا الكتاب... إسهام في
إحياء ثقافة قرآنية:
فهذا
البحث وأشباهه هو لتنبيه المسلمين – بعد أن عرفوا خطورة النفاق- إلى أثر هذا الخطر
في فكرهم وسلوكهم وعقائدهم وحديثهم وفقههم وقلوبهم وعقولهم.. الخ، ومحاولة تحديد
المنافقين المؤثرين في ثقافتنا وعقولنا، الذين فرغوا ديننا من محتواه وأبقوا الشكل
الظاهري والألفاظ الرنانة، فهذا هو الذي يعيد تشكيل الفكر العام ليتخذ سبيل القرآن
والعقل والسنة الحق، أما أن نحارب النفاق في الهواء ونظن هذا الحشد القرآني من
التحذير من النفاق والمنافقين كان لوقت دون وقت، أو أن صلاحيته انتهت، فهذا أثر
واحد من آثار المنافقين في ثقافتنا وعقولنا وتصوراتنا يجب أن نخرج منه إلى الثقافة
الحق، وهذا موضوع صعب للغاية ولكنه موطن ابتلاء الباحثين والعلماء، ليعلم الله من
يخشاه بالغيب، ومن يتخذ الأحبار والرهبان والفقهاء أرباباً من دون الله.
المنافقون
المؤثرون فينا يريدون ن نبقى محاربين المجهول معرضين عن المعلوم، لأن هذه أبلغ
طريقة في تعطيل القرآن الكريم وتعطيل العقل وأبلغ طريقة في إيقاع المسلم في الحيرة
والاضطراب، بحيث لا يستطيع البحث عن أسباب تدهوره وانحطاط أمته عقلاً وضميراً
وإبداعاً وحقوقاً، وابلغ هذا كله تعطيل القرآن الكريم لأنه الشاحن الأول للعقل
والضمير والإحساس والمحرض الأول على البحث والنظر والتفكر والتدبر.
وإذا تعطل القرآن فقد تعطل كل شيء واستحكمت
الروايات وتنازع المسلمون ودبت إليهم الأدواء التي من أجلها بعث الله الرسل وأنزل
الكتب، ومن أهم هذه الأداء داء الظلم، وحصوله اليوم في الدول الإسلامية كلها محل
إجماع من الشعوب، فلا تكاد ترى من الفقهاء والحكام ألا ظالماً أو جاهلاً ، وهذا لم
يأت هكذا، كلا .. لم يحصل إلا بعد كثير من المسامحة والتصالح مع المظالم الأولى
والجهالات الأولى والمنافقين الأولين الذين تسنموا السلطة مبكراً وتتبعوا الصالحين
وقربوا المغفلين والفاسدين وألبسوا علينا ديننا[2]،
ومن طبيعة التصالح أن يكون المتصالحان حلفاً واحداً! فإذا تكلم أصحاب هذه المظالم
سواء كانوا ساسة أو علماء فهم ينطقون باسم الجميع، فتجد السلطان الظالم يدافع عن الغفلة
والمغفلين ويجعل حبهم من الدين وسلامة العقيدة، وتجد العلماء المغفلين يدافعون عن
السلاطين الظلمة ويجعلون حبهم والدعاء لهم من سلامة العقيدة والدين، وكل فريق
يتكلم على لسانه ولسان الآخر! فالوكيل في غياب الأصيل أصيل، ثم مع مرور الزمن تخلى
السلاطين الظلمة عن المغفلين لكن المغفلين لم يتخلوا عن المنافقين والظالمين
الأُوَل، فتخرج المؤلفات في الدفاع (
إسلامياً)!عن الظالم الفلاني والمنافق
الفلاني، وهنا تبلغ المأساة الذروة إذ يصبح الله ورسوله من المدافعين عن الظالمين
الناشرين لفضائلهم، كيف هذا وقد حرم الله الظلم على نفسه؟ لو كان لهم دين حق أو
عقل صحيح أو ضمير حي ما وقع علماء الغفلة في هذه الشناعات.
العلم بالنفاق ...فرض عين
على أهل العلم ..
هنا
يجب على المخلصين من الباحثين أن يتلمسوا الأسباب الأولى لهذه الشناعات في حق الله
ورسوله وكتابه والصالحين من أمته..ليكشفوها للناس ويحذرون من هذا الاغتباط العجيب بالغفلة
والجهل والظلم والظالمين، فإنها فتنة وأي فتنة، وقع فيها أغلب المسلمين، وليذكّروا
الناس، لعل الله يهدي من كتب الله له الهداية، لا بد من البحث والبحث لنستعيد ولو
شيئاً من نور القرآن الكريم الذي أطفأه هؤلاء وزاحموه بالروايات والعقائد، أو
شيئاً من أهداف الرسالة المحمدية التي
تشوشت على المسلمين، أو شيئاً من أخلاق النبي الأكرم صلوات الله عليه الذي لقيت
سيرته وحديثه الكثير من الوضع والكذب والتزييف والتحريف، ولنستدرك القليل من الشاكرين من عباد الله الذين ضاعوا بين فكي الحليفين المتصالحين،
وأصبحوا فيما بعد هدفاً لهذا الحلف التصالحي الخطير بين الخير المغفل والشر الذكي!
إضاءات نبوية ... فهل من سائر؟ هل من مهتدٍ؟
وهنا
نشير إلى أن القرآن الكريم ونبيه الكريم لم يتركا الأمة هكذا لا تميز بين
المنافقين والصالحين، وسأترك الآيات الكريمة التي سبق بعضها وأركز على إضاءات من
نبي الهدة والرحمة صلوات الله عليه، من سار عليها نجا ومن تكبر عنها ومال إلى
الظالمين هلك، فقد كشف النبي (ص) للأمة هؤلاء الذين سيكونون سبب فساد الأمة
وهلاكها، سواء كانوا منافقين أو ظالمين أو علماء سوء..الخ، فلو تتبعنا ذلك لوجدنا
أول الطريق التي لن توصلنا إلا إلى هدى..
نعم
سنقتصر هنا على شيء من الحديث الصحيح بشروطهم، ونتجنب القرآن الكريم ما أمكننا إلى
ذلك سبيلاً ليس زهداً فيه، معاذ الله، ولكن لأن هؤلاء القوم من الغلاة قد تدبروا
على رده بالحديث الذي يصححونه وهو ضعيف، والأثر الذي رفعوه ولا حجة فيه، وفهم
السلف زعموا، فما أن تأتيهم بآية حتى
يبطلوها قبل تدبرها، جاعلين أقوال سلفهم في
وجهك وردوا عليك بهم، ولذلك لا بد لنا في مناسبات أخرى من نقد هؤلاء السلف المزيف
المحدث لنرى الله ورسوله خلف آكامهم.
وبما أن الجميع هاجر لكتاب الله تقريباً إلا إن
وُجد من لا نعرفه، فسأقودهم من الأحاديث التي هم إليها أصوغ وبها آنس وأهدى، أما
الكتاب العزيز فقد حذرونا من الاقتراب منه مرة بدعوى النسخ ومرة بدعوى أنه طلاسم
لا يعرف تفسيره مع أن الله قد يسره ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر) لكننا
صدقنا العلماء بأنه صعب مستصعب وتركنا إخبار الله لنا بيسره وسهولته إن حصلت النية
الصادقة في تدبره ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) لكن قومنا يجاهدون في فهم مثل
ابن تيمية وفي فهم المذهب ليجدوا له الأعذار ولا يجاهدون في فهم كتاب الله ليأخذوا
منه الهدى، فهم من اضطرونا لترك القرآن الكريم جانباً حتى نفرغ لهم من الحديث
والجرح والتعديل، وسنريهم من هذا ما يتمنون بعده أن يرجعوا إلى القرآن إما رغبة في
زيادة بينة أو هروباً من حديث عتيق.
إضاءة أولى .. ما مصيرها؟:
سأنتقي
مما يؤمن هؤلاء بصحته وأنا أؤمن بصحته ولكن من زاوية فلسفية أخرى، لأنني أرى أن
الأنبياء لم يذهبوا من هذه الدنيا حتى بينوا لقومهم ما يتقون في المستقبل، ولم
يتركوهم هملاً، وإنما تركوهم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، ثم الناس
مسئولون، يفوزون في الامتحان أو يسقطون في الفتنة.
ففي صحيح البخاري ـ - (4 / 242) : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ ، وَأَبِي
هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الصَّادِقَ
الْمَصْدُوقَ يَقُولُ هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ
فَقَالَ مَرْوَانُ غِلْمَةٌ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنْ شِئْتَ أَنْ
أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلاَنٍ وَبَنِي فُلاَنٍ) اهـ
وفي
صحيح البخاري - (4 / 242): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْمَكِّيُّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ عَنْ
جَدِّهِ قَالَ : كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا
هُرَيْرَةَ يَقُولُ : سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ هَلاَكُ
أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ مَرْوَانُ غِلْمَةٌ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلاَنٍ وَبَنِي
فُلاَنٍ اهـ
والسؤال:
يا ترى من هم هؤلاء؟ الذين يكون هلاك الأمة على أيديهم؟ سواء الهلاك المادي أو
المعنوي؟ فهل نقبت عنهم السلفية المحدثة لتعرف سبب بلاء هذه الأمة وهلاكها؟ هل
اهتموا بهذا الحديث كما اهتموا بأسطورة عبد الله بن سبأ والفرق الضالة وذم العقل
والرأي وغيرها من الأمور التي لم يحذر منها لا كتاب ولا سنة؟ كلا.. إذن فهذا نبي
الله (ص) يخبرنا بأصل الضلال والهلال والبدعة والفتنة الذي أصاب هذه الأمة، وقال
لنا بصراحة ووضوح ونصيحة تامة إن سبب ذلك سفهاء من قريش يكون فساد وهلاك الأمة
برمتها على أيديهم، ومع ذلك تجد السلفية المحدثة تذهب إلى أن الخطر الذي أدى إلى فساد الأمة هو
عبد الله بن سبأ والعقل والمنطق والفلسفة والفرق الضالة وأهل الرأي والصوفية
والشيعة والمعتزلة والجهمية ...الخ! ولا يأتون على ذكر سفهاء قريش بحرف واحد! لقد
روت هذه الأحاديث ثم سكتت وتكتمت، لماذا؟
لأن هذا الذيل لذلك الفيل، ولكن الذيل يظنه الرأس المدبر لما بين يديه.
وعلى
كل حال: ما زالت الفرصة قائمة، فادرسوا هذا الحديث، مع حديث أبي بن كعب السابق (
أهل العقدة الذين يضلون المسلمين =
الأمراء) وانظروا متى بدأ الملك العضوض؟ وهل كان له أثره على الفكر والدين
والعقل والتدبر والعقل المسلم والنفسية المسلمة .. أم لا..
أو
قولوا إن رسول الله لا يدري ما يخرج ما يقول، وأن سلفكم الصالح هو أعلم بمواطن
الخطر وأنصح للأمة من رسول الله، وإن قلتم حاشا وكلا أن نقول ذلك، فأريحونا
من كتمنا وإفسادنا وإهلاكنا بمنهج هؤلاء
الأمراء السفهاء الذين أخبر الصادق المصدوق بأن فساد الأمة على أيديهم، ليس هناك
طريق ثالث، إما أن تقولوا بأنكم أعلم من رسول الله بهذا الفساد والهلاك من أين
أتى؟، وإما أن تقروا بأن سلفكم خدعكم بتصوير الخطر في مكان آخر، وصرفكم عن وصية
رسول الله، حتى أن أحدكم لو ُسئل عن مكمن البلاء الأول لخرجتم بخمسين جواباً
خاطئاً وعشرين جواباً فرعياً، وتركتم السبب الأصلي الذي تفرعت عنه كل الأمراض، كل
هذا بسبب هذا الإعراض عن كتاب الله وسنة رسول الله التي تخرجوننا منها في اليوم
عشر مرات، ثم إن اختبرناكم بمثل هذا الحديث لم نجد أحداً من سلفكم صنف كتاباً في
سفهاء قريش، ولا حاول معرفتهم، بينما هناك المئات وربما الآلاف من المؤلفات التي
تعيد أسباب فساد الأمة وهلاكها إلى أمور معظمها باطل، وقد يكون بعضها ثانوياً، وإن
أصابوا في القليل الثانوي فما هو إلا نتيجة طبيعية للبلاء الأصلي الذي أهملتموه تماماً حماية لهؤلاء السفهاء، أو
لأنكم أنتم جزء من هذا الفساد القديم، ونتيجة طبيعية له، فأنتم من حمل الفساد على
ظهوركم وتجشتم إصعاده إلى قمة الدين فسال دينكم فساداً وجهلاً وظلماً، وبقي دين
الله محفوظاً في القمة في مكان لم تهتدوا إليه.
وتهديد
أبي هريرة لمروان يستنبط منه أن هؤلاء هم بنو حرب وبنو مروان! أو الأفجران بنو أمية وبنو مخزوم، والذي سن هذا
الإهلاك والإفساد هو معاوية ذلك الرجل الداهية الذي أضل نصف الأمة بنصف دهائه،
وأوقع بقيتهم في حيرة بنصفه الآخر.. حتى أن أكثر الناس ذماً له لا يهتدون لأثره في
تبديل الدين، فقد دخل أثره في كل مذهب حتى في المذهب الشيعي الإمامي، وهذا له مبحث
آخر.
نصيحة نبوية لتجنب هذا
الهلاك.. ما مصيرها؟:
لم
يكتفِ النبي الأكرم بإخبار أمته بأن هلاك بني أمية على أيدي سفهاء قريش، وإنما
أعطى الأمة طريقة التعامل مع هؤلاء السفهاء، وأهدى أمته نصيحتين:
الأولى:
بوجوب قتالهم عند القدرة ( عند القدرة).
والثانية:
بوجوب اعتزالهم، أي عند عدم القدرة..
وهاتان
النصيحتان النبوتان قابلتهما السلفية المحدثة من أيام أحمد بن حنبل رحمه الله
وسامحه بثلاث خطوات:
1-
بدّعوا
الثوار على هؤلاء السفهاء
2-
وضربوا على الأحاديث الصحيحة في اعتزالهم على
الأقل
3-
وأقبلوا على أحاديث من ركن إليهم.
ثم استكتمني الحديث ما عاش معاوية!
أما
النصيحة النبوية بوجوب مجاهدتهم باليد أو اللسان عند القدرة فمنها ما رواه الإمام
مسلم في صحيحه، صحيح مسلم [ جزء 1 - صفحة 69 ] عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته
حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما
لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان
حبة خردل ..[3]اهـ
وروراه ابن حبان في صحيحه بسند صحيح وبزيادة
مهمة تدل على أن مثل معاوية من الأمراء هو المقصود بالحديث قال ابن حبان:
صحيح ابن حبان [ جزء 1 - صفحة 403 ] أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا عبيد
الله بن معاذ بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عاصم بن محمد عن عامر بن السمط عن معاوية بن
إسحاق بن طلحة قال : حدثني ثم استكتمني أن أحدث به ماعاش معاوية فذكر عامر
قال : سمعته وهو يقول : حدثني عطاء ين يسار وهو قاضي المدينة قال : سمعت ابن مسعود
وهو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سيكون أمراء من بعدي يقولون
مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو
مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن لا إيمان بعده )![4]
.. انظر إلى كتمانهم الحديث خوفاً من معاوية حتى أصبحت غريبة على أهل الحديث، ولعل
من يقرأ هذا الحديث الآن يشك في هذا النقل!
ورواه
أيضاً ابن حبان في صحيحه - صحيح ابن حبان [ جزء 14 - صفحة 72 ]- بمتابعة أخرى..
وهذه
الأدلة كانت تصلح في زمن معاوية ويزيد خاصة لأن استدراك تحريف الدين ممكن، فجملة
من صالحي الصحابة ما زالوا موجودين، وباستطاعتهم تصحيح هذا الانحراف الثقافي
والسياسي والاقتصادي، أما اليوم فالسلفية المحدثة لو ثارت وحكمت لطبقت فينا مظالم
سلفهم معاوية ويزيد ومسرف وبسر وسمرة بن جندب وأمثالهم نعوذ بالله من ذلك.
وعلى
كل حال كأن النبي (ص) علم أن فيهم ضعفاً فدلهم على نصيحة ثانية فما هي؟
النصيحة النبوية الثانية :
اعتزال هؤلاء السفهاء..
ففي
صحيح البخاري - (4 / 242) : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ ،
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ
، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم : يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَىُّ مِنْ قُرَيْشٍ
قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ؟ اهـ
قلت:
لكن أكثر الأمة لم يعتزلوهم بل أعانوهم وسوغوا لهم ووضعوا في فضائلهم الأحاديث
ودخل هذا الذم الصحيح مع ذلك الوضع القبيح في كتب الصحيح! وهنا يتم إفساد حديث
بحديث! واضطربت معالم الدين وأوامر الشريعة، وهذا نتيجة طبيعية للحلف بين الغفلة
والظلم، فلو أن سلفكم اعتزل الظالمين من سفهاء قريش ( الأمراء) كما أوصى هذا الحديث
لأمكن الإبقاء على الدين صافياً عند العلماء والفقهاء والصالحين، بلا خشية من
تأثير السلطة ولا انتقاء ولا بتر ولا تحريف فضلاً عن الوضع الذي يشهد الدين والعقل
والواقع ببطلانه، أنتم يجب أن تعترفوا بأن عقولكم صغار، ولذلك رحمكم الشرع وأمركم
بأمر كالاعتزال لأن الشرع يعرف أن الإنسان خلق ضعيفاً، لكنهم قلتم : لا .. لن نخشى
في الله لومة لائم، ولن يستطيعوا إضلالنا[5]،
فوكلكم الله إلى أنفسكم فضللتم بضلالهم وظلمتهم بظلمهم وأفسدتم بإفسادهم وأهلكتم
بهلاكم، ومن ترك التوكل على الله وتنفيذ أوامره حرفياً وكله الله إلى نفسه، فكان
الهوى إليه أقرب والضعف به ألصق[6].
والحديث
في الصحيحين بلفظ: « يُهْلِكُ أُمَّتِى هَذَا الْحَىُّ مِنْ
قُرَيْشٍ ». قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ « لَوْ أَنَّ النَّاسَ
اعْتَزَلُوهُمْ » اهـ.
قلت:
وقد ضربت السلفية المحدثة على هذا الحديث ( أي محته من الكتب كما سيأتي)، وهذا
الحل النبوي لاعتزال سفهاء قريش وظلمتهم لم يكن المقصود به منافقي الأنصار قطعاً، لأن
نص الحديث ينص على قريش، ولا لا يراد به كفار قريش المقتولين ببدر قطعاً لأن
التحذير مستقبلي، وعن سفهاء قريش لا كفارها، فإذا قلنا بعدالة الخلفاء الأربعة في
الجملة – مع أن الحاكم الفعلي أيام عثمان كان معاوية- فلم يبق إلا سفهاء بني أمية
ومعاوية أولهم، فالبلاء من هنا يبدأ، من سفهاء قريش الذين يهلكون الأمة ديناً
ودنيا، من تبديل السنن وتعطيل معالم الدين وأحكام الشريعة وسن الملك العضوض، فهل
جاء التحذير الخاص منهم على لسان أحرص الأمة وأدلها على أبواب السلامة؟ الجواب
نعم، ولكن أهل الرواية بعد أن هجروا كتاب الله حملوا الأحاديث على ظهورهم كبني إسرائيل وهذا مصداق قوله صلوات
الله عليه كما في صحيح البخاري - (6 /
2669) من حديث أبي سعيد الخدري : عن النبي
صلى الله عليه و سلم قال ( لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو
دخلوا جحر ضب تبعتموهم ) . قلنا يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال ( فمن؟ ) اهـ
ومن أبرز ما فعلوه أنهم يحملون كتبهم كالحمار يحمل أسفاراً.. فلا يمعنون في معنى
الحديث الصحيح، ولا يهتدون لعلل الحديث الضعيف، وهذا مرجعه إلى هجر الكتاب وضعف
العقل وألفة السائد من المعايير والأفكار.
السنة النبوية.. لا تحذر من البعيد وتترك القريب؟ هذا ضد العقل..
لو
عقل هؤلاء المتأثرون بالواقع الأموي لعلموا أن الله لن يترك أمته هملاً، وأن النبي
(ص) لن يحذرهم من الخطر البعيد - كالدجال
الذي لم يظهر بعد – ويترك دجاجلة القرن الأول وسلاطينه الذين على أيديهم جرى تغيير
معالم الدين، الذين عاد الإسلام بهم غريباً بعد نصف قرن فقط من وفاة النبي (ص) حتى
تم محو الإسلام إلا في بعض المظاهر كالصلاة جميعاً والتلفظ بالشهادتين، وشهادات
الصحابة والتابعين تملأ الكتب وبأسانيدها
التي تصححها السلفية المحدثة والقديمة[7].
قد
تواترت الأحاديث في تحذير النبي (ص) من هؤلاء، وهم المقصودون في الحديث المروي عن
أبي سعيد الخدري وكعب بن عجرة وخباب بن الأرت وابن عمر وعبد الله بن مسعود وعبادة
بن الصامت وغيرهم، والحديث في كثير من المصادر،في الصحيحين والسنن وصحيح ابن حبان
ومستدرك الحاكم ومسند أحمد وغيرها من المصادر، وورد بألفاظ متقاربة ومتشابهة، والأقرب
أنها تدل على أمرين اثنين، إما أمراء عثمان أو ملوك بني أمية، وكان معاوية من
الفئتين معاً، فلا تدل على الخلفاء الراشدين الثلاثة كما يقول بعض الشيعة ولا يكون
الحديث لا واقع له كما يظن السنة، ولا أن النبي يقول ما لا حقيقة له كما يظن
النواصب، وخير الأمور الوسط، فأولى الناس بهذه الأحاديث معاوية ومن سار على نهجه.
أحاديث صحيحة تحذر من
سلاطين بني أمية... فما مصيرها؟:
وهي
أحاديث رابطة لما سبق من عموم ولما هو آتٍ في معاوية من خصوص، فمن تلك الأحاديث ما ورد في صحيح ابن حبان - (5
/ 9) : ( يا كعب بن عجرة أعيذك بالله من إمارة السفهاء! إنها ستكون أمراء من
دخل عليهم فأعانهم على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض ومن
لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي
الحوض .. )/ وألفاظ أحمد في مسنده ( انه
سيكون عليكم أمراء فلا تعينوهم على ظلمهم ولا تصدقوهم بكذبهم فان من أعانهم على
ظلمهم وصدقهم بكذبهم فلن يرد على الحوض) / وكذا لفظ الترمذي، وفي لفظ عند
أحمد: (سيكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون ويكذبون فمن أعانهم
على ظلمهم وصدقهم بكذبهم فليس مني ولا أنا منه ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على
ظلمهم فأنا منه وهو مني)/ ولفظ آخر
عند ابن حبان في صحيحه (يكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم وصدقهم بكذبهم وأعانهم
على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس يرد علي الحوض ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم
على ظلمهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض)[8]، إذن هم الذين سيكون على أيديهم هلاك الأمة
وفسادها، وإذا فسدت الرؤوس أفسدت ما تحتها، وإن لم يكن معاوية من أؤلئك فلا أعرف
من هم؟ بل سيكون الحديث لغواً وباطلاً، ومعاذ الله أن يتحدث النبي (ص) بلغو أو
باطل.
النبي (ص) كانت أفصح الناس وأنصح الناس...
لم يكن عيياً ولا جباناً ولا مشبهاً على الناس..
كان
النبي (ص) أنصح وأحرص من أن يوقع أمته في العمومات التي يختلف الناس في تفسيرها، فلم
يوقعهم في مشتبهات الألفاظ بل صرح برؤوس أهل الفتن والضلالة من الأمراء وذكر أن
أول من يغير سنته رجل من بني أمية، وأخبر باسمه واسم أبيه وقبيلته ( حفظ ذلك من
حفظه ونسيه من نسيه وتناساه من تناساه..الخ)، لكن السياسة قضمت اسمه واسم أبيه، وأخبر
بأن عماراً تقتله الفئة الباغية الداعية إلى النار، وأخبر بالملك العضوض أنه يأتي
بعد ثلاثين سنة... الخ لكن أتباع هذا الملك العضوض والمتأثرين به لم يرفعوا رأساً
لهذه التحذيرات لأن سلفهم يحبون الظالمين ويهجرون القرآن وأقوال الأنبياء، فوضعوا
لأنفسهم ما يرضون به الشيطان ويقنعون به أتباعهم من مدح الظالمين والتشكيك في
عدالة الصالحين.
أحمد بن حنبل يحذف الأمر النبوي:
وقد
أدركت أوائل السلفية المحدثة - كأحمد بن حنبل سامحه الله- خطورة مثل هذه الأحاديث التي رواها البخاري
ومسلم في السفهاء ووجوب اعتزالهم كحد أدنى،
فعرفت السلفية المحدثة أن هذه الأحاديث النبوية لابد أن تتناول معاوية
بالأولوية، فأمروا بالضرب على هذه الأحاديث ومحوها لصالح أحاديث أخرى قد وضعها
الأمويون وأشياعهم في الثناء على سفهاء قريش[9].
وأحمد
بن حنبل رجل الدنيا في العبادة والورع.. لكنه وقع فريسة سهلة لعقيدة العامة التي
هي أبرز ثمار العهد الأموي، فقد كان أصله من البصرة ( والبصرة يومئذ ناصبية
باعتراف أهل الحديث) وكان شيوخه منهم، وكان محباً لأهل الشام حتى من يلعن علياً
منهم كحريز بن عثمان ومعاوية ومروان وأمثالهم.. فسقط في الافتتنان بهم وجره هذا
السقوط لمحو الأحاديث في ذمهم وبترها .. ولي في أحمد بحث خاص، رحمه الله وسامحه،
فوالله إنه ليسوؤني ذكر هذه الأمور ولولا الشهادة لله ومرارة الحق لما قلته.. فدين
الله أولى بالحماية.
وإذا
كان تكتم السلفية على الأحاديث العامة التي قد تلحق معاوية إما بالإخفاء أو البتر
أو التأويل فكيف بالأحاديث الخاصة والخطيرة إذا مست معاوية مساً مباشراً؟ كحديث (
يموت معاوية على غير ملتي) و ( إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه) وحديث ( لعن
الله الراكب والقائد والسائق).. وغيرها من الأحاديث التي تعرضت لكثير من البتر
والإخفاء والمكابرات في تضيف الثقات..الخ.
دعونا
من هذه الأحاديث الخاصة فهي غريبة جداً على الوسط السلفي ( وقد خصصت كل حديث
بكتاب) فدعوها لوقتها..
ودعونا
في هذه الأحاديث التي في الصحيحين! ماذا يعرفون عنها؟ لقد أماتوها وهجروها رغم
معناها الكبير الذي كان سيفتح للأمة معبر نجاة من هذا التغير الثقافي ..
لقد
أماتوا ذكرها وانشغلوا بحديث موضوع في فضل معاوية وابنه يزيد في غزوة القسطنطينة (
ولي فيه بحث = انظر ردي على الشيخ السعد وهو مطبوع)، أما الأحاديث التي تتناوله
بالذم والتي هي أصح وأكثر أسانيد وأقوى دلالة وألصق بالواقع التاريخي ، فهي عندهم من
جملة الطلاسم التي لا فائدة من تدبرها ولا من استخراج أسرارها وفوائدها واستثمارها
في إيقاظ العقل والفطرة وتصحيح التاريخ ..الخ، وكأن قائلها ليس نبياً.
سلفية غريبة!
نعم
سلفية غريبة عجيبة.. ليس لهم ولو قليل من شجاعة النبي (ص) ولا وضوحه ولا نصيحته،
إذ نراهم قد يستخرجون ستين فائدة من حديث ( يا أبا عمير ما فعل النغير)[10]
ولكن لا يستنبطون ولا فائدة من كل الأحاديث المتواترة والصحيحة والحسنة في الإخبار
عن ظلمة بني أمية وأهمية تجنب كذبهم وظلمهم وأثرهم في الأمة..الخ وأين هو ذلك
الكذب الذي أخبر عنه النبي (ص) وما آثار ذلك الظلم الذي حذر من المشاركة فيه؟ كل
هذه الأسئلة بلا إجابات، لأن معاوية لم يأذن لنا بذلك بما وضعه من منهج فكري أخذه
الغوغاء والعامة فغلبوا به عقلاء المعارضين وصالحيهم ربما لتفرقهم وربما لأن الله
يريد تمحيصهم.
أيضاً حادثة العقبة... مفتاح لمن له قلب... أين محبو النبي (ص)؟:
بعد كل ما تقدم يمكن أن يفهم طالب العلم المخلص
النية ما سنقوله في هذا الكتاب، فإن من أبرز الأمور التي تكتمت عليها السلفية
المحدثة [11]،
تلك المحاولة الدنيئة الشريرة لاغتيال من
بعثه الله رحمة للعالمين، لاغتيال النبي الأكرم صلوات الله عليه أثناء عودته من غزوة
تبوك، في عقبة عرفت بتلك الحادثة، فأصبح يقال ( ليلة العقبة) وهي غير تلك العقبة
الفاضلة التي بايع فيها الأنصار رسول الله (ص) بمكة ( أي عقبة منى) قبل الهجرة [12]،
والقصة في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهم كما سيأتي.
والغريب أن السلفية المحدثة لم يتكتموا على محاولات
اغتيال النبي (ص) يوم حنين ولا في قصة عمير بن وهب ولا محاولة ملاعب الأسنة ولا
اليهود.. مع أن أسانيد هذه المحاولات دون أسانيد محاولة العقبة، ( ولا أرى هذا إلا
حماية لمعاوية).
وعلى
كل حال فهذه المحاولة ليلة العقبة شارك فيها أبو سفيان وابنه معاوية في بضعة عشر
رجلاً ( قيل كانوا أربعة عشر وقيل خمسة عشر،)
وربما كان عددهم من حيث التجسس والتخطيط والتنفيذ فوق الثلاثين، وأما
الخمسة عشر أو الأربعة عشر فقد كانوا الدائرة الضيقة ( أرباب التنفيذ) وقد تاب
منهم ثلاثة أو اثنان، وبقي منهم اثنا عشر على النفاق، وهي الدائرة الخاصة الضيقة
التي ورد عليها الحكم بالنفاق إلى يوم القيامة ( هؤلاء منافقون إلى يوم القيامة)،
وورد في حقها الحكم بالنار ( لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط).
وكان
من رجال الدائرة الضيقة الاثني عشر، أبو سفيان ومعاوية على ما ثبت عندي بالدلائل
والقرائن الآتية، لعل من آخر هذه القرائن من حيث الزمن هو هذا التكتم الكبير عند السلفية المحدثة على هذه المحاولة رغم
تعلقها بالنبي الأكرم صلوات الله عليه، ولعل بعض القراء من السلفيين الطيبين يعرف
الآن لأول مرة هذا الموضوع، أو يسمع عنه! فليبحث عن سبب جهله به! فسيوصله لشيء من
الحقيقة الأولى إن أحسن التدبر والنظر، وقد عرفنا بالاستقراء أن السلفية المحدثة
تجابه مثالب معاوية مرة بالتضعيف ومرة بالتأويل وقلب المثلبة فضيلة، ومرة بالإهمال
والنسيان كما هو الحال في هذه المثلبة، وسكوتهم المريب عن هذه الحادثة مع أنها
موجهة ضد النبي (ص) نفسه رأس الحديث ورأس السنة أمر عجيب، فالقضية خطيرة جداً ضد
النبي (ص) نفسه إنها محاولة لتصفيته جسدياً ألا يدفعهم هذا للبحث عن ذلك الفاعل
والحذر منه؟
إلا أن السلفية المحدثة تكتموا على الحادثة –
رغم أنها مروية في صحيح مسلم ومسند أحمد- حتى ضاعت من الذاكرة السلفية جملة مع
اهتمامهم بكل ناقد لمعاوية نفسه! وتتبعهم لكل من روى في ذمه حديثاً أو رواية حتى
ضعفوا جملة من الثقات والصالحين.
