شاهد
(2): ( لعن الله الراكب والقائد والسائق):
وهذا الحديث
فيه ذكر الجمل الأحمر، أو الجمل فقط، أو البعير، ..الخ وذلك في كثير من طرق الحديث، إلا أن الحديث روى بالمعنى فلا يتم التركيز على
مناسبة الحديث حتى نتيقن أنه يوم العقبة، فمناسبته ليست بتلك الصريحة بأن هذا
الحديث كان يوم عقبة تبوك، ولكن تشابك الأحاديث ( حديث العقبة – عقبة تبوك- مرتبط
بحديث الجمل الأحمر، وحديث الجمل الأحمر مرتبط بحديث لعن الله الراكب والقائد
والسائق)، وهذا الحديث روي عن سفينة وابن
عمر والحسن بن علي والمهاجر بن قنفذ وغيرهم، وقد أهملنا أحاديث أخرى قريبة في المعنى إلا أن
مناسبات تلك الأحاديث متباعدة عن مناسبة حديث الجمل الأحمر.
أما
حديث سفينة : في لعن الراكب والقائد والسائق..
فروي من طريق سعيد بن جمهان، رواه البلاذري
والبزار..
والحديث من
طريق سفينة في مسند البزار (9/286) قال
البزار:
ح وحدثناه
حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان
جالساً فمر رجل على بعير وبين يديه قائد وخلفه سائق فقال: (لعن الله القائد
والسائق والراكب).
التعليق:
السند صحيح[3]..
إلا أن قوله ( كان جالساً يصرفه إلى مناسبة أخرى) فلعله مروي بالمعنى.. ولن
يلعنهما النبي (ص) إلا على شيء عظيم لما تواتر من خلق النبي (ص) وأنه لا يلعن إلا
مستحقاً..
و
رواه البلاذري في أنساب الأشراف[4]:
قال: حدثنا خلف[5]
حدثنا عبد الوارث بن سعيد[6]
عن سعيد بن جمهان[7] عن
سفينة مولى أم سلمة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان جالساً فمر أبو سفيان
ومعه معاوية وأخ له أحدهما يقود البعير والآخر يسوقه فقال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم): لعن الله الحامل والمحمول والقائد والسائق.
أقول: الإسناد
صحيح رجاله كلهم ثقات لكن في المتن لفظة (الحامل) شاذة والصواب الحديث المشهور
(لعن الله الراكب والقائد والسائق) والراكب هو المحمول، وأما البعير فلا ذنب له..
التعليق:
ولكن قوله (
كان جالساً) يُشعر بأن المناسبة قد لا تكون يوم العقبة، إلا أن يكون تكرر هذا في
المدينة بعد عودتهم.. فمروا على النبي (ص) ومعهم ذلك الجمل الأحمر، وكان النبي (ص)
جالساً.. أو يكون الحديث مروياً بالمعنى.. لأنه لا معنى لأن يلعنهم النبي (ص) دون
ارتكابهم ذنباً عظيماً يستحقون عليه اللعنة، وأبلغ ما يمكن أن يكون ذلك هو محاولة
اغتيال النبي (ص) في تلك العقبة، ويدل على ذلك سياق حديث قيس بن عباد، وذكر الجمل
الأحمر، وذكر أن أبا سفيان كان منهم.
ثم وجدت لذلك
احتمالاً بأن النبي (ص) رآهم بعد العقبة، فإن النبي (ص) بعد تجاوزه العقبة استراح
بأصحابه وعرض عليه بعض الصحابة أن يبعث إلى هؤلاء فيقتلهم، فأجابهم بالحديث
المشهور ( حتى لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه) وهذا الحديث قد كرره النبي
(ص) في موضعين على الأقل ( يوم المريسيع عندما تخاصم المهاجرون والأنصار ويوم عقبة
تبوك).
والحديث
رواه ابن عمر أيضاًُ ( أي حديث : لعن الله الراكب والقائد والسائق):
رواه نصر بن
مزاحم (ص220) عن تليد بن سليمان (مختلف فيه)[8]
حدثني الأعمش (ثقة) عن علي بن الأقمر (ثقة) قال: وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا
ثم قلنا لو مررنا برجل قد شهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعاينه فأتينا عبد
الله بن عمر.. فذكر الحديث وفيه قال:
( وخرج من فج فنظر رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) إلى أبي سفيان وهو راكب ومعاوية وأخوه أحدهما قائد والآخر سائق، فلما نظر
إليهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (اللهم ألعن القائد والسائق والراكب)،
قلنا: أنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ قال: نعم وإلا فصمتا أذناي كما
عميت عيناي..الحديث).
والحديث
رواه الحسن بن علي ( أي حديث: لعن الله الراكب والقائد والسائق)
رواه الطبراني
في المعجم الكبير (3/71) قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي (ثقة)[9]
ثنا محمد بن بشار بندار (ثقة من شيوخ البخاري) ثنا عبد الملك بن الصباح المسمعي
(ثقة)[10]
حدثنا عمران بن حدير (ثقة)[11]
أظنه[12]
عن أبي مجلز (ثقة)[13]
قال: قال عمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة لمعاوية –في حديث صلح
الحسن ومعاوية في رواية طويلة وفيها قول الحسن : (بالله عليك يا عمرو وأنت يا
مغيرة تعلمان أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (لعن الله السائق
والراكب) أحدهما فلان[14]؟!
قالا: اللهم بلى… الحديث).
أقول: الإسناد
صحيح ورجاله كلهم ثقات، فالحديث بهذا الإسناد وإسناد سفينة أقل أحواله الحسن لذاته
الصحيح لغيره وكلاهما حجة عند أهل الحديث.
وسبق أن الحسن
بن علي ذكر أن النبي (ص) لعن أبا سفيان في سبعة مواطن، منها يوم العقبة يوم الجمل
الأحمر، وكلاهما في عقبة تبوك ، أو أن إحدهما يوم تبوك والأخرى في ثنية هرشى..
وهذا يحتاج إلى بحث.
حديث
المهاجر بن قنفذ ( الثلاثة والبعير):
قال: (رأى
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ثلاثة على بعير فقال: الثالث ملعون).
قال الهيثمي
في المجمع (1/118): رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات[15]
اهـ
ولفظ هذا الحديث ليس بذاك المستقيم فقوله (
الثالث ملعون) فيه غموض، والصواب أنه لعنهم جميعاً، لكن كأن في الخبر اختصار شديد وفي لفظه اختلاف عما سبق، وقد تركت
أحاديث من هذا الجنس، واقتصرت على ما يشبه حديث الجمل الأحمر، ومن أحاديث الجمل
الأحمر ما يشبه أحاديث ( ليلة الجمل = أي العقبة) وهكذا ..
فإما أن تكون هذه مناسبة واحدة تعددن فيها ألفاظ
الحديث وإما أن رسول الله (ص) لعن معاوية وأبا سفيان في مناسبات متعددة .. فلتختر السلفية المحدثة ما
شاءت منهما.
تعامل
النبي (ص) مع هؤلاء بعد الوصول إلى المدينة:
يظهر أن النبي
(ص) ومن باب الاستجابة لقوله تعالى ( جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) أن مجاهدته المنافقين كانت بالموعظة البليغة
وذمهم الذم الظاهر الذي يعرفه كل شاهد عيان، ورغم فقر التاريخ والحديث في هذا
الجانب ورغم أن السلطة ستضع ثقلها الأكبر في التكتم على هذه المرحلة الخطيرة ( حال
هؤلاء بعد تبوك) إلا أنه قد وردت أحاديث وروايات كتب الله لها النجاة من مقص
الرقيب فوصلت إلينا، لأنه لا يعقل أن يأمر الله نبيه الأكرم بالغلظة على المنافقين
ثم لا ينفذ هذا الأمر ، فالصواب أن السلطة أخت هذه الغلظة، ولو كانت في منافقي
الأنصار لما خفيت على أحد، إنما لأن الغلظة كانت في منافقي قريش ولكونهم قد حكموا
وتحكموا في كثير من هذا الإنتاج فقد خفيت استجابة النبي (ص) لهذه الغلظة المأمور
بها شرعاً..
ومن الأحاديث
والآثار التي وصلت إلينا وأرجح أنها بعد تبوك ( بعد محاولة حادثة الاغتيال) في آخر
النبوة ما يلي:
المبحث الثالث:
الأحاديث الرابطة بين محاولة الاغتيال والإغلاظ عليهم في المدينة
1- من الأحاديث الرابطة: حديث الحسن البصري: -
وهو يربط بين العقبة وما جرى في المدينة- : ففي الدر المنثور - (ج 4 / ص 245) وأخرج أبو الشيخ عن الحسن " أن رسول الله
صلى الله عليه و سلم قال : إن قوما قد هموا بهم سوءا وأرادوا أمرا فليقوموا
فليستغفروا فلم يقم أحد ثلاث مرار!
فقال
: قم يا فلان قم يا فلان!
فقالوا : نستغفر الله تعالى!
فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : والله
لأنا دعوتكم إلى التوبة والله أسرع إليكم بها وأنا أطيب لكم نفسا بالاستغفار
أخرجوا " اهـ
التعليق:
الحديث مرسل، ولم أجد إسناده، وأبو الشيخ سلفي، وقوله ( بهم) لعله ( به) أي هموا
بالنبي (ص) سوءاً وأرادوا أمراً.. واللفظ الأخير فيه غموض ( يفسره ما ننقله عن
الرازي والطبرسي)، ثم التعمية على الأسماء وتفصيل الحادثة لها ظروف سياسية ومذهبية..
وقد
جاءت رواية الحسن البصري عند الشيعة الإمامية مع تفصيل أفضل ففي الاحتجاج للطبرسي
قال : وذكر الحسن في هذه الآية : أن اثني
عشر رجلا من المنافقين اجتمعوا على أمر من النفاق وائتمروا به فيما بينهم ، فأخبره
الله بذلك ، وقد دخلوا على رسول الله ، فقال رسول الله : إن اثني عشر رجلا من
المنافقين اجتمعوا على أمر من النفاق ، وائتمروا به فيما بينهم ، فليقم أولئك
فليستغفروا ربهم ، وليعترفوا بذنوبهم حتى اشفع لهم . فلم يقم أحد . فقال رسول الله
صلى الله عليه وآله : ألا تقومون ؟ مرارا - . ثم قال : قم يا فلان وأنت يا فلان ،
فقالوا يا رسول الله نحن نستغفر الله ونتوب إليه ، فاشفع لنا . قال الآن أنا كنت
في أول أمركم أطيب نفسا بالشفاعة ، وكان الله تعالى أسرع إلى الإجابة أخرجوا عني ،
فاخرجوا عنه حتى لم يرهم اهـ
ونحو
هذا ذكر الرازي في تفسير سورة التوبة
( واعلم أنهم كانوا يسمون سورة براءة ، الحافرة حفرت عما في قلوب المنافقين قال
الحسن : اجتمع اثنا عشر رجلا من المنافقين على أمر من النفاق ، فأخبر جبريل الرسول
عليه الصلاة والسلام بأسمائهم ، فقال عليه الصلاة والسلام : " إن أناسا
اجتمعوا على كيت وكيت ، فليقوموا وليعترفوا وليستغفروا ربهم حتى أشفع لهم "
فلم يقوموا ، فقال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك : " قم يا فلان ويا فلان
" حتى أتى عليهم ثم قالوا : نعترف ونستغفر فقال : " الآن أنا كنت في أول
الأمر أطيب نفسا بالشفاعة ، والله كان أسرع في الإجابة ، اخرجوا عني اخرجوا عني
" فلم يزل يقول حتى خرجوا بالكلية ، وقال الأصم[16]
: إن عند رجوع الرسول عليه الصلاة والسلام من تبوك وقف له على العقبة اثنا عشر
رجلا ليفتكوا به فأخبره جبريل ، وكانوا متلثمين في ليلة مظلمة وأمره أن يرسل إليهم
من يضرب وجوه رواحلهم ، فأمر حذيفة بذلك فضربها حتى نحاهم ، ثم قال : " من
عرفت من القوم " فقال : لم أعرف منهم أحدا ، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم
أسماءهم وعدهم له ، وقال : " إن جبريل أخبرني بذلك " فقال حذيفة : ألا
تبعث إليهم ليقتلوا ، فقال : " أكره أن تقول العرب قاتل محمد بأصحابه حتى إذا
ظفر صار يقتلهم بل يكفينا الله ذلك) اهـ
وقال
في موضع آخر ناسباً الرواية كلها للأصم
( قال أبو بكر الأصم قوما من المنافقين اصطلحوا على كيد في حق الرسول صلى الله
عليه وسلم ، ثم دخلوا عليه لأجل ذلك الغرض فأتاه جبريل عليه السلام فأخبره به ،
فقال صلى الله عليه وسلم : إن قوما دخلوا يريدون أمرا لا ينالونه ، فليقوموا
وليستغفروا الله حتى أستغفر لهم فلم يقوموا ، فقال : ألا تقومون ، فلم يفعلوا فقال
صلى الله عليه وسلم : قم يا فلان قم يا فلان حتى عد أثنى عشر رجلا منهم ، فقاموا
وقالوا : كنا عزمنا على ما قلت ، ونحن نتوب إلى الله من ظلمنا أنفسنا فاستغفر لنا
، فقال : الآن اخرجوا أنا كنت في بدء الأمر أقرب إلى الاستغفار : وكان الله أقرب
إلى الإجابة اخرجوا عني ) اهـ
وهذه
الرواية كأنها تخبر أن هؤلاء الاثني عشر كرروا المؤامرة في المدينة بعد أن فشلت
مؤامرة العقبة في تبوك، وهذا إن صح فنفاقهم خطير وإصرارهم عظيم، ولأمرٍ ما منع
معاوية الحديث عن رسول الله وكان يرسل للصحابة مهدداً ( وهذا له مبحث خاص)،
ومعاوية لن ينهى عن الحديث مطلقاً إلا من يخشى منه شيئاً، ولا تقنع أحداً حجة خشية
الاختلاط بالقرآن الكريم، وكان معاوية يستخدم الحديث الموضوع وينهى عن الحديث
الصحيح حتى اختلطت المنظومة الحديثية كما ترون.