وهذا الانحراف السلفي في الواقع عن النبي (ص)
ليس مقصوداً عند السلفية كسلفية علمية، لكن هذه السلفية لا تعرف أن جانباً كبيراً من
فكرها هو إفراز سياسي أموي بامتياز، نعم هم يحبون النبي (ص) لكنهم نسوا أن سيرهم
على منهج معاوية سيبعدهم تلقائياً عن الاهتمام بهذه الحادثة وعن تلك الأحاديث التي
تمس معاوية بسوء، بل أعظم من ذلك، هذا العهد المكي كله من السيرة النبوية شبه مجهول! للسبب نفسه! ثلاثة
عشر عاماً لا نعرف عنها إلا أن النبي (ص)
لبث هذه السنين يدعو للشهادة العظمى
والإقرار بالتوحيد! وكأنهم لا يعرفون أن ثلثي القرآن مكي! وكأنهم لا يعرفون ما
تضمنه ذلك القرآن المكي من أوامر ومنهيات وأخلاق وإيمانيات ... أرجو من أي عاقل أن
يراجع نفسه ويقرأ القسم المكي من القرآن الكريم، وسيتفاجأ بعد كلامي هذا أنه سيجد
كل شعب الإيمان وكل الكبائر وكل الأخلاق ومعظم العبادات في القرآن المكي، باستثناء
أشياء قليلة كالزكاة والصوم والحج والمواريث، فإذا تم التكتم على القرآن المكي
الذي يعلمنا - إضافة إلى كما سبق ذكره – أموراً من الأهمية العلم بها، كمكر قريش
وكفرهم وعنادهم وأنه سواء عليه أنذرهم النبي (ص)
أم لم ينذرهم لن يؤمنوا! وأنهم لن يعبدون ما يعبد! – والنادر لا حكم له-
وأنهم أهل مكر وكيد وأنهم يقلبون الأمور ويتآمرون ..الخ، فستذهل أيها الأخ العاقل
عن هذا الكم الكبير الذي صورت لنا السلفية المحدثة الأمر وكأنه دعوة فقط إلى شهادة
أن لا إله إلا الله!
هل نجح معاوية وأبو سفيان في اغتيال النبي (ص)؟
محل
بحث.. وليس عندي جواب حالياً.. وإنما يكفينا الآن أن نعرف ما إذا كان معاوية وأبوه
قد حاولا اغتيال النبي (ص) بعد تظاهرهما بالإسلام أم لا.. فهذا موضوع هذا الكتاب.
قبل
البدء... ما حقيقة إسلام معاوية؟!
حتى نعقل
إمكانية أن يقوم معاوية بالمشاركة في محاولة اغتيال النبي (ص) لابد أن نتساءل عن
حقيقة إسلامه؟ فهل أسلم بحق أم استسلم؟
الواقع أنه بقدر ما كان إسلام معاوية غامضاً
ومحل خلاف وبحث؛ - كما سيأتي- وهل أسلم مقتنعاً أم استسلم منافقاً؛ هل أسلم كرهاً
أم اسلم طوعاً، ككثير من الطلقاء، هل أسلموا كما هو شائع عند السلفية المحدثة
ورأوا براهين النبوة فجأة! أم أنهم استسلموا كما يرى بعض الصحابة والتابعين وبعض
أهل الحديث؟ فإذا كان هذا الخلاف في حقيقة إسلامه؛ فإن موت معاوية على الإسلام أو
النفاق أو الكفر محل خلاف أيضاً، خاصة مع صحة إسناد ( يموت معاوية على غير ملتي =
وقد أفردته بكتاب)، فإن موته على الإسلام من عدمه
يحتاج على الأقل إلى تدقيق وبحث ونظر وتأمل مع تحرر من الرأي السائد، فلا
يجب أن يؤثر على الباحث لا سلباً ولا إيجاباً، فالرأي السائد عند كل مذهب ليس
بالضرورة أن يكون صحيحاً، وربما أنه بشيء من التدبر والتأمل والإنصاف قد نرى الأمر
على خلاف ما كنا نظن، ولكن هل من متدبر ومدقق؟.
و عل كل حال: ليس
كل معلومة عامة يجب أن تبقى مقدسة، فقد نشأنا نحن معشر السلفية على الثناء على
معاوية ثم اكتشفنا فيما بعد بغيه وظلمه في النصوص الشرعية المتواترة التي لا يجوز أن نتركها تعصباً لما تعلمناه
في الصف الخامس الابتدائي والثاني متوسط! فكاتب
هذه المقررات في نهاية الأمر ما هو إلا جاهل
منفذ لما يطلب منه، فطلبوا منه أن يضخم هذا الرجل فضخمه، ولو طلبوا منه أن يصغره
لصغّره .
ثم لنرتقي درجة ونقول : لا يجوز شرعاً أن نهجر
النصوص الشرعية لأجل منفذين آخرين ولو متقدمين من مؤرخين ومحدثين وعقائديين إذا خالفوا كتاب الله
في ذم الظالمين، وسنة رسوله في وصف الباغين والسفهاء، فكل الأقوال والعقائد يجب
فحصها وفق النصوص الشرعية اليقينية ثم الراجحة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها،
لكن لا نزعم أنه لا يسعنا أن نعلم إلا ما قد علمنا، كلا فإنه في وسعنا أن نعلم أكثر من هذا الغثاء العقائدي
والتاريخي ، نعم في وسعنا أن نعرف أن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق جريمة،
وأن رد الأحكام الشرعية جريمة، وأن تغيير سنة النبي (ص) جريمة، ولعن الصالحين على
المنابر جريمة...الخ، وهذه الجرائم إذا راكمناها ثم وجدناها متحققة في شخص فكيف
نتحمس في الدفاع عنه وقد ارتكب نصف ثلثي الكبائر السبعين؟ هل الدين كلمة فقط؟ وإذا
كان كلمة فلماذا لا نتسامح مع من لم يرتكب واحدة من هذه السبعين كبيرة إذا خالفنا
في رأي و عقيدة أو مذهب؟
ألا يكفينا إن وجدنا في رجل أكثر من خمسين خصلة
من الكبائر مصراً عليها، ألا يكفي هذا في
الشك في عدالته؟ وترك الحماسة في نصرته؟ ألا يكفي أن نتوقف عن حشره مع صحابة رسول
الله من أهل بدر والرضوان ومن تبعهم بإحسان؟ فكيف إن اكتشفنا يوماً بعد يوم ما هو
أعظم من هذه الكبائر الخمسين؟ أعني إن اكتشفنا نفاقاً وزندقة واستهزاءً بالنبي (ص)
وبما يتصل به من قرابة وشهداء ومنبر ومسجد وأنصار؟ كيف إن وجدنا كل هذا بأسانيد
صحيحة أو تاريخ متضافر له تشهد له النصوص الشرعية التي صححناها بجرحنا وتعديلنا
الذي كان على صلة بهذا الرجل ومدافعاً عنه في الجملة؟ لا سيما وأن كشف حقيقة هذا
الرجل ستكشف كل شيء تقريباً، فالبحث العلمي إذا بدأ علمياً فإن كل بحث يأخذ بعنق
أخيه حتى يتدافعون إلى باب الحقيقة.
معاوية
بين سلفيتين!
إن من أبلغ
الأمور التي يجب أن يعيد التيار السلفي الأصيل – وإن قل- النظر فيه هو ما يشاع عند السلفية المحدثة من
الثناء على معاوية بن أبي سفيان فلابد أن يبينوا ويردوا هذه الفرية على السلفية
العتيقة، لأن هذا الثناء يصادم النصوص مصادمة قطعية، ويصاد مقطعيات التاريخ،
والنصوص خاصة هي رأس مال السلفية، إلا إذا كابر مكابر في جواز أن يرفع الشرع من
شأن الظالمين ويحث على حبهم، فالمكابرة تحدث في ما هو أكبر من هذا، في إنكار الإله
والنبوات واليوم الآخر، وليس كلامنا مع المكابرين، إنما كلامنا مع العقلاء، إذ قد ثبت
عندهم في معاوية من النصوص الشرعية المتفق على صحتها ما يجعلهم مطمئنين إلى هذا
الموقف، مع ما تواتر من سوء سيرته وآثاره على السياسة والثقافة وحدة الأمة
الإسلامية.
صحيح أن أكثر هذه الأخبار لا تتعارض مع الإسلام
بالمعنى العام ( إسلام الأعراب والمنافقين) إلا أنها تتعارض مع الإسلام بالمعنى
الخاص، فلا يقال ( فلان أسلم وحسن إسلامه) إلا إذا تخلى عن الكبائر وخمل منكسراً
من ماضيه في محاربة النبوة وخشي من أن يقع في هذه المحاربة مرة أخرى، فهناك دلائل
تدل على حسن إسلام الرجل وأخرى تدل على سوء إسلام الرجل، ولا نعرف هذا من قول فلان ( اسلم فحسن إسلامه)
وإنما يجب أن ننظر لسيرته وأعماله، هل حسن إسلامه حقاً أم كانت الكبائر مصاحبة
لهذا الإسلام؟ ومعايير حسن الإسلام من
عدمه معروفة في القرآن الكريم لا يحتاج أن نعرف من الناس من الذي أحسن إسلامه ومن
الذي أساء، فالقرآن الكريم هو الذي يهدي للتي هي أقوم، وليس أقوال الناس مهما علا
شأنهم أو كثر عددهم، آية واحدة لا يلغيها ألف قول، وكم من إجماع في القرن الأول
أصبح مهجوراً في القرن الثالث، والعكس صحيح، فكم من قول مهجور في القرن الأول أصبح
شبه إجماع بين سلفية القرن الثالث، فالسياسة والقوة تستطيع تحويل القول المهجور
إلى إجماع، وتفتيت الإجماع إلى آراء شاذة، ومن يقرأ التاريخ القديم والحديث يعرف
هذا تماماً[13] كيف تحولت كثير من الآراء السياسية إلى دين،
وليت تلك الآراء في نصرة العدل وحقوق الإنسان والحرية ومحاربة الفقر.. كلا بل تلك
الآراء هي أراء القتل وانتهاك الحقوق وكنز الذهب والفضة وحرمان اليتيم والمسكين..
هذه هي الآراء السياسية التي انتصرت داخل الوجدان السلفي، فلذلك نجد حقوق الإنسان
عند السلفية هي أسوأ حقوق إنسان في العالم، فكيف يلصق هذا بالدين؟
أثر
معاوية في السلفية المحدثة:
إن فتفكيك
ونقد هذه المنظومة المذهبية واجب على كل سلفي قبل غيره؛ مادام أن السلفية في
صورتها المذهبية ترى القتل على المذهب، والإكراه على المذهب، والبغض في المذهب،
والحب في المذهب، والتبرع للمذهب، والحرمان للمذهب، والظلم للمذهب، والكذب للمذهب،
.. الخ، فكل ما تراه أمامها هو المذهب والمذهب والمذهب، لا تلتفت إلى السماء، ولا
ترى أمر الله ولا نهيه إلا ما أمر به المذهب ونهى عنه، فهذه العبادة للمذهب لم تأت
من فراغ، إنما أتت من تاريخ طويل في تمجيد الظلمة ومنتجي المذاهب ذات الغلاف
الديني والمحتوى الشخصي والمصلحي،.. وكل مذهب يعرض عن القرآن الذي أمر الله
بتدبره، وعن النبي (ص) الذي أمر الله بطاعته، وعن التعقل والتفكر الذي أمر الله
به، وعن العدل الذي بعثت لأجله الرسل وأنزلت الكتب،.. كل مذهب يبتعد عن هذه
القطعيات فهو أهل أن يذم ويبين وتكشف رموزه للناس، حتى يكون الشباب المسلم على بينة
بدلاً من أن يبيعوا أرواحهم للمصالح والأهواء والتعصب التاريخي لدعاة النار، فإذا
انحرفت أيها الشاب عن هذه القطعيات إلى أقوال الرجال حرمك الله من هذا النور القرآني
والهدي النبوي عقوبة على زهدك في كتاب الله ورغبتك عن اتباع رسول الله إلى غيره،
فلا تنخدع لهم، ولا تصدق أن الله يحب الظالمين والقتلة، ولا تصدق أن الله يحب
البلادة والحمق، ولا تصدق أن الله مع
الإكراه على الدين فكيف بالإكراه على المذهب؟ ولا تصدق بأن الله أمرنا
باتباع سلف صالح أو طالح، إنما أُمرنا باتباع ما قاله الله ورسوله، ولا تصدق أن
شيوخك مع النص الشرعي ومع قال الله وقال رسوله، فقد جرتهم قبلك، هم مع الله ورسوله
إذا كانا مع المذهب، أما إذا وجدا الله ورسوله ضد بعض أفكار المذهب فإنهم ينتقلون
بسرعة مذهلة إلى قال ابن تيمية وقال أحمد وقال ابن عبد الوهاب..
هم يخدعونك،
هم يعرفون أن سلفهم ينصر الظالمين ويجفو الصالحين، و يكفر أبا حنيفة ويأمر بقتل
الناس بالباطل، .. هم يعرفون لكنهم ضحية لسلفهم كما أنتم ضحية لهم، وسلفهم صنيعة
سياسية وليست صناعة دينية ولن تدركوا هذا بسهولة، لا بد من البحث والبحث والبحث.
هذه
بضاعة للقرآن ... وهذه بضاعة الظالمين
والراكنين إليهم:
بالطبع يمكن
أن تختصروا الطريق بالعودة إلى القرآن الكريم، لكنكم لا ترضون العودة إليه لأن
سلفكم قال لكم إنه كتاب طلاسم لا يمكن فهمه، ولأن سلفكم قال إن نصفه منسوخ، والنصف
الآخر لا يجوز فهمه إلا بفهم سلفكم، لقد سجنوا القرآن داخل تلك العقول الضيقة، والقرآن أوسع وأعلى وأرفع من أن نسجنه في عقل
سلفي متمذهب ضيق متقوقع كاره للعادلين محب للظالمين.. هذا ظلم في حق كتاب الله،
وسيتبعه وصف النبي (ص) بهذه الصفات، فالمحب للظالمين يحب أن يكون النبي (ص) محباً
لهم، والسفاك للدماء يحب أن يكون النبي (ص) سفاكاً، والمتعصب يحب أن يكون
متعصباً،.. الخ، وهكذا فهذه أمور نفسية وعقلية يجب فهمها كما هي حتى نعالجها،
والتيار السلفي منحرف عن العقل الذي هو مناط التكليف، بل أصبحت كلمة ( عقلاني) سبة
وشتيمة! تؤلف فيها الكتب ويقوم عليها الجرح
والتعديل! عجبي؟ أيكون العقل في القرآن مأموراً به؟ وفي المذهب منهياً عنه؟[14]
وكل سلفي لا ينتبه لهذا الانحراف فقد عطل عقله، وبالتالي عطّل نعمة الله عليه، ليس
لشيء إلا لأن بعض سلفه الذي يراه صالحاً أمره بالتعطيل وكفى.
نعم الانحراف كان قديماً، كان في بعض هؤلاء السلف
الذين يعمم صلاحهم في كل شيء، مع أن من البدهي أن الرجل قد يكون صالحاً في أمر دون
أمور، قد يكون عابداً لكنه جاهل، قد يكون متديناً لكنه مغفل، قد يكون ذكياً لكنه
مقلد متعصب..الخ فالصلاح الشامل لجميع الصفات ليس إلا لرسول الله ثم بدرجة أقل
لقليل من أولياء الله، أما من يقلدهم السلفيون – وهم قلة من السلف- فالغالب عليهم التعصب والظلم وهجر القرآن، فلا
يجوز أن نحصر القرآن بفهمهم والسنة بتصحيحهم.
وعلى هذا فإذا
كانت المثالب – مثالب معاوية - هي أصح عند
أهل الحديث فلماذا لا يتبعون الأصح ويتركون ما هو دونه؟ لا سيما وأن التناقض بين
المثالب والمناقب لا يمكن تلافيه لا بجمع ولا بنسخ، إذ لا نسخ في الأخبار ولا جمع
بين الجنة والنار! فكيف يظن أحد بأنه لا تناقض؟ بين كون معاوية هادياً مهدياً وكونه
داعية إلى النار؟!
محاولة
لإيقاظ العقل والضمير السلفي:
هذا القبول السهل للتناقض الصريح جحد لنعمة الله
( نعمة العقل) وتعطيل لها وكفر بها، فهي جريمة أيضاً، ولن يجد الفقيه جواباً
مقنعاً في الآخرة وإن وجده في الدنيا (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ
عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا )؟! [النساء : 109])، بمعنى لا تستطيع في الآخرة أن
تقول : أنا أحب معاوية وأدافع عنه لأن
الله أمرني بذلك؟ أو أن النبي (ص) كان يحب معاوية حباً جماً؟! أو أن الله يحب
الظالمين ويرضى عن الفاسقين؟..الخ، سيقال
لك: أين وجدت هذا؟ ولماذا لم تتعلم وأنت فقيه؟ لماذا لم تعقل وقد وهبك الله العقل؟
لماذا هذا البيع المجاني أو الثمن البخس لحواسك وعقلك وضميرك؟ ذلك الثمن - إن وجد
- هو ثناء الشيخ فلان عليك وعلى عقيدتك وعلى دينك؟ أيها المغرور ..استيقظ!
ألم تقرأ في كتاب الله (فَإِنْ تَرْضَوْا
عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [التوبة : 96])
ألم تقرأ في
كتاب الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) [النحل ])
ألم تر البغي هنا مقروناً مع الفحشاء والمنكر؟
فمن أين وجدت في كتاب الله أن الباغي مأجور أجراً واحداً؟ وأنه يجب محبة دعاة
النار؟
ألم تقرأ في
كتاب الله ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ
خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا
عَظِيمًا (93) [النساء ]؟
ألم تقرأ في
كتاب الله (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)
[البقرة ])؟
ألم تقرأ ( وَاللَّهُ
لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) [آل عمران ]؟
ألم تقرأ (وَكَذَلِكَ
نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)
[الأنعام ])؟
ألم تثير فيك هذه الآية التمرد على سلفك الذين
يثنون على هؤلاء الظالمين ويبغضون عباد الله الصالحين ويأمرون باستتابتهم وقتلهم؟ والحكم
على جميع فرق المسلمين بالنار بسبب حديث موضوع صححه بعض سلفكم ليستشهد به في الحكم
على أهل القبلة بالنار؟
ألم تقرأ ( مَنْ
كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ
أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ
لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا
وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ
رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا
وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ
فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ
رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ
افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ
الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ
اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) [هود ]؟
ألم تقرأ
فقوله تعالى:
( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا
فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ
ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (113) [هود]؟.
إلى كثير من
الآيات التي تدعو لمفاصلة الظالمين والبعد عنهم والترهيب من الركون إليهم ..الخ[15].
إذا لم توقظك
هذه الآيات فمتى تستيقظ؟
أعيذك وأعيذ نفسي بالله – أخي السلفي - أن نكون من الذين قال الله فيهم:
[تِلْكَ
آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ
اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ
آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ
يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) [الجاثية]
أعيذك وأعيذ
نفسي بالله أن تمر علينا هذه الآيات كأن لم نسمعها لأن سلفنا كان مع الظالمين؟ لأن
سلفنا صرفنا إلى عقائد ومفاهيم ما أنزل الله بها من سلطان.
أعيذك وأعيذ
نفسي بالله أن نكون من الذين قال الله فيهم:
(تَلْفَحُ
وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ
فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا
شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا
فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا
تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا
آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109)
فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ
مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) [المؤمنون ).
أعيذك بالله
وأعيذ نفسي به أن نغتر بكثرتنا وقوتنا أو فقر خصومنا وضعفهم؛ فنعرض عن هذه الآيات
ونتشابه مع من قال الله فيهم: (وَإِذَا
تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ
آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا؟
(73) [مريم ] )
أعيذك بالله أن
تعرض عن كتاب الله وتسخر ممن يذكرك بآيات الله لأنسك بشيخ أو مذهب أو مجموعة من
أترابك، فلا تغتر بالنعمة والمال والسعة في الرزق، فالمال والترف لن يغنيا عنك من
الله شيئاً ولا تقوى على عذابه فجسدك ضعيف، وتدبر وفقك الله قوله تعالى (حَتَّى
إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا
تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ
آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66)
مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ
أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ
يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ
جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ
(70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ
وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ
ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) [المؤمنون).
ثم أنت
بالخيار، إما أن تختار الكثرة أو البرهان، هذه سنة الله في خلقه، وهو عين
الابتلاء، لن يسلم مذهب من أخطاء فكرية أو سلوكية فجدد، أنت في المنتصف، والبرهان
مع القلة في جانب، والباطل مع الكثرة في جانب آخر، وانت بالخيار، إما أن تذهب مع
الحق والقلة فتكون قد فزت عند الله فوزاً عظيماً وعصيت الخلق في الله، وإما أن
تختار الكثرة والسلطة وهنا لا ابتلاء.. فالسائر مع الرأي العام والمال والقوة كيف
يرجو النجاح في الابتلاء وقد قدّم الكثرة والراحة النفسية والمادية على التمحيص؟
هذه الأمة لن
يقيمها إلا فهم سنن الله في عباده (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ
يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ
الْكَاذِبِينَ (3) [العنكبوت )، هذه سنة من سنن الله في خلقه، ولن تكون مبتلىً
إذا كنت – يا طالب العلم – تسير مع الرأي العام، بل تكون قد رسبت في الابتلاء،
وأحببت ألا يلحقك ما لحق الأنبياء من ابتلاء عظيم، هل تظن أنك أغلى عند الله من
رسله؟ أتتمرغ سمعتهم وجاههم في التراب وأنت كبير الجاه والمنصب في قومك؟ ثم تطمع
أن تصاحب نبيك في الجنة وأنت لم تصب بإبرة ولا شوكة ولا تشويه سمعة ولا فقد صديق
ولا غضب شيخ ..الخ؟
الدين لا يقيمه
على الأرض إلا الصادقون الصابرون العارفون بسنن الله وهم قليل، فلذلك استمر
التمحيص، وأصبحنا أذل الأمم وأجهلها وأظلمها، لأن مثلي ومثلك رضوا أن يكونوا مع
الخوالف، ولم يتقدموا أمام الصفوف بقول كلمة حق وشهادة لله ونقد للباطل ونصرة للحق
..الخ، نريد أن نأخذها دنيا وآخرة ولا يمسنا سوء فنزهد عن مشاركة الأنبياء في حزن
أو نزول مرتبة عند الناس، وهذا ما أفسد كثيراً من السلف.
فساد
كثير من السلف قلباً وعقلاً:
إذ آثروا
السلامة فانقمعوا، أو طمعوا فوضعوا، أو غفلوا فجهلوا، والقليل من ائتم بالكتاب
وعرف الجادة القديمة، لذلك فأغلب العلماء والفقهاء في هذا الجانب قد يكونوا من
المضلين، ولا بد أن يعرف الشاب المقبل على العلم أن للعلماء وادياً غير وادي
القرآن، ولهم هدي غير هدي الرسول، وأغلبهم مقربون من السلاطين الظلمة إما بالجسد
وإما بالهوى، وقد يجاملونهم في بتر أو إخفاء أو سكوت عن ظلم، هذا هو الغالب، ألا
ترى فيها أن كثيراً من سلفك الذين تصفهم بالصلاح قد ركنوا إلى الذين ظلموا وأكلوا،
ولابد لهذا الأكل من حساب لصاحب المطعم!؟
جرح
قرآني محوري... لم يأخذ به أهل الحديث!
ألا وهو الركون إلى الذين ظلموا، فهذا جرح قرآني، كما في قوله تعالى : ( ولا تركنوا إلى الذين
ظلموا فتمسكم النار)، والدليل أنه جرح قرآني أنه متوعد عليه من الله بالنار، نعم
قد يتوب البعض، إلا أن أحاديثه - زمن ركونه إلى الظالمين – ما زالت تسير في الأمة،
وبالتتبع تجد أن الحديث في مجمله علم سلطاني، رغم كثرة فوائده ورغم امتناننا لجهود
أهل الحديث، فكبار أهل الحديث مقربون من السلاطين، ثم من البيئة الفكرية التي
شكلها السلاطين، انظروا المكثرين من
الحديث؟ أليسوا مقربين من السلطات الظالمة؟
حتى لو لحقتهم توبة أو ندم، اقرؤوا سيرة أبي هريرة [16]
وعروة بن الزبير وقربهما من معاوية ومروان؟ وكذلك نافع والزهري وقبيصة بن ذؤيب ورجاء
بن حيوة وقربهم من بني مروان ؟ ومالك وطبقته وقربهم من المنصور؟ وأحمد وطبقته وقربهم
من المتوكل؟ وهل معظم عقائد قومنا وفقهنا وحديثنا إلا من هؤلاء؟ إذا تحقق ظلم
معاوية أليس الركون إليه جرح قرآني؟ حتى لو لم يأخذ به القطان ولا الثوري؟ إذن هل
نحن مع القرآن في إدانة هذا القرب لما قد ينتج عنه من فتنة؟
من يضمن لنا أنهم لم يخفوا الكثير مما فيه نصرة
للمباديء المزعجة للحاكم؟ واختاروا شيوخاً مقربين من الحاكم أيضاً؟ من الذي اقترح
على الزهري أن يأتي عروة بن الزبير مثلاً؟ أليس عبد الملك؟ ومن منا يعرف أول عهد
عروة وآخره؟ أول عهد الزهري وآخره؟ نحن لا نطرح أحداً هكذا ولا نأخذ حديثه دون أخذ في الحسبان تأثره
بالسلطة .. ولا يجوز إهمال الجرح
القرآني؟ أليس من العقل والإنصاف أن نزيد
في الحذر قليلاً إذا روى هؤلاء أحاديث نرى فيها تأثراً بالسلطة؟ .. وهكذا..
...اعتبروا بزمانكم وعلمائه وأهله:
ثم اعتبروا
بزمنكم هذا ألا ترون أن كل طرف معارض للسلطة ( السياسية أو المذهبية) - ولو معارضة
خفيفة - يتم اتهامه بكل شيء، ويقل تلامذته
ويهجره الأدنون، وإن كان ضعيف العلم شك في نفسه، وقد يعود ذليلاً يطلب من الغلاة
أن يتقبلوا توبته! بينما القريب من السلطان يتم تصديقه ولو كان من أكذب الناس
وأخبثهم وأجهلهم! هذا هو التاريخ، وهذا سلوك السلطة، وهذا سلوك رجال العلم قديماً
وحديثاً.. فاختر لنفسك، ولا تغتر..
البعض يغتر
بصلاح هؤلاء في العبادة الظاهرة، وهذه فتنة، لا ينجو منها إلا صاحب بصيرة بسنن
الله في خلقه، ولا نتهم أحداً من أهل الحديث بنفاق ولا نحكم عليه بجنة أو نار،
إنما ننظر إلى الضرر في الرواية فقط، بل نجد كثيراً منهم يندم على الرواية ويتوب
ويصيح إلا أن أحاديثه أصبحت في أيدي الناس، وهم يغلب عليهم الصلاح في نفوسهم، لكنهم
وفق ظروفهم التي شرحناها كانوا قد كتموا وحرفوا وبتروا وسكتوا باعترافهم، فسار المبتور بعد موت الباتر،
ودفن المكتوم مع الكاتم، وطبيعة الصراع تعجل ذوي الأحلام عن إجالة الفكرة واستيفاء القضية وتحرير المسألة وتقرير الصواب،
وهذا ملاحظ في كثير من العقائد المرتجلة، والأحكام الآنية، والإنسان بطبعه ضعيف
ظلوم جهول عجول.
ضرورة
الاعتراف بضعف السلف:
ومن أكبر ظلم الإنسان عدم اعترافه بضعفه، أمام
كل شيء قوي، هوى النفس، السلطة، المذهب، المال، الرأي العام، بل إن شيوخ السلفية المحدثة
اليوم يصورون لشبابهم وكأن من ينتقونهم من السلف لا يخضعون لأي شيء إلا للحق
والصدق والعدل..؟ ما هذا الجنون؟ فالنبي (ص) وهو أفضل الأنبياء والمرسلين كاد أن
يميل لمطالب الرأي العام الجاهل لولا أن الله ثبته، قال تعالى: (وَإِنْ كَادُوا
لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا
غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ
كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) [الإسراء)، فإذا كان النبي
(ص) وهو نبي من أولي العزم، كاد أن يستجيب بعض الشيء، فكيف تجزمون أن أحمد أو ابن
تيمية أو محمد بن عبد الوهاب لم يخضعوا للرأي العام أو السلطة أو الهوى أو
العصبية؟ كيف تجعلونهم في منزلة بحيث عندما نقرأ تراجمهم نظنهم أفضل من الأنبياء؟
ما هذه البدعة والضلالة؟! ثم إن ذكركم بعض أبنائكم جعلتموه شيطاناً رجيماً؟ ما هذه
الحماقة؟.
العقل
السلفي يتعبد بقبول التناقض:
من آثار
معاوية ودولته على العقل السلفي في الجملة أننا نجد عند هذا العقل قابلية كبيرة
للتناقض، بل تعبد بهذا التناقض، فتجد النافرين من الغلو يقعون في أبشع منه ولا
يرونه غلواً، والنافرون من الشرك يقعون في نظيره، والمدافعون عن ظلمة الطلقاء
يقبلون الطعن في البدريين ، .. الخ، وهكذا
تسير الدنيا دون توقف ولا نقد ولا مراجعة، لأنهم لا يقبلون متسائلاً ولا مستشكلاً،
لكثرة الشك الذي أساسه سلطاني لا ديني، ولا يحسنون الظن إلا بالحاكم الظالم فقط،
وهذا مذهب سلطاني لا ديني، وهكذا يقبلون
التناقض ويتعبدون بقبوله والمسيرة تسير، وقبول التناقض فيه من آثار معاوية على
العقل المسلم، لقد تعبدهم بالمتناقض، وهذا تفريط من العبد في نعمة السمع والبصر والعقل والفؤاد.
الأحاديث
السياسية والعقائد السلطانية هي مادة العقائد السلفية:
إذن فليعلم
الجاهل أن معظم هذه العقائد والأحاديث تحدرت من بلاط الظالمين؟وطلبتها عساكرهم
وولاتهم؟ كل حديث في الإرجاء أو الجبر أو التشبيه أو الترغيب والترهيب والطاعة
والوعيد على الفكرة والوعد على الجماعة .. كل هذه وأمثالها أحاديث سلطانية، فإننا
لا نعني بالحديث السلطاني أن يخدم الظالم بطريقة مباشرة، بل كل حديث ينتج مسلماً
سلبياً فهو حديث سلطاني، بل كثير من الأحاديث ذات الأصل الصحيح إذا كتمت منه جملة
أو زدت عليه أخرى تحول من كونه حديثاً نبوياً إلى حديث سلطاني، والنماذج أكثر من
أن تحصر، واعتبر بنفسك إذا حضرت مجلس سلطان فإنك تتجنب حتى قراءة ما يزعجه من
القرآن الكريم فكيف بالأحاديث؟ لا تخدع نفسك، يكفيك ما تعلمته من سلفك من خداع.
اعرف
الظلم من القرآن تعرف أهله في الدنيا:
إقرأ التاريخ
إن شئت.. واعرف الظلم وأهله من كتاب الله وليس من المذهب، ثم انظر ما تواتر من
الحديث والتاريخ مما لا تشك فيه، ثم اعرف أعلام الظالمين وحاشيتهم من حرس وفقهاء،
واترك أحاديث تلك الحاشية وما دبجوه ولفقوه وحرفوه وولدوه.. فإذا فعلت هذا تبدّى
لك شيء من بياض الحق المهجور بين أثباج الباطل،
وتكون قد فررت من الضلال وأهله درجة، واقترب من الحق وأهله درجة، وهنا
الجماعة وهنا السنة، فالسنة سنة محمد، والجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك كما
يقول ابن مسعود.
مبحث
هل أسلم معاوية؟!
وهذا لي فيه
مبحث كبير ( بل كتاب صغير - تحت الطبع)، سأختصره هنا مركزاً على لفظ ورد على لسان
علي وعمار بن ياسر ومحمد بن الحنفية وأمثالهم من السلف الصالح.. وسأترك تلك
الروايات السلفية ( البدرية والرضوانية في ذم معاوية) وأقتصر على بعض ما ينقل عنهم
من أن معاوية لم يسلم أصلاً، وإنما استسلم حتى وجد على الحق أعواناً، وهذا رأي
السلفية العتيقة، وهو غريب عند السلفية المحدثة.. وسأهمل الحواضن القرآنية،
والأحاديث النبوية لأنني سأتوسع فيها في المبحث الأصلي، وأقتصر هنا على رأي
السلفية العتيقة مجملاً، ثم أفصل في رأي عمار بن ياسر بل يقينه بأن معاوية لم يسلم
أصلاً..
وهذا هو لب
البحث من وجهة نظر سلفية فقط – دون ذكر للآيات والأحاديث-
فإسلام
معاوية أمر مختلف فيه قديماً وإن كان محل إجماع عند أهل السنة في عصور تالية، لكن
أوائل أهل السنة من المهاجرين والأنصار والتابعين أولى بان نهتم بآرائهم وأقوالهم
في مدى صحة هذا الإسلام الذي أسلمه معاوية وبعض أهل بيته...
ومن
القواعد المقررة عند أهل السنة والجماعة أنه لا عبرة برأي جمهور العلماء إذا خالف
رأي جمهور الصحابة، فالصحابة هم أوائل السلف الصالح.. وهم أولى بالحق من مذهب من
المذاهب ... هذا ما يقرره أهل السنة والجماعة في أدبياتهم حتى أصبح تكراره
مملاً...
إذن
فليعلم من أراد أن إسلام معاوية مسألة قد أثيرت حولها الشبهات من أيام الصحابة فقد
كان يشكك في إسلامه وإسلام الطلقاء في الجملة بعض الصحابة والتابعين وأهل الحديث
وهذا نموذج واحد فقط من تلك الآثار عن أحد كبار الصحابة وهو عمار بن ياسر أحد
السابقين من المهاجرين ومن أهل بدر ومن صفوة أصحاب النبي (ص).
حديث عمار بن ياسر ( نموذج) :
ثبت
عن عمار بن ياسر وهو من رموز السلفية العتيقة ( ومهجور من السلفية المحدثة) أن
رموز جيش أهل الشام ( من الطلقاء وأشباههم) لم يسلموا، وإنما استسلموا وأسروا
الكفر، حتى وجدوا على الحق أعواناً، وكان الأولى بالسلفي إن كان سلفياً حقاً أن
يرتب الرموز السلفية فلا ينتقل إلى رضواني قبل البدري، ولا تابعي قبل الصحابي، حسب
المفهوم النظري السلفي نفسه، وهذا الفرق
بين السلفية العتيقة والسلفية المحدثة التي كثرت من بعد عهد الإمام أحمد سامحه
الله.. والآن سنستعرض أقوال السلفية القديمة التي هي أقرب الرموز السلفية إلى
النص، مع إيماننا بأن الحجة في النص، لكن نحتج على القوم بمنهجهم، ليتبين لشبابهم
أن الشيوخ خادعون أو مخدوعون بدعوى سيرهم على عقائد السلف الصالح..
فروي
من طرق مجموعها يفيد الصحة عند أكثر المتشددين من أهل الحديث جزم عمار وقسمه بأن
معاوية لم يسلم وأنه منافق، بعضها بالتصريح وبعضها بالمعنى،.. وقد رواه عن عمار بن
ياسر جمع من التابعين، بلغوا أكثر من خمسة عشر وهم:
سعد بن حذيفة بن اليمان، وفيه الدليل الخاص
والأقوى. وأبو البختري، والقاسم مولى يزيد بن معاوية
وربيعة بن ناجد، وأبو عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن سلمة وأسماء بن الحكم الفزاري
والصقعب بن زهير وزيد بن وهب وحبة بن جوين العرني و عبد الملك بن أبي حرة
الحنفي وعبد الرحمن بن أبزى، وأرسله من غير شهود العيان: سلمة بن كهيل وحبيب
بن أبي ثابت ومنذر الثوري.
( وروايات هؤلاء مفصلة في المبحث الأصلي، وإنما سأختار ما يدل
على أن معاوية لم يسلم أصلاً، كسائر زعماء قريش، وهذا يدل عليه القرآن الكريم –
كما كررنا، وكلنا يحفظ سورة الكافرون، والله لا يتوقع بل يخبر، فمن شاء فليصدق
الله ويكذب ما قيل في إيمان قريش وخاصة المتأثرون بالثأرات والحسد والزعامة، ومن
شاء فليصدق التاريخ وليكذب القرآن الكريم.. ولكن لا يخادع نفسه، ليقرأ سورة
الكافرون وأول يس وأول البقرة وأوسط الأحزاب وآل عمران ..ثم ليختار.. هل يصدق الله
أم العقيدة المحدثة، هل يتبع الله أم الرموز التاريخية، فالنصوص القرآنية واضحة
جداً لا تحتمل الزحلقة، وهو ابتلاء كبير للمؤمن.
وسنذكر بعض آراء السلفية العتيقة التي تتفق مع القرآن الكريم،
لإيماننا أن القرآن الكريم لا يكفي عند هؤلاء حتى يعضده بعض السلف، فهاهم السلف
الصالح!
قول عمار بن ياسر ( من رواية سعد بن حذيفة بن اليمان عنه):
فقد روى ابن أبي خيثمة في تاريخه المسمى تاريخ
ابن أبي خيثمة - (2 / 991) قال :
حَدَّثَنَا أبي (زهير بن حرب ثقة) ، قال : حَدَّثَنا جَرِير ( هو ابن عبد
الحميد ثقة)، عَنِ الأَعْمَش ( ثقة) ، عن مُنْذِرٍ الثَّوْرِيّ ( ثقة) ، عن سَعْد
بن حُذَيْفَة ( ثقة) ، قال : قال عَمَّار (بن ياسر) – أي يوم صفين- :
( والله ما
أَسْلَموا ولَكِنَّهُم اسْتَسْلَمُوا وأسرُّوا الْكُفْر حَتَّى وجدوا عليه
أَعْوَانًا فأَظْهَروه )[17]
اهـ.
التعليق
:
السند صحيح على شرط الشيخين إلا سعد بن حذيفة بن
اليمان وهو تابعي كبير ثقة، بل يحتمل أن له صحبة كما سيأتي، فالسند صحيح ورجاله
كلهم ثقات سمع بعضهم من بعض.. وعنعنة الأعمش في الصحيحين ( راجع الملحق)، وهذا
القول قاله عمار بن ياسر يوم صفين، ومعناه واضح؛ فعمار بن ياسر ميزان تلك الحروب
يقسم بالله أن معاوية وأمثاله من رموز أهل الشام لم يسلموا يوم فتح مكة وإنما
استسلموا وخضعوا حتى يجدوا على الحق أعواناً، وله شاهد من حديث ابن عمر في قصة
التحكيم ( أولى بهذا الأمر من ضربك وأباك على الإسلام حتى دخلتم فيه كرهاً) واصله
في صحيح البخاري كما سيأتي، ويدل على هذا القرآن الكريم ( إن الذين كفروا سواء
عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) وأمثالها من الآيات التي ستتناول رؤوس
الكفر أكثر من تناوله عوامهم، عدل الله يقول هكذا ، ولكن لنستمر مع الآثار المروية
عن عمار بن ياسر، أعني الشواهد ولها حكم الرفع ولذلك أورد بعضها أحمد في المسند
ضمن مسند عمار بن ياسر – كما سيأتي- مما يشير إلى أن لها قوة الحديث المرفوع على
الراجح من فعل أحمد، لأنه أورد بعض هذه الآثار وسط أحاديث عمار المرفوعة، وكأن أحمد
فهم من قسم عمار وتأكيده على ذلك أنه يعلم علم اليقين أن هؤلاء لم يسلموا وأن معه
فيهم خبراً من النبي (ص)..
المتابعات عن عمار:
والأحاديث
عن عمار بن ياسر في هذا الباب كثيرة جداً، سأترك دراسة أسانيدها للبحث الأصلي الذي
عنوانه ( بحث في حقيقة إسلام معاوية – جاهز للطباعة) وسأقتصر على ذكر المتون بلا أسانيد تشويقاً للبحث الأصلي، ولئلا
أثقل هذه المقدمة بالأسانيد ودراستها، فمن شاء التوسع فلرجع للأصل وهو ( مبحث في
حقيقة إسلام معاوية)، ومن تلك الآثار عن عمار:
لفظ
منذر الثوري عن عمار بن ياسر : ( والله
ما أسلم القوم ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعواناً) / و لفظ
حبيب بن أبي ثابت عن عمار بن ياسر مرسلاً، (لما كان يوم صفين قال رجل لعمار بن
ياسر: يا أبا اليقظان ألم يقل رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (قاتلوا الناس حتى
يسلموا فإذا أسلموا عصموا مني دماءهم وأموالهم؟! قال: بلى ولكن والله ما أسلموا
ولكن استسلموا وأسروا الكفر حتى وجدوا عليه أعواناً)/ ولفظ القاسم مولى يزيد بن
معاوية عن عمار بن ياسر:
–في رواية طويلة- وفيها : (يا أهل الإسلام أتريدون أن تنظروا
إلى من عادى الله ورسوله وجاهدهما فلما أراد الله أن ينصر دينه وينصر رسوله أتى
النبي (ص) فأسلم وهو الله فيما يُرى راهب غير راغب وقبض رسول الله (ص) وإنا والله
لنعرفه بعداوة المسلم ومودة المجرم! ألا وإنه معاوية فالعنوه لعنه الله وقاتلوه
فإنه ممن يطفي نور الله ويظاهر أعداء الله)/ ولفظ عبد الله بن سلمة (رأيت عماراً يوم
صفين شيخاً كبيراً آدم طوالاً أخذ الحربة بيده ويده ترعد فقال: والذي نفسي بيده
لقد قاتلت صاحب هذه الراية مع رسول الله (ص) ثلاث مرات وهذه الرابعة والذي نفسي
بيده لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على
الضلالة) وهذا الحديث الأخير صححي الإسناد وله حكم الرفع، ومصادره كثيرة جداً، فقد
رواه أبو داود الطيالسي وأبو بكر بن أبي شيبة والإمام أحمد في المسند، والبلاذري
في الأنساب، وأبو يعلى في مسنده، وابن
حبان في صحيحه والطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك، كلهم من طريق محمد بن
جعفر (غندر) حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة سمعت عبد الله بن سلمة، فالإسناد صحيح غاية، وله حكم الرفع أيضاً / ولفظ
زيد بن وهب ( أن عمار بن ياسر رحمه الله قال يومئذ أين من يبتغى رضوان الله
عليه ولا يؤوب إلى مال ولا ولد؟.. فذكر الرواية وفيها: حتى دنا من عمرو فقال يا عمرو بعت دينك بمصر
تبا لك تبا طالما بغيت في الاسلام عوجا وقال لعبيد الله بن عمر بن الخطاب صرعك
الله بعت دينك من عدو الاسلام وابن عدوه.. الرواية) اهـ باختصار/ لفظ عبد
الملك بن أبي حرة الحنفي ( أن عمار بن ياسر خرج إلى الناس، فقال: اللهم إنك
تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللهم إنك تعلم
أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في صدري ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهرت
لفعلت، وإني لا أعلم اليوم عملاً هو أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو
أعلم أن عملاً من الأعمال هو أرض لك منه لفعلته اهـ قلت: انظروا هذا اليقين! / ولفظ أسماء بن
الحكم الفزاري عن عمار بن ياسر في رواية مطولة في حوار بين عمار ورجل اشتبه عليه
الأمر في قتال مسلمين، وفيها ( فقال له عمار: هل تعرف صاحب الراية السوداء
المقابلتى فإنها راية عمرو بن العاص، قاتلتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثلاث مرات، وهذه الرابعة ما هي بخيرهن ولا أبرهن، بل هي شرهن وأفجرهن[18]،
أشهدتَ بدرا وأحدا وحنينا أو شهدها لك أب فيخبرك عنها ؟ قال: لا، قال عمار: فإن
مراكزنا على مراكز رايات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ويوم أحد، ويوم
حنين، وإن هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب.. أما إنهم سيضربوننا
بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم
فيقولون: لو لم يكونوا على حق ما ظهروا علينا، والله ما هم من الحق على ما يقذى
عين ذباب، والله لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفات هجر لعرفت أنا على حق
وهم على باطل، وأيم الله لا يكون سلما سالما أبدا حتى يبوء أحد الفريقين على
أنفسهم بأنهم كانوا كافرين، وحتى يشهدوا على الفريق الآخر بأنهم على الحق وأن
قتلاهم في الجنة وموتاهم، ولا ينصرم أيام الدنيا حتى يشهدوا بأن موتاهم وقتلاهم في
الجنة، وأن موتى أعدائهم وقتلاهم في النار، وكان أحياؤهم على الباطل اهـ...
والخلاصة في شهادة عمار هنا:
هذا بعض الآثار التي تفيد بأن السلفية العتيقة كعمار
بن ياسر وهو أحد السابقين من المهاجرين وأحد البدرين يرون أن قتالهم لمعاوية –صاحب
تلك الراية الراية- يوم صفين كقتالهم له ولأبيه في عهد النبي (ص) وهذا يعني هذا
أنههم لا يرونه مسلماً صادقاً وإنما مسلم بحكم الظاهر كالمنافقين، يتم التعامل معه
معاملة المسلمين، أما حقيقة إسلامه فعمار وأمثاله يعرفون ويقسمون بالله أنه ما
أسلم قط وإنما استسلم ولن يقسم هؤلاء الكبار إلا بتوقيف، نعم استسلم كأبيه، وإلا فهل يعقل أن صحابياً بدرياً طاعناً في السن يقسم
بالله واثقاً أن هذا الموقف الذي يقفه معاوية يوم صفين ليس بأبر ولا أصدق من وقوفه
أيام يوم أحد والخندق ونحوها في مواجهة الرسول والرسالة – وهذا المعنى يشهد لقول
عمار السابق (والله ما أسلموا ولكن استسلموا...) فاللفظان معناهما واحد، وللحديث
لفظ آخر بلفظ (والله لقد قاتلت بهذه الراية –وفي
لفظ- لقد قاتلت مع رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة...)، وفي أقوال عمار دلالات نؤكد عليها:
1-أن
عماراً شهد كل المشاهد مع النبي (ص) في بدر وأحد والخندق وخيبر وبني قريظة وفتح
مكة وحنين...الخ وهذه أكثر من ثلاث! ولا يفهم من هذا إلا أنه خصص المعارك التي
اشترك فيها معاوية، كأحد والخندق والأحزاب ( وفي شهوده بدراً مع المشركين خلاف).
2-ثم
عندما يقول: (ما هذه بأبر ولا أصدق) أي راية معاوية، وفي هذا إخبار عن حقيقتهم
وليس عن التعامل الظاهر معهم، فهم يعاملون في الظاهر معاملة المسلمين، لإعلانهم
الإسلام ولو نفاقاً، ثم أهل الشام جم غفير، ولا يتهم عمار إلا ظلمتهم ورؤوسهم ورأس هؤلاء الرؤوس معاوية .
ثم
عمار بن ياسر كان من أبعد الناس عن التكفير، فكان إذا سمع من بعض أصحابه تكفير أهل
الشام بالعموم كان ينهاهم، ويختار وصفهم بالظلم والفسق فقط، وقد صح ذلك من طرق هذه
بعضها ففي مصنف ابن أبي شيبة - (ج 8 / ص 722): حدثنا وكيع عن حسن بن الحارث عن شيخ
له يقال له رباح ، قال : قال عمار : لا تقولوا : كفر أهل الشام ، ولكن قولوا :
فسقوا ظلموا / وكيع عن مسعر عن عبد الله عن رباح عن عمار قال : لا تقولوا :
كفر أهل الشام ولكن قولوا : فسقوا ظلموا اهـ
ولا
تعارض هنا بين اتهام معاوية وأمثاله من الرموز ممن يقصدهم عمار وتفسيق عامة أهل
الشام وظلمهم، ومن توهم التعارض قدمنا الأصح عن عمار وهو الحكم على هؤلاء بأنهم
استسلموا ولم يسلموا قط.. لكن بالتفصيل يصح الأمر لأن في جيش أهل الشام المغرر به
والأحمق ودليل ذلك إن بعضهم لحق بعلي عندما تبين له الحق، وقد تركت طرقاً أخرى
كثيرة عن عمار بن ياسر.. سبق ذكر الرواة عنه..
رأي عمار هو رأي أهل بدر:
أولاً عمار لا يعبر عن رأيه وإنما عن علمه، وعلمه اليقيني، الذي
يجهله أكثر الناس يومئذ، فكان يصر على هذا العلم وبثه ليعلم به الناس، ولم يكن
علمه هذا خاصاً به، فقد انتشر بين الصحابة من أهل بدر في عهده، ولم ينكر عليه أحد
منهم، وهو قدوة لأصحاب النبي (ص) يوم صفين باستثناء الإمام علي، فهو فوقه علماً
وفضلاً، وعمار هو قائد الصحابة في عصره من أهل بدر والرضوان الذين كانوا يتبعونه
يوم صفين كأنه لهم علم، وعلى هذا فرأيهم هو رأيه، ففي الاستيعاب - (ج 1 / ص
352): وروى الأعمش عن أبي عبد الرحمن
السلمي قال : شهدنا مع علي رضي الله عنه صفين فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية
ولا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم يتبعونه كأنه علم
لهم .. الخ والسند صحيح على شرط الشيخين، وعلى هذا فقد كان ثمانون من أهل بدر
وثمانمائة من أصحاب بيعة الرضوان، على هذا القول الذي قاله عمار بن ياسر.
وهذه السلفية العتيقة، لا تقاومها سلفيات
هؤلاء.. لا سيما وأن العبرة بآخر مواقف الصحابة من معاوية، لا سيما مواقف أكثر أهل
بدر، فقد يخفى حال معاوية على بدريين ماتوا قبل أن يستفحل أمره وتتبين سيرته، وقد
يسكت بعضهم لعدم توفر الدواعي لنقل هذا العلم، وقد يرجو له بعضهم توبة .. فكانت شهادة عمار هي الشهادة الخاتمة الجامعة
بين أكبر عدد من أهل بدر ( ثمانين بدرياً) لم يجتمعوا بعدها على موقف ولا شهادة
كهذا الموقف وهذه الشهادة، لأن معظمهم قتل بصفين كعمار، فآخر مواقف أهل بدر وشهاداتهم بهذا العدد الكبير هو أقوال عمار هذه
فتدبروها، واعرفوا السلفية العتيقة.
وقد
تركت الآثار عن صحابة آخرين كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وابنه الحسن وابن عمر
وغيرهم، وعن تابعين أيضاً كمحمد بن الحنفية وسالم بن أبي الجعد، وتركت التفصيل في
البحث الأصلي ( بحث في حقيقة إسلام معاوية) وليس لهذا الحكم على معاوية ما يصلح
لمقاومته، لا من حديث مرفوع ولا أثر موقوف، ولا إحسان ظن من صحابي أو تابعي، فعمار
وعلي وحذيفة وأمثالهم هم يخبرون عن علم ولا يخبرون عن رأي، ولهم اختصاص ليس
لغيرهم، وخاصة حذيفة فالإجماع منعقد على أنه صاحب السر، وكان عمر بن الخطاب يسأله
هل هو من المنافقين أم لا؟ ولو أن حذيفة أخبر عمر في تفسه لصدقه عمر، وإلا كان
سؤاله له عبثاً، فكيف لا نصدق حذيفة في أبي سفيان ومعاوية؟ وقد أفضى بسره إلى عمار
( كما في حديث الدبيلة هذا وسيأتي).
والخلاصة العامة في إسلام معاوية:
أن أقوال الصحابة والتابعين في كون معاوية
وأمثاله من الطلقاء لم يؤمنوا - وإنما تظاهروا بالإسلام- كثيرة جداً، لم أذكر منها
إلا القليل، وسأترك البقية في بحث ( أصل إسلام معاوية) والأصل فيه إسلام الطلقاء،
وخاصة الزعماء وأصحاب الثارات، وهو أنه إسلام التظاهر لا إسلام الصدق والإيمان، والقرآن
الكريم هو الأصل في إخبارنا أنهم لن
يؤمنوا لو كنا نسمع أو نعقل ( إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا
يؤمنون)، وإنما قد يتظاهروا بالإسلام .. والنبي (ص) مأمور بالأخذ بالظاهر وليبقون
فتنة كما بقي إبليس فتنة.. فلا يجوز تحميل الله المسئولية عن بقاء معاوية إلى عام
60هـ ولا بقاء إبليس إلى يوم يبعثون، ولكن على افتراض أنه قد صدق بنبوة النبي (ص)
فهل كفر بعد إسلامه؟ وما معنى تلك الأحاديث التي تشير إلى أنه ممن حاول اغتيال
النبي (ص) ليلة العقبة؟، وأنه من أؤلئك المنافقين الذين لعنهم رسول الله، ودعا
عليهم بأن يصيبهم الله بالدبيلة؟ وهل صح أن معاوية مات بالدبيلة؟ وهل غير اسمها
إلى النقابة والراقية ونحوها وتبعه من تبعه على هذا مع أن الوصف واحد؟ وما هي
الأحاديث الأخرى التي تقرر بأنه مات على غير الملة وأنه سيبدل السنة؟ وهل الملة
والسنة هنا من المترادفات؟.. كل هذا سنعرفه في البحث التالي عن حديث الدبيلة وقصة
العقبة وتلك الأحاديث..
الفصل
الأول: حديث الدبيلة ... طرقه وألفاظه وشواهده.
وهو حديث
حذيفة ( المروي في صحيح مسلم): مع
شواهده الخاصة والعامة، وقرائنه التاريخية، فالشواهد الخاصة ما اتفق معه في سرد أحداث قصة
العقبة التبوكية، وأما الشواهد العامة
فقسمان، شواهد كبيرة تستحق الإفراد (
وسنذكرها هنا مختصرة لأننا أفردناها بكتب منفردة)[19]،
وشواهد صغيرة سنذكرها بعد حديث الدبيلة ونتوسع فيها، وهي أحاديث الجمل الأحمر،
وحديث سفينة ( لعن الله الراكب والقائد والسائق) وبعض الشواهد الأخرى..
الإجمال
في الحديث وشواهده:
الحديث الأول
- هو عنوان هذا الكتاب- يثبت محاولة
معاوية لاغتيال النبي (ص) هو وأبوه أبو سفيان بعد إظهارهم للإسلام، ضمن عصابة مكونة من أربعة عشر رجلاً، وذلك في عقبة تبوك، وهذا لا يفعله مسلم إنما
يفعله منافق، لا سيما وأن النبي (ص) قد أخبر بأنهم منافقون وأنهم لا يدخلون الجنة
حتى يلج الجمل في سم الخياط، وأعطانا علامة واضحة وهو دعاؤه على ثمانية منهم أن
يميتهم الله بالدبيلة، هذا كله في صحيح مسلم ومسند أحمد وغيرهما، والدبيلة هي قرحة
تظهر في الظهر ( بين الكتفين) ورأسها إلى الداخل فتنفجر في الداخل أو تظهر من
الصدر، وهذه الدبيلة أصيب بها معاوية وطال مكثها حتى علمها أهل الأمصار وأوفدوا
الوفود للتثبت من ذلك! ويتصل بهذه القصة قوله تعالى في سورة التوبة ( وهموا بما لم
ينالوا) أي هموا بالفتك برسول الله في عقبة ( طريق في جبل) جنوب تبوك، كما يتصل بهذه الحادثة ذلك
الحديث المتعدد الطرق صحيحها بأن النبي (ص) لعن الراكب والقائد والسائق ( وهم أبو
سفيان وابناه معاوية وعتبة) فهذا الحديث حصل في تلك الليلة وكان مع أبي سفيان جمل
ضمن تلك العصابة يقوده معاوية يسوقه عتبة، واشتهر ذلك الجمل حتى سميت تلك الليلة (
ليلة الجمل الأحمر)، والخلاصة أن هذا الحديث يثبت أنهم منافقون وأنهم لن يسلموا،
وأنهم سيكونون أعداء لله ورسوله إلى أن يقوم الأشهاد، ومن تمام الإيمان بالنبي (ص)
تصديقه فيما أخبر، فهي من معاني ( شهادة أن محمد رسول الله) حتى ولو كان الزبد من
الروايات والفضائل للتغطية على هذا الحدث كبيراً ويدع الحليم حيران، فهذا لب الفتنة، ومن تمسك بالنصوص نجي من
الفتنة التي يقع فيها أكثر الناس، ومن اعرض عن النصوص الشرعية الصحيحة التي يعلم
أنها صحيحة فسيعاقبه الله بحرمانه من الهداية لأن الإعراض عن نص – بعد تيقن صحته-
كالإعراض عن كل النصوص، لأنه لا يجوز للعبد أن يختار الطاعة والتصديق وفق مزاجه
الخاص، ولو سمح الله للبشر بذلك لسمح به لإبليس الذي اعترض على نص واحد فقط، فكان
التكبر عن نص كالتكبر عن كل الإيمان، ومن لا يصدق هذه النصوص فهذا من حقه لكن بعد
البحث وليس قبله، وخاصة طلبة العلم، فلهم مقدرة على البحث إلا أنه لا مقدرة لهم
على القلوب إلا بتعظيم الله، وانه عظيم ولا يجب عليه أن يتبع مذهباً من المذاهب، ,
إنما الواجب على كل منسوبي المذاهب أنه يتبعوه في المنشط والمكره لا يخشون في الله
لومة لائم لا شيخ ولا مذهب ولا دولة ولا رأي عام.. وسيثبت بما لا يدع مجالاً للشك
عند كل منصف أن هذا الحديث يشمل أبا سفيان ومعاوية وأنهم كانوا من أؤلئك النفر
الذين حاولوا اغتيال النبي (ص) فلعنهم رسول الله تلك الليلة واخبر بنفاقهم وأنهم
سيستمرون على هذا النفاق، وهذا سر الحديث الثاني ( يطلع عليكم من هذا الفج رجل
يموت على غير ملتي، وفي لفظ على غير سنتي،
فطلع معاوية) فهذا الحديث إسناده على شرط الشيخين، وروي من طرق عدة، وهو يتفق مع
حديث الدبيلة - وسنتوسع في دراسته وتخريجه في كتاب منفرد- وهذا الحديث يتفق مع الحديث الآخر ( أول من يبدل
سنتي رجل من بني أمية) وهذا الحديث صحيح الأسانيد، وقد صححته السلفية المحدثة
نفسها بل ورجحت أن المراد به تغيير الخلافة إلى ملك! يعني معاوية والسلام! – وسنتوسع فيه في كتابنا عن
الحديث الثاني-
ولا ريب أن الحديثين متطابقان في المعنى، فمن
بدل السنة مات على غير السنة بداهة! إلا أن إطلاق السنة قد يراد بها التفاصيل وقد
يراد بها الملة نفسها والدين نفسه، والأقوى ظاهراً وباطناً أن المراد بالسنة هنا
الملة كما في الحديث السابق، وكما هو واقع سيرة معاوية من إبطاله مضمون الإسلام
وإبقائه على الشكل، وإذا رجحت السلفية المحدثة بأن المراد به معاوية فليت شعري كيف
تجعل أول من بدل السنة ومات عليها رمواً من رموز السنة التي يجب المنافحة عنها
وانتهاك حقوق المسلمين بسببها؟
لا أرى هذا إلا من الخذلان الذي يصاحب كل من
عاند القطعيات القرآنية في البراءة من الظلم والظالمين.
هذه الأحاديث
سنتوسع في دراستها في كتابين، الأول هذا عن حديث الدبيلة، والثاني سيكون عن حديث (
يموت معاوية على غير ملتي، أو سنتي) وسيكون من شواهده حديث (أول من يبل سنتي رجل
من بني أمية)، ورغم أن هذه الأحاديث مترابطة ويفسر بعضها بعضاً وكنت قد جعلتها
كلها في كتاب واحد إلا أن التفصيل وكثرة الملاحق جعلني أخشى على القاريء من
التشتت، فلذلك أحببت أن يضبط القاريء كل حديث منفرداً بطرقه وألفاظه وملاحقه
وفوائده وشواهده ومحاولات النواصب في صرف مدلوله إن صححوه، أو التنطع في تضعيفه إن
استطاعوا.. فكان فصل كل حديث أفضل، إلا تلك الأحاديث التي تتشابه كثيراً في
الألفاظ بحيث أن أحد الحديثين يدل على الآخر بلفظه، فيمكن دمجهما في حديث كما في
الحديثين ( يموت على غير سنتي) و ( أول من يغير سنتي).. فمن الصعب فصل مثل هذين الحديثين رغم أن
مخرجهما مختلف، لكن معناهما متحد وكل منهما تفسير للآخر.
وسنترك دراسة الأحاديث الصحيحة المتواترة كحديث
عمار تقتله الفئة الباغية وحديث لا يبغض علياً إلا منافق لمراحل قادمة، لأن صحتها
الإسنادية محل إجماع إنما سيكون فيها دراسات من جهة المعنى وتثبيته، لأن السلفية المحدثة ( وفيهم نواصب أهل مكر) قد
أماتوا هذه النصوص في قلوب أتباعهم وأصبحت مع كثرة تأويلاتهم الفاسدة لها، وجهودهم الجبارة في إبطال مفاعيلها، لا
تؤثر في قلب سلفي واحد، وكأن قائلها رجل من الأعراب وليس رسول الله (ص)، فهذه
الأحاديث المشهورة سأترك لها أبحاثاً تتناول معانيها وليس أسانيدها..