2-
ومن الأحاديث الرابطة:
حديث ثابت البناني:
في الطبقات الكبرى لابن
سعد - (ج 1 / ص 176) أخبرنا هاشم بن القاسم قال: حدثني سليمان عن ثابت، يعني
البناني، قال: اجتمع المنافقون فتكلموا بينهم، فقال رسول الله، صلى الله عليه
وسلم: إن رجالاً منكم اجتمعوا فقالوا كذا وقالوا كذا فقوموا واستغفروا الله
وأستغفر لكم، فلم يقوموا فقال: ما لكم؟ قوموا فاستغفروا الله وأستغفر لكم، ثلاث
مرات، فقال: لتقومن أو لأسمينكم بأسمائكم! فقال: قم يا فلان، قال: فقاموا خزايا
متقنعين اهـ.
وكلام المنافقين هو
تداولهم قبيل العقبة في أمر اغتيال النبي (ص) ومن ذلك قولهم: ( (فَقَالَ أُنَاسٌ :
لَوْ دَفَعْنَاهُ السَّاعَةَ فَوَقَعَ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهُ اسْتَرَحْنَا مِنْهُ)
ونحو هذا الكلام.. إلا أن ضغط السلطة أدى إلى تشتت الأحداث والأقوال وغموضها..
3-
ومن الأحاديث الرابطة حديث
ابن عباس: هو يربط المنافقين بما نزل في سورة التوبة في حقهم.
ففي
المعجم الأوسط للطبراني - (ج 2 / ص 303) : حدثنا
أحمد بن يحيى الحلواني قال : نا الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي قال : نا أبي قال
: نا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس في قوله : ( وممن حولكم
من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم
سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم
- التوبة ) قال : قام رسول الله
صلى الله عليه وسلم يوم جمعة خطيبا ، فقال : « قم يا فلان فاخرج ، فإنك منافق ،
اخرج يا فلان ، فإنك منافق » ، فأخرجهم بأسمائهم ، ففضحهم ، ولم يكن عمر بن
الخطاب شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له ، فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد فاختبأ
منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة ، وظن أن الناس قد انصرفوا ، واختبئوا هم من عمر
، وظنوا أنه قد علم بأمرهم ، فدخل عمر المسجد ، فإذا الناس لم ينصرفوا . فقال له
رجل : أبشر يا عمر ، فقد فضح الله المنافقين اليوم ، فهذا العذاب الأول ،
والعذاب الثاني عذاب القبر اهـ
التعليق:
قوله
: والعذاب الثاني عذاب القبر كأنه مدرج من أحد الرواة، وهي زيادة مخالفة للقرآن
الكريم، وإلا فماذا يكون عذاب المنافقين يوم القيامة؟ هل هو العذاب الثالث؟ كلا..
فالله لم يذكر إلا عذابين، وذكر أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، فهذا هو
العذاب الثاني، وأما العذاب الأول فيظهر أن العذاب في الدنيا بالخزي والأمراض
كالدبيلة ونحوها، ..
ثم
عذاب القبر ونعيمه وإن كان فيه خلاف بين المسلمين ، هل هو لكل البشر أم لحالات،
وهل يقع على الجسد والروح أم يقع ذلك على الروح فقط، وهذا كله يحتاج إلى بحث،
وقناعتي لو قلتها الآن لن تفيد لأنها غير مبنية على بحث، وقد تتغير حسب البحث.
4-
ومن الأحاديث الرابطة : حديث أبي مسعود البدري، وهو شاهد لحديث ابن
عباس فاللفظ متقارب.
ففي مسند أحمد بن حنبل -
(ج 5 / ص 273) حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع
ثنا سفيان عن سلمة عن عياض بن عياض عن أبيه عن أبي مسعود قال : خطبنا رسول الله
صلى الله عليه و سلم خطبة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ان فيكم منافقين فمن سميت
فليقم ثم قال قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان حتى سمى ستة وثلاثين رجلا ثم
قال ان فيكم أو منكم فاتقوا الله قال فمر عمر على رجل ممن سمى مقنع قد كان يعرفه
قال مالك؟ قال فحدثه بما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بعداً لك سائر
اليوم اهـ
والحديث في دلائل
النبوة للبيهقي - (ج 5 / ص 364)
من طريقين.. قالا :
حدثنا أبو أحمد ، حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن عياض بن عياض ، عن أبيه ، عن
أبي مسعود ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر في خطبته ما شاء الله
عز وجل ، ثم قال : « أيها الناس ، إن منكم منافقين ، فمن سميت فليقم ، قم يا
فلان ، قم يا فلان » ، حتى عد ستة وثلاثين ، ثم قال : « إن فيكم أو إن منكم
فسلوا الله العافية » ، قال : فمر عمر برجل متقنع قد كان بينه وبينه معرفة ، فقال
: ما شأنك ؟ فأخبره بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : بعداً لك سائر
اليوم اهـ
التعليق:
إذن فهؤلاء الستة والثلاثين كأنهم رؤوس الخليتين،
خلية العقبة، وخلية مسجد الضرار، فخلطوا الناس وذكروا خلية الضرار وتركوا أخرى..
ولن يتركوا إلا الأقوى للظروف السياسية، وإذا كان
خلية العقبة بين اثني عشر وخمسة
عشر رجلاً، فالخلية الأخرى قريبة العدد من هذا، والاختلاف في الخلية الواحدة كخلية
العقبة بين اثني عشر وخمسة عشر يمكن الجمع بينه بأنه عذر ثلاثة لم يكونوا يعلمون
بخطة القوم، وكان مجيئهم من العقبة معصية أو أنهم لم يسمعوا نهي النبي (ص) بعد
الإتيان من العقبة أو نحو ذلك مما يخرجهم من المنافقين بعد قبول عذرهم[17].
والحديث الآتي – حديث عاصم الليثي-
سمى لنا بعض هؤلاء المنافقين ومنهم أبو سفيان ومعاوية.
المبحث
الرابع: الإغلاظ للمنافقين بالمدينة
أمر الله عز
وجل في سورة التوبة النبي (ص) أمراً واضحاً بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ
جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ
قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ
يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ
فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ
اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي
الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) [التوبة : 73 ، 74])
والسؤال:
أين تنفيذ
النبي (ص) لهذا المر الإلهي، من الإغلاظ على المنافقين ومجاهدتهم ولو بالقول؟
والجواب: لأن
هذا الإغلاظ كان في حق معاوية وأبي سفيان وأمثالهما فاختفى هذا الإغلاظ.. إلا أنه
لم يختفِ تماماً بل بقيت أحاديث قليلة صحصحة الأسانيد ومنها:
حديث
عاصم الليثي ( القائد والمقود) في المدينة:
أخرجه
الطبراني في المعجم الكبير (17/176) حدثنا العباس بن الفضل حدثنا موسى بن إسحاق
وحدثنا عبد الرحمن بن الحسين التستري حدثنا عقبة بن سنان قالا حدثنا غسان بن مضر
(ثقة) عن سعيد بن يزيد أبي سلمة (ثقة) عن نصر بن عاصم الليثي (تابعي ثقة) عن أبيه
قال: دخلت مسجد المدينة فإذا الناس يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب
رسوله.
قال: قلت:
ماذا؟!
قالوا: كان
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يخطب على منبره فقام رجل فأخذ بيد ابنه فأخرجه
من المسجد فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): لعن الله القائد والمقود،
ويل لهذه الأمة يوماً من فلان ذي الأستاه)[18]!
اهـ
التعليق:
الرجل الذي
أخرج مع ابنه من المسجد هو أبو سفيان وابنه معاوية، والمقود، يعني المقود به، ولن
يلعن النبي (ص) الجمل الذي لا ذنب له.. وإنما غضب الله ورسوله على أبي سفيان ومعاوية..
وكأن النبي (ص) بعد أن عاد إلى المدينة خطب فيهم وفضحهم ولعنهم، فغضب أبو سفيان
وخرج من المسجد وأخذ بيد ابنه معاوية..
والحديث
عند ابن عبد البر:
وقد رواه ابن
عبد البر في الاستيعاب –ترجمة عاصم الليثي قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا
قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا غسان بن مضر حدثنا أبو سلمة
سعيد بن يزيد عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه
وسلم): (ويل لهذه الأمة من ذي الأستاه) وقال مرة أخرى (ويل لأمتي من فلان ذي
الأستاه).
قال ابن عبد
البر: قال أحمد: لا أدري أسمع عاصم هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أم لا؟.
قلت: في حديث
الطبراني دلالة واضحة على صحبته[19]
وقد ذكر هذه الدلالة ابن حجر، وحضوره الحادثة والإسناد صحيح غاية، والنبي (ص) لم
يكتف بهذا، وإنما حذر من معاوية، ( ولكن الحديث لا يذكرونه كاملاً إما من باب الرواية بالمعنى أو من باب الخوف من
التصريح بكل الحقيقة فالحق ثقيل) وفي هذا الحديث أخبر النبي (ص) بما ستلقاه الأمة
من معاوية ( وهذا التحذير كثير في أحاديث أخرى)، أما لماذا لم يقتله فهذا يتعلق
بسنة الله في خلقه وإبقاء بعض الأشرار من باب ابتلاء الأمة وتمحيصها فالابتلاء
غاية كبرى من غايات خلق الإنسان وإلا لما أبقى الله إبليس وهو أخطر من معاوية.
والحديث قد
روي من طريقين صحيحين عن غسان بن مضر (وهو ثقة) عن سعيد بن يزيد أبي مسلمة[20]
(وهو ثقة عابد) عن نصر بن عاصم الليثي (وهو ثقة)[21]
عن والده (وهو صحابي).
ولا يخفى أن هذا
الحديث في معاوية لما سبق من تفسير (فلان) و (الأقيعس) و(ذي الأستاه) كلها أوصاف
لمعاوية، وسيأتي صريحاً في رواية ابن سعد.
والحديث في الطبقات الكبرى
لابن سعد - (ج 7 / ص 78) ترجمة عاصم أبو نصر بن
عاصم الليثي:
قال:
أخبرت [22]عن
أبي مالك كثير بن يحيى البصري[23]
قال: حدثنا غسان بن مضر قال: حدثنا سعيد بن يزيد عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه
قال: دخلت مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحاب النبي، صلى الله
عليه وسلم، يقولون: نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله! قلت: ما هذا! قالوا: معاوية
مر قبيل أخذ بيد أبيه ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، على المنبر يخرجان من
المسجد، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فيهما قولاً اهـ
قلت:
والقول الذي أخفاه الرواة هو لعن النبي
(ص) وتحذيره من معاوية، ولم تثبت صحبة عاصم الليثي إلا بهذا الحديث، ولم يذكر ابن
سعد ولا غيره أحاديث أخرى أو أخبار لهذا الصحابي.
حديث أبي سعيد الخدري:
ولعله في هذا
المناسبة كان حديث ( إذا رأيتم معاوية على هذه الأعواد فاقتلوه) - وقد أفردناه في
كتاب- فقد قاله النبي (ص) وهو على المنبر،
وهذا الطريق لحديث ( إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه) من رواية أبي سعيد، له
طرق كثيرة صحيحة عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد..