كان هذا الإجمال والآن إلى التفصيل، على أن الحديث الأول لن أفصل فيه كثيراً -
للسبب المذكور سابقاً- و لكن سأذكر خلاصته بحيث يفهمه كل قاريء، وكل أحاديث النبي
(ص) هدى ونور، ليس هناك حديث لا فائدة فيه كما تشيع السلفية المحدثة – تطبيقاً لا
تنظيراً- ودعوتهم الناس للإمساك عن بعض الأحاديث التي يعتقدون صحتها، لأنها في ظنهم
أو هواهم منتهية الصلاحية!
إيقظات
قبل التفصيل في حديث الدبيلة:
تعريف
إجمالي بالحديث ومناسبته:
هذا
الحديث من الأحاديث الثمينة والعجيبة في الوقت نفسه، والتي يمكنها أن توقظ العقول
والقلوب لو أن المسلمين قرؤوه حق قراءته، ولم يهجروه كما هجروا القرآن الكريم!
فيظهر أن الهجر عام لكل خير، للقرآن كله وما صح من السنة! فكل خير مهجور وكل تلبيس
متلو على المنابر.. ولولا هذا ما كنا أجهل الأمم وأذلها وأكثرها تخلفاً، إننا أمة
ميتة لأننا هجرنا ما يحيينا، فعاقبنا الله بهذا الموت في العقول والضمائر بعد أن
أمتنا القرآن بالهجر وزاحمناه بالرواية، ثم ما صح من هذه الرواية استكملنا إخفاءها
وتأويلها فاستحكمت الفتنة، وصلب عودها على الكسر، تأملوا قوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا
يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ
وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ (25) [الأنفال] تابعوا نموذجاً
لإحدى معاصي المتقدمين لله ورسوله ثم انظروا اعتذار المتأخرين عن هذه المعاصي بأساليب
شتى.. لدرجة أن يصل بعضهم إلى تصويب المخطئين وتخطئة النبي (ص)! أليس في هذا ما
يكفي لعقوبتنا بهذا الذل والجهل والتظالم؟ وهذا موضوع آخر..
وسأذكر
حديث الدبيلة – وقد يكون المهم قراءة المواقف منه فهي مواقف كاشفة لتاريخنا
وعلومنا- سأذكره هنا مع شيء قليل من شواهده
وقرائنه لأن هذه القرائن والشواهد كثيرة جداً، ولم أجد حديثاً في معاوية وإلا وله
صلة ما بهذا الحديث، فمن الصعب إيرادها هنا، فسنختار نماذج وفق معايير ضيقة حتى لا
يجرنا بحث هذا الحديث إلى بحث كل ما روي
في مثالب معاوية من أحاديث وآثار وأحداث..
كما لن
نتوسع في استطراد المواقف المشابهة التي صدرت من الطلقاء أو المنافقين ضد النبي
(ص) فهذا يحتاج إلى كتاب مفرد، وقد حاولت جمع تلك الأحداث في مبحث عنوانه حالياً:
( محاولات قريش لاغتيال النبي (ص) بعد فتح مكة، أهدافها ورجالها)، فلن نستعرض تلك
المحاولات ولن ندرسها مع أنها تشكل حاضنة لحديث الدبيلة.
النفاق في آخر النبوة أكثر منه في أولها:
لن نستعرض ابتلاء النبي (ص) في آخر عهد النبوة
وكيف أن المنافقين في آخر النبوة كانوا أكثر منهم في أولها، وكيف أن سورة براءة
كادت ألا تبقي أحداً! وكيف تكتمت السلفية المحدثة عن معاناة النبي (ص) في آخر
أيامه وخاصة بعد انضمام طلقاء قريش للصف الإسلامي ابتلاء من الله للمؤمنين بهؤلاء
وتمحيصاً لهم، وكيف سيكون التعامل مع أكثرية منافقة بعد أن تم التعامل مع أقلية
منافقة، لأن هذا النفاق سيصاحب الأمة إلى يوم القيامة، وفساد هذه الأمة سيكون على
أيدي هؤلاء ابتلاءً أيضاً، وأن بقاءهم كان لحكمة كبقاء إبليس، وأنه لو شاء الله
لهدى الناس كلهم أجمعين، وأن معرفة المنافقين من طرق معرفة سنن الله في خلقه، وأن
إهمال ذكرهم جريمة تؤدي إلى تعطيل السور والآيات التي نزلت فيهم وفي وصف أحوالهم
ومكرهم وإفسادهم، وأن في المؤمنين ( سماعون لهم) هكذا بصيغة المبالغة! وأن سبب هذا
السماع لهؤلاء قد فرغ الإسلام على أيديهم من مضمونه الداخلي وتعاليمه السامية وبقي
الشكل والاسم والمظهر والتفاخر والعنت والشقاء واندراس معالم الدين وضمور النيات
والعقول عند المسلمين، وموت الضمائر والعصبية الشيطانية للقبائل والمذاهب
والبلدان..الخ.
سر حذيفة هو علمه بتلك العصابة:
وعلى
كل حال فتلك العصبة التي حاولت اغتيال النبي (ص) اختلف في عددهم وأكثر الروايات
على أنهم كانوا أربعة عشر أو خمسة عشر، وهؤلاء هم سبب شهرة حذيفة بن اليمان بسبب
علمه بالمنافقين، والناس لا يدرون لماذا؟ فهم يظنون أن حذيفة يعلم جميع المنافقين،
وأن النبي (ص) قد أخبره بجميع المنافقين، وهذا من تشويش الأمويين وأتباعهم على أصل
القصة! فالقصة خاصة بتلك الحادثة، وأما ظنهم أن حذيفة يعلم جميع المنافقين فهذا
غير صحيح، ولا حتى النبي (ص) بنص القرآن
الكريم، وإذ كان النبي (ص) لا يعلم جميع المنافقين فمن باب أولى ألا يعلم حذيفة
ذلك، قال تعالى (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ
نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ
عَظِيمٍ (101) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا
وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (102) [التوبة : 101 - 103] ) ففي الآيات أن النبي (ص) لا يعلم هؤلاء
المنافقين الذين مردوا على النفاق في المدينة، فكيف يعلمهم حذيفة؟
نعم
كان عند حذيفة علم بالمنافقين وأخبار الفتن، إلا أنه لا يعلم ما لا يعلمه النبي
(ص)، فهذا غلو، وللتزود بترجمة حذيفة بن
اليمان وعلمه بالمنافقين، وتلميحاته ( انظر الملحق).
إذن
فاشتهار حذيفة بن اليمان بالعلم بالمنافقين إنما اشتهر بسبب هذه الحادثة، فلم يجد المتَّهَمون - كمعاوية وشيعته- بُدّاً
من تعميم علم حذيفة على جميع المنافقين حتى تضيع هذه القصة الخاصة وأبطالها في
موضوع كبير غامض شائك قليل الفائدة، ليبقى السلفي الطيب محارباً للهواء بدلاً من
أن ينظر إلى أفراد محددين معدودين يمكن
معرفتهم بالقرائن والسياقات والمصالح والثأرات والتاريخ القديم وقبل هذا وذاك
الآيات الناطقة ( وسيأتي التفصيل).
نفاق جماعي بعد فتح مكة:
وخلاصة القصة أن النبي (ص) بعد فتح مكة ارتفع
عدد المسلمين ضعفين ( من عشرة آلاف يوم الفتح إلى ثلاثين ألفاً في تبوك) أي في سنة
واحدة فقط! وأكثر إسلام هؤلاء لم يكن عن صدق إسلام وإنما عن نفاق جماعي ولتحقيق المصلحة
العاجلة ولانتهاز الفرصة لتحقيق الانقلاب، وهذا الأمر ينطق به القرآن الكريم في
آيات كثيرة ( ولا أنتم عابدون ما أعبد) ( لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون)[20]..
الى غير ذلك من الآيات التي استلبها منا بنو أمية حتى كأننا لا نقرأها!
تلخيص القصة قبل سرد الروايات:
والخلاصة: أن هؤلاء النفر - الأربعة عشر أو الخمسة عشر-
هم الذين خططوا وحاولوا اغتيال النبي (ص) وهو عائد من تبوك، أرادوا أن ينفروا به
ناقته بعد أن صعد من عقبة صعبة مختصرة، وأمر سائر الجيش أن يأتوا الوادي، فعرف هؤلاء المنافقون ( وهم من قريش وحلفائهم)
أن النبي (ص) سيصعد تلك العقبة لنهي النبي (ص) إياهم أن يأتيها أحد، فسبقوه إليها
وأرادوا تنفير الناقة لتنفر برسول الله (ص) وتلقيه في تلك الشعاب السحيقة ثم يقال
( قضاء وقدر)! وقد هموا به وكادت أن تقع الناقة، - ووقعت بعض الأمتعة، التي التقطها
وأعادها حمزة بن عمرو الأسلمي - ولكن النبي (ص) انتهرهم وأمر عمار بضرب وجوه
دوابهم – وكانوا ملثمين- فخافوا وتراجعوا عن هذه المحاولة وعادوا ودخلوا في غمار
الناس، فأخبر النبي (ص) حذيفة بأسمائهم وأنهم سيكونون أعداء الله ورسوله إلى يوم
القيامة، وأنهم منافقون، وأنه نهي أن يصلي عليهم، هذا هو مختصر القصة.
وقد كان عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان هما فقط
رفيقي النبي (ص) أحدهما يقود الناقة والآخر يسوقها[21]،
ففوجئوا بتلك العصابة التي تهاجمهم فجأة، وعندما ضرب عمار وجوه دوابهم لم يرهم،
وكانوا ملثمين أيضاً، إلا أنه عرف بعض رواكبهم، فنزل جبريل مخبراً النبي (ص) بهم
وبأسمائهم، فأخبر النبي (ص) حذيفة بهم وفي رواية أخبره وعماراً أيضاً، لكن المشهور
أنه اختص بهم حذيفة؛ وأمره بالتكتم على ذلك تلك الأيام لحكمة، ولم يأمره بكتمانهم
مطلقاً، بدليل أن حذيفة أفصح بهم لبعض الخاصة كعمار وأبي الطفيل، وقد ألمح إليهم
عمار بن ياسر بتلميح أقرب إلى التصريح في حديث الدبلية ( الذي يقصد به معاوية
وحزبه)، وأما أبو الطفيل فسردهم لبعض خاصته، ولكن أهل الحديث - تأثرا منهم بالواقع
الفكري الذي أوجده معاوية وبنو أمية- لم يرووا هذه الأحاديث إلا مقطعة مفرقة وفي
بعضها تناقض.. بحيث لا يستطيع الباحث العادي أن يصل إلى أسماء هؤلاء وإنما لبعضهم
وعلى شك، ولكن الباحث الواعي بالظروف المحيطة بنشأة أهل الحديث ثم ميولهم ثم
بالتاريخ يستطيع أن يحدد هؤلاء ويعرفهم كما أبناءه.. ولكن الذي يمنعه من التصريح
هو ما منع حذيفة من التصريح بهم، بسبب تكذيب الناس واستعظامهم ذلك.
وفي
البحث الموسع ستأتي القرائن والدلائل على أن أبا سفيان ومعاوية منهم، وهناك روايات
أخرى تجعل أبا موسى الأشعري منهم، وروايات تذكر أسماء أخرى أكبر من هؤلاء فإن صح
أن هؤلاء الكبار منهم فلعلهم تابوا كما ثبت في حديث حذيفة في صحيح مسلم، أما
معاوية وأبو سفيان فلم يحسنوا السيرة حتى تحتمل توبتهم، ولو احتملنا توبة معاوية
وأبيه لما بقي في الاثنين عشر متهماً، وبطل الحديث.
التشويش على القصة ... بين معذور ومتعمد:
ونظراً
لتشويش أهل الحديث على هذه القصة فإننا للإنصاف لا نتهم السلفية العتيقة بالإخفاء،
ولم نحصل على الروايات والأحاديث إلا منهم رغم قسوة بني أمية والرأي العام المؤيد
لهم وتتبعهم العلماء الربانيين، بل حتى لو وجدنا رواياتهم مقطعة ومتفرقة فإننا
نعذرهم للظروف السياسية المحيطة بهم، فأهل الحديث الصادقين في العهد الأموي خاصة
كانوا معرضين لسيف السلطة وسجونها، فلذلك ربما رووا الحديث وأخفوا بعضه أو رووه
بالمعنى الذي يدركه البصير، إلا أن استمرار متأخري أهل الحديث ( السلفية المحدثة) في
عمليات التشويش والبتر والتعمية والإهمال مع زوال أكثر أسباب الاضطهاد أمر مزعج
ويدل على قلة أمانة وعصبية شديدة، وهو دليل على أن غلاتهم وسلفهم القليل هم الذين استفادوا من
الاضطهاد الأموي في تثبيت السقف الذي أراده الأمويون، فثبتوا الشائع والآراء
السائدة وسموها ( رأي السلف) فثبتوا التشويش والغموض كما هو، مانعين ذوي العقول من
إعمال عقولهم بالمنهج الأموي نفسه الذي أنشأه معاوية، بأن الناصبي ثقة دائماً
والشيعي ضعيف كذاب دائماً ( وهو عكس المنهج الذي أراد النبي (ص) تثبيته: لا يحب
علياً إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق) فالأمور متشابكة جداً، ظلمات بعضها فوق بعض
وتحت بعض وجوار بعض، وتفكيك هذا الخليط من السياسة والمذهب والعصبية والتقليد والذكاء والحماقة يحتاج إلى جهود
جبارة، لا تتوقف على باحث ولا على عدة باحثين في فن من الفنون، والجهل أصبح من
القوة بحيث عنده من المناعة ما يسد كل مدخل للمعرفة.
تأسيس علم الجهل!
وكما
قال أستاذنا الكبير الفيلسوف إبراهيم البليهي[22]،
إننا بحاجة إلى تأسيس ( علم الجهل) وبيان قواعده وأنظمته ومساراته ..الخ فهو
المفتاح لمعرفة العلم الحق، لأن ما في أيدي الناس مما يسمى علماً أكثره جهل كبير ولكن
بغلاف علمي خداع، يوقع المخلصين في شراك المنافقين، وهذه فتنة تدع الحليم حيرانا
لذلك سنستعرض روايات حديث الدبيلة بأسانيدها وطرقها وألفاظها ومحاولات النواصب
لإخفاء دلالتها على معاوية وأبي سفيان، وخاصة معاوية فإنهم قد سمحوا بروايات تتهم
أبا سفيان بأنه من هؤلاء الاثني عشر ولكن لم يسمحوا برواية شيء يدل على أن معاوية
منهم إلا تلميحاً في صحيح مسلم.
إذن
سنستعرض الأحاديث في ذلك ولكن باختصار، وسأترك التوسع في الكتاب القادم عن (
محاولات اغتيال النبي (ص) من العهد المكي إلى نهاية العهد المدني، قبل الهجرة وفي
أحد وفي فتح مكة وحنين وتبوك وبعد غدير خم..الخ).
لا حجة في تولية عمر بن الخطاب لمعاوية:
والآن
نأمل من القاريء الكريم - إن أراد فهم المسألة والقصة وتوابعها - التركيز لننتقل
به من مسألة إلى أخرى وسيدرك ذلك بسهولة إذا ترك التعصب جانباً، وليترك أيضاً
الاحتجاج بما لا حجة فيه، كذلك الاحتجاج الساذج الذي يحتج بأن معاوية ولاه عمر بن
الخطاب، فهذا ليس كافياً في إثبات براءة معاوية من النفاق أو محاولة الاغتيال أو
البغي، فالنبي (ص) قد ولى الوليد بن عقبة صدقات بني المصطلق ثم نزل القرآن بفسقه
وتكذيبه، فإذا كان النبي (ص) غير معصوم في تولية من يحسن به الظن أو يريد تألفه
واختباره فمن باب أولى ألا يكون عمر معصوماً[23]،
وكذلك لا يجوز الاحتجاج بأن عمر كان يعلم أن معاوية من أصحاب العقبة التبوكية؟
فربما لا يعلم، وربما رجا أن يتوب أو يتألفه بالولاية أو أنه اجتهاد خاطيء من عمر
وهذا ما نرجحه، وكان النفاق غالباً على الطلقاء، والمنافق قد يتوب ولكن هذا نادر،
وإن تاب المنافق خمل ذكره وأقبل على نفسه وترك المظالم.
والآن
تعالوا بنا إلى الأحاديث والروايات من
مصادرها – وسنختار أهمها-
طرق وألفاظ حديث الدبيلة في الاثني عشر منافقاً ( من رواية حذيفة):
وهذه
أبرز طرق وألفاظ حديث الدبيلة وسأعلق عليها لاحقاً.
إجمال
عن الحديث وطرقه عن حذيفة:
روي
عن خمسة من الصحابة، وهم حذيفة بن اليمان (صاحب السر الذي لا يعلمه غيره، وهو هذا
السر) روي عنه من سبع طرق[24]،
وروي عن عمار بن ياسر، وأبي الطفيل، وجابر بن عبد الله وحمزة بن عمرو الأسلمي،
وأبي قتادة الأنصاري وأبي سعيد الخدري والأسانيد إليه بين الصحيح والحسن.
ومن
التابعين رواه مرسلاً: عروة بن الزبير ( في مغازيه)، و الحسن البصري، والزهري،
وطاووس بن كيسان، ثم ابن إسحاق.
الطريق الأول: عمار عن حذيفة:
وحديث
عمار عن حذيفة له أسانيده، وساعد على حرص أهل الحديث على إخراجه مكانة شعبة في
الحديث، فقد كان أمير المؤمنين في الحديث، مع إمامته في الجرح والتعديل، وكان
يراقب التدليس فلا يروي إلا ما سمعه شيخه من شيخ شيخه، وخاصة وأن في الإسناد قتادة
وهو شيخ شعبة ( وهذا المنهج في مراقبة السماع
عند شعبة أخذه من زميله عبد الغفار بن القاسم الأنصاري الذي اتهموه لتشيعه):
فرواه مسلم في صحيحه
: عن أبي بكر بن أبي شيبة[25]
حدثنا أسود بن عامر ح
وعن
محمد بن المثنى ومحمد بن بشار عن غندر
كلاهما
( أسود بن عامر وغندر) عن شعبة
ورواه أحمد في المسند
عن غندر وحجاج [26] عن
شعبة
و أبو يعلى في مسنده
عن القواريري عن غندر عن شعبة
والبزار في مسنده عن محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة
فانتهت
أسانيد هذا الحديث إلى شعبة،
ورواه
شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن عمار عن حذيفة
وألفاظهم
متقاربة جداً، والسند صحيح، كلهم ثقات وكلهم سمع بعضهم من بعض، وصرح بذلك، إلا
قتادة) وقد قال شعبة: كفيتكم تدليس قتادة، وهذا يعني أن كل حديث رواه شعبة عن
قتادة فقد تثبت من سماعه من شيخه، ولذلك طال هذا الإسناد.
هذا
أجملنا أسانيده لتعددها إلى شعبة، ثم سنفصلها، بعكس الأحاديث الأخرى إذ سنفصلها
مباشرة لقلة المتابعات والأسانيد فيها:
وأما
الألفاظ فمتطابقة إلا في ألفاظ يسيرة لا تستوجب السرد والمقارنة، وسنختار هنا ما
في صحيح مسلم:
التفصيل في حديث عمار (عن حذيفة) = طريق أسود بن عامر:
في
صحيح مسلم - (8 / 122)
حَدَّثَنَا
أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ[27]
حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ[28]
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ[29]
عَنْ قَتَادَةَ[30]
عَنْ أَبِى نَضْرَةَ[31]
عَنْ قَيْسٍ[32]
قَالَ : قُلْتُ لِعَمَّارٍ[33]
أَرَأَيْتُمْ صَنِيعَكُمْ هَذَا الَّذِى صَنَعْتُمْ فِى أَمْرِ عَلِىٍّ؟ أَرَأْيًا
رَأَيْتُمُوهُ أَوْ شَيْئًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم؟ فَقَالَ ( عمار): مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً وَلَكِنْ حُذَيْفَةُ
أَخْبَرَنِى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَالَ النَّبِىُّ -صلى
الله عليه وسلم- « فِى أَصْحَابِى اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا فِيهِمْ ثَمَانِيَةٌ
لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ
ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ وَأَرْبَعَةٌ ». لَمْ
أَحْفَظْ مَا قَالَ شُعْبَةُ فِيهِمْ اهـ
والحديث في ذم معاوية لأنه منهم كمايفهم
من سياق الحديث، ولأنه مات بالدبيلة، ولروايات خاصة في مشاركة أبي سفيان وهو لا
يافارق أباه، ولكن هذهالأحاديث خرجت في زمن كان لبني أمية الدولة فلا يمكنها أن
تخرج إلا مقطعة غامضة ثم أتت السلفية المحدثة وقضمت منها ما قضمت! إلا أنه بقليل
من التدبر والتأمل يمكن استنتاج هذا بوضوح..
التعليق على هذا الإسناد ومتنه ( طريق الأسود بن عامر عن شعبة):
السند
صحيح، رجاله ثقات، إلا أن في بعضهم نصباً، والنصب محفز على إخفاء بعض الحقائق،
وواضح أن شعبة قد تحدث لكن تلميذه السلفي الشامي الأصل البغدادي الموطن الأسود بن
عامر اعترف بأنه لم يحفظ ما ذكره شعبة في أربعة منهم! ولا أظن هذا إلا إخفاء
متعمداً، والله أعلم بحقيقة الحال، وقيس بن عباد يسأل عمار عن حماسهم مع علي
وقتالهم معه هل معهم في ذلك عهد خاص أم لا؟ فأجابه عمار أنه ( لم يعهد إلينا النبي
(ص) شيئاً لم يعهده إلى سائر الناس كافة)
فلم يذكر حديث عمار تقتله الفئة الباغية
ولا العهد بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين و لا قتال الخوارج..الخ لأن هذه أمور علنية عامة وليست سرية وكان قيس
بن عباد يسأل عمار بن يسار عن العهد الخاص ( السري) لأنه رأى عمار بن ياسر متحمساً
للقتال مع علي.
والسلفية
المحدثة تستدل بهذا الحديث على نفي الوصية لعلي، في لفظ محرف للحديث – سيأتي
بيانه- وتناست حديث مسلم! فقلبت الحديث من دلالته على ذم معاوية وفئته إلى ذم علي
وفئتة! والحديث لا يفيد نفي الوصية – كما
يستدل به السلفيون- فهذا لا يفيده النص،
لأن الحديث يسأل عن العهد الخاص ( السر)، وحديث المنزلة أو الغدير أو عمار
ليست أحاديث سرية كما أسر النبي (ص) المنافقين، وفي لغة العرب قاعدة مفادها: إذا
اجتمع نفيان فالقاعدة على نفي النفيين، فعندما تقول ( لم يعهد إلي فلان شيئاً لم
يعهده إليك) أي قد عهد إلي شيئأً عهده إليك، هذا أمر معروف في اللغة والعقل، وإنما
قام عمار بسرد حديث سري لا يعلمه إلا حذيفة، وهو ما كان يطلبه قيس بن عباد، وهذا
الحديث أبلغ في الذم والتحريض على قتال معاوية، لأن حديث عمار ( نقتله الفئة
الباغية) لم يتحقق بعد، ولا يدري عمار أيقتل في المعركة القادمة ( معركة صفين) أو
غيرها، لكنه يجزم أن معاوية من تلك العصابة فذلك كان جوابه سديداً، وكأنه يقول
لقيس بن عباد وأصحابه ( هؤلاء الذين نقاتلهم وتسألوننا عن محاربتهم هل معنا فيه
نص، أخبركم بأكثر من ذلك، إن هؤلاء منافقون، أرادوا اغتيال النبي (ص) وهم سيكونون
منافقين إلى أن يموتوا، وفي الآخرة لن يخرجوا من النار، حتى لا يتوهم متوهم أنهم
مجرد عصاة يخرجون بالشفاعة ( عند من يعتقد ذلك، ولا أستبعد أن بعض الكوفيين كانوا
يرون الشفاعة في خروج العصاة).
إذن
فهذا أكبر دليل على وجوب قتال معاوية وأصحابه، وعلى نفاقه مع رؤوس من أصحابه (
اشتركوا في محاولة الاغتيال وأبرز هؤلاء الذين كانوا مع معاوية أبو الأعور السلمي،
وكان النبي يقنت ويلعنه في القنوت)، ( وربما عمرو بن العاص وعبد الله بن سعد بن
أبي السرح وأوس بن الحدثان وغيرهم).
ويهمنا هنا أن فهم عمار بن ياسر من هذا الحديث
أنه يدل على قتال معاوية وأصحابه وأنهم منافقون وأنهم استسلموا ولم يسلموا.. هذا
هو فهم السلف الصالح الذي كان يجب على السلفية اتباعه، ولكن غلاة السلفية لا
يأخذون من كبار الصحابة كعلي وعمار وأمثالهم ممن لا شك في فضلهم وحسن فهمهم .. وإنما
يأخذون من تابعي هن أو صحابي من عامة الصحابة هناك أو فقيه جامد أو محدث متمذهب..
فيجمعون هؤلاء في نظام واحد ويسمونهم ( السلف الصالح)! ثم تنصرها الدول وتشيع في
العامة ، ويصبح الخارج على هذا الفهم الملفق خارجاً على فهم السلف الصالح ومعادياً
للصحابة وضالاً مبتدعاً..الخ.
يجب
على العقلاء إيقاف هذا اللعب.. فإنه يتسبب في تسرب الخزان السني من تحت أرجلهم ومن
فوق رؤوسهم! وهذا التسرب سيزيد مع تقدم المعرفة يوماً بعد يوم، إن بقوا على هذا
الجمود المعرفي والحواري والضيق الشديد بالرأي المخالف وإن كان له وجه من دليل، وإن شئتم فراجعوا المتحولين من السنة إلى
الشيعة أو العلمانية الصرفة أو حتى الإلحاد الأحمر،.. ستجدون لضعف الأمانة العلمية
الدور الأكبر في هذا التسرب، كيف يطالبون بالشفافية وهم من بهذه الخيانات العلمية
قديماً وحديثاً.
واجهوا
الحقائق وثقوا بأن الإسلام قوي، لا يهتز إذا تم القول في أحد الظالمين بأنه ظالم!
ولا يبقى بالدفاع عن دعاة النار ومغيري السنن .. لا يستاهل معاوية كل هذا التكتم
والتحريف للأحاديث والإبطال للسنن والقدح في الصالحين والمنافحة عن الكاذبين
وإلغاء العقل وسفك دماء المسلمين.. الخ.
يبقى أن نشير إلى أن الاثني عشر منافقاً هؤلاء
هم خلاصة المنافقين الذين حاولوا اغتيال النبي (ص) يوم عقبة تبوك، لأن من سواهم
إما أنه قد تاب أو كان له دور ثانوي كالتجسس على رسول الله ولا يعرف المراد من
ذلك، أو فعل ذلك عن غفلة وسلامة باطن، كأن يقال : انظر لنا من أين يأتي رسول الله (ص)
حتى لا نضايقه في الطريق! .. ثم تكون خطتهم بعكس ذلك، وسيتبين بعض هذا في بقية
الأحاديث والروايات الآتية.
عمار عن حذيفة: (من طريق غندر عن شعبة)
في
صحيح مسلم - (8 / 122) ): فقال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى
وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ - وَاللَّفْظُ لاِبْنِ الْمُثَنَّى[34]
- قَالاَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ [35]حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِى نَضْرَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ: قَالَ
قُلْنَا لِعَمَّارٍ أَرَأَيْتَ قِتَالَكُمْ أَرَأْيًا رَأَيْتُمُوهُ؟ فَإِنَّ
الرَّأْىَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، أَوْ عَهْدًا عَهِدَهُ إِلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ
-صلى الله عليه وسلم- ؟
فَقَالَ
مَا عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا لَمْ
يَعْهَدْهُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً.
وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- قَالَ « إِنَّ فِى أُمَّتِى ». قَالَ شُعْبَةُ وَأَحْسِبُهُ قَالَ
حَدَّثَنِى حُذَيْفَةُ. وَقَالَ غُنْدَرٌ أُرَاهُ قَالَ « فِى أُمَّتِى اثْنَا
عَشَرَ مُنَافِقًا لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يَجِدُونَ رِيحَهَا حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِى سَمِّ الْخِيَاطِ ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ
الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِى أَكْتَافِهِمْ حَتَّى
يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ » اهـ
التعليق على هذا الطريق في مسلم ( غندر عن شعبة):
السند
أيضاً صحيح أيضاً من طريق غندر عن شعبة، وفيه وصف لمرض الدبيلة ، وهو دمل كبير
ينجم في الظهر ويخرج من البطن، أي يخترق الجسد اختراقاً، وقد يظهر في الجنب فينفجر
في دخل الجسد وهو يميت غالباً.. وله أحوال ذكرها أهل اللغة والطب القديم، وسيأتي
أن معاوية مات بالمرض نفسه، أي مات بالدبيلة،
(ومن ذلك : ما قاله ابن إسحاق – وهو إمام أهل المغازي والأخبار- وأقره على ذلك ابن
قتيبة، ففي المعارف - (1 /
79): قال : ( وولي معاوية الخلافة عشرين سنة إلا
شهراً وتوفي سنة ستين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة، وقال ابن إسحاق: مات وله
ثمان وسبعون سنة وكانت علته النقابات وهي الدبيلة ولم يولد له في خلافته
ولد،..الخ) وان أهل العراق كان عندهم علم بهذا وأنهم يحدثون أنفسهم أنها ستقتله،
فمن أين لهم أن يعرفوا ذلك لولا أنهم سمعوه من حذيفة وعمار وتلامذتهم؟ وتذكروا أن
حذيفة وعمار هما فقط من كان مع النبي (ص) في العقبة أحدهما يقود الناقة والآخر
يسوقها، ولن يجدوا هذا التفصيل إلا مما علموه من حذيفة وعمار، وسيأتي.
الطريق الثاني: عبد الله بن سلمة عن حذيفة:
روى الطبراني وغيره القصة بسند صحيح ففي المعجم الأوسط للطبراني - (8 / 102):
حدثنا موسى بن هارون (ثقة)[36]
ثنا إسحاق بن راهويه ( ثقة مشهور) نا يحيى بن آدم ( ثقة مشهور) ثنا أبو بكر بن
عياش ( ثقة مشهور) عن الأعمش ( ثقة مشهور) عن عمرو بن مرة ( ثقة مشهور) عن عبد
الله بن سلمة ( ثقة)[37]
عن حذيفة بن اليمان قال:
إني لآخذ بزمام ناقة رسول الله
صلى الله عليه و سلم أقوده وعمار يسوق به أو عمار يقوده وأنا أسوق به إذ استقبلنا
اثنا عشر رجلا متلثمين قال هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة
قلنا يا رسول الله ألا تبعث إلى كل رجل منهم فتقتله؟
فقال أكره أن يتحدث الناس أن
محمدا يقتل أصحابه وعسى الله أن يكفيهم بالدبيلة
قلنا وما الدبيلة؟
قال شهاب من نار يوضع على نياط
قلب أحدهم فيقتله اهـ
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث
عن الأعمش إلا أبو بكر بن عياش تفرد به به يحيى بن آدم .
قلت : السند صحيح، ولم يتفرد به
يحيى بن آدم، بل روي من طرق أخرى صحيحة عن الأعمش، إلا أن الأعمش يرويها عن أكثر من طريق.
والحديث عند البزار – مع اختلاف يسير في
اللفظ-:
في مسند البزار - (7 / 434):
حدثنا إبراهيم بن زياد الصائغ ، قال : أخبرنا يحيى بن آدم ، قال : أخبرنا أبو بكر
بن عياش ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن عبد الله بن سلمة[38]
، عن حذيفة رضي الله عنه قال : كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليلة
العقبة ، وعمار يقوده ، وأنا أسوق به فإذا رواحل قد عرضت تريد رسول الله فضرب عمار
رضي الله عنه ، وجوهها فإذا رجال متلثمون اثنا عشر رجلا فلما جاوزوا (1) ، قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضرب عمار رضي الله عنه ، وجوهها فإذا رجال
متلثمون اثنا عشر رجلا فلما جاوزوا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما
أراد القوم ؟ » ، قلت : أرادوا أن ينفروا (2) برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال
: « هل تعرفهم ؟ » ، قلت : نعم اهـ
قال البزار: وهذا الكلام ونحوه قد روي عن حذيفة من غير هذا الوجه ، ولا
نعلم روى عبد الله بن سلمة ، عن حذيفة حديثا مسندا غير هذا الحديث.
التعليق:
الصواب أن حذيفة عرف رواكبهم فقط ثم أخبره النبي (ص) بالأسماء، وهذه القصة
فالرجال كانوا بضعة عشر رجلاً، وكأنهم من كبار القوم فركائبهم معروفة، وإن قال
قائل: أنه يظهر أن فيهم بعض السابقين
بدلالة قوله (أكره أن تحدث العرب بينها أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله
بهم أقبل عليهم يقتلهم) فهذا لن يقوله في مثل معاوية وأبي سفيان، لابد أن يكون
فيهم بعض السابقين، فإن صح هذا الاحتمال فيحتمل أنهم تابوا أو أن الثلاثة الذين
عذرهم منهم، والتيار السلفي سيفرح بهذه الرواية وأمثالها، لأنها بظنهم تزحلق التهمة
من معاوية إلى السابقين! مما يدل على أن نظرية الدفاع عن الصحابة وعدالة الصحابة
ليس المقصود منها إلا معاوية، إلا أن معاوية وأبا سفيان تدل عليهم روايات أخرى،
وهم أولى بهذا العمل الشنيع من غيرهم من المهاجرين أو الأنصار
الطريق الثالث: أبو البختري عن حذيفة:
في دلائل النبوة ـ للبيهقى - (5 / 260) أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن
عبدان أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار حدثنا أبو عمرو الحراني حدثنا أبو الأصبع عبد
العزيز بن يحيى الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن الأعمش عن عمرو بن
مرة عن أبي البختري عن حذيفة بن اليمان قال :
كنت آخذ بخطام ناقة رسول الله أقود به وعمار يسوقه أو أنا أسوقه وعمار
يقوده حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكباً قد اعترضوه فيها قال فأنبهت
رسول الله بهم فصرخ بهم فولوا مدبرين فقال لنا رسول الله هل عرفتم القوم ?
قلنا: لا يا رسول الله كانوا
متلثمين! ولكنا قد عرفنا الركاب! قال
هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة! وهل
تدرون ما أرادوا ?
قلنا لا؟ قال أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة فيلقوه منها!
قلنا يا رسول الله أولا تبعث إلى
عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم ?
قال لا أكره أن تحدث العرب بينها أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله
بهم أقبل عليهم يقتلهم
ثم قال اللهم أرمهم بالدبيلة قلنا
يا رسول الله وما الدبيلة ?
قال شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك اهـ .
التعليق:
قد ذكر أهل السنة من هؤلاء معتب بن قشير الأنصاري وهو بدري ( ذكره ابن
إسحاق وغيره)، وذكر الشيعة منهم أبا بكر وعمر وأمثالهم وهم بدريون، وأنا أبريء البدريين وأتهم الطلقاء وحلفاءهم وأبرزهم أبو سفيان
ومعاوية ، وسأترك السلفية المحدثة لأرى هل تدافع عن البدري أم عن الطليق[39]؟!
الطريق الرابع: أبو الطفيل عن حذيفة :
مسند
البزار - (7 / 271) حدثنا عباد بن يعقوب ( ثقة وقد توبع)، قال : أخبرنا محمد بن
فضيل ( ثقة بإطلاق)، قال : أخبرنا الوليد بن جميع ( صدوق شيعي) ، عن أبي الطفيل
(صحابي) ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : لما كان غزوة تبوك أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم مناديا فنادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ العقبة فلا تأخذوها،
فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة ، وعمار يسوق ، وحذيفة يقود به، فإذا هم برواحل عليها قوم متلثمون ، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : « قد قد ، ويا عمار سق سق » ، فأقبل عمار على القوم
فضرب وجوه رواحلهم، فلما هبط رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقبة قال : « يا
عمار ، قد عرفت القوم ، أو قال : قد عرفت عامة القوم أو الرواحل أتدري ما أراد
القوم ؟ » ، قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : « أرادوا أن ينفروا برسول الله صلى الله عليه وسلم » اهـ
قال
البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن حذيفة ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم ، وقد روي عن حذيفة من غير هذا الوجه ، وهذا الوجه أحسنها اتصالا ،
وأصلحها إسنادا إلا أن أبا الطفيل ، قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
أحاديث ، والوليد بن جميع هذا فمعروف إلا أنه كانت فيه شيعية شديدة ، وقد احتمل
أهل العلم حديثه ، وحدثوا عنه اهـ
التعليق:
بل الحديث صحيح الإسناد، وهو من أحسنها اتصالاً
كما قال البزار، وتشيع الوليد بن جميع لا يضر مادام أنه ثقة، ثم قد توبع، وهو من
رجال مسلم، والحديث في المعنى كغيره مما سبق وصح سنده، نعم لو ذكر البزار بقية
الحديث فمن حقه أن يقول في الوليد بن جميع ما قاله، لأن بقية الرواية فيها سرد
لأسماء هؤلاء الملثمين، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر.. وهذا وإن كان منكراً إلا أن
هذا أخف من زعم معاوية وأشياعه أن علياً بأنه كان منهم! فالإمام علي كان قد
استخلفه النبي (ص) على المدينة بالإجماع، ولم يكن في غزوة تبوك، فالذي يطعن على
هذا الإسناد بسبب ذكره أبا بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وعبد الرحمن بن عوف وأبي
موسى والمغيرة وأبو سفيان ومعاوية وعمرو بن العاص وأبي الأعور السلمي وأوس بن
الحدثان .. الخ فإنكار كون علي منهم من باب أولى وأولى، إلا أن النواصب يتشددون
على من يذكر أبا بكر وعمر في هؤلاء ولا يتحدثون عن حريز بن عثمان وأمثاله ممن
يفترون بذكر علي فيهم، فعلي لم يكن في تبوك بعكس هؤلاء، وسنناقش في الملحق تلك
الروايات التي تتهم أبا بكر وعمر وأمثالهم بهذه المحاولة، والراجح عندنا أن رأس
هذه المحاولة هم طلقاء قريش أبو سفيان ومعاوية وأمثالهم وشاركهم حلفاؤهم كأبي موسى
الأشعري وأبي الأعور السلمي (وعندي حرج من ذكر أبي موسى الأشعري ولولا صحة
الأسانيد فيه لما ذكرته) .
لفظ آخر للحديث واعتراف البزار بحذف بعضه:
ففي
مسند البزار - (7 / 274) حدثنا علي بن المنذر ، قال : حدثني محمد بن فضيل ، قال :
أخبرنا الوليد بن جميع ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك : « لا يسبقني إلى الماء أحد » ، قال أحمد[40]
بقي فيه كلام تركته[41]
وهذا الحديث لا نعلمه يروى من حديث أبي الطفيل ، عن حذيفة إلا بهذا الإسناد،
حدثنا محمد بن المثنى ( ثقة) ، قال : أخبرنا أبو
عاصم ( هو النبيل ثقة) ، قال : أخبرنا مهدي بن ميمون ( ثقة 172هـ)[42]،
عن عثمان بن عبيد( ثقة)[43]
، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم اهـ
التعليق:
هكذا
ذكر البزار هذا الإسناد بعد حديث الوليد بن جميع، ولا أدري أيريد به متابعة أم لا،
ومحقق الكتاب ذكر هذا الحديث تحت رقم حديث الوليد بن جميع ( رقم الحديث 2435)، فإن
كانت هذه متابعة للوليد بن جميع فالمتابعة
قوية صحيحة الإسناد جداً.
جزء من حديث أبي الطفيل عن حذيفة :
في
صحيح مسلم (8 / 123) حَدَّثَنَا زُهَيْرُ
بْنُ حَرْبٍ[44]
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْكُوفِىُّ[45]
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ[46]
حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ[47]
قَالَ كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ[48]
وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ
فَقَالَ
( حذيفة) أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ؟
قَالَ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ أَخْبِرْهُ إِذْ
سَأَلَكَ !
قَالَ
كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ !
(قال)
فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَشْهَدُ
بِاللَّهِ أَنَّ اثْنَىْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِى
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ وَعَذَرَ ثَلاَثَةً قَالُوا
مَا سَمِعْنَا مُنَادِىَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَلاَ عَلِمْنَا
بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ. وَقَدْ كَانَ فِى حَرَّةٍ فَمَشَى فَقَالَ « إِنَّ
الْمَاءَ قَلِيلٌ فَلاَ يَسْبِقُنِى إِلَيْهِ أَحَدٌ ». فَوَجَدَ قَوْمًا قَدْ
سَبَقُوهُ فَلَعَنَهُمْ يَوْمَئِذٍ اهـ
التعليق:
والحديثان
هو حديث واحد رووه مفرقاً وقد رواه مجموعاً الطبراني والضياء في المختارة وغيرهم،
لكنهم جعلوا عمار بن ياسر هو المتخاصم مع أبي موسى.. والرجل المفضوح هو أبو موسى
الأشعري، وسيأتي بيان ذلك، ولكن ورد الحديث بأن المهدد له هو حذيفة بن اليمان،
وورد حديث آخر بأن المهدد له هو عمار بن ياسر، وسيأتي حل هذا الإشكال.
وفي حديث مسلم هنا أن حذيفة بن اليمان هو المهدد
لذلك الرجل المنافق بفضح قصته، بينما روى الواقدي عن ابن أبي حبيبة عن داود بن
الحصين عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله عن أبيه الرواية مثلها تماماً إلا أن فيها
أن عمار بن ياسر هو المهدد لذلك الرجل المفضوح، ولكل من الحديثين شواهد وقرائن،
فإما أن يكونا في زمنين مختلفين وإما تكون إحداهما وهماً، وإما أن الاسمين موجودان
في الرواية برواية عمار عن حذيفة قصة العقبة، فوهم أحد الرواة وجعل القصة بين
حذيفة وأبي موسى، وإنما لحذيفة حديث آخر يتهم فيه أبا موسى بالنفاق، فدخل عليهم
لفظ في لفظ..
وعلى
احتمال أن تكون القصتان مختلفتين فهذا يعني أنهما حدثتا في زمنين مختلفين، لأن
حذيفة مات بعد أربعين يوماً من خلافة علي، وبقي عمار إلى صفين، فتكون الأولى منهما بين حذيفة وأبي موسى الأشعري أواخر عهد عثمان) وتكون
الثانية بين عمار بن ياسر وأبي موسى الأشعري في أول عهد علي، قبيل الجمل، عندما
بعث علي عماراً لاستنفار أهل الكوفة فوجد من أبي موسى معارضة ولم يمكنه قمعه إلا
بتذكيره بأنه من أصحاب العقبة[49].
ويظهر أن القصة واحدة فالأرجح أن القصة حدثت بين
عمار وأبي موسى فخصومتهما في الكوفة قبيل الجمل أشهر في التاريخ ، وكان جابر بن
عبد الله من أنصار الإمام علي، فلعله كان
من ذلك البعث الذي بعثه الإمام علي مع عمار بن ياسر وابنه الحسن لاستنفار أهل
الكوفة.
والحديث
حديث حذيفة سواء وردت القصة عنه أو عن عمار لأنه صح أن عمار بن ياسر إنما أخذ هذه
الأسرار من النبي (ص) والروايات التي تقول إن النبي (ص) أسر بأسمائهم إلى حذيفة
وعمار ضعيفة، والصحيح أنه أسر بها إلى حذيفة وحده، ثم حذيفة خصّ بها عمار بن ياسر
لكونه كان مع حذيفة في حراستهم النبي (ص) وصدهم المنافقين عن رسول الله (ص) فمن
حقه أن يعلم، لكن لماذا الإسرار إلى حذيفة فقط، فإنما هذا لسر لا نعلمه حالياً
ربما لأن حذيفة كان حريصاً على السؤال، وكان يسأل عن الشر مخافة أن يقع فيه، ولقوة
ذاكرته، وأما عمار فهو رجل نَسِي فإن ذُكِّر ذَكَر ( كما وصفه الإمام علي).
أما
علي فعنده من أخبار الفتن والمنافقين ما هو أكثر وأخطر من حذيفة وعمار، والفتن بعض
علم علي، فهو أعلم الصحابة مطلقاً بالنبي (ص)، وألصقهم به، وأقربهم إليه، وأتبعهم
له، هو بمنزلة هارون من موسى وكفى، ولا يختص عنه صحابي بشيء من علم حتى لو كان
حذيفة، بل حذيفة وعمار من أخلص تلامذة الإمام علي، كما كان الثلاثة من تلامذة
النبي (ص)، وإنما يجب إخراج الإمام علي من كل مقارنة مع أي صحابي، لأن المقارنة .
وأما
كون الرجل الذي هددوا بفضحه وكان من أصحاب العقبة فهو أبو موسى الأشعري على
المشهور، بل اتهامه بالنفاق صح عن حذيفة وعلي وعمار، وهم من أعمدة السلفية
العتيقة.
ومن أحاديث حذيفة في أبي موسى :
ففي
مسند البزار - (7 / 446) حدثنا أحمد بن عبدة ( ثقة) قال : أنبأنا يزيد بن زريع (
ثقة عندهم وهو ناصبي) ، قال : أخبرنا سعيد يعني ابن أبي عروبة ( ثقة مدلس)، عن
قتادة (ثقة مدلس) ، عن أبي مجلز ( ثقة من رجال الجماعة)، أن حذيفة رضي الله عنه
رأى رجلا جلس في وسط الحلقة[50]
فقال :
« أما هذا فملعون على لسان محمد صلى الله
عليه وسلم
أو قال : ملعون على لسان محمد صلى الله عليه
وسلم من جلس وسط الحلقة »
وهذا الحديث لا نعلم يروى إلا عن حذيفة بهذا
الإسناد اهـ
التعليق:
تحريفه من اللفظ الأول إلى اللفظ الثاني متوقع
من يزيد بن زريع وابن أبي عروبة وقتادة فثلاثتهم ثقافتهم بصرية عثمانية، وخاصة
يزيد بن زريع، وهذه النماذج من التحريفات كثير جداً، إذ ينقلون العام إلى خاص
والخاص إلى عام.. كل هذا لوطأة السلطة على العقل المسلم.
التعليق على حديث أبي الطفيل ( بين حذيفة وأبي موسى) ونماذج من
الحرج السلفي:
وهؤلاء
الأربعة عشر أو الخمسة عشر منافقاً، هم
الذين حاولوا اغتيال النبي (ص) في عقبة تبوك، وقد تم التكتم الشديد على هذه
الحادثة رغم ورودها في الصحاح والمغازي والسير بل والقرآن الكريم في قوله تعالى (
وهموا بما لم ينالوا)! ومن بحث لي خاص، رجحت أن منهم أبا سفيان ومعاوية وأبا موسى
الأشعري، إلا أن أبا موسى زعم أنه لم يكن يدري وأن النبي (ص) استغفر له، ولكن لم
يصدقه عمار ولا حذيفة وبقيا على اتهامه، وكان أبو موسى حليف معاوية ( ولا يحالفه
تائب)، وكان ذرية أبي موسى على النصب ومظاهرة الظالمين مما يدل على أثر الأب،
فابنه أبو بردة من الشهود زوراً على حجر بن عدي بأنه كفر كفرة صلعاء، وحفيده بلال
بن أبي بردة وكان رأي حذيفة فيه شديد، كان
يتهمه بالنفاق ( وحذيفة صاحب السر الذي لا يعلمه غيره)!
وانقسم أهل السنة في هذا الأمر:
فاختار
بعضهم أن يتهموا بدرياً وهو وديعة بن ثابت الأنصاري بدلاً من أبي موسى[51]!
مع أنهم يجعلون لأهل بدر مكانة لا يساويها
الطلقاء ولا من يقاربهم، وأبو موسى الأشعري إنما هو من طبقة أبي هريرة ( ليس من
أصحاب الصحبة الشرعية، أسلم بعد خيبر).
وقسم
تحرج فلم يأت على ذكر القصة أصلاً فأخفاها حتى لا يعلم به أحد ( وهم معظم السنة
للأسف في كتب السنة المشهورة).
قسم ثالث من أهل السنة (
موقف ابن عبد البر):
وقسم
ثالث تحرج من الإخفاء الكامل، فأشار إليه إشارة، وصرح بأنه يكره ذكر ذلك الحديث!
كابن عبد البر رحمه الله فهو على تشيعه للإمام علي صرح بأنه يكره ذكر كلام حذيفة،
مع أن كلام حذيفة له حكم المرفوع لخصوصية حذيفة بالعلم بالمنافقين أصحاب العقبة،
ففي الإستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر - (2 / 68) في ترجمة أبي موسى
قال:(... وكان ( أبو موسى) منحرفاً عن
علي لأنه عزله ( عن الكوفة) ولم يستعمله وغلبه أهل اليمن في إرساله في التحكيم
فلم يجزه، وكان لحذيفة قبل ذلك فيه كلام)! اهـ وأعاد هذا القول في الكنى في الإستيعاب في معرفة
الأصحاب - (1 / 300) فقال:
( وعزله علي رضي الله عنه عنها فلم يزل واجداً
منها على علي، حتى جاء منه ما قال حذيفة، فقد روى فيه لحذيفة كلام كرهت ذكره
والله يغفر له. ثم كان من أمره يوم الحكمين ما كان اهـ وقول حذيفة الذي أشار إليه ابن عبر البر هو
اتهام حذيفة لأبي موسى بالنفاق.
قسم رابع : موقف الذهبي.. وعجائبه!
وبعضهم
كالذهبي حاولوا حماية أبي موسى مرة باتهام حذيفة نفسه بأنه صدر منه عن غضب! وكأن
حذيفة يلعب بمثل هذا الأمر الخطير! وكأنه
ليس مؤتمناً على سر رسول الله (ص) ولذلك نجد الذهبي يتتعتع فيخبر أنه يجهل معناه،
ثم يعود ويكاد يتهم حذيفة بأنه وضع الحديث! ومرة بالشك في الأعمش ( مع أنه ثقة وقد
توبع)، وثالثة باتهام الأعمش بأن فيه تديناً زائداً جعلته يستسهل نقل الحديث ولم
يكتمه كما كتمه غيره! ورابعة بالإيحاء بأن هذا غضب في قلب حذيفة نفس عنه بهذه
التهمة الخطيرة! وخامسة بالهروب إلى ذم غلاة الشيعة وأحداث التاريخ!
فقال
– أعني الذهبي- في سير أعلام النبلاء - (3 / 346) :
الأَعْمَشُ:
عَنْ شَقِيْقٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ جُلُوْساً، فَدَخَلَ عَبْدُ اللهِ (
بن مسعود)، وَأَبُو مُوْسَى ( الأشعري) المَسْجِدَ، فَقَالَ (حذيفة) : أَحَدُهُمَا
مُنَافِقٌ! ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ هَدْياً وَدَلاًّ وَسَمْتاً
بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَبْدُ اللهِ[52]
اهـ .
قُلْتُ
– الذهبي- : مَا أَدْرِي مَا وَجْهُ هَذَا القَوْلِ (!)، سَمِعَهُ عَبْدُ اللهِ
بنُ نُمَيْرٍ مِنْهُ ( يعني من الأعمش)[53]،
ثُمَّ يَقُوْلُ الأَعْمَشُ: حَدَّثْنَاهُمْ بِغَضَبِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ(!)
-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاتَّخَذُوْهُ دِيْناً[54].
قَالَ
عَبْدُ اللهِ بنُ إِدْرِيْسَ: كَانَ الأَعْمَشُ بِهِ دِيَانَةٌ مِنْ خَشْيَتِهِ[55].
قُلْتُ
– الذهبي- : رُمِيَ الأَعْمَشُ بِيَسِيْرِ تَشَيُّعٍ فَمَا أَدْرِي[56].
وَلاَ
رَيْبَ أَنَّ غُلاَةَ الشِّيْعَةِ يُبْغِضُوْنَ أَبَا مُوْسَى -رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ- لِكَوْنِهِ مَا قَاتَلَ مَعَ عَلِيٍّ، ثُمَّ لَمَّا حَكَّمَهُ عَلِيٌّ
عَلَى نَفْسِهِ عَزَلَهُ، وَعَزَلَ مُعَاوِيَةَ، وَأَشَارَ بِابْنِ عُمَرَ؛ فَمَا
انْتَظَمَ مِنْ ذَلِكَ حَالٌ[57].
التعليق:
بل
العجب من الذهبي رحمه الله! كيف تتعتع وأثبت ونفى واتهم وبرّأ وسرد وشكك وهرب إلى
التاريخ والتشنيع على الشيعة والانتقال من احتمال التشيع اليسير في الأعمش إلى ذم
غلاة الشيعة الذين ليس منهم الأعمش، ..الخ؟ مع أن المتهم لو كان بدرياً من الأنصار
وصح الإسناد لما جرى كل هذا، ولكان استخراج العبر هو المستراح.
فهذا الاضطراب الكبير هو نتيجة من نتائج إهمال
السلفية الأولى وآرائها، ورفع السلفية المحدثة وعقائدها، فإننا لا نجد هذه التعتعة
والاضطراب عندما يتم اتهام بدريين بالنفاق كمعتب بن قشير، أو رضوانيين بالنفاق
كعبد الله بن أبي بن سلول، مع أنهما أسبق إسلاماً من أبي موسى فكيف بمعاوية؟ فإما أن يكون الورع كاملاً فنحرص على تبرئة البدري والطليق وإما أن يحتمل
في الطليق وما يقاربه ما يجزم به في البدري وما يقاربه[58]، والأحاديث في نفاق أبي موسى مع تحرجي منها –
ربما تأثراً كتأثر الذهبي وابن عبد البر- إلا أنها أقوى من الأحاديث في نفاق معتب
بن قشير، ودلائل براءة معتب أولى لبدريته وسابقته، وأنا هنا لم أبريء معتب بن قشير
كما لا أتهمه، أنا متوقف فيه إلى أن أبحثه، نعم عبد الله بن أبي أنا أتهمه ولكن
أحتمل توبته، أما الأحاديث والروايات السنية في اتهام أبي موسى فهي أكثر وأقوى وجوبه
بها في آخر عمره، واحتمال تحققها قوي، فكيف بمعاوية وأبيه أبي سفيان وأمثالهم؟.
الطريق الخامس: صلة بن زفر عن حذيفة
في
المعجم الكبير للطبراني - (3 / 269): حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن عَبْدِ اللَّهِ
الْحَضْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن عُمَرَ بن أَبَانَ ، حَدَّثَنَا
عُبَيْدَةُ بن أَسْوَدَ ، عَنْ مُجَالِدٍ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ : قُلْنَا :
كَيْفَ أَصَابَ حُذَيْفَةُ مَا لَمْ يُصِبْ أَبُو بَكْرٍ وَلا عُمَرُ؟
قَالَ صِلَةُ بن زُفَرَ : قَدْ وَاللَّهِ سَأَلْنَا حُذَيْفَةَ عَنْ ذَلِكَ ،
فَقَالَ : كُنْتُ أَمْشِي مَعَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي مَسِيرٍ ذَاتَ لَيْلَةٍ [59]،
فَأَدْلَجْنَا دُلْجَةً ، فَنَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، فَقَالَ أُنَاسٌ : لَوْ دَفَعْنَاهُ السَّاعَةَ
فَوَقَعَ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهُ اسْتَرَحْنَا مِنْهُ ، فَلَمَّا سَمِعْتُهُمْ
تَقَدَّمْتُهُمْ ، فَسِرْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ، فَجَعَلْتُ أَقْرَأُ سُورَةً
مِنَ الْقُرْآنِ ، فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : " مَنْ هَذَا ؟ " قُلْتُ : حُذَيْفَةُ يَا
رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " ادْنُ " ، فَدَنَوْتُ ، فَقَالَ : "
مَا سَمِعْتَ هَؤُلاءِ خَلْفَكَ مَا قَالُوا ؟ " قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ
اللَّهِ ، وَلِذَلِكَ سِرْتُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ ، قَالَ : " أَمَا
إِنَّهُمْ مُنافِقُونَ ، فُلانٌ وَفُلانٌ وَفُلانٌ "[60].
قال
الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير وفيه مجالد بن سعيد وقد اختلط وضعفه
جماعة.
قلت:
رجاله كلهم ثقات إلا مجالد بن سعيد، وهو عندهم يصلح في المتابعات والشواهد، وهو
عندي ضعيف وفيه نصب مشهور،.. وإخفاء الأسماء هنا كان للسياسة أو الخوف أو الهوى،
وهم لا يخفون أسماء الأنصار.. إنما يخفون أسماء منافقي قريش ..
سند آخر عن مجالد:
في
مسند البزار - (7 / 401) حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ، قال : أخبرنا أبو أسامة
، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن صلة ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : قلت : « كيف عرفت
المنافقين ؟ ، قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ذات ليلة فسماهم » اهـ
التعليق:
والكلام
في إسناده كالكلام في سابقه، يدور على مجالد.. والحديث يبين أن اختصاص حذيفة
بالعلم بالمنافقين إنما هو بسبب ليلة العقبة، وأن هؤلاء الذين يعرفهم حذيفة كانوا
من الخطورة والمكانة بحيث يتكتم عليهم ويخشى على نفسه القتل إن ذكرهم، ولا أظنه
سيقتل لو ذكر منافقي الأنصار، إنما سيقتل لو
أفصح عن منافق له سلطة كبيرة كمعاوية، فقد كان في عهد عثمان الحاكم الفعلي،
وإن لم تؤمن السلفية المحدثة بهذا فهي تدفع الناس للاعتقاد في أبي بكر وعمر
وعثمان، والسلفية المحدثة لا تمانع في هذا الاتهام لأنه يبريء معاوية، وتبرئة
معاوية هو الهدف الأكبر عندهم وقد ساعدهم بعض الشيعة على هذا .
الطريق السادس : زيد بن وهب عن حذيفة:
في صحيح البخاري - (14 /
217):
حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ( هو ابن
أبي خالد) حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ
فَقَالَ: مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ
هَذِهِ الْآيَةِ[61]
إِلَّا ثَلَاثَةٌ وَلَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِلَّا أَرْبَعَةٌ فَقَالَ
أَعْرَابِيٌّ إِنَّكُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تُخْبِرُونَا فَلَا نَدْرِي فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَبْقُرُونَ
بُيُوتَنَا وَيَسْرِقُونَ أَعْلَاقَنَا قَالَ أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ أَجَلْ لَمْ
يَبْقَ مِنْهُمْ إِلَّا أَرْبَعَةٌ أَحَدُهُمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ
الْمَاءَ الْبَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ [62]
اهـ وقد توبع إسماعيل بن أبي خالد، والرجل الكبير هو أبو سفيان، وكان معه في
هذه المحاولة ابناه معاوية عتبة، وأما بقية الأربعة عشر فعرفنا منهم أبا موسى
الأشعري على الأرجح، ولكن كان حذيفة وأمثاله يذكرونه بالتعريض لإظهاره التنسك (
وما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) فلو أن حذيفة
صرح بأن فلاناً وفلاناً قد شكوت في النبوة لقال بعض من يعظمهم لو كان محمد نبياً
لما شكّ هؤلاء وقد صحبوه ولازموه..الخ، فيفتتنون، فالحق ثقيل لا تتحمله العقول
الضعيفة ولا القلوب المائلة.
وفي
فتح الباري لابن حجر - (ج 13 / ص 91) في
شرح حديث البخاري: (قوْله : ( إِلَّا ثَلَاثَة ) سُمِّيَ مِنْهُمْ فِي رِوَايَة
أَبِي بِشْر عَنْ مُجَاهِد: أَبُو
سُفْيَان بْن حَرْب اهـ
وفي مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 637)
حدثنا
أبو معاوية عن الاعمش عن زيد عن حذيفة قال : ما بقي من المنافقين إلا أربعة ، أحدهم
شيخ كبير لا يجد برد الماء من الكبر ، قال : فقال له رجل : فمن هؤلاء الذين
ينقبون بيوتنا ويسرقون علائقنا ، قال : ويحك ! أولئك الفساق اهـ .
ولفظه في مسند البزار - (7 / 291)
بإسناد البخاري: ( وإن أحدهم شيخ كبير لو شرب الماء لمات)!
وفي مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 637): حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد قال : قرأ
حذيفة (فقاتلوا أئمة الكفر) قال: (ما قوتل أهل هذه الآية بعد)! اهـ
أي أن الأمر بقتالهم هنا ( فقاتلوا أئمة
الكفر) لا علاقة لها بالحث على قتال
الكفار ببدر أو أحد أو الخندق أو فتح مكة أو حنين أو حروب الردة أو فتوح العراق
والشام.. كلا، إنهم صنف آخر لم يقاتلهم المسلمون بعد نزول الآية، والآية نزلت بعد
تظاهر الطلقاء بالإسلام، فماذا يعني هذا؟ يعني ألا نظن أن هذه الآيات كانت في
التحريض على قتال الكفار، ولا على قتال المنافقين المسالمين، وإنما على قتال من (
كفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا)! فابحثوا عن هؤلاء!
التعليق على هذا الحديث، وعلاقته بقصة العقبة:
الحديث
صحيح الإسناد، ويكفي عند السلفية المحدثة أنه في صحيح البخاري، وحذيفة هنا شبه
الصريح – لمن عنده عقل ووعي بالتاريخ- أنه
يريد بهذا الشيخ الذي لا يجد برد الماء أبا سفيان بن حرب، وأنه من أؤلئك الاثني عشر منافقاً، وإنما رجحت
لهذا للروايات التي صرحت باسم أبي سفيان وموت معاوية بالدبيلة ومناسبة حديث قيس بن
عباد وثارات أبي سفيان ورفسه قبر حمزة ولعن معاوية لعلي ومن يحبه ( وهو يعرف أن
رسول الله يحبه، فكأنه يقصده! وهذا ما صرحت به أم سلمة وهي من السلف العتيق[63])،
وإنكار يزيد بن معاوية للنبوة من قرائن فساد هذا البيت[64]،
ولن يتعلمه إلا من أبيه، كما تعلمه أبوه من جده، والثلاثة يخفون ثارات بدر وأحد
والخندق، والقرائن تدل على ذلك.