فقد رواه عن علي بن زيد بن جدعان كل من سفيان بن
عيينة وجعفر بن سليمان الضبعي وحماد بن سلمة، وثلاثتهم ثقلت مع تنوع مذهبي، فابن
عيينة وحماد بن سلمة ميولهم حديثية سلفية عثمانية أقرب لبني أمية منها إلى آل
البيت، وجعفر بن سليمان الضبعي محدث له ميول شيعية، وثلاثتهم ثقات، ومن أهل
البصرة، تلك البلدة العثمانية المنحرفة عن الإمام علي[24]،
فاتفق السنة والشيعة في مدينة عثمانية ناصبية على رواية هذا الحديث عن علي بن زيد
بن جدعان، فيبقى التحقيق في علي بن زيد
وشيخه أبو نضرة إذ هما محل البحث.
أما رواية
الثلاثة الثقات عن علي بن زيد به؛ ففي هذا الطريق الذي أخرجه ابن عساكر الدمشقي
الشامي المحب لمعاوية في تاريخ دمشق (59/ 155-156) من طرق عن حماد بن سلمة وجعفر
بن سليمان الضبعي وابن عيينة ثلاثتهم عن علي بن زيد بن جدعان بالإسناد والمتن
ولفظه ( إذا رأيتم معاوية على منبري، - وفي لفظ : على هذه الأعواد- فاقتلوه).
وقوله : على
هذه الأعواد يدل على أن النبي (ص) قاله وهو يخطب على المنبر، وفي بعض الألفاظ
( على منبري هذا) ولعل الحديث كان إضافة إلى لعن أبي سفيان ومعاوية
وخروجهما من المسجد استمر النبي (ص) في التحذير من معاوية وأن عليهم قتله إن رقى
على منبر النبي (ص) لأنه يكون وقتها قد بدأت خطته العملية في إفساد الدين... وقد
أخرجنا هذا الحديث في كتاب مفرد، ومجموع أسانيده يقتضي أنه صحيح على منهج أهل
الحديث، لولا ممانعة السلفية المحدثة ومكابرتها حماية لمعاوية، وقد شرحنا ذلك بما
لا مزيد عليه في الكتاب المذكور..
وكذلك
كثير من الأحاديث في ذم معاوية لعل مناسبتها هي هذه من باب الاستجابة النبوية
للإغلاظ للمنافقين، ذلك الإغلاظ الذي أخفته السياسة، وقد جاءت أحاديث أخرى منقطعة
في الإغلاظ لمجموعة من أصحاب مسجد الضرار إلا أنها ليست في قوة الأحاديث التي جاءت
في الإغلاظ لأبي سفيان ومعاوية، رغم وطأة الدولة الأموية على الصحابة والتابعين
وتهديد معاوية لهم بالقتل إن حدثوا بتلك الأحاديث، ومنها حديث أبي هريرة ( لقطعتم
هذا البلعوم) وحديث ابن عمر في تهديد معاوية له بالقتل ، وحديث أبي سعيد الخدري في
عتابه التابعين على إيصال الأحاديث إلى معاوية، وقول أحد الرواة عن شيخه : ثم
استكتمني الحديث ما عاش معاوية ...الخ، فخروج مثل هذه الأحاديث ومن طرق صحيحة تعد
إعجازاً ودليل على شهرتها، فقد رواها أهل الحديث، بل لا يكاد حديث منها يخلو من من بعض النواصب في
أسانيده، ولروايتهم لها أسباب ذكرناها في ترجمة مجالد بن سعيد في كتاب ( إذا رأيتم
معاوية على منبري فاقتلوه)أغلب من رواها فيهم نصب متوسط أو يسير.
وخلاصة القول في الأحاديث الرابطة والإغلاظ:
هذه
الأحاديث الرابطة تربط بين قصة العقبة ( عقبة تبوك) ولعن المنافقين وإخراجهم من
المسجد، والتفسير الطبيعي أن النبي (ص) استجاب لأمر الله في الإغلاظ على المنافقين
( وخاصة رؤوسهم أصحاب الاغتيال)كقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ
الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ
جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ
قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا
لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ
مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا
لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) [التوبة ) ولم يحفظ لنا التاريخ هذا الإغلاظ على
المنافقين إلا في مثل هذه الروايات والأحاديث التي أفلتت من دولة قاسية ذبحت عشرات
الآلاف من الصحابة والتابعين في صفين والحرة وكربلاء والجماجم..الخ، وتتبعت من
سواهم بالسجن والتضييق والسم والاغتيال ..الخ.
ولو كان هذا الإغلاظ في أصحاب عبد الله بن أبي
لاشتهر، لأنه لم يحكم وكانت الأنصار ضعيفة أمام السلطة، ولأن أهل الحديث والرواية
يذكرون عبد الله بن أبي بمناسبة وبلا مناسبة، إنما الإخفاء يتحقق عندما تكون
السلطة وثقافتها مع كتمان الحقيقة ونشر ما يضادها، فهنا تستحكم الفتنة ويظهر واجب
العلماء، و لا ريب عندي أن سرد هذا الحدث الخطير وأمثاله هي من البينات والهدى[25]
التي أمر الله العلماء ببيانها، فهي من
الأمور الكبرى التي يهتدي بها أمم من الناس، هذا لو عرفوها حق معرفتها، لكنهم
يكتمون ويلبسون ويبترون ويسكتون ويضعون الأحاديث المقابلة والروايات المعارضة.
ثم
نقول : لم يحفظ لنا التاريخ هذا القول البليغ أبلغ مما هو هنا من لعن هؤلاء وطردهم
من المسجد وتحذير الأمة منهم ووصية ألأمة بقتلهم إذا رقوا منبره، وإخبار الأمة
بأنهم أول من يبدل سنته ..الخ ليس هناك أبلغ من هذه المواقف إلا أن التاريخ أغمظ
عينيه عن البيان الشافي فروى هذه المواقف مشتتة مقطعة .. لأن التاريخ مضطهد، خاضع
للسلطة في مجمله، حتى أن المسلم لو يُسأل عن
تنفيذ النبي (ص) لهذه الأوامر الإلهية متى كان؟ وما هي دلائل ذلك التنفيذ؟ لما
عرف..
وكل
أمر لا تجدون النبي (ص) منفذاً له في
الراوية فلا يعني أنه غير منفذ له في الواقع، ولكن الرواية تحكمت في التاريخ فأخفت
ما يمكن إخفاءه، وكان حرصها على طمس هذا الكلام البليغ أكثر من حرصها على غيره،
ولعل الله ييسر لنا إخراج الدلائل الواضحة على أثر السلطة في الرواية حديثاً
وتاريخاً، وكيف أن هذه الرواية فيما بعد أصبحت سلطة ترهب الباحثين وتعصم عن تدبر
كتاب الله وعن معرفة سيرة النبي (ص) وحديثه الحق الذي لا يتعارض مع قرآن ولا عقل
ولا عدل .. وإنما يسير في المسار نفسه مؤكداً ومفسراً وموضحاً وشارحاً..الخ.
فالأحاديث
الرابطة هنا، لو لم يكن من علمها وفضلها إلا أنها أخبرتنا كيف تحقق الإغلاظ لهؤلاء
المنافقين، وكيف تحقق ذلك القول البليغ المأمور به قرآناً، وكيف تحقق خزي الكافرين
( المكرر في سورة التوبة) وكيف يتحقق تلتقي ألقاب ( الإسلام والكفر والنفاق)[26]
لكفى.
الخلاصة التذكيرية لحديث حذيفة بن اليمان وشواهده:
فقد روي حديث حذيفة من سبع طرق أو أكثر فيها
الصحيح والحسن والضعيف المعتضد بما صح.. وسياقات الحديث تدل على أن أبا سفيان
ومعاوية منهم.. وبعد أن وصلوا المدينة خطب النبي (ص) ولعنهم وأخرجهم من المسجد، وسيأتي
إثبات هذا بأمور تكفي عند العقلاء المتدبرين، أما المكابرين فلا شأن لهم بهذا
البحث أصلاً، وسيأتي المزيد من التعليقات
والقراءات للحديث .. وقبل استعراض الأحاديث الأخرى يحسن بنا الوقوف عند حديث حذيفة
هذا..فنتساءل ونحاول فك بعض رموزه.. ونقد العقل السلفي الذي لا يتساءل عن معنى
الحديث فنقول:
أسئلة لم تسألها السلفية المحدثة، وما سر هذا الضمور العقلي؟
إذا
أحسنا الظن، وقلنا أن السلفية المعاصرة لا تتعمد إخفاء مثالب معاوية، فما معنى ألا
يثيرهم هذا الأمر؟ وخاصة وأن الحديث من الشهرة وكثرة الطرق لا يخفى على صاحب حديث،
لا سيما وأنه في صحيح مسلم أيضاً؟ ألا يدفعهم هذا لطرح عدة أسئلة توصلهم إلى
الحقيقة أو شيء منها، سواء تلك الأسئلة العامة التي تتحدث بالاغتيال نفسه أو
محاولة الاغتيال التي نقلتها كتب المغازي والسير؟
فالعلم
سؤال وبحث عن جواب.. وكل عقل ضامر الأسئلة لن يعرف أسرار الله في خلقه، ولنطرح بعض
الأسئلة هنا مساعدة للسلفية المحدثة على حسن تدبر النصوص وفهمها، فإن استغلاق
الفهم عقوبة من الله يجب العمل على رفعها بتفعيل العقل وطلب الهداية من الله،
ونماذج الأسئلة هي:
من
هم هؤلاء الذين حاولوا اغتيال النبي (ص) وهو في أوج قوته؟ بعد غزوة تبوك؟
هل
هم ضعفاء كمنافقي الأنصار فيما يقال أم أقوياء كزعماء قريش الجدد وحلفائهم؟
وهل
لهم حماية أم لا؟علماً أن حلفاء أبي سفيان يمتدون من بني سلم إلى الروم!
وما
مصلحتهم من ذلك؟ هل لمنافقي الأنصار مصلحة؟ أم لقريش وزعاماتها؟
وما
هي تلك الفئة التي حاولت اغتيال النبي (ص) مراراً؟ أقريش أم الأنصار؟
هل
الأولى بذلك قريش أم الأنصار؟ ومن منهما له ثأرات وترات وأحقاد؟
مَنْ
مِنْ الجماعتين لها تاريخ طويل ومحاولات
متكررة في محالة اغتيال النبي (ص)؟
مَنْ
مِنْ الفئتين نزل فيهم من قبل (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا
لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ
اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30)
[الأنفال : 30 ، 31]) هل نزلت هذه الآية في قريش أم الأنصار؟
أم
أن تلك العصابة فئة مختلطة من الفريقين؟
وإن
كان كذلك فمن لهم الزعامة على الفئتين؟
وهل
هناك حلف شرير بين أطياف من قريش وأطياف من الأنصار؟
وما
قصة حلف أبي سفيان ( القرشي) مع أبي عامر الفاسق ( الأوسي)؟
أليس
هذا الحلف هو الأقرب، مما يطرحه السنة والشيعة؟
فالسنة
يطرحون على أن تلك العصابة من ضعفاء الأنصار ليس فيهم قرشي!
والشيعة
يطرحون على أن تلك العاصبة هم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة وأبو عبيدة وأمثالهم من
الطامعين في السلطة؟
أليس
اختيار أبي سفيان ورهطه من منافقي قريش، وأبي عامر الفاسق ورهطه من منافقي الأنصار
أولى بهذه الفعلة الشنعاء؟ لا سيما وأن للاثنين ( أبي سفيان وأبي عامر) حلفاً
كبيراً تترجم في أحد والخندق وسائر الحروب؟ ولهما علاقات قوية بالروم ودويلتهم
الغساسنة، ولهم ظهر طويل من الأحلاف كقبائل سليم وثقيف ودوس وبني أسد وكثير من
كنانة، بل حتى بني حنيفة في اليمامة كان لهم صلة قوية بأبي سفيان ( مسيلمة تزوج
أخت أبي سفيان)؟ بينما منافقو الأنصار لن يكون لهم مصلحة في اغتيال النبي (ص) وقد
لبث فيهم عشر سنوات لم يقوموا بمحاولة واحدة..