وأما أبو سفيان فقد توفي كهلاً في خلافة عثمان
وعمره فوق التسعين عاماً، وحذيفة رجل أريب ذكي، يقول القول ليلتقطه العقلاء ويعرض
عنه شر الدواب، فالذين لا يعقلون ومن
شابههم كأهل التشغيب والمعاندة لا ينفعهم بيان، حتى لو ذكر لهم حذيفة أبا سفيان ومعاوية صريحاً فسيستمرون في التشغيب
كما يفعل أتباعهم اليوم، وربما شكوه إلى عثمان كما يشكوننا اليوم! ولعل عثمان يبعث
به إلى معاوية كما فعل بأشراف الكوفة عندما شكوا الوليد وسعيد بن العاص وأمثالهم، وكان
عثمان بن عفان سامحه الله يحدب على بني أمية لضعفه مع قرابته، فحذيفة قال هذا
القول في عهد عثمان وكان أبو سفيان على وشك الوفاة، وكان لعثمان ومعاوية عيون لا
يفارقون مجلس حذيفة! لعلمهم بأن عنده ما
يسيء إلى أبي سفيان ومعاوية، وقد بشر حذيفة هؤلاء الجواسيس بالنار في صحيح البخاري[65]!
التكتم على عذاب أبي سفيان ومعاوية... بالأدواء المختلفة:
والغريب
أن المؤرخين أخفوا هذا الضرر الذي لحق بأبي سفيان كما أخفوا دبيلة معاوية وإصابته
بداء اللقوة، وعذابه عشر سنين بهذه الأدواء! فأبو سفيان في آخر عمره لا يميز بين
الطعوم عقوبة من الله إضافة للعمى، فكان يتضرر من الماء بحيث لو شربه - وربما لو
يصيبه الماء البارد- لمات، لماذا؟ هل يعني
أنه لو شرب الماء البارد أو لو اغتسل بالماء البارد لتضرر أو أنه فقد حاسة الطعم
واللمس؟ وعلى افتراض أنه كان في أواخر سنواته كان يعاني من مس الماء فما علاقة
الماء البارد بقرحة الدبيلة؟! فدبيلة معاوية تتأذى بالرداء ولو كان من حواصل
الطيور! ولعل دبيلة أبي سفيان[66]
تتأذى حتى من الماء البارد؟ الأول في معاوية ثابت، والثاني في أبي سفيان محل بحث..
ولا يقولن أحد أن هذه الأدواء التي أصابت أبا
سفيان ومعاوية ستمحو خطاياهم، لأنهم بقوا على النفاق، وإنما التوبة على الذين
يتوبون من قريب! وليس من يبقى إلى أن يرفس قبر حمزة، ويقول ما من جنة ولا نار! (
كما فعل أبو سفيان بعد عشرين سنة من حادثة العقبة) ولا من يحز رأس عمار ويلعن
علياً ويوصي بسفك دماء أهل الحرة ( كما فهل معاوية بعد ثلاثين سنة في الحادثة
الأولى، وبعد خمسين سنة من الحادثة الأخيرة، وبينهما اللعن على المنابر)!
ما معنى قوله تعالى : (
سنعذبهم مرتين)؟
وقد وعد الله بتعذيب هؤلاء مرتين! لأنهم لم
يتوبوا ولم يعترفوا بذنوبهم ولا اعترف أبتاعهم إلى اليوم، قال تعالى: (مِمَّنْ
حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا
عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ
مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا
بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ
أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) [التوبة ] / فهذه الآيات من سورة التوبة،
وكانوا من سكان المدينة يومها، وهي في سياق المنافقين الذين هموا بما لم ينالوا
والذين أغناهم الله من فضله .. والتوبة إنما هي على المعترفين بذنوبهم كالثلاثة
الذين خلفوا وأمثالهم، وأما أبو سفيان ومعاوية فلم يؤثر عنهم ندماً حتى على أيام
الشرك! فمن أين لهم التوبة؟!.
جوانب من التعتيم والتعمية على هذا الحديث:
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري - (ج 13 / ص 91) في شرح حديث البخاري السابق:
(قوْله : ( إِلَّا ثَلَاثَة )
سُمِّيَ مِنْهُمْ فِي رِوَايَة أَبِي بِشْر عَنْ مُجَاهِد: أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب ، وَفِي رِوَايَة
مَعْمَر عَنْ قَتَادَةَ أَبُو جَهْل بْن هِشَام وَعُتْبَةُ بْن رَبِيعَة
وَأَبُو سُفْيَان وَسُهَيْل بْن عَمْرو (!) ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا جَهْل
وَعُتْبَةَ قُتِلَا بِبَدْرٍ (!) وَإِنَّمَا يَنْطَبِقُ التَّفْسِير عَلَى مَنْ
نَزَلَتْ الْآيَة الْمَذْكُورَة وَهُوَ حَيٌّ ، فَيَصِحّ فِي أَبِي سُفْيَان
وَسُهَيْل بْن عَمْرو وَقَدْ أَسْلَمَا جَمِيعًا اهـ.
التعليق:
إذن فالحافظ قد كفاني بعض ما أراد الواقع الأموي أن يخدعنا به، هم يريدون
من المسلمين استمرار ذم أبي جهل وأبي لهب والأخنس بن شريق! مع أنه ليس لهم أثر على
فهمنا للدين، أما من تظاهر بالإسلام وعمل على تفريغ الإسلام من الداخل، بل تحويله
إلى خادم للظالمين؛ فيجب علينا عند هؤلاء أن نغض الطرف عنهم ليعبثوا كما يشاؤون!
وبقي لي تعليق على آخر كلام
الحافظ وهو قوله ( وقد أسلما جميعاً) فهذه عبارة مشتبهة، ونقول باختصار: نعم لكن
كان لأبي سفيان أعمال - لا يعرفها ابن حجر
لتسالمه مع الثقافة السائدة- كرفس قبر
حمزة في عهد عثمان وقوله ( قد عدنا يا حمزة! وهؤلاء صبياننا ولاة الأمصار)! أو
بمعناه، وتمنيه هزيمة النبي (ص) يوم حنين ( وهذه يعرفها ابن حجر) وتمنيه مع سهيل
بن عمرو هزيمة المسلمين يوم اليرموك وانتصار الروم ( وأظنه يعرف هذا لكنهم شوشوا
على هذه الرواية وعدلوا إلى من غاب عن اليرموك وتركوا شهادات شهود العيان)!،
وانفرد أبو سفيان عن سهيل بن عمرو بقصة العقبة ( وقد ذكر سهيل بن عمرو فيهم أيضاً
ولكن السند فرد غريب، فالله أعلم).. وأما
يوم اليرموك فلن يتمنيا هزيمة المسلمين إلا عن استحكام نفاق، وربما عن صلة قوية بعظيم
الروم[67]
- كالعملاء اليوم- ( ولأبي سفيان وحليفه أبي عامر الفاسق تنسيق كبير مع الروم
والغساسنة لا يعرفه أكثر الناس، وآخر اجتماع بين ملك الروم وأبي سفيان في هدنة
الحديبية! تلك الرواية التي ينقلونها في فضائل هرقل وفضائل أبي سفيان!)، وهذا
التمني لأبي سفيان وسهيل بن عمرو يرجح هذا التنسيق، وكأن هناك وعداً بجعله ملكاً
على العرب، كما كان يفعل المناذرة و الغساسنة، ولن ندرس هذه الروايات هنا لأننا
سنخرج بها من موضوع معاوية إلى أبي سفيان، ولأبي سفيان عندي جامع مفرد، وفيه دراسة
كل هذه الروايات وأضعافها، وفي آخر عمره قال ( ما من جنة ولا نار، فتلقفوها يا بني
أمية ( وطرده عثمان بن عفان من مجلسه عندما قالها، ولا نريد هنا جميع مثالب أبي
سفيان ولا حتى جميع مثالب معاوية وإنما علاقتهما بحديث الدبيلة، ولكونهما لم
يفترقا في جاهلية ولا إسلام!.
الطريق السابع: زر بن حبيش عن حذيفة:
المعجم
الأوسط للطبراني - (ج 9 / ص 26) حدثنا علي بن سعيد الرازي ( ضعيف وقد توبع) قال :
نا عباد بن يعقوب الأسدي (ثقة من شيوخ البخاري) قال : نا تليد بن سليمان ( مختلف
فيه والراجح أنه صدوق)[68]
، عن أبي الجحاف ( وهو ثقة) ، عن عدي بن ثابت (وهو ثقة) ، عن زر بن حبيش (وهو ثقة
جليل)، عن حذيفة بن اليمان قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطن الوادي ،
وأخذ الناس العقبة[69]
، فجاء سبعة نفر متلثمون فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان حذيفة
القائد ، وعمار السابق قال : « سدا ما يليكما » فلم يصنعوا شيئا ، فنظر إليهم رسول
الله ، فقال « يا حذيفة ، هل تدري من القوم ؟ » قلت : ما أعرف منهم إلا صاحب
الجمل الأحمر ، فإني أعلم أنه فلان « لم يرو هذا الحديث عن عدي بن ثابت ، إلا
أبو الجحاف ، ولا عن أبي الجحاف إلا تليد ، تفرد به : عباد »
التعليق:
هذا
آخر طريق عن حذيفة في موضوع محاولة الاغتيال، وقد بقيت أحاديث أخرى عن القصة من
روايات الصحابة والتابعين وبعض المراسيل والمقطوعات التاريخية، فبقيت من أحاديث
الصحابة أحاديث أبي الطفيل وأبي سعيد الخدري وأبي قتادة وجابر بن عبد الله وعمار
بن ياسر وحمزة بن عمرو الأسلمي، فهؤلاء ستة من الصحابة لم نذكر أحاديثهم ( انظرها
في الملحق)، وبقي من روايات التابعين روايات الحسن البصري وعروة بن الزبير والضحاك
والزهري وطاووس بن كيسان وابن إسحاق أي ست من روايات التابعين أيضاً ( فانظرها في
الملحق)، وبقي من المعارضات ومحاولات صرف الحديث
وقد يكون فيها بعض الزيادات، ولكن نريد هنا أن نقتصر على ما روي عن حذيفة
وأن نصلها بما بعدها مما سيأتي بيانه وحتى لا نكرر ألفاظ الحديث لأن معظمها مكرر
الألفاظ وقد يمل القاريء، فمن أراد
الاستزادة فلينظر : بقية أحاديث الدبيلة في الملحق.
شيخ الطبراني ضعيف (وقد توبع) وشيخه عباد بن
يعقوب ثقة شيعي وهو من شيوخ البخاري ( وقد توبع أيضاً)، وتليد مختلف فيه ( انظر
ترجمته في الملحق)، وفيه سوء حفظ وسوء حفظه ظاهر في بعض ألفاظ الراوية، وأبو
الجحاف صدوق، وعدي بن ثابت وشيخه زر بن حبيش ثقتان من رجال الصحيح، وحذيفة حذيفة،
فالسند أقل أحواله الحسن لغيره، وهنا ذكر سبعة فقط، والصواب أنهم أربعة عشر،
ولعلهم انقسموا قسمين، أو يكون هذا من ذلك الضعف الذي لحق بعض رجال الإسناد.. ولعل
النبي (ص) أخبر ببقيتهم من متجسسين ومخططين..الخ، وقوله ( لم يصنعوا شيئاً) يراد
بمهم هؤلاء الملثمون، أي لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً بسبب ضرب وجوه دوابهم وثبات
النبي (ص) ومن معه..
وقول
الطبراني ( تفرد به عباد) غير صحيح، فقد توبع من عبد السلام الهروي عند البزار[70]،
وإن كان يقصد لم يتابع على القصة فهذا أبعد،..فالقصة وردت من طرق كثيرة عن حذيفة
وعمار وأبي الطفيل وغيرهم.. نعم هذا السياق فيه قلب، والصواب أن النبي (ص) أتى
العقبة وهم أتوا الوادي.
وصاحب
الجمل الأحمر الأرجح أنه أبو سفيان.. وهذا يفسر (ليلة الجمل، في أخبار أبي
سفيان).. فقد رويت لفظين ( ليلة الجبل) و( ليلة الجمل)..، وكلاهما دال، فالجمل جمل
أبي سفيان، في ذلك الجبل ( العقبة) وكان معاوية يقوده وعتبة يسوقه، وقد جاء لعن
الثلاثة، كما في الحديث الآخر، أن النبي (ص) رأى أبا سفيان على جمل أحمر
ومعاوية يقوده وعتبة يسوقه فقال: ( لعن الله الراكب والقائد والسائق) وأسانيده
صحيحة فهو من شواهد هذا الحديث، والمناسبة
هي نفسها على الراجح.
وسننتقل
في البحث الآتي عن قصة هذا ( الجمل الأحمر)، ولعن أصحابه ( راكبه وقائده وسائقه)،
فحديث حذيفة قد أعطانا السبب الذي من أجله لعن النبي (ص) أبا سفيان ومعاوية وعتبة،
إذ لا بد لهذا اللعن النبوي من مبرر كبير، فالنبي (ص) كان أعظم الناس خلقاً ولا
يلعن إلا من لعنه الله[71]،
كالذين يؤذون النبي (ص) : قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ
عَذَابًا مُهِينًا (57) [الأحزاب : 57]).
وقد
جاء حديث الجمل الأحمر مرتبطاً بحادثة العقبة وبعض الطرق تذكر الحديث بلا مناسبة،
وبلا ذكر للجمل الأحمر، وهي الأكثر، فلذلك خفي الربط بين الجمل الأحمر وقصة
العقبة، وسأحاول هنا أن أذكر الأحاديث والروايات في الحديث والرواية بادئاً بذكر
الأحاديث والروايات التي فيها ذكر الجمل:
المبحث الثاني : شواهد حديث الدبيلة
شاهد
(1) حديث الجمل الأحمر :
حديث الجمل الأحمر من
شواهد وقرائن اشتراك أبي سفيان ومعاوية في محاولة اغتيال النبي صلوات الله
عليه، فصاحب الجمل الأحمر هو أبو سفيان وكان
معه ابناه معاوية وعتبة، وهو مروي من طريق أبي أيوب الأنصاري وابن عمر والحسن بن
علي وسفينة وعاصم الليثي والبراء بن عازب ( سنتوسع في هذه الأحاديث في كتاب منفصل
عن : الأحاديث في لعن معاوية)، وللحديث قرائن حافة ومدعمة من أحاديث قصة العقبة وحديث
حنين، وقد سبق حديث الجمل الأحمر في بعض ألفاظ حديث حذيفة، وسننتقي هنا بعض هذه الأحاديث
التي فيها إشارة ما، إلى أن أحاديث الجمل الأحمر تشير إلى اشترك معاوية وأبي سفيان
في تلك القصة أعني محاولة اغتيال النبي (ص) ليلة العقبة، وأن حادثة لعن راكب الجمل
وقائده وسائقه كانت قبيل أو بعيد أو اثناء المحاولة، وسنترك بقية الأحاديث التي
فيها لعن معاوية لكتاب قادم مفصل وفق محاسن منهج أهل الحديث مع اجتناب مساويء ذلك
المنهج وأبرزها العصبية المذهبية جرحاً وتعديلاً، تصحيحاً وتضعيفاً، إعلاناً
وإخفاءً.
إذن من الأحاديث ذات الدلالة
القريبة على اشتراكه في قصة العقبة والتي فيها ذكر ذلك الجمل الذي كان أبو سفيان
راكبه ومعاوية قائده أو سائقه ما يلي:
حديث أبي أيوب الأنصاري: في الجمل الأحمر
في تاريخ دمشق - (ج 16 / ص 55):
أخبرنا أبو محمد السلمي نا أبو
بكر أحمد بن علي وأخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن أحمد أنا أبو بكر بن الطبري قالا
أنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر نا يعقوب نا عبيد الله بن معاذ[72]
نا أبي[73]
نا ابن عون[74]
نا عمر بن كثير بن أفلح[75]
قال : قدم أبو أيوب على معاوية فأجلسه معه على السرير فجعل معاوية يتحدث ويقول
فعلنا وفعلنا وأهل الشام حوله فالتفت إلي أبي أيوب وقال من قتل صاحب الفرس البلقاء
التي جعلت تجول يوم كذا وكذا قال أبو أيوب: أنا قتلته إذ أنت وأبوك على الجمل
الأحمر معكما لواء الكفر!
قال فنكس معاوية وتشمر ( تنمر)
أهل الشام لأبي أيوب وقالوا وتنمروا
فرفع معاوية رأسه وقال مه مه،
وإلا فلعمري ما عن هذا سألناك ولا هذا أردنا منك).
قلت: ورواه ابن عساكر بلفظ مقارب بإسناد من طريق ابن أبي الدنيا
حدثني محمد بن عباد بن موسى نا معاذ بن معاذ[76]
عن ابن عون عن عمر بن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب قال.. فذكر نحوه.
والإسنادان متابعان لبعضهما عن معاذ
بن معاذ فمن فوقه، وهم ثقات، وفي بعضهم نصب كمعاذ بن معاذ، فهو من النواصب الذين
تستر عليهم أهل الحديث، وأهل الحديث لا يرون النصب إلا إذا كان فجاً، وصاحب البدعة
لا يرى بدعته، وعلى كل حال فالسند رجاله ثقات، لكن ظاهره الإرسال إلا أن يكون عمر
بن أفلح مع أبي أيوب وهذا هو الراجح لأنه قديماً روى عن كعب بن مالك ( وقد مات في
خلافة علي على ما ذكره الحافظ في التقريب) وأبو أيوب مات بعد ذلك بأكثر من عشر
سنين (نحو 52هـ) وكان والده وهو كلاهما من موالي أبي أيوب، وهم معه في الحضر والسفر،
فلابد أن يكون شهد القصة ( قصة أبي أيوب مع معاوية) التي حدثت قبيل وفاة أبي أيوب..
والإسناد له متابعة عن ابن عون بلفظ مقارب فقد:
رواه البلاذري من طريق المدائني:
ففي
أنساب الأشراف - (ج 2 / ص 106) : المدائني عن أزهر[77]
عن ابن عون عن مولى لأبي أيوب الأنصاري أن أبا أيوب قدم على معاوية فجلس معه على
سريره، فقال له: يا أبا أيوب من قتل صاحب الفرس الأشقر الذي كان يجول؟ قال: أنا
قتلته يوم كنت أنت وأبوك على الجمل الأحمر تحملان لواء المشركين. اهـ قلت
مولى أبي أيوب هو كثير بن أفلح في الإسناد الأول. اهـ
التعليق:
السند صحيح، فالمدائني ثقة ثقة ثقة ( كما قال
ابن معين) وشيخه أزهر بن سعد ثقة بصري من رجال الشيخين، وابن عون وما بعده ثقات تقدموا..
ونقل الذهبي حديث أبي أيوب في (سير أعلام
النبلاء - (ج 2 / ص 411):
ابن عون: حدثنا محمد، وحدثنا عمر بن كثير بن أفلح، .. فذكره)
ولم يتعقبه الذهبي بشيء مع حرصه على تعقب كل ما يسيء إلى معاوية.
إسناد آخر للقصة عن ابن سيرين عند ابن عساكر:
وروي بسند صحيح عن ابن سيرين، ففي تاريخ دمشق - (ج 16 / ص 56) قال وأنا ابن
عون حدثني محمد بن سيرين مثل هذا الحديث اهـ.
التعليق:
السند
صحيح بمجموع الطرق، وأما المتن فهل هو يوم العقبة؟ أم يوم آخر؟.. يحتاج لتدبر، وإذا
كان معهما لواء الكفر فربما يرجح بعضهم أنه يوم أحد أو الخندق، فيوم أحد محتمل
لحصول القتال المباشر بعكس يوم الخندق، إذ لم تحدث يوم الخندق إلا مبارزات ورمي
بالسهام، أما يوم العقبة لم يحدث فيه قتال بين المسلمين وغيرهم، ولكن هل من مناسبة
ليذكر أبو أيوب عيباً لمعاوية في الجاهلية؟ أم أن بعض النواصب في الإسناد رووا هذه
القصة لتتم التغطية على القصة الكاملة ( وكان في ابن عون نصب رغم جلالته).. فزادوا
قصة الفرس الذي قتل أبو أيوب صاحبه، مع أنه لا يعرف في التاريخ حصول هذه الحادثة؟
خل كان سؤال معاوية في موضوع آخر فأجابه أبو أيوب بذكر قصة العقبة والجمل الأحمر؟
وكان أبو سفيان زعيم تلك المحاولة ومعه معاوية، لا ريب
أن في الحديث غموضاً قد يكون مقصوداً
للتغطية على مصارحة أبي أيوب لمعاوية بقصة الجمل الأحمر ليلة العقبة، فزادوا فيه
تلك الفرس التي تجول، ولا أعرف عن قصة هذا الفرس شيئاً ولا عن قتل أبي أيوب لأحد
المشركين، والنواصب أصحاب مكر، فقد يسبقون إلى الحديث الذي يظنه المنصفون ضد
معاوية فيدخلون فيه ما يبطله، فكل سلفي اليوم سيقول : لا يضر .. إنما كان ذلك في
الجاهلية! وقد جب الإسلام ما قبله! والجواب عليهم يقال: فلماذا فهم أبو أيوب من
ذلك ذماً لمعاوية؟ أليس أبو أيوب الأنصاري من السلف الصالح عندكم[78]؟
وهل أنتم أفقه منه حتى يذم معاوية بما جبه الإسلام؟ أم أن في السند نواصب شوشوا
عليكم، وأن أبا أيوب ربما ذم معاوية بذلك اليوم الذي لعن فيه رسول الله الراكب
والقائد والسائق لأنهم كفروا بعد إسلامهم كما في الآية التي نزلت في قصة الاغتيال
ليلة العقبة، في سورة التوبة التي نزلت عام تبوك، وهي قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ
إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ
وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)/ فكل
التفاسير مجمعة على أن المراد بقوله ( وهموا بما لم ينالوا) أي هموا بالفتك برسول
الله (ص) تلك الليلة، وكان النبي (ص) قد أعطى أبا سفيان مئة ناقة ( يوم حنين)
وكذلك أعطى معاوية مثلها، وأدخل لهم حقوقاًُ في المؤلفة قلوبهم، فأغناهم الله
ورسوله من فضله لكنهم كفروا هذه النعم واستخدموها في تكوين أحزاب سرية تعمل على
اغتيال النبي (ص) وأذيته بالقول والعمل.
حديث الحسن بن علي: في
الجمل الأحمر:
ويشهد له أيضاً حديث الحسن بن علي الذي رواه
الزبير بن بكار في المفاخرات[79]،
وفيها ذكر الحسن بن علي للمواطن التي لعن فيها النبي (ص) أبا سفيان ومنها
قوله:
( والسادسة : يوم الجمل الأحمر
والسابعة:
وم وقفوا لرسول الله وآله في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثني عشر رجلا منهم
أبو سفيان) انتهى ما يخص هذا الحديث..
وهو
في جمهرة خطب العرب قول الحسن لمعاوية: (وأنشدك الله يا معاوية أتذكر يوما جاء
أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله وآله فقال
اللهم العن الراكب والقائد والسائق)
التعليق:
وحديث
الحسن هذه مع معاوية في حوار مشهور بأسانيد صحيحة في غير هذا الحديث وقد أفردناه،
وسيأتي عند مناقشة حديث ( لعن الله الراكب والقائد والسائق)، لكن المتون
فيها المختصر وفيها المطول، وإنما قدمت هذه الروايات هنا لأنها من الروابط بين الجمل
الأحمر والعقبة، ولكن في لفظ حديث الحسن هنا، يفهم منها أن قصة الجمل الأحمر غير
قصة العقبة، فإن كان كذلك فلا يمنع الجمع وأن يكون ذلك الجمل الأحمر الذي كان
معهما يوم أحد كان معهما أيضاً يوم العقبة، أو أن لعنهم يوم الجمل قبل العقبة،
فكان اللعن الأول والثاني متقارباً، بمعنى أن النبي (ص) لعنهما نهاراً قبل العقبة،
وكانوا قد كمروا بجوار قبة النبي (ص) فلعنهم لعلمه بتجسسهم وتخطيطهم لاغتياله، ثم
لعنهم أثناء المحاولة، فيكون لعنه يوم الجمل الأحمر سابقاً للعنه ليلة العقبة،
ويكون ذلك اليوم هو الذي سبق العقبة مباشرة، إذ بلغ التخطيط والتجسس والتحفز
ذروته، ولهذا شواهد سبقت وستأتي.
ولكني
وجدت في كتب الشيعة الإخبارية ما يبريء معاوية من حديث الحسن هذا، ويجعل يوم الجمل
الأحمر يوم الأحزاب، كما في بحار الأنوار للمجلسي ( 44/ 77)[80]،
إلا أن روايات أهل السنة أثبت من روايات الشيعة سنداً ومعنى.
حديث عمار بن ياسر: في
الجمل الأحمر:
حديث
أبي تحيى عن عمار، ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق - ترجمة أبي موسى الأشعري- قول عمار
لأبي موسى ( وأن النبي (ص) لعنه ليلة الجمل)[81]! واعتراف أبي موسى وزعمه أن الرسول قد استغفر له
فلم يصدقه عمار) اهـ المراد.. وكان أبو موسى حليف معاوية ( كما سيذكر ذلك معاوية نفسه وسيأتي، وكان أبو
موسى حليفاً لبني أمية من أيام الجاهلية، وكانت أمه من عك ( وعك منها قبائل عسير
حالياً) أقامت بمكة وولدته بمكة، ومع أن أبا موسى أفضل من معاوية بكثير إلا أن
الحديث في نفاقه واتهامه صح سنده عندهم كما سبق، فإذا صح السند بأن أبا موسى كان
منهم فلماذا لا يكون معاوية منهم؟ إذن فمعاوية لأنه سلطان القوم وعنه نتج الفكر
الأموي فقد تعرضت الأحاديث في ثلبه واتهامه لكثير من البتر والتعمية والغموض
والبتر والإخفاء والصرف إلى غيره..الخ لأنه كان له جهاز كبير من القصاص والوعاظ
والمحدثين والفقهاء..الخ، والتلازم بين سلاطين السوء وعلماء السوء هو الأصل في
النصوص الشرعية والواقع التاريخي.
وقد
تحرفت كلمة ( الجمل) في بعض الروايات إلى كلمة ( الحملق)! وهي كلمة لا معنى لها،
ولا استبعد أن تكون مقصودة! وهناك أيضاً ليلة الجبل ( وهذه قريبة من الصواب
فالعقبة والجبل معنى متقارب.
[1]
وليس كل الثقافة الحديثية ولا معاييرها باطلة ولا كلها صحيحة،
وإنما فيها الحق والباطل، ونحن لا نضعف الحديث مطلقاً ولا نقبله لأنه رواه فلان
وفلان وصححه فلان وفلان، لأن فلانًا وفلاناً هؤلاء نحتاج أن نقيم ثقافتهم وهل هي
أصيلة أم مذهبية، هل تقييم هذا سهل إذا لجأنا للقرآن الكريم والعقل الصريح والوعي
التاريخي والضمير الحي.. وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان، أعني سنعرف من هو مع
القرآن عندما نعرض بعض الآيات التي لم يكد هؤلاء يسمعونها، وبعض الأحاديث التي رغم
وجودها في صحيح الأحاديث واتفاقها مع القرآن الكريم إلا أنهم لا يفهمونها ولا يرون
فيها فائدة! وهكذا.. فنحن لا نتكلم من فراغ، والثقافة العامة معادية للقرآن الكريم
من حيث لا تشعر، معادية للحقيقة من حيث تظن أنها تنصر الحقيقة، .. وهكذا طبيعة كل
الثقافات مهما كانت تافهة، ليس هناك ثقافة على وجه الأرض إلا وهي ترى أنها تنصر
الحقيقة، ولكن مع الحوار وإعادة النظر وزيادة العلم ووحدة المعيار ودقته يمكن
اكتشاف أن كيساً من القطن أخف من كيلو من الحديد الصلب! أما قبل الوزن فالطفل يظن
أن الكيس أثقل، والعقل الطفولي كالطفل يغتر بالمظاهر من ألفاظ وكثرة التزكية للذات والذم للمختلف.
[2]
وهذه الشكوى مني الآن قد
قالها الصحابي الكبير أبي بن كعب الأنصاري، ففي سنن النسائي - (2 / 88) أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُقَدَّمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ
يَعْقُوبَ قَالَ : أَخْبَرَنِي التَّيْمِيُّ ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ ، عَنْ قَيْسِ بنِ
عَبَّادٍ قَالَ ( عن أبي بن كعب): قال : هَلَكَ
أَهْلُ الْعُقَدِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ - ثَلاَثًا - ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا
عَلَيْهِمْ آسَى ، وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ أَضَلُّوا قُلْتُ : يَا أَبَا يَعْقُوبَ
مَا يَعْنِي بِأَهْلِ الْعَقْدِ ؟ قَالَ : الأُمَرَاءُ. ( قال الألباني :
صحيح)/ والحديث في مسند الإمام أحمد (5 / 140) بلفظ: ( هَلَكَ أَهْلُ الْعُقْدَةِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ
، أَلاَ لاَ عَلَيْهِمْ آسَى ، وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ يَهْلِكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ
) وفي صحيح ابن خزيمة - (3 / 33): ( هَلَكَ
أَهْلُ الْعُقْدَةِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ - ثَلاَثًا - ثُمَّ قَالَ : وَاللَّهِ مَا
عَلَيْهِمْ آسَى ، وَلَكِنْ آسَى عَلَى مَنْ أَضَلُّوا قَالَ : قُلْتُ : مَنْ تَعْنِي
بِهَذَا ؟ قَالَ : الأُمَرَاءُ)، والحديث في صحيح ابن حبان ومسند ابن الجعد
وغيرهم، وكلام أبي بن كعب صحيح، فالأمراء على أيديهم تم فساد الثقافة في الماضي،
مع قوله تعالى ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) فجعل القرب منهم موجباً
للنار فكيف بمشاركتهم في وضع الأحاديث وإظهار التنسك وخداع الناس عن دينهم وتسويغ
مظالمهم؟ والعلم والعقل يدعم هذا التفسير، أي بأن نقل الدين من فاعل في الحياة إلى
فاعل في الشخص فقط هو عمل السلطة، كما أن تحويل العقل من المدح القرآني إلى الذم
المذهبي هو عمل سلطة، والتضييق على حقوق الإنسان بالأحاديث والآثار والعقائد هو
عمل سلطة، ..الخ، ونحن لا نخشى إلا على من يضلونهم من هؤلاء المساكين الطيبين
الذين يتعبدون إلى الله بمعصيته، ويحبون النبي (ص) بالكذب عليه، ويتبعون القرآن
بتحريفه عن مواضعه، ويعادون الظالمين بحبهم وتلاوة فضائلهم! ويحبون الصالحين بهجر
علوهم والتشويش على سيرهم..الخ، هذا المزيج العجيب في الشخصية المسلمة ليست من عمل
الدين إنما من عمل السلطة المتلبسة بالدين، من عمل المنافقين الدهاة والظالمين
الأذكياء، والحديث ( أخشى ما أخشاه على
أمتي كل منافق عليم اللسان)! يصدقه الواقع عبر التاريخ أيما تصديق.
[3]
وتكملته في صحيح مسلم: ( قال أبو رافع فحدثت عبدالله بن عمر فأنكره
علي! فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبدالله بن عمر يعوده فانطلقت معه فلما
جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر)!