ثم
ما هي خطة تلك العصابة للاستفادة من هذا الاغتيال؟
ما
هي أجندتهم المقبلة؟ هل هناك مشروع ( نبي جديد) متمثلاً في أبي عامر الراهب الذي
بنوا له مسجد الضرار؟ ومشروع قائد سياسي
جديد هو أبو سفيان؟ ..الخ
ومن
له مصلحة في إخفاء تفاصيل هذا الاغتيال أهو معاوية أو عبد الله بن أبي؟
ومن
امتلك الدولة وضغط في التشويش على أمثال هذه الموبقات أهو معاوية أم عبد الله بن
أبي؟
ومن
اشترك في غزوة تبوك أهو معاوية وأبو سفيان أم عبد الله بن أبي؟
ومن
روى هذه القصة أهم خصوم معاوية من الصحابة أم خصوم عبد الله بن أبي؟
أترى
حذيفة وعمار وأمثالهم كانوا يحذرون من عبد الله بن أبي المتوفى عام 9هـ أم من معاوية المؤهل لامتلاك الأمة وفتنتها؟
هذه
أسئلة عامة على الحدث نفسه، لأنه حدث كبير له دلالات كبيرة، ويستوجب على كل مؤرخ
وصاحب عقل أن يتوقف عنده طويلاً وطويلاً،
وهذه الأسئلة لم يطرحها لا المؤرخون ولا أهل الحديث، فضلاً عن السلفية، فالجميع
مضرس بأنياب المذهب تحت منسم السلطة، ولكن الباحث الجاد وإن كان نسياً لكنه إن
ذُكِّر تذكر، فعليه أن يطرح الأسئلة ليستنطق من إجاباتها ما سكت عنه التاريخ، أو لذكر
ما أجبرته السلطة على السكوت عنه نتيجة التشويش أو الإغماض أو حتى الوضع المضاد[27].
الأسئلة الخاصة بالحديث:
وأما الأسلة الخاصة عن حديث عمار وحذيفة (
الموجود في صحيح مسلم) فيجب على أهل الحديث خاصة والسلفية العتيقة منها
والمحدثة أن تطرح أسئلة أخص مثل:
متى
قال عمار هذا الكلام؟ ألم يقله وهو متجه إلى حرب معاوية بالشام؟ ولماذا أجاب قيس
بن عباد بهذا الجواب الذي قد يبدو لأول نظرة لا علاقة له بالسؤال؟! هل عمار كان
عيياً ولم يكن فصيحاً حتى يجيب جواباً لا تعلق له بالموضوع؟ كلا ! إذن فما معنى جواب عمار إذن؟ وما مناسبة ذكره
للمنافقين هنا وهو متجه لحرب معاوية؟ ومن يقصد بهؤلاء الاثني عشر أو الأربعة عشر؟
هل يلمح إلى أنه مع علي يقاتلان منافقين؟ وإذا قلنا أنه لم يقصد أهل الجمل فهو
أيضاً (لا يقصد الخوارج) بحديثه عن المنافقين، لأن الخوارج يومها لم يظهروا بعد
فلم يظهروا إلا بعد استشهاد عمار بصفين، والخوارج ليسوا منافقين، وإنما ضلال، من
بقي إذن؟ لقد بقي رؤوس أهل صفين ( وقد ورد ذكر بعضهم معاوية وأبي الأعور السلمي في
أصحاب العقبة) فهل يقصد عمار أن معاوية ونحوه من المنافقين الذين أخبره حذيفة
بأسمائهم؟
الظاهر
نعم ولِمَ لا؟ ما الذي يمنع؟ هل يمنع من ذلك سابقة في الدين؟ أو هجرة على ترقب؟ أو
نصرة من خصاصة؟ أو قتال في سبيل الله؟ أو قوة إنفاق؟ أو تبشير بالجنة؟ أو حب لله
ورسوله والمؤمنين؟ وهل هو وأبوه إلا حزب من هذه الأحزاب؟ دخلا في الدين كرهاً
وخرجا منه طوعاً ، حسب تعبير قيس بن سعد بن عبادة ، أو استسلموا ولم يسلموا حتى
وجدوا على الحق أعواناً، كرأي عمار وأهل بدر؟ لا سيما مع سوء السيرة ووفرة النصوص
الصحيحة في الذم وكثرة من ذمه من أهل بدر؟..
ألم
يمت معاوية بالدبيلة؟
ألم
يتعذب منها أشهراً؟ وقبلها من اللقوة سنيناً؟
ألم
يجمع المؤرخون على أن قرحة قبيحة ظهرت في ظهر معاوية وسبرت ( دخلت) إلى الداخل؟
وأنهم كانوا يقلبونه على الفراش وهو يتعذب؟ ألم يجلبوا له رداء من حواصل الطير ثم
تأذى منه ولم ييحتمله على جسده كما لم يحتمل غيره؟ أليس في هذا عبرة لمعتبر؟ أليس
هذا الحديث من دلائل النبوة؟ ألم ينقل هذه الأحداث أهل بيت معاوية وزواره ونواصبه؟
مع حرصه الشديد على إظهار التجلد وتمثله بالبيت المشهور:
وتجلدي للشامتين أريهمو............ أني لريب
الدهر لا أتضعضع؟)
مع
كل هذا التجلد والإخفاء واستقبال الناس مطيباً في أكثر من وقت ليخفي هذا المرض..
ألا يدل على أن مرض الدبيلة طال حتى أوفد أهل العراق وفوداً ليستيقنوا الخبر فتجلد
لهم واستقبلهم متطيباً فعادوا منكرين الخبر؟
ألم
يعترف معاوية بأن أهل العراق يتحدثون أن تلك القرحة ستقتله؟ من أين لهم ذلك إن لم
يكن حديث الدبيلة؟ وما ورثوه من أحاديث حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر وأبي
الطفيل؟..الخ
ألا
تعتبر السلفية المحدثة وتعيد النظر في غبطتها بظلم معاوية وتجبره مع ظهور هذه
الأخبار بأسانيد صحيحة من شهود عيان داخل بيت معاوية رغم كل الحرص على التكتم على
هذا الخبر حتى لا يصدق فيه الحديث، وحتى يبقى الناس موالين لأسرته مخلصين ليزيد
وذريته؟ فلو اعترف لافتضح وانكفأ الناس عن أسرته، وتحدثوا بهذا في كل مصر من
الأمصار وكان عذراً لنقل الخلافة وتأكيد الحديث وجمع مروياته وألفاظه ليصبح من
أكبر دلائل النبوة وعلى ألسنة الخاصة والعامة؟
هذه
أسئلة كان يجب أن يسألها الجميع ، لكنهم ينظرون لكل حدث وكل حديث منفرداً، ولا
يربطون حديث عمار عن حذيفة بالسياق ولا طريقة السؤال ولا دقة الجواب ولا موت
معاوية بالمرض نفسه ولا بإخبار حذيفة أنه لم يبق من المنافقين إلا أربعة ( أحدهم
شيخ لا يجد برد الماء وهو أبو سفيان)؟ ولا يربطونه بمرض معاوية وعلة ذلك المرض (
الدبيلة التي حرص معاوية على تغيير اسمها إمعاناً في التلبيس وإصراراً على النفاق،
وهذا من حرمان الله ل، وقد أخبرنا الله أنه لا يهدي القوم الظالمين).
ثم
كيف يعقلون في الحديث الآخر في مسلم أنه
لم يبق من المنافقين إلا أربعة؟
والنفاق حالة مصاحبة للبشر، وليست مخصوصة بأفراد
فيموتون وينتهي النفاق، والنفاق في عهد حذيفة ( عام 30هـ) أكثر منه في عهد النبي
(ص) إنما المقصود أنه لم يبق من هؤلاء
الاثني عشر ( أصحاب العقبة) إلا أربعة، وإلا فحذيفة يعترف بأن المنافقين في عهده
أصبحوا يجهرون..الخ.
مجموع التعليقات على الأحاديث:
أبرز
مصادر الحديث: في صحيح مسلم (4/2143)، وسنن البيهقي الكبرى (8/198)، ومسند البزار
(7/215)، ومسند أحمد (4/319)، والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (2/465) وغيرهم
كثير..
التعليق على الحديثين ( حديث عبد الله بن سلمة
وأبي البختري عن حذيفة):
إذن فهذه القصة فالرجال كانوا
بضعة عشر رجلاً، وكأنهم من كبار القوم فركائبهم معروفة، ويظهر أن فيهم بعض
السابقين بدلالة قوله (أكره أن تحدث العرب بينها أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا
أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم) فهذا لن يقوله في مثل معاوية وأبي سفيان، لابد
أن يكون فيهم بعض السابقين، إلا أن هؤلاء السابقين يحتمل أنهم تابوا أو أن الثلاثة
الذين عذرهم منهم، والتيار السلفي سيفرح بهذه الرواية لأنها بظنهم تزحلق التهمة من
معاوية إلى السابقين! مما يدل على أن نظرية الدفاع عن الصحابة وعدالة الصحابة ليس
المقصود منها إلا معاوية، إلا أن معاوية وأبا سفيان تدل عليهم روايات أخرى، وهم
أولى بهذا العمل الشنيع من غيرهم من المهاجرين أو الأنصار.
المبحث الخامس: موت معاوية
بالدبيلة ( تصديقاً لحديث حذيفة):
أولاً:
ما هي الدبيلة؟
الجواب:
هي قرحة تظهر في الظهر ورأسها إلى الداخل فتنفجر في الداخل - أو تستمر في هؤلاء
المنافقين خاصة حتى تنجم من الصدر!- وقد تظهر في الجنب وتنفجر في الداخل، ولكن
إصابة معاوية وأصحاب عقبة تبوك لا بد أن تكون
كما وصف الحديث ( أي تخترق الجسم من الظهر إلى أن تخرج من الصدر)، وهذا
مصداق قوله تعالى ( سنعذبهم مرتين) فقد ذكر
بعض العلماء كقتادة أن العذاب الأول بالدبيلة، وهي ما أصيب ها معاوية، وجاء
ذكر هذا تصريحاً عند ابن إسحاق، وجاءت وصفاً – مع إخفاء اسم القرحة - عن أحد شهود
العيان ممن يوثقهم أهل الحديث وفيه نصب وهو أبوة بردة بن أبي موسى الأشعري،
لكن أكثر أهل الحديث وخاصة السلفيين منهم
أخفوا هذه الحقيقة وسكتوا عنها ومنهم من اخترع لها أسماء تبعاً لمعاوية، وقد طال
مرض معاوية بها – كما سيأتي- وطول مرض معاوية بها مصداق لقوله تعالى ( سنعذبهم
مرتين)، وقرينة على حادثة قلادة طبيب معاوية النصراني التي ذكرها بعضهم، وعلى حديث
( يموت على غير ملتي) كما في حديث حذيفة وخبر قلادة النصراني.
وتعريفها عند أهل اللغة مشهور- رغم أثر السلطة
حتى على اللغة- منها ما ذكره الخليل في العين - (ج 1 / ص 404): والنّاقِبةُ:
قرحة تخرج بالجنب تهجم على الجوف يكون رأسها من داخل
وفي
أساس البلاغة - (ج 1 / ص 486): وخرجت
به الناقبة والنّقابة: قرحة تخرج بالجنب تهجم على الجوف رأسها من داخل/ ما ذكره ابن منظور في لسان العرب - (ج 11 / ص
234) ابن الأعرابي الدَّبَال والدَّمَال: النَّقَّابات / وفي تاج العروس - (ج 1 / ص 7074) : وقال ابنُ
الأعرْرابِيِّ : الذُبالُ كغُرَابٍ بالدَّالِ والذَّالِ : النَّقاباتُ وهي
قُرُوحٌ تَخْرُجُ بالجَنْبِ فَتَنْقُبُ إلى الجَوْفِ / والخلاصة: أنها قرحة عظيمة
بشعة قبيحة تخرج تبدأ بالظهر و الجنب أو الكتف وتهجم على الجوف ورأسها بالداخل!
ومجرد تصورها مخيف، وسيأتي أن معاوية أصيب بالنقابات وهي الدبيلة، بل صرح ابن
إسحاق وابن قتيبة بها والوصف الذي وصفوه في دبيلة معاوية كاف كما سيأتي.
وسنرى أن كل الأمور تقود إلى حقيقة إصابة معاوية
بها، يدل على ذلك الرواية واللغة والتاريخ والحديث وسوء معاوية ومحاولات الإخفاءات
ووصف القرحة وحديث عمار والسياق والشيعة والنواصب وأهل السنة... كل هذه تصب في أن
معاوية هو من أصحاب العقبة ( ولوازمها)وأنه مات بالدبيلة، كل هذا لم يفك السلفية
عنه، فبقي المؤسس الظاهر والقدوة الخفية والعابث بالصميم السلفي.
قال ابن قتيبة في المعارف - (1 / 79)
وولي
معاوية الخلافة عشرين سنة إلا شهراً وتوفي سنة ستين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
وقال ابن إسحاق: مات ( معاوية) وله ثمان
وسبعون سنة وكانت علته النقابات وهي الدبيلة ولم يولد له في خلافته ولد،..الخ.
وهذه الرويات في دبيلة معاوية:
الرواية الأولى: طلحة بن
يحيى عن أبي بردة بن أبي موسى ( شاهد عيان).
ففي
تاريخ دمشق - (ج 26 / ص 45): أخبرنا أبو سعد بن البغدادي أنا أبو منصور بن شكروية
ومحمد بن أحمد بن علي السمسار قالا أنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد نا أبو عبد
الله المحاملي[28]
نا سعيد بن يحيى الأموي[29]
نا أبي[30]
نا طلحة بن يحيى[31]
عن أبي بردة[32]
قال :
دخلت
على معاوية وهو يشتكي وبه قرحة في ظهره[33]
قال والطبيب يعالجها وهو يتأوه تأوه الصبي!
قال فقلت يا أمير المؤمنين إنك تأوه قال قم
فانظر إليها ؟
قال فقمت فإذا قرحة قبيحة!
فقال هذه تدعونها الراقية! وأهل العراق يزعمون أنها
النقابة أو الثقابة! ويزعمون أنها قاتلتي !!
قال
ثم قال أما ما ذكرت من تأوهي فإني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول: ( ما من مسلم يصيبه أذى في جسده إلا كفر الله بها
خطاياه ودون هذا يا أبا بردة أذى) اهـ
التعليق:
أما
السند فصحيح، وزاد من صحتها أن في رواتها نواصب، بل يكاد أن يكون السند مسلسل
بالنواصب، فإن تم إخفاء شيء فإنما يتم إخفاء ما يسيء إلى معاوية ونشر ما يدفع عنه،
وللرواية شواهد صحيحة وستأتي، وقد حاول معاوية أن يخدع الناس حياً وميتاً لأجل
استمرار الملك في ذريته.
وأما
من حيث المتن فواضح، فهذا أبو بردة بن أبي موسى دخل على معاوية فرأى قرحته في
ظهره! والطبيب يعالجها ومعاوية يتأوه تأوه الصبي! ورآها قرحة قبيحة! ويستبق معاوية
دلالة الحديث فيقول: أن أهل العراق يسمونها كذا!
ويصرف اسم ( الدبيلة) عنها! ثم ينقل عن أهل العراق أنهم يزعمون أنها
قاتلته!- وهذا أخذه أهل العراق من حذيفة وعمار وأبي الطفيل وأمثالهم فقد استطاعوا
فك هذه الرموز في أحاديث الدبيلة وأصحاب العقبة و...الخ!
ويخبر معاوية بأنها تؤذيه أبلغ الأذى[34]!
ومع ذلك يخبر عن النبي بأن الأذى يكفر الذنوب! ليخدع الناس بنشر الإرجاء لنفسه
ولنسله[35]
وبخدعة الناس والإخبار عن نفسه أنه مسلم، هذه القرحة التي زعم معاوية أن أهل الشام يسمونها: الراقية، وأن أهل العراق
يسمونها: النقّابة أو الثقّابة!! متجنباً اسم ( الدبيلة) إلا أن ما نقله معاوية عن
التسمية العراقية ( النقابة) هي من مرادفاتها، ورغم التشويش على اسمها إلا أنها
تتفق مع الحديث (مرض يظهر في ظهورهم فينجم من صدورهم) فقد رآها أبو بردة في ظهره!
فهي تثقب الجسم أو تنقبه وهي الدبيلة الموجودة في حديث حذيفة تماماً! وأظن أن
معاوية هو يعرف اسمها لكن تجنبه إلى الثقابة والنقابة لأن أبا بردة عراقي -
وناصبي- وسيروي لأهل العراق أنها لم تصبه الدبيلة – كما كانوا يشيعون عن حذيفة
وعمار- وإنما الثقابة أو النقابة أو الراقية! هذه الألفاظ الثلاثة التي علمه إياها
معاوية وأسمعه هذه الأسماء ليعرف أبا بردة ( ابن حليفه أبي موسى) أنه قد استوفى أسماءها!
وأنه ليس منها (الدبيلة)!! لا عند أهل العراق ولا أهل الشام! وعلى هذا فمعاوية
يحارب معلومات الصحابة وأحاديثهم حياً وميتاً، فالفئة الباغية ليست الفئة الباغية!
إنما قتله من جاء به! والدبيلة لم يمت بها! وإنما مات بالنقابة أو الراقية!..الخ.
قلت
في تعليق آخر- في أحد الأبحاث-: هي الدبيلة التي أصابت من أراد اغتيال النبي (ص)
يوم العقبة وكان منهم معاوية، وحديث قيس بن عباد ظاهر جداً أن المراد بهؤلاء
معاوية وحزبه .. وقد ذكر لها ابن عساكر أسانيد أخرى (أقصد دبيلة معاوية) وفي
المعجم الكبير للطبراني (19/359) من طريقين آخرين..
ومن
اللطائف والموافقات موت ملاعب الأسنة عامر بن الطفيل بالدبيلة ( وقد حاول أن يغتال
النبي (ص) مع صاحبه أربد) فكأن الدبيلة عقوبة لكل من أراد اغتيال النبي (ص)..
لفظ آخر وإسناد آخر: من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة مختصراً:
تاريخ
دمشق - (ج 26 / ص 45): أخبرنا أبو سعد محمد بن أحمد بن محمد بن الخليل أنا أبو
الفضل محمد بن أحمد بن أبي الحسن العارف أنا أبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل
الصيرفي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الأصبهاني الصفار نا أبو بكر بن أبي
الدنيا[36]
حدثني إسماعيل بن أبي الحارث[37]
نا زكريا بن عدي[38]
عن القاسم بن مالك المزني[39]
عن طلحة بن يحيى[40]
عن أبي بردة[41]
قال كنت عند معاوية وطبيب يعالج قرحة في ظهره[42]
فهو متضور ( يتضور) فقلت له لو بعض شبابنا فعل هذا لعبنا ذلك عليه فقال – يعني
معاوية - ما يسرني أني لا أجده سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يقول ما من
مسلم يصيبه أذى في جسده إلا كان كفارة
لخطاياه اهـ
التعليق:
السند حسن على شروطهم، .. وسبقت الفوائد والنكت
العلمية.. والإرجاء ظاهر في الحديث الذي رواه معاوية..
المعجم الكبير - (ج 19 / ص 359) من طريق طلحة بن يحيى = زيادة وصف للدبيلة..
حدثنا
أبو حصين بن محمد بن الحسن الوداعي القاضي ثنا عبيد بن يعيش ثنا يونس بن بكير ثنا
طلحة بن يحيى عن أبي بردة بن أبي موسى قال : دخلت على معاوية بن أبي سفيان
وبظهره قرحة وهو يتأوه منها تأوها شديدا فقلت : أكل هذا من هذه ؟ فقال : ما
يسرني إن هذا التأوه لم يكن ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (
ما من مسلم يصيبه أذى في جسده إلا كان كفارة لخطاياه ) وهذا أشد الأذى اهـ
أعلى
السند سبق والمتن سبق معناه.. وفيه زيادة وإيضاح.
تاريخ دمشق - (ج 59 / ص 225) أصبح كأنه سعفة محترقة!
قال
ونا ابن أبي الدنيا نا عبد الرحمن بن صالح الأزدي نا حفص بن غياث عن طلحة بن يحيى
عن أبي بردة قال قال معاوية وهو يقلب في مرضه وقد صار كأنه سعفة محترقة- أي شيخ يقلبون إن نجاه الله من النار غدا اهـ.
قلت:
التقليب من أثر الدبيلة فلا يستقر على حال، وآثار الدبيلة ظاهرة فكونه أصبح مثل سعفة محترقة يعني هذا أنه بلغ به
الهزال مبلغاً عظيماً وسقط لحمه على ضخامته ، وهذه من آثار الدبيلة لكنه كان
جباراً فبقي متماسكاً خداعاً للوفود الحاضرين من المقربين إليه كأبي بردة، فهؤلاء
هم أنصار يزيد من بعده وهم من سينقلون عنه مثل هذه الكلمات التي تدع الحليم حيران
وتستعطف العامة وتبعد عنه تلك التهم التي ستؤثر على ملك ابنه من بعده.. فالرجل
صبار جبار وخداعه لا يطاق.
رواية ثانية : ( حميد بن
هلال عن أبي بردة):
روى
ابن عساكر تاريخ دمشق - (ج 26 / ص 45).. من طريق محمد بن سعد أنا عمرو بن
عاصم الكلابي وعفان بن مسلم قالا نا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي
بردة قال :
دخلت
على معاوية بن أبي سفيان حين أصابته قرحته فقال هلم يا ابن أخي تحول فانظر!
قال فتحولت فنظرت فإذا هي قد نشرت[43]
يعني قرحته!
فقلت ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين
قال إذ دخل يزيد بن معاوية ، فقال له معاوية إن
وليت من أمر الناس شيئا فاستوص بهذا فإن
أباه كان أخا لي أو خليلا أو نحو هذا من القول غير أني قد رأيت في القتال ما لم
تره اهـ
التعليق:
السند
صحيح، ويظهر أن قرحة معاوية قد عذبته دهراً طويلاً، فإن الرواية تفيد أن القرحة
كانت في معاوية ويزيد حاضر في دمشق، بينما مات معاوية ويزيد في البادية عند أخواله
من نصارى كلب، وقيل في حمص، وتولى الضحاك بن قيس تدبير الأمور حتى حضر ، وأخواله
من كلب في بادية السماوة، وقيل كان في حوران ناحية حمص، والمسافة بينها وبين دمشق
لن تقل عن عدة أيام، ولا نعرف متى خرج من دمشق ، ولا متى أصيب بها معاوية قبل
خروجه؟ وفي الرواية تثبيت حلف أبي موسى لمعاوية.
حميد بن هلال عن أبي بردة: الجزء المتمم لطبقات ابن سعد - (1 / 70)
أخبرنا
علي بن محمد ، عن سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، عن أبي بردة بن أبي موسى
قال : دخلت على معاوية حين أصابته قرحته فقال : « هلم ابن أخي ، تحول فانظر »
فتحولت فنظرت فإذا هي قد سبرت اهـ
ومعنى
سبرت: أي دخلت في ظهره! وفي أساس البلاغة - (1 / 207) : سبر الجرح بالمسبار
والسبار: قاس مقدار قعره بالحديدة أو بغيرها اهـ فالقرحة دخلت في ظهره لدرجة أنها
تحتاج إلى قياس!
وقد رويت بلفظ آخر ( ثبرت) ففي الفائق في غريب
الحديث للزمخشري ( مادة ثبر): .. قال أبو بردة : دخلت على معاوية حين أصابته قرحة
، فقال : هلم يا بن أخي فانظر . فتحولت فإذا هي قد ثبرت فقلت : ليس عليك يا
أمير المؤمنين بأس . أي انفتحت ونضجت وسالت مدتها لأن عاديتها تذهب وتنقطع عند
ذلك ، وهذا من باب فعلته ففعل يقال : ثبرة الله مثبر أي هلك وانقطع .|.
وفي
نهاية ابن الأثير : مادة ثبر: ( وفي حديث أبي بردة ( قال دخلت على معاوية حين
أصابته قرحة ، فقال : هلم يا ابن أخي فانظر ، فنظرت فإذا هي قد ثبرت أي انفتحت . والثبرة : النقرة في الشئ).
وفي
لسان العرب لابن منظور: (وثبرت القرحة : انفتحت . وفي حديث معاوية : أن أبا بردة
قال : دخلت عليه حين أصابته قرحة ، فقال : هلم يا ابن أخي فانظر ، قال : فنظرت
فإذا هي قد ثبرت ، فقلت : ليس عليك بأس يا أمير المؤمنين ، ثبرت أي انفتحت
)
وفي
تاج العروس للزبيدي: (وثبرت القرحة ، كفرح : انفتحت ونفجت ، وسالت مدتها . وفي
حديث معاوية : " أن أبا بردة قال : دخلت عليه حين أصابته قرحة ، فقال : هلم
يا ابن أخي فانظر ، قال : فنظرت ( 8 ) فإذا هي قد ثبرت ، فقلت : ليس عليك بأس يا
أمير المؤمنين )
حميد بن هلال عن أبي بردة: الطبقات الكبرى كاملا 230 - (4 / 112)
قَالَ
: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلاَبِيُّ ، وَعَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ،
قَالاَ : حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ
، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ
حِينَ أَصَابَتْهُ قَرْحَتُهُ ، فَقَالَ : هَلُمَّ يَا ابْنَ أَخِي ، تَحَوَّلْ
فَانْظُرْ ، قَالَ : فَتَحَوَّلَتُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هِيَ قَدْ سَبَرَتْ -
يَعْنِي : قَرْحَتَهُ - ، فَقُلْتُ : لَيْسَ عَلَيْكَ بَأْسٌ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ ، قَالَ إِذْ دَخَلَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، فَقَالَ لَهُ
مُعَاوِيَةُ : إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ شَيْئًا فَاسْتَوْصِ بِهَذَا ،
فَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ أَخًا لِي - أَوْ خَلِيلاً أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ
- غَيْرَ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ فِيَ الْقِتَالِ مَا لَمْ يَرَ اهـ .