[4]
و سنده صحيح وقد صححه
الشيخ الأرناؤوط، وتكلمة هذا الحديث: ( قال
عطاء : فحين سمعت الحديث منه انطلقت به إلى عبد الله بن عمر فأخبرته! فقال : أنت سمعت
ابن مسعود يقول هذا ؟ -كالمدخل عليه في حديث -قال عطاء : فقلت : هو مريض فما يمنعك
أن تعوده ؟قال : فانطلق بنا إليه فانطلق وانطلقت معه فسأله عن شكواه ثم سأله عن الحديث!
قال : فخرج ابن عمر وهو يقلب كفه وهو يقول :ما كان ابن أم عبد يكذب على رسول الله صلى
الله عليه وسلم اهـ
[5]
جامع الأصول من أحاديث الرسول
- (ج 1 / ص 7557) (خ م) أبو هريرة - رضي الله عنه - : أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال : « يُهْلِكُ أُمَّتي هذا الحَيُّ مِنْ قُرَيش، قالوا : فما تأمرنا يا رسول
الله ؟ قال : لو أن الناسَ اعْتَزَلُوهم ؟ » أخرجه البخاري ومسلم / ثم كيف يزعم
هؤلاء أنهم لن يتأثروا بالسلطة وتلك العامة التي شكلت ثقافتها السلطة، والله عز وجل يقول عن نبيه ألأكرم صلوات الله
عليه (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ
عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ
لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) [الإسراء]) أيظن
هؤلاء ومقلدوهم أنهم أثبت قلوباً وعقولاً
من رسول الله (ص)؟ الذي لولا تثبيت الله له لمال إلى الرأي العام ولو
قليلاً، وفي أمر خطير جداً.. فكيف بهؤلاء؟
[6] اللهم لا تجعلنا من
الذين عاقبتهم بقولك: (سَأَصْرِفُ عَنْ
آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا
كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ
سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ
كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) [الأعراف] ولولا
اتخاذهم سبيل الغي وتنكبهم طريق الرشد لما تصور الناس أن الله ورسوله مع الظالمين.
[7] مثل شهادة الصحابي أنس بن مالك الواردة في صحيح البخاري [ جزء 1 -
صفحة 198 ] من طريق الزهري قال:
دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي فقلت ما يبكيك ؟ فقال لا أعرف شيئا مما
أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضعيت) فهذا نموذج من الشهادة لله.. أفصح
عنها أنس بن مالك، وإذا كانت الدولة الأموية قد تدخلت في أعظم أركان الإسلام وأفسدته فكيف بأمور الحكم العامة ..؟! / وهذه شهادة مالك بن أبي عامر الأصبحي – جد
الإمام مالك- ( ت 74هـ)/ روى الإمام مالك في الموطأ - [ جزء 3 - صفحة 477 ] رواية الشيباني- (أخبرني عمي أبو سهيل قال : سمعت أبي يقول : ما أعرف شيئا مما كان
الناس عليه إلا النداء بالصلاة..) قلت: فقط!.. / وهذه شهادة الصحابي أبي
الدرداء الأنصاري..( ت 32هـ) على أن بداية
التغير كان من ايام ولاية معاوية على الشام من أيام عثمان ( لأن أبا الدرداء مات
زمن عثمان وكان بدمشق) فماذا قال؟!
وما هي شهادته على ذلك العصر؟ روى البخاري في صحيحه-
صحيح البخاري [ جزء 1 - صفحة 232 ]
- عن أم الدرداء قالت: (دخل علي
أبو الدرداء وهو مغضب! فقلت: ما أغضبك ؟ فقال: والله ما أعرف من أمة محمد صلى الله عليه
وسلم شيئا إلا أنهم يصلون جميعاً) اهـ أرأيتم؟ ثم بعد ذلك تقولون إنما فساد
هذه الأمة في الفلسفة والمنطق! وهؤلاء الصحابة يخبرونكم في صحاحكم أنه لم يبق شيء
من الدين إلا مظاهر شكلية، وان هذا التغير كان قديماً جداً بواسطة سفهاء قريش،
كمعاوية بالشام وعبد الله بن عامر بالبصرة والوليد بن عقبة بالكوفة ومروان
بالمدينة، ولو أستعرض شهادات الصحابة السابقين والتابعين الأخيار لخرج كتاب آخر،
وإنما نعطي أمثلة للتدليل على صدق قراءتنا لأن هؤلاء يشككون في كل فكرة يقولها
الباحث، لأنهم يجهلون كل فكرة، ولا أعرف لهم فكرة صحيحة أطمئن أنهم أحاطوا بها
علماً حتى التوحيد والشرك والنبوة والمعاد، هم أغلبية فقط بدعم من السلطات عبر
التاريخ، وهم يعدون الأكثرية دليلاً على الحق حتى نقول لهم أكثر المسلمين منزهة،
وأكثر الماس غير مسلمين، فيعودون لما قلناه لهم أولاً من أن الأكثرية ليست معياراً
للحق.
[8]
وقد أخرج معاوية نفسه من هذا الحديث بحديث وضعه يظهر أنه في
معناه لكن عند التدبر يتبين أن معاوية أخذ الحديث لموطن آخر، ونصه عن معاوية مرفوعاً: ( سيكون بعدي أمراء يقولون فولا يرد عليهم يتقاحمون
في النار كما تتقاحم القردة وإني تكلمت أول جمعة فلم يرد علي أحد(!) فخشيت أن أكون
منهم ، ثم تكلمت الجمعة الثانية ، فلم يرد علي أحد (!)، فقلت في نفسي إني من القوم
ثم تكلمت في الجمعة الثالثة فقام هذا الرجل فرد علي فأحياني أحياه الله فرجوت أن يخرجني
الله منهم فأعطاه وأجازه) اهـ وهذا دهاء معاوية دس في اليوم الثالث من يرد
عليه وأعطاه وأجازه وخدع الناس وأبطل الحديث وخرج من تبعته وأثبت نفاقه عند الله
بسخريته من الحديث عندما حرفه وأظهر أنه لا يتناوله..الخ، ولم يفعل هذا إلا عندما
سمع الماس يهمسون بالحديث فأخذ أوله وحرفه ورد على الحديث وعلى الناس وعلى الواقع
.. وقلبه من ذم له إلى ثناء، وهاهم اتباعه اليوم من الحمقى يرددون الحديث ولا
يجمعون طرقه ليعرفوا اللفظ الصحيح له، ولا يقرؤون التاريخ ليعرفون مصاديق هذا
الحديث على الأرض..الخ.
[9]
ففي مسند أحمد بن حنبل - (2 / 301) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا
محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي التياح قال سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه و سلم قال : يهلك أمتي هذا الحي من قريش قالوا فما تأمرنا يا رسول الله
قال لو ان الناس اعتزلوهم وقال أبي في مرضه الذي مات فيه اضرب على هذا الحديث فإنه
خلاف الأحاديث عن النبي صلى الله عليه و سلم يعنى قوله اسمعوا وأطيعوا واصبروا اهـ فما سنّه الأمويون ولم يستكملوه أكملته
السلفية المحدثة بسبب فتنتها بمعاوية وتوثيقها للراكنين إلى الذين ظلموا، وقد تعجب
أحمد شاكر وغيره من خطوة أحمد هذه، والإمام أحمد بن حنبل رحمه الله رغم ورعه وفضله
إلا أن مرارة الحق تلزمنا أن نقول أنه من أبرز
الذين شرعوا التصرف في الحديث النبوي ضرباً وبتراً وإخفاء وانتقاء.. وهو
صريح جداً في هذا الأمر وجريء لدرجة عجيبة
(كما في كتاب السنة للخلال)، فهو مع كتم الأحاديث التي في ذم معاوية حتى لو كانت
صحيحة، وهذه فتنة عظيمة وقع فيها بسبب ركونه إلى الذين ظلموا علمياً وإن لم يركن
إليهم بجسده، وهذه فتنة إلى اليوم، فما ركن أحد إلى الظالمين إلا عاقبه الله بفتنة
في نفسه وعلمه، وهاهو أحمد في ورعه وزهده وعبادته عندما ركن نفسياً إلى معاوية
وتسالم مع بغيه ودعوته إلى النار وجرائمه .. يأمر بالضرب على الأحاديث النبوية
الصحيحة ( أي محوها) وإظهار الأحاديث السياسية التي وضعت لدعم هؤلاء السفهاء من
قريش وأمثالهم.
[10]
سردها ابن حجر في شرح الحديث في فتح الباري وزاد عليها، فقال (فتح
الباري لابن حجر - (ج 17 / ص 407):
( وَذَكَرَ
اِبْنِ الْقَاصّ فِي أَوَّلِ كِتَابه أَنَّ بَعْض النَّاس عَابَ عَلَى أَهْل الْحَدِيث
أَنَّهُمْ يَرْوُونَ أَشْيَاء لَا فَائِدَة فِيهَا ، وَمَثَّلَ ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي
عُمَيْر هَذَا قَالَ : وَمَا دَرَى أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيث مِنْ وُجُوه الْفِقْهِ
وَفُنُون الْأَدَب وَالْفَائِدَة سِتِّينَ وَجْهًا . ثُمَّ سَاقَهَا مَبْسُوطَة
، فَلَخَّصْتهَا مُسْتَوْفِيًا مَقَاصِده ، ثُمَّ أَتْبَعْته بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ
الزَّوَائِد عَلَيْهِ.. الخ) ثم سردها، وليت شعري ماذا في حديث عمار من
الفوائد، وحديث سفهاء قريش الذين أخبر أن فساد الأمة على أيديهم؟ كم سيكون فيها من
فوائد لو لم يكن أهل الحديث متأثرين بالواقع الفكري الأموي الذي يهجر هذه الأحاديث
ويضيقون صدراً بها وكأنهم يخشون أن يحيف الله عليهم ورسوله؟ .
[11]
لا أعني بالسلفية المحدثة سلفية المهاجرين والأنصار ، ولا من
تبعهم بإحسان كعلقمة بن قيس وزيد بن صوحان وعلي بن الحسين وسعيد بن المسيب والحسن
البصري .. ولا حتى من جاء بعد أؤلئك كشعبة بن الحجاج وجرير بن عبد الحميد والأعمش
وأبي حنيفة والشافعي وجعفر الصادق وزيد بن علي والحسن بن صالح ومعمر بن راشد ..
وإنما السلفية المحدثة بدأت في عهد الرشيد مع عبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان
وأمثالهما ورسخها بقوة أحمد بن حنبل ثم التيار الحنبلي من بعده، فهذه السلفية
المحدثة قامت عقيدتها على الإخفاء والبتر والتحريف رغم ورعهم وعبادتهم وهنا تكتمل
الفتنة، عندما يرى المتدين الورع أن بعض
حديث النبي (ص) مرذول، فهذه فتنة ما بعدها فتنة؛ لأنها خلطة عجيبة من التقوى
والخيانة، ولولا أننا نراها بأم أعيننا إلى اليوم لما صدقنا وجود مثل هذه
العجينة .. ( والتفصيل في كتابي: السلفية المحدثة، رموزها
وعقائدها - خ).
[12] الروايات القرشية تلصق كل تهمة بالأنصار- باستثناء بني هاشم فلا يتهمون
الأنصار - فقد حاولت الروايات القرشية هنا إبعاد شبح الاتهام عن قريش وإلصاق هذه
الكارثة بالأنصار! فزعم بعضهم أنهم من الأنصار ليس فيهم قرشي! ( كما قال رووا عن
جبير بن مطعم)، فسرد بعضهم كالزبير بن بكار اثني عشر رجلاً من الأنصار، وسرد آخرون
كابن إسحاق اثني عشر رجلاً مختلطاً ولم يتفقا في رجل! وهذا دليل اضطراب كبير! ثم
عندما سردوا أسماءهم رأينا أن كثيراً من تلك الأسماء كانوا من المتخلفين عن غزوة
تبوك ولم يكونوا في الجيش ولا تلك الغزوة أصلاً، والصواب أن المحاولين للاغتيال من
قريش، وبقيادة وإشارة وتخطيط كبار الطلقاء، فالمصلحة من اغتيال النبي (ص) ظاهرة
منهم لا من الأنصار، ولو للثأر لأقربائهم، ثم هذا هو التاريخ يقص لنا أن كل
محاولات الإغتيال التي تعرض لها النبي (ص) كانت من قريش أولاً ثم اليهود، وليس
للأنصار محاولة واحدة، لا من صالحيهم ولا منافقيهم، فقريش حاولت اغتيال النبي (ص) في العهد المكي
عدة مرات آخرها ليلة الهجرة، وفي العهد المدني بعث أبو سفيان عمرو بن أمية الضمري،
وحاولوا يوم أحد اغتياله بحفائر أبي عامر حليف أبي سفيان وتكليف وحشي أيضاً،
وحاولوا يوم فتح مكة، ويوم حنين ثم يأتي يوم تبوك في هذا السياق كله، فالزعماء
كأبي سفيان وأمثاله هم المستفيدون من مثل هذا الاغتيال لو حصل، فأبو سفيان يحاول
إعادة بناء بيته القديم الذي هدمه الإسلام ، ثم الأدلة العامة والخاصة قائمة على
أن أبا سفيان منهم، كما أن الأدلة العامة والخاصة قائمة على أن معاوية لا يخالف أباه
قط، حتى في وقوفه مع أبيه فوق الكثيب يوم حنين متمنياً هزيمة النبي (ص)، وقد ثبت أن معاوية كان مع أبيه في كل حياته
يتبعه حذو النعل بالنعل! وقد توسعت في هذا في تفسير سورة التوبة ( قد أذكر تلخيصاً
لذلك) و على احتمال أنه وجد من منافقي الأنصار من حاول المشاركة فهو لأجل أبي عامر
الفاسق الأوسي حليف أبي سفيان، فأبو سفيان يمسك بشرور الفريقين ( قريش والأنصار )
مع فريق ثالث هم اليهود، وكل خطة اغتيال ستكون بإشراف أبي سفيان، ثم قد يشارك إن
حضر، وابنه معاوية لا يفارقه بالاستقراء، لا في كفر ولا إسلام.
[13]
وهناك مثال واضح يعرفه كل السلفيين في الخليج، فقبل حرب تحرير
الكويت لم يكن يجرؤ سلفي أن يقول ( يجوز الاستعانة بالمشركين والكفار) وبعد تلك
الحرب لا يجرؤ سلفي أن يقول ( لا يجوز الاستعانة بالمشركين والكفار)، بغض النظر
عما إذا كان الرأي الأول هو الصواب أم الثاني، وكنت في تلك الأيام في جملة الشباب
الذين حضروا محاضرات الشيخ ابن باز رحمه الله، ونشرت محاضرته ( موقف المسلم من
الفتن في بعض الصحف المحلية وقد طبعت ضمن المجلد السادس من فتاواه)، أذكر أننا
حاصرناه بموقفه في كتابه ( نقد القومية العربية) الذي يحرم الاستعانة بالمشركين على
أي حال، وموقفه الأخير الذي يرى شرعية ذلك، والشيخ ابن باز لا يشك أحد في تقواه
وفضله واعتداله وعلمه.. إلا أن السياسة والقوة أكبر من ابن باز والأوزاعي والثوري
وابن عيينة وأحمد والبخاري ومسلم ..الخ فيجب على الشباب السلفي أن يمتلك الوعي
السياسي، ولن يستطيع حتى يعرف الأثر السياسي على مالك وأحمد والبخاري
وأمثالهم، بل على أبي هريرة وابن عمر وزيد
بن ثابت.. تلمس الأثر السياسي - الذي تحول فيما إلى أثر مذهبي – من أهم واجبات
العقل السلفي المعاصر حتى يُخرج السلفية المحدثة من هذا التعصب والضيق بالآخر من
باب التقليد وألفة السائد.
[14]
نأمل ألا يأتي أحد منسوبي السلفية المحدثة ليقول إنما مرادهم ذم
التجاوز العقلي الذي به ترد النصوص..الخ، فهذا كلام فارغ، قد سئمنا منه، فليس هناك
مسلم يرد النصوص بالعقل، وإنما يقوده العقل إلى الشك في ثبوت هذا النص، أو معنى
ذاك النص، وهذا موضوع مختلف، ثم لا ينقلب
الممدوح القرآني إلى مذموم أبداً حتى وإن أساء استعماله بعض الناس، مثل لفظة (
الإسلاميين) أو ( المسلمون) لا يجوز ذم الإسلام لأن بعض المسلمين أو الإسلاميين
بالغوا أو أساءوا ( توظيف) الإسلام، ولا يجوز ذم العدل ليصبح تهمة لأن بعض غلاة
المعتزلة مثلاً أساء استخدامه، .. هذه أمور بدهية لكنهم لسكرة المذهب لا يشعرون
بها إذا تعلقت بأمر مذهبي، هذا التراث السلفي كله ليس فيه كتاب واحد في فضل العقل!
رغم الكثافة القرآنية في مدح العقل، أيضاً هذا التراث السلفي كله ليس فيه كتاب عن
العدل مع الكثافة القرآنية عن العدل؟ مع مركزيته العظمى كما في قوله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا
بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ
بِالْقِسْطِ.. الآية) - الحديد : 25-، هذا التراث السلفي كله ليس فيه كتاب عن
حرية التمذهب مع أن القرآن مع حرية التدين أصلاً، حديث واحد حسنه الألباني أو مقبل
الوادعي هو كفيل بنسف مئة آية عند التيار السلفي، هذا جنون، إذن فليس هناك مسلم يرد النصوص بالعقل، إنما
أنتم أيها الغلاة من تردون النصوص بالهوى
والتقليد والتعصب والمذهب، ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)؟
[15]
وليس معنى هذا أننا ندعو اليوم ولا قديماً لترك مناصحتهم
وومؤاكلتهم وقول كلمة الحق عندهم.. كلا، إنما نقصد أن ينتبه المسلم فلا يسكت عن
ظلم أو يشرعن قتل مسلم أو يسوغ المظالم، ومن وجد في نفسه ضعفاً فلا يدخل عليهم،
كما أنه ليس كل الحكام والسلاطين في مرتبة واحدة، فعمر بن عبد العزيز ويزيد بن
الوليد الناقص من الأمويين والمأمون من العباسيين كان العدل يغلب عليهم، وعمر بن
عبد العزيز أشهرهم عدلاً، والمأمون أوسعهم علماً، والناقص مغمور رغم فضله.
[16]
وأفضلهم أبو هريرة لصحبته – وفق المعايير السلفية- وقد اعترف بأنه لو نشر الوعاء الثاني ( الخاص
بمعاوية وأمثاله) لقطعوا منه البلعوم! وهذا يعني أن جملة وافرة من الأحاديث التي كان النبي ( ص) يرى مصلحة في
قولها، قد كتمها خوفاً على نفسه ورأى
مصلحة في كتمانها، ولم يكن ليكتمها إلا خشية أن يقتله معاوية، والحديث في (صحيح البخاري (1 / 41): حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَخِي
، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وِعَاءَيْنِ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا
فَبَثَثْتُهُ ، وَأَمَّا الآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ
) اهـ فمن سيقطع بلعوم أبي هريرة غير
معاوية؟ فأبو هريرة توفي في عهده فليس الخوف من يزيد بن معاوية ولا عبد الملك بن
مروان ولا ابن الزبير ولا المختار بن أبي عبيد ولا الحجاج.. كما لا يريد أبو هريرة
بهذا القول أحد الخلفاء الأربعة؛ لأنهم أتقى من أن يقتلوا على رواية حديث، وأبو
هريرة في هذا القول لا يخلو من أن يكون صادقاً أو كاذباً، فإن كان صادقاً - ونحن
ما نقول به – فمعاوية من الظالمين الذين يمكن أن يقتلوا من يحدث عن النبي (ص) بما
لا يشتهي هو ، وإن كان أبو هريرة كاذباً مفترياً على معاوية وعهده فأولى أن
تجتنبوا أحاديثه كلها، وأنتم لا تفعلون لا هذا ولا هذا، وأولى أحاديث أبي هريرة
بالتصديق هي ما اقترب منها من مخالفة سيرة
الظالمين وأهوائهم، وفي أحاديث أبي هريرة كثير من هذا والحمد لله، لكن مجرد قربه
من الظالمين جعله يسكت عن نصف العلم، هذا إن سلم النصف الآخر من تصرف.
[17] روى الطبراني عن سعد بن حذيفة بن اليمان قال: (قال عمار بن ياسر
يوم صفين وذكر أمرهم وأمر الصلح فقال: والله ما
أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما رأوا عليه أعواناً أظهروه)! قال
الهيثمي في مجمع الزوائد (1/118) رواه الطبراني في الكبير وسعد بن حذيفة لم أر من
ترجمه! ) قلت: كيف لم يجد له ترجمة؟ وهو
مترجم في طبقات ابن سعد وتاريخ البخاري وتاريخ ابن أبي خيثمة وكتاب الجرح والتعديل
لابن أبي حاتم وفي ثقات ابن حبان وغيرها؟ هذه تقية من الهيثمي! إذ لم يجد في السند
طعناً فلجأ إلى التظاهر بالجهل! انظر ترجمة سعد بن حذيفة في الملحق..
[18]
لأن معاوية يحارب الإسلام هنا باسم الإسلام، فيكون ضرره أبلغ على
الإسلام وأهله، بينما كفار قريش كانوا مختلفين، وأكثرهم يقاتلون على العصبية وتعدد
الآلهة، صحيح أن أبا جهل كان يدعو يوم بدر ( اللهم من كان أقطعنا للرحم فكبه اليوم
لوجهه) إلا أن باطله لم يجز في الأمة كما جاز باطل معاوية، لأنه لم يتولّ السلطة
فقط! ولو نجا وتولاها ولو أسلم منافقاً لكنا نقول اليوم ( الأمير الكبير سيد بني
مخزوم أبو الحكم عمرو بن هشام رضي الله عنه)! ولذلك لن نفلح إلا لم نفهم فهم السلف
الحق، ونترك السلف المزيف.
[19] من
الشواهد العامة: حديث عبد الله بن عمرو: (يموت معاوية على غير ملتي)، وفي لفظ ( على غير سنتي) وهو من الشواهد الكبيرة ( وقد اكتمل)، كما أن
حديث الدبيلة من شواهده.. ولن نتوسع فيه لأننا سنفرده بكتاب.
ومن الشواهد العامة : ( أول من يغير سنتي رجل من
بني أمية) في عدة مصادر ولن نتوسع فيه لأنه من شواهد الحديث الثاني .
[20]
انظر الملحق : وفيه مبحث عن
إخبار القرآن على أن هؤلاء الكفار المحاربين لن يؤمنوا، والدلائل تدل على
صدق هذا حرفياً لا نحتاج إلى مجاز، هم اسلموا ولكن لم يؤمنوا، والإسلام واسع يشمل حتى المنافقين.
[21]
نعم قد يكون معهم أو لحقهم حمزة بن عمرو الأسلمي.. الذي التقط
الأمتعة. وذكر كرامة النور.
[22]
مفكري سعودي ( هو حالياً عضو بمجلس الشورى السعودي) وقد أخبرني
بعجائب عن نواصب القصيم! أترك له فرصة أن ينشرها بنفسه، وقد وصل إلى معرفة هذه
الأمور والحقائق التاريخية دون شيخ ولا مساعد، مما يدل على أن من أعمل عقله وضميره
فإنه يدرك أكثر الحق، مع أن اهتمامه أوسع، ومشروعه العام هو ( العقل البشري خصائصه
ونقائصه) لكنه مع أفقه الواسع يستطيع أن ينظر بعيون الصقر إلى ما داخل بيوت النمل،
وهذا هو المفكر، وليس المفكر من ناقش الهواء، ولم يهبط إلى الأرض، ولأستاذنا
البليهي كثير من الندوات والمحاضرات والمقالات،
وله كتاب ( بنية التخلف – منشورات مؤسسة اليمامة) يشير بها إلى هذا التخلف
الذي أتحدث عنه.
[23]
لا سيما وأن معاوية كان في عهد عمر يتظاهر بأقصى ما يمكنه من
الصلاح الظاهري خشية من عزل عمر له.. وكان أخوف من غلام عمر لذلك أبقاه عمر، ثم
كان حتف عمر على يديه، على أن بعض الناس
يرى أن عمر بن الخطاب كان يعلم بسوء معاوية وإنما استعمله كما استعمل غيره من
رقيقي الدين ليكونوا أطوع له من أنداده من المهاجرين والأنصار الذين قد يجتهدون
ويخالفون عمر في بعض القضايا الفقهية أو الإدارية، ولذلك عزل عمر عتبة بن غزوان مع
سابقته وولى المغيرة بن شعبة لرقة دينه، فرقيق الدين يكون مطيعاً للخليفة هكذا
يعتذر بعضهم عن عمر، والأولى أن يقال أخطأ فليس بمعصوم.
[24]
رواه عن حذيفة: عمار بن
ياسر وأبو الطفيل وأبو البختري وعبد الله
بن سلمة وزر بن حبيش وصلة بن زفر وزيد بن
وهب.
[25]
ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة رواه أيضاًُ ابن أبي عاصم في
الآحاد والمثاني.
[26]
هو حجاج بن محمد المصيصي ( 206هـ) ، ويختلط عند بعض المحققين
بحجاج بن محمد الشاعر ( 259هـ)، فالشاعر شيخ عبد الله بن أحمد في زياداته على
المسند ولم يروه عنه أحمد، وأما المصيصي، فهو شيخ أحمد نفسه، ولم يدركه عبد الله
بن أحمد / إذن فشيخ أحمد هو : حجاج ابن محمد
المصيصي الأعور أبو محمد ترمذي الأصل نزل بغداد ثم المصيصة ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر
عمره لما قدم بغداد قبل موته من التاسعة مات ببغداد سنة ست ومائتين ع ( تقريب
التهذيب)/ وأما الشاعر فهو :حجاج ابن أبي يعقوب يوسف ابن حجاج الثقفي البغدادي المعروف
بابن الشاعر ثقة حافظ من الحادية عشرة مات سنة تسع وخمسين م اهـ
[27]
أبو بكر بن أبي شيبة (
235هـ) صاحب المصنف ثقة وهو شيوخ البخاري
ومسلم..
[28]
أسود بن عامر الملقب
بشاذان ( 208هــ) ثقة عندهم من رجال الجماعة، وهوة شامي فيه نصب نزل بغداد.
[29]
شعبة بن الحجاج (160هـ) وهو أمير المؤمنين في الجرح والتعديل
والحديث، لا يحتاج إلى تعريف.
[30]
قتادة بن دعامة السدوسي (117هـ) ، بصري ثقة عندهم وهو مدلس، ولكن
رواية شعبة عنه لا تدليس فيها.
[31]
أبو نضرة المنذر بن مالك بن قطعة ( 108هـ) ثقة من رجال الجماعة ،
وهو بصري، والبصرة البصرة.
[32] هو قيس بن عُباد الضبعي أبو
عبد الله البصري ثقة من الثانية مخضرم مات بعد الثمانين / خ م د س ق).
[33]
عمار بن ياسر العنسي (
وعنس من مذحج)، من السابقين بدري مشهور، استشهد بصفين سنة 37هـ .
[34]
محمد بن المثنى ومحمد بن
بشار بغداديان ، وماتا في سنة واحدة ( 252هـ) وهما ثقتان من رجال الجماعة.
[35]
هو غندر راوية شعبة، مات بعد ( 190هـ) وهو ثقة على غفلة فيه، وهو
من أكبر شيوخ أحمد وطبقته.
[36]
وهو الحمال (294هـ) وقد صرح باسمه كاملاً الطبراني أكثر من
مرة، وليس القيسي (224هـ) فهذا قديم ..
[37]
عبد الله بن سلمة: ثقة من أصحاب علي، وكان صاحب يقين ففي مصنف ابن
أبي شيبة - (8 / 718) حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن مرة عن أبيه
عن عبد الله بن سلمة قال : وشهد مع علي الجمل وصفين وقال : ما يسرني بهما ما على
الارض اهـ وقد زعم بعضهم أنه اختلط في آخر عمره، ولا أرى هذا القول إلا تبرعاً
لمعاوية، وكان من الملتصقين بالكبار كعلي
وحذيفة، ثم بعمار بن ياسر يوم صفين ( ففي مسند
أحمد بن حنبل - (4 / 319) ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت عبد الله
بن سلمة يقول : رأيت عمارا يوم صفين شيخا كبيرا آدم طوالا آخذا الحربة بيده ويده ترعد
فقال والذي نفسي بيده لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث
مرات وهذه الرابعة والذي نفسي بيده لو ضربونا حتى يبلغوا بنا شعفات هجر لعرفت أن مصلحينا
على الحق وأنهم على الضلالة) يعني معاوية وأصحابه، وهؤلاء الضلال عند عمار
بن ياسر واهل بدر أصبحوا من رموز السلفية المحدثة، ضلال بعضه تحت بعض.
[38]
عبد الله بن سلمة دفعه
العلم بهذه الأحاديث إلى اليقين في نصرة علي، ولو كان الناس على يقينه ما عبث اللك
العضوض في ديننا ولا دنيانا، ففي مصنف ابن أبي شيبة - (8 / 718) حدثنا إسحاق بن منصور
قال حدثنا عبد الله بن عمرو بن مرة عن أبيه عن عبد الله بن سلمة قال : وشهد مع علي
الجمل وصفين وقال : ما يسرني بهما ما على الارض اهـ قلت: هذا والله اليقين.
[39]
مع أني أجزم أنهم سيخرجون الكتب في الدفاع عن معاوية أما معتب بن
قشير فسيحاولون إبطال بدريته وتثبيت نفاقه! لأن
ابن تيمية والسلفية ممن يتهمه،
وكذا الوهابية، مع أن الأسانيد في اتهامه مرسلة، وأما اتهام معاوية فموصولة
ومرسلة، صحيحة وحسنة، متواترة وآحاداً!
ولعله هنا يعرف العاقل والجاهل أن نظرية عدالة الصحابة وفضل الصحابة
والدفاع عن الصحابة..الخ ، مقصود بها الطلقاء لا أهل بدر! والمكر مستمر، بما يصبه
الدهاة في عقول المغفلين!
[40]
هو البزار نفسه صاحب
المسند، واسمه أحمد بن عمرو بن عبد الخالق
البزار.
[41]
قلت: بقية الكلام فيه سرد أسماء أبي بكر وعمر وأصحابهم وسنناقشها
في الملحق..
[42]
تقريب التهذيب - (ج 1 / ص 548) مهدي بن ميمون الأزدي المعولي أبو
يحيى البصري ثقة من صغار السادسة مات سنة اثنتين وسبعين ع اهـ وحديثه في الكتب الستة.
[43]
الجرح والتعديل - (ج 6 / ص 158) عثمان بن عبيد الراسبى روى عن
ابى الطفيل روى عنه حماد بن زيد ومهدى بن ميمون سمعت أبى يقول ذلك، نا عبد
الرحمن قال ذكره ابى عن اسحاق بن منصور عن يحيى بن معين قال عثمان بن عبيد البصري ثقة،
ثنا عبد الرحمن قال سألت ابى عن عثمان بن عبيد فقال مستقيم الامر.
[44]
زهير بن حرب بن شداد أبو
خثيمة النسائي نزيل بغداد ثقة ثبت روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث من العاشرة مات سنة
أربع وثلاثين وهو بن أربع وسبعين خ م د س ق)، من رجال الشيخين.