وقد
سبق التعليق على الإسناد والمتن، وهنا زيادة متابعات إسنادية..
حميد بن هلال عن أبي ردة عند البلاذري في أنساب الأشراف - (2 / 89)
حدثنا
محمد بن سعد عن عفان عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي بردة بن أبي
موسى قال: دخلت على معاوية حين أصابته قرحته فقال: هلم يا بن أخي فانظر إليها،
فنظرت إليها وقد سبرت فقلت: ليس عليك يا أمير المؤمنين بأس، ودخل يزيد فقال
له: إن وليت من أمر المسلمين شيئاً فاستوصى بهذا فإن أباه كان أخاً لي وخليلاً،
غير أني رأيت في القتال غير رأيه اهـ.
شيخ
البلاذري هو ابن سعد صاحب الطبقات.
الآحاد والمثاني - (1 /
491) الدبيلة.. من طريق حميد بن هلال عن أبي بردة..
حَدَّثَنَا
هدبة بن خالد بن هدبة القيسي حَدَّثَنَا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي
بردة قال : دخلت على معاوية وبه قرحته التي مات فيها فقال يا بن أخي أدن فانظر
فرأيتها مبسورة فدعا يزيد فقال ان أبا هذا كان لي أخا فاستوص به خيرا فإن أباه
كان لي أخا غير إني وإياه اختلفنا فرأيت القتال ولم يره اهـ .
هنا
وصف أيضاً لدبيلة معاوية.. ومعنى مبسورة أي مفقوءة قبل النضج! وفي (تاج العروس من
جواهر القاموس - (10 / 172) : بَسَرَ
القَرْحَةَ : نَكَأَهَا قبلَ النُّضْجِ! اهـ قلت: وكأن معاوية حاول إزالتها حتى لا تتحقق
فيه النبوءة!
لفظ حميد بن هلال عن أبي
بردة عند الطبري في تاريخ الطبري - (3 / 266)
حدثني
عبدالله بن أحمد قال حدثني أبو صالح سليمان بن صالح قال حدثني عبدالله بن المبارك
عن سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي بردة قال:
دخلت على معاوية حيث أصابته قرحته فقال
هلم يابن أخي نحوي فانظر فنظرت فإذا هي قد سبرت فقلت ليس عليك بأس يا أمير
المؤمنين فدخل يزيد فقال معاوية إن وليت من أمر الناس شيئا فاستوص بهذا فإن أباه
كان لي خليلا أو نحو ذلك من القول غير أني رأيت في القتال ما لم يره اهـ
قلت:
واعترف بها الذهبي وغيره.. فأوردوا رواية أبي بردة.. وقوله ( حيث أصابته قرحته)
يدل على شهرتها.. حتى نسبوها إليه.. وكأنه عليها علم، فهي قرحته التي اشتهر بها!.
الرواية الثالثة: ( عاصم
بن كليب عن أبي بردة):
المعجم
الكبير للطبراني- (ج 19 / ص 359) الدبيلة
: محمد بن عثمان بن ابي شيبة ثنا فروة بن
أبي المغراء ثنا القاسم بن مالك المزني ثنا عاصم بن كليب عن أبي بردة بن أبي موسى
الاشعري قال : دخلت على معاوية وهو يتضور وقرحه بين كتفيه[44]
فقال : ما يسرني إني لا أحد ما ترى سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (
ما من أذى يصيب المؤمن في جسده إلا كان كفارة لخطاياه ) اهـ
السند نفسه ولكن الألفاظ قد يكون فيها زيادات
مفسرة.. لأنها مروية بالمعنى، والإرجاء هنا ظاهر..
الرواية الرابعة: رواية عبد الملك بن عمير:
الجزء
المتمم لطبقات ابن سعد - (1 / 71) تصريح بالنقابة وهي الدبيلة..
أخبرنا
أبو عبيد ، عن أبي يعقوب الثقفي ، عن عبد الملك بن عمير قال : لما ثقل معاوية
وتحدث الناس أنه بالموت[45]
قال لأهله : « احشوا عيني إثمدا ، وأوسعوا رأسي دهنا . ففعلوا وبرقوا وجهه بالدهن
، ثم مهد له فجلس ، ثم قال : ائذنوا للناس فليسلموا قياما ولا يجلس أحد » ، فجعل
الرجل يدخل فيسلم قائما فيراه متكحلا مدهنا فيقول : يقول الناس : هو لما به ، وهو
أصح الناس . فلما خرجوا من عنده قال معاوية : وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب
الدهر لا أتضعضع وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع قال : « وكان
به النقابة[46]
فمات من يومه ذلك » / وهذه الرواية في تاريخ دمشق - (ج 59 / ص 222)، وفي سير أعلام
النبلاء - (5 / 155) و في البداية والنهاية - (8 / 151) وغيرها..
التعليق:
عبد الملك بن عمير ناصبي، وقد يصدق، وكان
وافداً، وهو هنا يقلل الأمراض إلى مرض واحد! ويحرف النقابة إلى اللقوة
تفسيراً - ولعله من غيره- ثم يجعل مدة
المرض يسيرة، ولعله منه أخذ ابن سيرين تقليل مدة مرض معاوية، فابن سيرن لم يفد،
والوفود كانت ناصبية وهي التي نقلت مواعظ
معاوية لتثبيت دولة يزيد، وأن معاوية يخشى الله، ويخافه، ..الخ، ومعاوية أول ملوك
المسلمين عمل على إنشاء الأجهزة الاستخبارية المعقدة والمكثفة لأجل ملكه وملك
أسرته، وقد لمس هذا أبو سعيد الخدري حتى في كثير ممن يثق فيهم.
والنقابة
من أسماء الدبيلة.. وعبد الملك بن عمير كان من نواصب الكوفة.... والناس هنا تحدثوا
أنها ستقتله! و عبد الملك بن عمير من الوفود الذين قدموا من الأمصار بعد طول مرض
معاوية وحديث الناس أنها ستقتله ( أخذوا هذه الثقافة من حذيفة وعمار وخواصهما)..
وكان
عبد الملك بن عمير هو ذابح أحد أصحاب الحسين ( وهو عبد الله بن يقطر) عندما ألقاه
ابن زياد من فوق القصر وزعم – كمكر معاوية- أنه أراد أن يريحه[47]!
وأحاديث عبد الملك بن عمير فيها مكر أموي شديد، لا يدركه أكثر الناس، ولذلك دخلت
بعض أحاديثه صحيح مسلم..
الرواية الخامسة : رواية ثابت .. ( لعله البناني = للبحث).
تاريخ
دمشق - (ج 59 / ص 220) عذاب الدبيلة من طريق ثابت..
أخبرنا
أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو بكر بن الطبري أنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو
علي بن صفوان نا ابن أبي الدنيا حدثني إبراهيم بن راشد أبو إسحاق نا أبو ربيعة نا
أبو عبيدة يوسف بن عبدة عن ثابت قال: لما
كبر معاوية خرجت به قرحة في ظهره فكان إذا لبس دثارا ثقيلا - والشام أرض
باردة- أثقله ذلك وغمه، فقال اصنعوا لي دثارا خفيفا دفيئا من هذه
السخال فصنع له فلما ألقي عليه تسار إليه ساعة ثم غمه فقال جافوه عني ثم لبسه ثم
غمه فألقاه ففعل ذلك مرارا
ثم
قال قبحك الله من دار ملكتك أربعين سنة عشرين خليفة وعشرين إمارة
ثم صيرتني إلى ما أرى قبحك الله من دار) اهـ
التعليق:
هذا عذاب أخفاه النواصب.. ولا يعرف النواصب
اليوم ما لقي معاوية من العذاب.. تذكروا الآية:
( سنعذبهم مرتين).. وإضافة العذاب إلى الله هنا
دليل على أن هذا عذاب الله، ولو كان مقتولاً مثلاً لكان عذابه منسوباً ولو بنسبة
ما إلى قاتله، أما الدبيلة فقد أتت من الله فقط! فهي عذابه..
الرواية السادسة : رواية ابن سيرين
تاريخ
دمشق - (ج 59 / ص 220) عذاب الدبيلة من طريق ابن سيرين..
من طريق ابن أبي الدنيا نا محمد بن الحسين نا
عبيد الله بن محمد التيمي نا يوسف ابن عبدة قال سمعت محمد بن سيرين يقول :
أخذت
معاوية قرة فاتخذ لحفا خفافا فكانت تلقى عليه فلا يلبث أن يتأذى بها فإذا أخذت عنه
سأل أن ترد عليه فقال قبحك الله من دار مكثت فيك عشرين سنة أميرا وعشرين سنة خليفة
ثم صرت إلى ما أرى اهـ / وفي تاريخ دمشق - (ج 59 / ص 226) أخبرنا أبو
القاسم بن السمرقندي أنا أبو بكر محمد بن هبة الله أنا أبو الحسين بن بشران أنا
أبو علي بن صفوان نا ابن أبي الدنيا حدثني أبو عقيل الأسدي نا عبيد الله بن موسى
نا إسماعيل عن عبد الله بن المختار عن محمد بن سيرين قال: مرض معاوية مرضا شديدا فنزل عن السرير
..الخ.
التعليق:
أظن ( قرة ) تصحيف وأن حرف الجاء سقط فهي (
قرحة) لا ( قرة) إلا إن كانت القرة ( وهي البرد الشديد) كانت من آثار القرحة
ونتائجها.. أي من آثار الدبيلة.. وتقليب معاوية يدل على ذلك وقد وتقليب معاوية يدل
على ذلك وقد تقليبه، لكني لأن معظم رواة القصة ننواصب فهم يتبعون ذلك بأدعية
لمعاوية تهز العامة وتجعلهم يحسنون الظن في معاوية، وقد يكون بعض هذا صح عن معاوية
من باب الدهاء.. وبعض المخذولين يشعر بعذابه في آخر عمره ولا يستطيع أن يتوب.. ومع
كثرة روايات وفاة معاوية لم تذكر رواية أنه نطق بالشهادتين في سنوات مرضه! وهذا
يدل على أنه ممنوع من الهداية والتوبة .. ولكن نشرت الثقافة الأموية أن التوبة
تقبل قبل الغرغرة وأن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة وكل هذه
الأحاديث أموية إرجائية مناقضة لكتاب الله (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ
لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ
فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (17)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ
أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ
وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) [النساء : 17 - 19] )
فاحفظ
هذا فإنه شاف كاف، ودعك من أحاديث الإرجاء التي بثها معاوية في الأمة ودخلت كتب
الحديث، ومن لم يشفه القرآن فلا شفاه
الله.. مع أن معاوية لم يتب وإنما أوصى وأوصى وأوصى بما يعلم يقيناً إنه استمرار
في البغي والطغيان..
الرواية السابعة : رواية هشام بن حسان
تاريخ
دمشق - (ج 59 / ص 221) عذاب الدبيلة
أخبرنا
أبو طالب علي بن عبد الرحمن أنا أبو الحسن الخلعي أنا أبو محمد بن النحاس أنا أبو
سعيد بن الأعرابي نا أبو سعيد الحارثي وهو عبد الرحمن بن محمد نا سعيد بن عامر نا
هشام بن حسان أو غيره قال ( 1 ) كان معاوية بن أبي سفيان قد أصابه قرة ( لعلها
قرحة ) شديدة في مرضه فكان يلقى عليه الثوب فيدفئه فيثقل عليه فينحى عنه فألقي
عليه ثوب حواصل ( وعند ابن كثير: من حواصل الطير) فأدفأه وخف عليه فما لبث أن ثقل
عليه فقال معاوية تبا للدنيا كنت عشرين سنة أميرا وعشرين سنة خليفة ثم صرت إلى هذا
تبا للدنيا اهـ
الرواية الثامنة: رواية عبد الملك بن عمير والأشدق
تاريخ
دمشق - (ج 59 / ص 221) أخبرنا
أبو القاسم العلوي أنا رشأ بن نظيف أنا الحسن بن إسماعيل نا أحمد بن مروان نا
إسماعيل بن إسحاق نا سعيد بن يحيى الأموي نا محمد بن سعيد نا عبد الملك بن عمير
قال دخل عمرو بن سعيد على معاوية في مرضه الذي مات فيه فقال له :
والله
يا أمير المؤمنين ما رأيت أحدا من أهل بيتك في مثل حالك إلا مات
فقال
معاوية *
فإن المرء لم يخلق حديدا * ولا هضبا توقله
الوبار
ولكن كالشهاب يرى ويخبو * وهادي الموت عنه ما
يحار اهـ
التعليق:
هذه
الرواية تدل على أن عمرو بن سعيد ( وهو الأشدق) قد رأى الدبيلة في أهل بيت معاوية؟
وأبرز هؤلاء أبو سفيان وعتبة بن أبي سفيان وهما مع معاوية أصحاب الجمل الأحمر،
الذي سبق أن شرحناه، وهذا محتمل جداً، فهو يقول ( ما رأيت أحداً من أهل بيتك في
مثل حالك إلا مات)، والأشدق هو ابن سعيد بن العاص وهو مدني وأدرك أبا سفيان وعتبة
بن أبي سفيان ومن المرجح أنه حضر مرضهما وموتهما ولكن كتم الناس ذلك.. وقد قيل أنه
له رؤية واستبعد هذا ابن حجر وغيره، ولكن هذا يدل على أنه قديم، وأنه أدرك أبا
سفيان وعتبة بن أبي سفيان.. ولعله كان مع عتبة بمصر مات عتبة سنة 44هـ وأبو سفيان
سنة 32هـ وإذا كان الأشدق مولوداً في عهد أبي بكر فقد أدرك موت أبي سفيان وعمره
عشرون سنة، وأدرك موت عتبة بن أبي سفيان وعمره اثنتان وثلاثون سنة، وقد روي أن
الجزع أصاب عتبة عند موته، ولم يفصلوا في كيفية وفاته وماذا أصابه، وكذلك أبو
سفيان لولا أن حذيفة قال شيئاً، وكان قد عمي ( أعتي أبا سفيان) وعتبة أصابه عور (
من أيام الجمل).
الرواية التاسعة: رواية
أخرى لعبد الملك بن عمير .. فيها آثار الدبيلة
تاريخ
دمشق - (ج 59 / ص 221) زيادة في آثار دبيلة معاوية..
أخبرنا
أبو القاسم إسماعيل بن أحمد أنا محمد بن هبة الله أنا علي بن محمد أنا الحسين بن
صفوان نا ابن أبي الدنيا حدثني سعيد بن يحيى الأموي نا محمد بن سعيد نا عبد الملك
بن عمير قال:
دخل عمرو بن سعيد على معاوية في مرضه فقال والله
يا أمير المؤمنين لقد أبخر ماء أنفك وذبلت شفتاك وتغير لونك وما رأيت أحدا في
أهل بيتك مثل حالك إلا مات.
فقال معاوية ..
- وذكر الشعر السابق - ..الخ
التعليق:
فهذه الأوباء أصابت معاوية، وتحتاج إلى طبيب
لتفسيرها.. إلا أنها أذى وخزي له ولأهل بيته..
الرواية العاشرة : رواية قيس بن أبي حازم
ففي
الجزء المتمم لطبقات ابن سعد - (1 / 57) : قال
: أخبرنا أبو أسامة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم قال : « مرض
معاوية مرضا شديدا فحسر عن ذراعيه كأنهما عسيبا نخل ، فقال : » ما الدنيا إلا
كما قد ذقنا وجربنا ، والله لوددت أني لا أعبر فيكم فوق ثلاث ليال حتى ألحق بالله
تعالى « . فقال جلساؤه : » برحمة الله يا أمير المؤمنين « ، فقال : » ما شاء الله
أن يقضي لأمير المؤمنين قضاء ، إنه قد علم أني لم آل ، وما كره الله غيره اهـ
التعليق:
السند صحيح على شرط الشيخين، وفيه نواصب كقيس بن
أبي حازم، وكذلك إسماعيل بن أبي خالد فيه نصب دون قيس، وهنا معاوية مثلما خدع بعض
زواره بالإرجاء فهو يخدع آخرين بالجبر هنا!كما يظهر في آخر كلامه! ومعاوية من خلال
هذه الآثار يعرف المؤمن أنه لم يكن مؤمناً، فكيف يقسم بالله أنه لم يأل خيراً؟ مع
ما تواتر من متاجرته بقميص عثمان ولعنه علياً على المنابر واستلحاقه زياداً
ومتاجرته بالربا والخمور، وتغييره لسنن النبي (ص) ورده قضاء النبي (ص) رداً صريحاً
في أكثر من مناسبة منها استلحاق زياد.. كيف بمؤمن في آخر حياته أن يقول ( قد علم
الله أني لكم أل)؟ يعني لم آل خيراً، يعني أني فعلت الحق والخير بمقدار طاقتي
وجهدي؟ هل هذا إلا مكابرة لما تواتر من سيرته وسنته؟ فمعاوية بهذا الكلام يريد
إبقاء أكبر قدر من الناس معه، وليثبت لهم أنه مسلم وأنه يخشى الله وأنه وأنه.. ليس
للخوف منهم عليه وإنما لإبقائهم مع ابنه.. ولا يقول هذا غالباً إلا للوفود
العراقية من مغفلي النواصب الذين قد يغرهم هذا الكلام ويعودون إلى العراق وهم
يشهدون لمعاوية بأنه مسلم ويذكر الله ويتبرك بآثار النبي (ص) ويروي الحديث
و...الخ، إنه معاوية داهية العرب.. ومن
الصعب على المغفل أن يفهمه..
وحديث
قيس في في تاريخ دمشق - (ج 59 / ص 222) آثار الدبيلة.
أخبرنا
أبو طالب علي بن أبي عقيل أنا أبو الحسن الفقيه الخلعي أنا أبو محمد بن النحاس أنا
أبو سعيد بن الأعرابي نا عباس الدوري نا محمد بن بشر نا إسماعيل
ح قال ونا الحسن بن علي بن عفان نا أبو أسامة نا
إسماعيل عن قيس قال :
مرض
معاوية بن أبي سفيان مرضا عيد فيه فجعل يقلب ذراعيه كأنهما عسيبا نخل وهو
قول هل الدنيا إلا ما ذقنا وجربنا والله لوددت أني لا أغبر فيكم فوق ثلاث حتى ألحق بالله قالوا إلى مغفرة
الله ورحمته قال إلى ما شاء من قضاء قضاه لي قد علم الله أني لم آل وما كره
الله غيره اهـ
التعليق:
والخبر في السنة للخلال وسنده صحيح.
ومن
آثار الدبيلة هذا الهزال الشديد.. ومعاوية باقٍ على الجبر وخداع الناس...
في تاريخ دمشق - (ج 59 / ص
223)
أخبرنا
أبو محمد السلمي نا أبو بكر الخطيب ح وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو بكر
بن الطبري قالا: أنا أبو الحسين بن الفضل أنا عبد الله بن جعفر نا يعقوب نا أبو
بكر الحميدي نا سفيان نا إسماعيل قال سمعت قيسا يقول أخرج معاوية يديه كأنهم عسيبا
نخل ... بمثله ـ
الرواية الحادية عشرة: رواية قبيصة بن ذؤيب ..
نور
القبس للمرزباني - (ج 1 / ص 87)
قال
قبيصة بن جابر: اًابت (!) معاوية النقَّابة، فأسرعت إليه، فقلنا له: الناسُ
قد أكثروا وأرجفوا، فلو جلست لهم مرّةً واحدةً؟ فقال: أوسعوا رأسي دهناً
واحشوا عيني إثمداً، وليسلموا عليّ قياماً ولا يجلس إليَّ أحدٌ! قال: فأذن للناس،
فسلموا قياماً، فلما ولَّوا أتبعهم بصره، ثمّ قال :
وتجلُّدي
للشامتين أريهمِ ... أني لريبِ الدهرِ لاأتضعضعُ
وإذا
المنيَّة أنشبت أظفارها ... ألفيتَ كلَّ تميمةٍ لاتنفعُ
فما
أصبح حتى مات.
التعليق:
لم أجد إسنادها.. وقبيصة شاهد عيان..
الرواية الثانية عشرة:
رواية عبد الله بن ثعلبة = كان يغمى عليه من شدة الألم..
في
الجزء المتمم لطبقات ابن سعد - (1 / 66) قال
: أخبرنا يحيى بن معين قال : حدثنا العباس بن الوليد النرسي ( ثقة من رجال
الشيخين) ، قال : سمعت عبد الله بن ثعلبة ، يقول : جاء يزيد بن معاوية في مرض
معاوية فوجد عمه محمد بن أبي سفيان قاعدا على الباب لم يؤذن له ، فأخذ بيده فأدخله
قال : فاطلع في وجه معاوية وقد أغمي عليه!
فقال ( يزيد):
لو أن حيا يفوت فات ....أبو حيان لا عاجز ولا
وكل
الحول
القلب الأريب وهل ..... يدفع وقت المنية الحيل
قال
: ففتح معاوية عينيه وقال : أي شيء تقول يا يزيد ؟
قال
: خيرا يا أمير المؤمنين ، أنا مقبل على عمي أحدثه ،
فقال معاوية : « نعم : لو أن حيا يفوت فات أبو
حيان لا عاجز ولا وكل الحول القلب الأريب وهل يدفع وقت المنية الحيل » إن أخوف ما
أخاف علي شيئا عملته في أمرك، وشهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قلم أظفاره
وأخذ من شعره ، فجمعت ذلك فهو عندي ، فإذا أنا مت فاحشوا به فمي وأنفي ، فإن نفع
شيء نفع « أو كما قال اهـ .
التعليق:
السند مرسل، وعبد الله بن ثعلبة لا أعرفه حالياً
فلعله الحضرمي وهو مجهول أيضاً، ولم يدرك القصة بينه وبينها نحو مئة سنة، ولكن هذا يدل على شهرة الموضوع إلى القرن
الثاني، أعني مرض معاوية ومعاناته عقوبة من الله، ولكن النواصب نجحوا في محو
الذاكرة الإسلامية من هذا، والخديعة تستمر بإظهار معاوية التبرك، أو أن عبد الله
بن ثعلبة ونحوه من المجهولي العقائد كانوا نواصب فيهم صلاح فأشاعوا هذا التبرك
بشعر النبي (ص) وأظافره في مقابلة صليب الطبيب النصراني الذي لبسه معاوية ليجد منه
الشفاء!.
وقول
معاوية بأن أكثر ما يخشاه تولية يزيد – وقد جاءت في غير رواية- فإما أن يكون
صادقاً أو كاذباً.. فإن كان صادقاً فهذا يدلا على معرفته الدقيقة بيزيد وفسقه
وفجوره وظلمه.. وإن كان كاذباً فيريد أن يظهر للناس أن قتال علي ولعنه وسم الحسن وقتل عمار وقتل حجر
بن عدي وأصحابه كانت أموراً يسيرة.. وهذا نفاق، فكيف إن صح استهزاؤه بالنبي (ص)
وسخريته منه ورده أحكام الإسلام علانية؟.. إن تولية يزيد ليست أسوأ من حكم معاوية
وخاصة على المستوى الثقافي والسياسي والمالي بل وسفك الدماء فماذا أبقى ليزيد من
المنكرات حتى يخشى من توليته؟ وإذا كان صادقاً وهو على عتبة القبر فلماذا لم يرجع
الأمر شورى في الأمة مادام أنه يرى أن تولية يزيد أخطر من هذه الأمور كلها؟
ما سر ذكر معاوية للمواعظ في آخر حياته وتبركه بآثار النبي (ص):
إما أن يكون صادقاً في قوله هذه القوال
والتصرفات معتقداً له أو كاذباً مخادعاً..
فإن كان كاذباً فهذا من الخداع والدهاء لتثبيت
ملك ذريته على أهل الإسلام فإذا سمعت الوفود والمقربون كأبي بردة وقيس بن أبي حازم
وغيرهم كلمات معاوية في الخوف من العذاب وفي المواعظ! فإنهم سيشيعونها ويكذبون
الأحاديث الصحيحة الواردة في ذمه والآيات التي تمنع التوبة ساعة الموت! وبالتالي
يتم قبول تغييره للسنن والآيات، ثم نجد استغفاره من الصغائر وسكوته عن الكبائر
وكأنها ليست ذنوباً أصلاً، وهذه خدعة أخرى...