[45]
اسمه : خلف بن خليفة بن صاعد الأشجعي مولاهم ( 181هـ) صدوق اختلط في الآخر ... بخ م
4
[46]
نسب إلى جده/ واسمه الوليد
بن عبد الله بن جميع الزهري المكي نزيل الكوفة صدوق عندهم ورموه بالتشيع لأنه روى
بعض التفاصيل، وهو من الطبقة السادسة ( يعني توفي في حدود 140هـ) وهو من رجال مسلم
والسنن.
[47]
أبو الطفيل صحابي، وهو
آخر الصحابة موتاً ( 110هـ)
[48]
هذا الرجل قيل أنه أبو موسى الأشعري، وقيل ثابت بن وديعة
الأنصاري، والأول أقرب لأن ثابت بن وديعة بدري وكان من أنصار أمير المؤمنين، بعكس
أبي موسى فإسلامه متأخر وكان حليف لمعاوية قبل التحكيم وبعده، وكان الإمام علي
يقنت عليه مع كبار البغاة مما يدل على خطورته.
[49]
وقد اتهمه عمار بن ياسر بتحريف حديث النبي (ص) في النهي عن
الفتنة، وأنه كذب على النبي (ص) وهدده بإقامة الشهود على أنه كذب على رسول الله
وأن النبي (ص) إنما حذر من دوره في الفتنة، ففي تاريخ دمشق - (ج 32 / ص 92)
من
طريقين .. قالا نا أبو يعلى نا عقبة بن مكرم الهلالي نا يونس بن بكير نا علي بن أبي
فاطمة عن أبي مريم قال سمعت عمار بن ياسر يقول : يا أبا موسى أنشدك الله ألم تسمع رسول
الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار؟ وأنا
سائلك عن حديث فإن صدقت وإلا بعثت عليك من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
من يقررك به! أنشدك الله أليس إنما عناك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنت نفسك!
فقال إنها ستكون فتنة بين أمتي أنت يا أبا موسى فيها نائما خير منك قاعدا وقاعدا خير
منك قائما وقائما خير منك ماشيا فخصك رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ولم يعم الناس فخرج أبو موسى ولم يرد عليه شيئا
اهـ ورجح ابن حجر في فتح الباري هذه
الرواية في الجمع بين الأحاديث في هذه المسألة.
[50]
هو أبو موسى الأشعري!ولم يكن مع حذيفة بالكوفة من أصحاب العقبة
غيره، فكان كلما رآه لمزه وحذر منه! إلا أنه بقي علماً كبيراً لم يؤثر فيه صاحب
السر الذي لا يعلمه غيره!
[51]
ذكر ذلك الطبراني في المعجم الكبير ( 3/ 156) في الحوار نفسه بين
عمار ورجل إلا أنه سمى ذلك الرجل فجعله وديعة بن ثابت، ذكر ذلك بسنده عن محمد بن
عثمان بن أبي شيبة عن مصعب بن عبد الله الزبيري عن الواقدي، إلا أن ابن أبي شيبة
أوالزبيري هو الذي سمّى وديعة بن ثابت، وأرجح أن الذي فعله الزبيري - والزبيريون مذكورون بالعصبية لقريش ولهم اهتمام
خاص بتبرئة قريش، وهم من كرروا ذكر مجموعة من منافقي الأنصار وحشروهم في العقبة،
أعني الزبيري وعنه حفيده- والدليل أن
تسمية الرجل زيادة من الزبيري أو ابن أبي شيبة أن المصدر الذي نقلوا عنه ليس فيه
تسمية الرجل، فالذي في المغازي للواقدي 207 - (1 / 1044) هو: قَالَ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ
بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ تَنَازَعَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ
فَاسْتَبّا ، فَلَمّا كَادَ الرّجُلُ يَعْلُو عَمّارًا فِي السّبَابِ قَالَ عَمّارٌ
كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ ؟ قَالَ اللّهُ أَعْلَمُ . قَالَ أَخْبِرْنِي عَنْ
عِلْمِكُمْ بِهِمْ فَسَكَتَ الرّجُلُ فَقَالَ مَنْ حَضَرَ بَيّنِ لِصَاحِبِك مَا سَأَلَك
عَنْهُ وَإِنّمَا يُرِيدُ عَمّارٌ شَيْئًا قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِمْ فَكَرِهَ الرّجُلُ
أَنْ يُحَدّثَهُ وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَى الرّجُلِ فَقَالَ الرّجُلُ كُنّا نَتَحَدّثُ
أَنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلاً . قَالَ عَمّارٌ فَإِنّك إنْ كُنْت مِنْهُمْ
فَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً؟ فَقَالَ الرّجُلُ مَهْلاً ، أَذَكّرَك اللّهُ أَنْ
تَفْضَحَنِي! فَقَالَ عَمّارٌ وَاللهِ مَا سَمّيْت أَحَدًا ، وَلَكِنّي أَشْهَدُ أَنّ
الْخَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلاً ، اثْنَا عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ)
اهـ / ثم على افتراض أنه في أحد كتب الواقدي غير المغازي أو في نسخة أخرى من
المغازي ففي السند عدة علل - وليس كالأسانيد في اتهام أبي موسى - ومن أهمها:
إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي مولاهم، وقد أجمعوا على تضعيفه إلا أحمد!
وكان ضعيفاً وعثمانياً، ثم وديعة بن ثابت بدري على الراجح، وشهد صفين مع علي إضافة
إلى أنه من شهود علي بحديث الغدير عندما ناشد الناس، ولا ننسى استشهاد ابنه يوم
الحرة ضد بني أمية، فكل هذه قرائن على البراءة، بينما أبو موسى وأبناؤه وأحفاده ليس لهم هذه القرائن فهم في الطرف
الأموي من أيام الجاهلية ( لأبي موسى حلف في بني أمية)، من هنا تترجح تهمة أبي
موسى القريب من الطلقاء إسلاماً وقلباً وحلفاً على البدري القريب من آل محمد سناناً
وقلباً وتاريخاً.
[52]
وهذا واضح في تبرئة عبد الله بن مسعود فلم يبق إلا أبو موسى!
ولكن حذيفة كان يخشى على نفسه، وقوله هذا كان في عهد عثمان، وكان معاوية ( حليف
أبي موسى) هو الحاكم الفعلي في عهد عثمان، ولذلك كان عثمان يحيل إليه كبار الأمور
( كما في قصة إحالة أشراف الكوفة إلى معاوية، وكأن عثمان هو الوزير ومعاوية هو
الأمير)، وعلى هذا فلا يستطيع حذيفة أن
يفصح أكثر من هذا! ومن لا يريد أن يعلم فلا علمه الله
[53]
ورواه يعقوب بن سفيان عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه عبد
الله بن نمير عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة،
ففي المعرفة والتاريخ - (3 / 87) : حدثني ابن نمير حدثني أبي عن الأعمش عن شقيق
قال: كنا مع حذيفة جلوساً، فدخل عبد الله وأبو موسى المسجد فقال: أحدهما منافق ثم قال:
إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً برسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله اهـ
والإسناد سلفي وقد توبع الأعمش ( تابعه حكيم بن جبير عن أبي وائل، عند الطبراني).
[54]
هذا القول لا علاقة له بالحديث، إن كان له علاقة بخصومات أخرى
فيمكن، ولم يكن هناك من خصومة بين أبي موسى وحذيفة، وإنما هو علم أخبر به حذيفة،
لمن شاء أن يتقيه في المستقبل، ولا نشك أن النبي (ص) كان اختياره لحذيفة موفقاً في
الإسرار إليه ببعض أسرار المنافقين، فخوين أبي موسى أولى من تخوين حذيفة بن
اليمان، فحذيفة لا يوهم الناس - بسبب هذه الاختصاص النبوي – بأن فلاناً منافق
وفلاناً من أهل العقبة، فهذا غش لن يفعله حذيفة، وعجبي من الذهبي كيف يحاول تبرئة
أبي موسى باتهام حذيفة! من منهما من السابقين؟ من منهما أولى بالاتباع والاحتذاء؟
من هنا تميزت السلفية العتيقة صاحبة الحق المر، والسلفية المحدثة المصلحة بين
الملائكة والشياطين .
[55]
وما الضرر من ذلك؟ ..
عثماني يعترف للأعمش بالتدين؟.
[56]
يقصد لا يدري أوضعه الأعمش أم كان صادقاً! مع أن الأعمش قد توبع،
وهو دعامة كبيرة من دعائم الرواية، وحديثه يملأ الكتب الستة، ولو زالت أحاديثه من
الصحيحين لاضطربت! وهذا كله يبين الحرج السلفي من روايات الكبار كحذيفة بن اليمان.
[57]
هذا الكلام كله هروب ! وقد تبين لي أن أبا موسى لم يكن مغفلاً،
لكنه يتغافل، والمغفل من يصدق أنه مغفل! كان رجلاً خطيراً في ظني الراجح، والله
يغفر لي إن أخطأت في حقه.. ولعمري لماذا
كان الإمام علي يدعو عليه وعلى أشياعه في القنوت؟ ويقرنه بمعاوية وأشياعه وأبي
الأعور السلمي وأشياعه؟.. السلف الصالح هم مثل علي وعمار وحذيفة، وليسوا أبا موسى ومعاوية وأبا الأعور.
[58] فالذهبي رحمه الله لا
يتحرج عندما يجد رواية تتهم معتب بن قشير، ففي تاريخ الإسلام للذهبي - (1 / 240) وتكلم المنافقون
حتى قال معتب بن قشير أحد بني عمرو بن عوف: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر
وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط..الخ، اهـ وهذا التراخي هنا،
والتشدد في أبي موسى ليس له إلا سبب صغير لكن فهمه صعب جداً، وهو أن معاوية صديق
لأبي موسى وليس صديقاً لمعتب بن قشير! هذه هي الخلاصة الأخيرة، لكن لا يدركونها
وهي حالة داخل نفوسهم من خلال تشكيل السياسة القديمة لعقل هذا الفقيه من خلال ما
ورثه من التراث المفصل على قياس الحاكم الذي كان صديقاً لهذا ولا يهمه ذاك، وأنا
أجزم أن الذهبي لا يدرك هذا ولا أحمد ولا أكثر السلفية المحدثة، لأنهم نتيجة، هم
ينظرون من الداخل وليس من الخارج، مثل الطفل الذي يتبناه أحدهم فيخرج الطفل وهو
يناديه ( يا أبتاه) ولا يخطر على باله أن
يعمل تحليلاً ولا أن يسأل جاراً أو خليلاً.
[59]
والحديث يبين أن اختصاص حذيفة بالعلم بالمنافقين إنما هو ليلة
العقبة، ولو كانوا منافقين كسائر المنافقين لما كان لحذيفة ميزة، فابن سلول
وأمثاله يعرفهم أكثر الصحابة، فلاحظ هذا فإنه مهم ولا يعرفه أكثر الناس.
[60] ولا بأس أن نذكر متابعة رواها
الطبري الإمامي – وهو غير الطبري السني- ( 310هـ) في المسترشد وهو صادق النقل، رغم تشيعه: قال : رواه أحمد بن مهدي ( بن رستم ثقة حافظ) قال : حدثنا نعيم بن حماد
( شيخ البخاري سلفي ضعيف) قال : حدثنا هشيم ( هو ابن بشير شيخ أحمد ثقة) عن مجالد (
بن سعيد الهمداني ضعيف) عن عامر ( هو الشعبي مشهور) ، عن صلة بن زفر ( ثقة) ، قال
: قلت لحذيفة : أين علمت أسماء المنافقين من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله
وسلم ) ؟ قال : بينا أنا في الحجيج مع رسول الله ليلا ، إذ أنا بركب المسلمين ،
يقولون : إذا أتينا العقبة فعقنا بناقته فيقع عنها فندق عنقه فنستريح منها ، فلما
سمعت ذلك ، أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان نائما جعلت أقرأ وأرفع
صوتي حتى استيقظ فقال من هذا ؟ فقلت : أنا ، قال : ما شأنك ؟ فقلت : سمعت فلانا وفلانا
وفلانا يقولون كذا وكذا ، فقال : إن فلانا وفلانا وفلانا منافقون ، أعداء الله وأعداء
رسوله فلا تخبرن بذلك أحدا. اهـ / قلت وهذا اللفظ كأنه في المحاولة الثانية التي
حدثت في عقبة هرشى بعد حجة الوداع، يدل على ذلك قوله ( الحجيج) ولكن أسانيد هذه
القصة ضعيفة، والتكرار محتمل.. أعني تكرار
الطلقاء وحلفائهم - كابي الأعور السلمي وأبي موسى الأشعري – محتمل، إلا أن أبا
موسى الأشعري إن كان قد زعم أن النبي (ص) استغفر له في عقبة تبوك في السنة التاسعة
فلماذا يكررها في ثنية هرشى في السنة العاشرة؟ فأنا استبعد أن يكون أبو موسى في
المحاولة الثانية.
[61] يعني ( فقاتلوا أئمة الكفر) فالبخاري أورد الحديث في تفسير هذه
الآية، ففي: صحيح البخاري - (14 / 216) بَاب : { فَقَاتِلُوا
أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُم }).. ثم ذكر الحديث، وهذا يدل
على اشتراكهم في قصة العقبة، لأن سورة التوبة نزلت أيام تبوك في هؤلاء وأمثالهم،
أما لماذا لم يقاتلهم النبي (ص) فالآيات أجابت على ذلك فانظروها فهي مشروطة
باستمرار طعنهم في الدين (وَإِنْ نَكَثُوا
أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ
الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) [التوبة/12]
)، وقال الحافظ في (فتح الباري لابن حجر - (13 / 91): وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيق السُّدِّيِّ قَالَ
: الْمُرَاد بِأَئِمَّةِ الْكُفْر كُفَّار قُرَيْش . وَمِنْ طَرِيق الضَّحَّاك
قَالَ : أَئِمَّة الْكُفْر رُءُوس الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّة ) أي
لا دخل لمنافقي الأنصار بذلك! والسورة ( التوبة) نزلت بعد تظاهر هؤلاء المشركين
بالإسلام وإبطانهم الكفر والنفاق وأذية النبي (ص)، وهؤلاء هم الذين كفروا بعد
إسلامهم، ورؤوسهم أصحاب العقبة بلا شك، ثم حتى لو وجب قتالهم وكان في المسلمين
تقاعس عن ذلك خشية منهم ومن حلفائهم فقد يبطل تنفيذ الأمر لعدم وجود الناصر، وكان أبو سفيان قد استغل فترة
إسلامه فتواصل مع منافقي الأنصار وبني سليم وبني أسد ومسيلمة وبعض الأوس ( أبو
عامر الفاسق حليف أبي سفيان وهو رأس منافقي الأوس)، بل بعض المهاجرين انبهروا بأبي
سفيان عندما هاجر وأصبح يطلق عليه ( سيد قريش)! مع أن رسول الله حي لم يتوفى بعد!
فلا نستبعد بعد كل هذا أن يكون حرب أبي سفيان بعد إسلامه كانت أصعب منها قبل
إسلامه لتداخل النفاق وصعوبة إقناع الناس بأن هؤلاء يستحقون القتال، وهذا تفيده
الآية اللاحقة (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ
الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ
أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13)
[التوبة/13]) ففي هذه الآية استنكار لهذا النكوص والتقاعس المخيف عن
قتالهم، بل في الآية اتهام للصحابة
بالخشية من هؤلاء وأحلافه، ثم من هم الذين بدؤوا أول مرة؟ سواء بمعاداة
النبي (ص) أو بإخراجه؟ أليسوا كفار قريش؟
والكلام في هذا الباب طويل جداً لأن التحريف والإخفاء وترك تدبر القرآن قد
غلب على الأمة، ولعل الله ييسر لي إخراج تفسير سورة براءة (الفاضحة) التي كادت ألا
تبقي أحداً! ليتبين لكل مغرر به أن الأدلة بين يديه في القرآن الكريم لكن السلطة
وعلمائها أرادوا حصر هذا الاستنكار الإلهي في مجموعة ضعيفة من الأنصار، بينما هناك
حلف كبير سري أقامه أبو سفيان مع كثير من القبائل والمنافقين والصالحين المخدوعين
أيضاً! وهذا الحلف كشفته سورة التوبة لو وجدت متدبراً.
[62]
في فتح الباري لابن حجر
- (ج 13 / ص 91) في شرح حديث البخاري: (قوْله
: ( إِلَّا ثَلَاثَة ) سُمِّيَ مِنْهُمْ فِي رِوَايَة أَبِي بِشْر عَنْ مُجَاهِد:
أَبُو سُفْيَان بْن حَرْب / و في فتح الباري
لابن حجر - (13 / 91) قَوْله : ( لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ الْبَارِدَ لَمَا وَجَدَ بَرْدَهُ
) أَيْ لِذَهَابِ شَهْوَته وَفَسَاد مَعِدَته ، فَلَا يُفَرِّق بَيْنَ الْأَلْوَان
وَلَا الطُّعُوم اهــ
[63]
ففي مسند أحمد - (54 /
185) : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لِي أَيُسَبُّ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكُمْ؟ قُلْتُ مَعَاذَ اللَّهِ
أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ سَبَّ عَلِيًّا فَقَدْ سَبَّنِي)
اهـ / وفي مصنف ابن أبي شيبة - (7 / 503):
حدثنا عبد الله بن نمير عن فطر عن أبي إسحاق عن أبي عبد الله الجدلي قال : قالت لي
أم سلمة : يا أبا عبد الله ! أيسب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكم ثم لا تغيرون؟
، قال : قلت : ومن يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : يسب علي ومن يحبه ، وقد
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه اهـ
فهذا فهم السلف العتيق لأفعال معاوية!/ وفي مسند أبي يعلى (ج 6 / ص 256): حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَجَلِيُّ ، عَنِ
السُّدِّيِّ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ ، قَالَ : قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ
: أَيُسَبُّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَنَابِرِ ؟ قُلْتُ
: وَأَنَّى ذَلِكَ ؟ قَالَتْ : أَلَيْسَ يُسَبُّ عَلِيٌّ وَمَنْ يُحِبُّهُ ؟ فَأَشْهَدُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّهُ اهـ قلت: ومعاوية
ما أراد إلا هذا، لكنه داهية، ومحبوه حمقى، وحديث أم سلمة في مصادر أخرى كمستدرك
الحاكم بزيادة ألفاظ ومتابعات، وفي معاجم الطبراني وشريعة الآجري وغيرها.
وهناك سياق عند ابن عبد ربه الأندلسي ففي العقد
الفريد - (ج 2 / ص 127): ( ولما مات الحسنُ بن عليّ حَجّ معاوية، فدخل المدينة
وأراد أن يَلْعن عليَّا على مِنبر رسول الله صلى عليه وسلم. فقيل له: إن هاهنا سعدَ
بن أبي وقاص، ولا نراه يرضى بهذا، فابعث إليه وخُذ رأيه. فأرسل إليه وذكر له ذلك.
فقال: إن فعلت لأخرُجن من المسجد، ثم لا أعود إليه. فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد.
فلما مات لَعنه عَلَى المنبر، وكتب إلى عماله أن يَلعنوه على المنابر، ففعلوا. فكتبتْ
أم سَلمة زوج النبيّ صلى عليه وسلم إلى معاوية: إنكم تلعنون اللّه ورسولَه على منابركم،
وذلك أنكم تلعنون عليّ بن أبي طالب ومن أحبّه، وأنا أشهد أن اللّه أحبَّه ورسولَه،
فلم يلتفت إلى كلامها اهـ ولهذا شواهد انظر فضائل علي في صحيح مسلم وأمر معاوية
سعداً بلعن علي وامتناعه محتجاً بفضائل علي، إلا أن ما ذكروا من امتناع معاوية في
عهد سعد ليس صحيحاً، فمعاوية لم يتوقف إلا في المدينة فقط وعندما خرج منها أمر
واليه مروان فيها بلعن علي وكذا وصية معاوية للمغيرة مشهورة، وقد جمعت الروايات في
أمر معاوية بسب علي على المنابر وهي متواترة من سيرة معاوية، وهو غير معذور بالجهل
كما قد يعذر بعض الشيعة والنواصب ممن تأخر زمنهم وورثوا المذاهب.
[64]
وتمثله بأبيات ابن
الزبعرى بعد قتله الحسين وأهل المدينة وهي – كما في كتاب المأمون المشهور- :
ليت أشياخي
ببدر شهدوا * جزع الخزرج في وقع الاسل
قد قتلنا الضعف من أشرافكم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
وزاد
فيها:
فأهلوا
واستهلوا فرحا ... ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف إن لم أنتقم ... من بني أحمد ما كان
فعل
لعبت هاشم بالملك فلا... خبر جاء ولا وحي نزل
اهـ
وقد
خرجنا هذه الأبيات بطرقها ومصادرها في ( جامع يزيد بن معاوية – لم يكتمل)، والبيت
السفياني أشد بغضاً للنبي (ص) وأهل البيت من البيت المرواني لكثرة من قُتلوا من
أشراف هذا البيت في بدر خاصة، واللاحق من ههذ العائلة يأخذ عن السابق، ثم أصبحوا
كلهم من سلف السلفية المحدثة، وهذا يدمي الفؤاد، إذ كيف ترى شباباً وشيوخاً
يتدينون بحب من يعادي الله ورسوله ابناً عن أبٍ عن جدةٍ وجدٍّ! لكنها الفتنة.
[65] صحيح البخاري - (ج 5 / ص 2250)حدثنا أبو نعيم
حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن همام قال: كنا مع حذيفة فقيل له إن رجلا يرفع الحديث إلى
عثمان فقال حذيفة : سمعت النبي صلى الله
عليه وسلم يقول ( لا يدخل الجنة قتات ) اهـ
يعني نمام، وكان حذيفة من معارضي عثمان كسائر السابقين يومئذ مثل عبد الله
بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر وطلحة بن عبيد الله، فهم قادة الثورة وليس تلك
الرواية الخرافية التي تتحدث عن عبد الله بن سبأ، وكان عثمان رحمه الله ورضي عنه
وسامحه وغفر له قد أخذه الطلقاء إلى موقع آخر وفصلوه عن كبار الصحابة وصالحي
الأمة، من المهاجرين والأنصار، فلذك وضع العيون على مثل حذيفة وكان الأولى أن يضع
العيون والجواسيس على معاوية والوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وابن أبي السرح
ومروان وأمثالهم ممن دفعوا هذه الأمة إلى فتنة إلى اليوم.
[66]
هل مات أبو سفيان بالدبيلة؟ لم أبحث هذا الموضوع بعد، وهناك
تعتيم كبير على مرض أبي سفيان، وأمراض كثير ممن وردوا في قصة العقبة..فأبو
سفيان لا أدري بأي مرض مات؟، وهل طال مرضه
أم لا؟.. ولكن حديث حذيفة يدل على شيء من هذا، رغم أنه قال هذا الحديث وهو
بالعراق، وكان أبو سفيان يومئذ شيخ أعمى بالمدينة.
[67] وكل هذه الأخبار ستأتي موثقة موسعة في كتابي عن أبي سفيان ولكن لا
بأس أن نذكر هذا الأمر الأخير في تمنيه انتصار الروم، ففي الإستيعاب في معرفة الأصحاب للإمام ابن عبد
البر- (ج 2 / ص 37) في ترجمة أبي سفيان قال:
(وفي خبر ابن الزبير أنه رآه يوم اليرموك قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال أبو
سفيان إيه بني الأصفر فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان: وبنو الأصفر الملوك ملوك
الروم لم يبق منهم مذكور، فحدث به ابن الزبير أباه لما فتح الله على المسلمين فقال
الزبير: قاتله الله يأبى إلا نفاقاً أو لسنا خيراً له من بني الأصفر؟ وسيأتي الإسناد وصحته في كتابي عن أبي سفيان مع
جملة وافرة من الأحاديث والآثار في نفاق أبي سفيان وإسراره الكفر.
[68]
تليد بن سليمان المحاربي الكوفي ( نحو 190هـ) أبو إدريس الأعرج، محدث من عامة أهل الحديث،
قواه أحمد وغيره، وضعفه ابن معين وغيره مذهبياً عندما يقولون ( كذاب يشتم عثمان)!
واتهم بالرفض لهذا وأمثاله مع أن له أحاديث
في ذم (الرافضة) نقلها كما ينقلها غيره ( وهي منكرة)، وأحاديث أخرى في فضائل أبي
بكر وعمر ( كحديث الوزيرين عند الترمذي وهو منكر) ، والظاهر من رواياته أنه سلفي
يثني على أبي بكر وعمر وإنما سخط عليه النواصب لروايته أحاديث في مثالب معاوية،
فيدافعون عن معاوية بزعمهم أنه يشتم أبا بكر وعمر والصحابة! وهذا أسلوب متبع من
النواصب إلى اليوم، وهو أفضل وسيلة في الدفاع عن الظالمين كمعاوية ونحوه (التوسع
في ترجمته في الملحق).
[69] في الحديث قلب، والصواب أن النبي (ص) هو الذي أتى العقبة وأتى الناس
الوادي.. وتليد بن سليمان فيه كلام، ولكن معظم الكلام فيه مذهبي، وهو صالح في
المتابعات والشواهد، وقد روى في فضائل الشيخين.. فليس تشيعه بذاك الشديد، وحتى لو
كان تشيعه شديداً فالمعول على الصدق في الراوية وليس على المذهب.
[70] متابعة الهروي؛ لعباد بن يعقوب: رواها
البزار في مسنده - مسند
البزار - (ج 7 / ص 384)- قال: حدثنا
الفضل بن سهل ، قال : أخبرنا عبد السلام بن صالح ، قال : أخبرنا تليد بن سليمان ، عن
أبي الجحاف ، عن عدي بن ثابت ، عن زر بن حبيش ، عن حذيفة رضي الله عنه قال : « لقي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليلة العقبة عدة رجال يعني في العقبة سماهم » وهذا
الحديث لا نعلم رواه عن عدي ، عن زر ، عن حذيفة ، إلا أبو الجحاف اهـ قلت: الفضل
بن سهل بن إبراهيم الأعرج البغدادي ( 255هـ) ثقة من رجال الشيخين، وشيخه عبد
السلام بن صالح الهروي ثقة ( بعضهم ضعفه مذهبياً لروايته حديث الطير ونحوه من فضائل علي، وقدتوسع الشيخ محمود سعيد
ممدوح في توثيقه في تعليقه على تعليقات ابن حجر على أحاديث مشكاة المصابيح) وتقدم
الكلام في بقية رجال الإسناد، فالسند في مرتبة الحسن، والحديث مروي بالمعنى
ومختصر.
[71]
وقد أشاعت ثقافة الطلقاء ذم اللعن مطلقاً، ويرددون بمكر ( لم يكن
النبي (ص) لعاناً..) وهذه كلمة حق أريد بها باطل،
فكونه لم يكن لعاناً، أي لا يهوى اللعن ولا يبحث عنه، وإنما يلعن من استحق
اللعنة، واللعنة دعاء، ومن لعنه الله لا يتورع النبي (ص) عن لعنه، ثم هؤلاء أعني
بني أمية هم من أكثر الناس لعناً للأخيار، ومن أرضى الناس عن الأشرار، هذا علي وآل
محمد لعنوا فوق منابرهم ثمانين سنة، وهؤلاء المقتدون بهم يلعنون المسلمين في
قنوتهم، يريدون فقط أن نحرّم على الناس لعنة من لعنه الله ورسوله، ونسكت عن لعن من
يحبه الله ورسوله، وهذا موضوع صغير من جملة مواضيع نكسوا فيها الإسلام على رأسه!
وليس هذا بأول إفساد أموي لثقافتنا ولن يكون الأخير.
[72]
تقريب التهذيب - (1 / 639) عبيد الله بن معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان
العنبري أبو عمرو البصري ثقة حافظ رجح بن معين أخاه المثنى عليه من العاشرة مات سنة
سبع ( أي سنة 207هـ) قاله الحافظ.
[73]
هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري أبو المثنى البصري القاضي
ثقة متقن من كبار التاسعة مات سنة ست وتسعين ع ( قاله ابن حجر في التقريب) قلت:
وفيه نصب وقد توبع.
[74]
عبد الله بن عون بن أرطبان
أبو عون البصري ثقة ثبت فاضل من أقران أيوب في العلم والعمل والسن من السادسة مات سنة
خمسين على الصحيح ع ( قاله الحافظ)، وفيه
نصب فقد يكون أخفى بعض تفاصيل القصة..
[75]
ثقة من رجال مسلم ، وفي تقريب
التهذيب - (1 / 725) عمر بن كثير بن أفلح المدني مولى أبي أيوب ثقة من الرابعة خ م
/ ووالده أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري أبو عبد الرحمن وقيل أبو كثير مخضرم ثقة من الثانية
مات سنة ثلاث وستين م.
[76]
معاذ بن معاذ ثقة سبق.. وفيه نصب.
[77]
هو أزهر بن سعد السمان أبو
بكر الباهلي بصري ثقة من التاسعة مات سنة ثلاث ومائتين وهو بن أربع وتسعين خ م د ت
س ( كما في تقريب ابن حجر) وهو مقرب جداً من ابن عون، وإليه أوصى ابن عون ( كما يف
تهذيب المزي).
[78]
أحاول من وقت لآخر أن أذّكر السلفية المحدثة بأعلام السلفية
الأولى إن كانوا جادين في اتباع السلف،
ولعلهم يعرفون في نهاية هذه الأبحاث - التي يتم بها كتاب معاوية- أنهم
كانوا مخدوعين من أعلام السلفية المحدثة، وأن السلف الحق أو السلفية العتيقة في
وادٍ وهم في واد آخر، بل لو اقتصروا على أعلام الصحابة في مثل هذه الأحاديث لعرفوا
ذلك، فقد ذكرنا عدداً لا باس به من أعلام الصحابة والتابعين كعلي وأم سلمة وأبي
أيوب الأنصاري وحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وأبي ذر وأبي
الطفيل وغيرهم كثير وفي حديث واحد فقط من أحاديث مثالب معاوية.. فليأتوني بمثل
هؤلاء؟ لن يجدوا إلا أن يكذبوا.. نعم السنة غريبة كالإسلام، والزمن الذي يكون فيه
الإسلام غريباً ستكون السنة النبوية غريبة قطعاً، لأنها أخص من عموم الإسلام.
[79]
وقله عنه ابن أبي الحديد
ففي شرح نهج البلاغة - (1 / 1701) عن كتاب
المفخرات قول الحسن: وأنشدك الله يا معاوية
أ تذكر يوما جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله
ص فقال اللهم العن الراكب والقائد والسائق اهـ
[80]
جاء ذلك في حديث طويل
وفيه قول الحسن ( أنشدكم بالله ! هل تعلمون أنما أقول حقا، إنك يا معاوية
كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر ، ويقوده أخوك هذا القاعد ، وهذا يوم الأحزاب ، فلعن
رسول الله صلى الله عليه وآله الراكب والقائد والسائق ، فكان أبوك الراكب ، وأنت يا
أزرق السائق وأخوك هذا القاعد القائد ؟) والسند ضعيف من مرسل الشعبي ويزيد بن أبي
حبيب أما أحاديث أهل السنة فمتصلة وصحيحة وأنها بعد إسلامه كما سيأتي في حديث
سفينة.