وإن
كان صادقاً معتقداً ما يقول فهذا فيه إشارة إلى أنه رأى العذاب عند موته وأيقن
بذلك ولم يكن يستطيع أن ينطق الشهادتين لأنه يعلم أنها لن تفيد، بل لا يستطيع
الظالمون أن يتوبوا في آخر حياتهم، يحرمهم الله من الهداية عقوبة لهم على جرائمهم
في حياتهم، وهذا من عدل الله، ولذلك قد يوقنون بعذابهم فليهجون به ، ولم يكن يشك
أهله والمقربون منه أنه من كبار أهل الجنة! لكثرة ما وضع في نفسه من أحاديث ووفرة
الثقافة التي عمل عليها في هذا الاتجاه، إلا أن الله أخرج على لسانه في آخر حياته
ما يبطل تلك العقيدة التي أنشأها في حق ما يسميه ( خليفة الله في الأرض)! بعد رؤيته العذاب وهو حي : (قُلْ مَنْ كَانَ فِي
الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا
مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ
هُوَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضْعَفُ جُنْدًا (75)
[مريم ])
وقال
تعالى: ( فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ
وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ
الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) [محمد] وأضغان معاوية خرجت في وصيته ليزيد بأن
يضرب أهل المدينة من المهاجرين والأنصار بمسلم بن عقبة، وظهرت قبل ذلك بما فعله من
قبل بلعن علي ورأس عمار وقبر حمزة ومنبر النبي (ص) والسخرية من النبي (ص) وحديثه
كما في حديث أبي أيوب الأنصاري.
ما السر في تقليب معاوية قبل وفاته؟
تواترت
الروايات بأن أهله كانوا يقلبونه من جنب لآخر، فتقليبه قرينة على أن الدبيلة
اخترقته، من ظهره حتى نجمت من صدره كما يف حديث عمار عن حذيفة، فهو لا يستريح على
حال.
وقد
وردت في الروايات كثير من الأحوال من تأوهه تأوه الصبي وإصابته بالإغماء وتغير
رائحته وجفاف شفتيه وانقلاب فمه إلى تحت أذنه وبقاء إحدى عينيه جاحظة دائمة الدمع
من آثار اللقوة وأصيب في أحسن ما فيه وهو وجهه
حتى كان يغطيه هروباً من فحش الصورة وقبحها إلى غير ذلك .. إلا أن تقليب
معاوية وإغماءه ونتن رائحته كلها تدل على الدبيلة فهي من آثارها، ودبيلة معاوية
أشد من غيرها لكونها عقوبة إلهية ( شهاب
من نار يضرب بين أكتافهم فينجم من صدورهم) وقد استمرت معه طويلاً حتى أرجف به أهل
الأمصار ووفدت إليه وفودهم للعيادة أو الشماتة.. وقد ذكر الله في أول براءة أنه (
مخزي الكافرين) ذكر ذلك مرتين وفي تفسيري لسورة براءة ثبت عندي أن المراد بها
الحلف الجديد الذي زعيمه أبو سفيان وحيفه أبو عامر الفاسق صاحب مسجد الضرار،
والحلف يضم بقايا منافقي قريش ( الطلقاء) مع بني سليم وبقايا اليهود ومنافقي الأوس
وقليل من منافقي الخزرج ثم الغساسنة ثم
الروم الدولة الراعية لكل هذا الحلف السري الكبير..ولا مجال لإثبات هذا هنا.
ما سر اتخاذ حواصل الطير فرشاً وأردية؟
جاء في البداية
والنهاية - (8 / 151) وغيره قالوا: وذكروا أنه في آخر عمره اشتد به البرد فكان إذا
لبس أو تغطى بشئ ثقيل يغمه، فاتخذ له ثوبا من حواصل الطير، ثم ثقل عليه بعد ذلك،
فقال: تبا لك من دار، ملكتك أربعين سنة، عشرين أميرا، وعشرين خليفة، ثم هذا حالي
فيك، ومصيري منك، تبا للدنيا ولمحبيها اهـ. وقد سبقت مسندة، وفي تقديري أن هذا من
آثار الدبيلة.. فإن حواصل الطير لا تدفيء من البرد وإنما تتخذ للطف ملمسها، فقد
أصبح جسده نافراً من أدنى خشونة، بسبب القرحة التي كانت كبيرة جداً وفاحشة قد
اخترقت جسمه..
وفي
مختصر تاريخ دمشق - (7 / 352)..
وتمثل
وقد تعرى ورأى تحول جسمه وتغيره فقال:
أرى
الليالي مسرعات النقض حنين طولي
وركبن بعضي
أقعدنني
من بعد طول النهض.
التعليق:
في الرواية تغير جسمه وتحوله .. فكان يتعرى ولا
يقبل على جسده شيء حتى الثياب من حواصل الطير.. ولعل هذا من الخزي الموعود..
طول مرض معاوية .. بعض أمراضه استمر سنوات..
البصائر
والذخائر لبي حيان التوحيدي- (ج 1 / ص
394)
لما
مرض معاوية دخل إليه عمرو بن العاص فقال معاوية:
أعائداً جئت أم شامتاً؟ .. اهـ ـ
قلت:
عمرو بن العاص مات سنة 43هـ على الصحيح، ولم يذكر نوع المرض هنا، ولم يصب معاوية
باللقوة إلا سنة 44هـ بعد وفاة عمرو بن العاص بسنة، كما لم يصب بالدبيلة (
النقابة) إلا بعد ذلك، فلعله مرض ثالث تكتم عليه معاوية كما يفعل كثير من
السلاطين.. والظاهر أن الأمراض قد توالت على معاوية من أول استلامه الملك، وتطورت
من اليسير إلى العسير لأنها انتهت بالدبيلة وتعذب منها شهوراً وربما سنوات، لأن
الأمصار أوفدت الوفود وأرجف بمرضه بعض المعارضين، فاغتباط النواصب له بتمتعه
بالملك لم يكن حقيقة لا دنيا ولا آخرة، لكن الرجل صبار كتام خداع بلا إيمان أيضاً
ولا اعتبار إذ أصر إلى آخر ساعة في عمره على نقض العهود وتولية يزيد والوصية بسفك
الدماء والتمهيد للملك العضوض والأثرة ببيت المال والإبقاء على لعن الإمام
علي...الخ، وكأن الله يريد من خلال رميه بالأمراض طوال هذه السنين أن يرينا عناد
الرجل ونفاقه وامتناع الهداية عليه عقوبة من الله، وإلا فالمريض يرق ويضعف ويتخلى
عن المظالم ويرغب أن يذهب من الدنيا خفيفاً ..الخ ، والخبر في المستطرف للإبشيهي
- (ج 1 / ص 496).
الجزء المتمم لطبقات ابن سعد - (1 / 62) طال مرضه! ( مسلمة بن
محارب)
56
- قال : أخبرنا علي بن محمد ، عن مسلمة بن محارب قال : « مرض معاوية فأرجف به
مصقلة بن هبيرة وساعده قوم على ذلك ، ثم تماثل معاوية وهم يرجفون به ، فحمل
زياد مصقلة إلى معاوية وكتب إليه : أن مصقلة كان يجمع مراق أهل العراق فيرجفون
بأمير المؤمنين ، وقد حملته إليك ليرى عافية الله إياك .
فقدم مصقلة وجلس معاوية للناس ، فلما دخل مصقلة
قال له معاوية : ادن . فدنا فأخذ بيده وجبذه فسقط مصقلة ، فقال معاوية :
أبق الحوادث من خليلك مثل جندلة المراجم
قد
رامني الأقوام قبلك فامتنعت من المظالم
وقال مصقلة : يا أمير المؤمنين ، قد أبقى الله
منك ما هو أعظم من ذلك حلما وكلأ ومرعى لأوليائك ، وسما ناقعا لعدوك ، فمن يرومك ؟
كانت الجاهلية وأبوك سيد المشركين ، وأصبح الناس مسلمين وأنت أمير المؤمنين .
وأقام مصقلة فوصله معاوية وأذن له في الانصراف
إلى الكوفة ،
فقيل
له : كيف تركت معاوية ؟ قال : زعمتم فراغ يدي غمزة كاد يحطمها وجبذني جبذة كاد
يكسر مني عضوا »
التعليق:
الإسناد
مرسل وله شاهد سيأتي، ثم مسلمة بن محارب كان معتماً بأخبار بني أمية وهو منهم من
نسل زياد بن أبيه، فهو مسلمة بن محارب بن سلم بن زياد ( مات سنة 141هـ) وهو مرجع
كبير في أخبار بني أمية رغم أنه متهم بوضع
الأخبار في بني أمية، ولن يضع إلا ما يرفع قومه.
وهنا
شهد شاهد من أهلها بأن مرض معاوية طال رغم
التكتم الذي يفعله الملوك، حتى علم به أهل الأمصار وأرجفوا، ثم طلب استقدام مصقلة
وجرى ما جرى، ومصقلة لم يرجف حتى شاع الخبر بمرضه في العراق وإلا فمصقلة بن هبيرة
كان قد هرب إلى معاوية أيام علي ( في قصة بني ناجية) ولعل إرجافه مجرد إكثار من
الحكايات.
شاهده ... تاريخ دمشق - (ج
54 / ص 133) محمد بن المطلب بن ربيعة
...
حدثنا ابن أبي الدنيا حدثنا ابن هشام عن أبيه عن محمد بن عبد المطلب بن ربيعة قال:
لما مرض معاوية أرجف به مصلقة البكري ...الخ
اهـ
والأثر في الجليس الصالح والأنيس الناصح - (ج 1 / ص 459) حدّثنا
الحسين بن القاسم الكوكبي قال، حدّثنا ابن أبي الدنيا قال، حدّثنا أبو هشام عن
أبيه عن محمّد بن عبد المطلب بن ربيعة قال: لمّا مرض معاوية أرجف به مصقلة البكريّ
ثم قدم عليه وقد تماثل، ..الخ
رواية العتبي في إرجاف
مصقلة بن هبيرة..
أمالي
القالي - (ج 1 / ص 279)
قال
وحدثنا أبو بكر قال حدّثنا أبو حاتم قال حدّثنا العتبيُّ قال: مرض معاوية رحمه
اللّه، فأرجف به مصقلة بن هبيرة فحمله زيادٌ إلى معاوية .. اهـ
وفي البداية والنهاية - (ج 8 / ص 123)
فروى
ابن جرير: من طريق أبي مخنف: حدثني عبد الملك بن نوفل بن مساحق بن عبد الله بن
مخرمة أن معاوية لما مرض مرضته التي هلك فيها، دعا ابنه يزيد فقال: يا بني إني قد
كفيتك الرحلة والرجال.
ووطأت
لك الاشياء، وذللت لك الاعزاء، وأخضعت لك أعناق العرب، وإني لا أتخوف أن ينازعك
هذا الامر الذي أسسته إلا أربعة نفر، الحسين بن علي، وعبد الله بن عمر، وعبد الله
بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبي بكر.
كذا
قال: والصحيح أن عبد الرحمن كان قد توفي قبل موت معاوية بسنتين كما قدمنا.
قلت:
قوله
في السنة التي هلك فيها وهم من أحد الرواة، فهذه هي الوصية الثانية، وأما الأولى
فقد كانت قديمة أيام حياة عبد الرحمن بن أبي بكر ( أي نحو سنة 56هـ) بعد حجة
معاوية ألأخيرة، ووصيته ليزيد تدل على أن المرض أصابه بعد عودته من المدينة، أي من
بعد سنة 56هـ ما يقارب نحو أربع سنوات، أما إصابته باللقوة فهذا مؤكد فقد أصيب بها
قديماً سنة 44هـ قبل وفاته بست عسرة سنة، وأما
الدبيلة فمتأخرة ويظهر أنها بقيت فيه
سنوات من عام 56هـ ( مات نحو عام 56هـ قبل
موت عائشة بقليل، ولم يتأخر إلى 58هـ كما قال ابن كثير).
وعلى هذا فلمعاوية وصيتان، الأولى حذر فيها من
أربعة ( الحسين وابن الزبير وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر) والثانية ليس فيها
عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذا يدل على أن
الرواية الأولى كان فيها عبد الرحمن بن أبي بطرل حياً بخلاف الثانية، ولن يوصي
معاوية إلا من شدة مرض، والدبيلة هي التي أهلكته وانهكته حتى سقط جلده فأوصى
مرتين.
المبحث السابع: روايات إصابته
باللقوة قديماً [48]
وذلك في أول عمرة اعتمرها في عهده! وبقيت فيه
حتى مات[49]،
وفي ذلك عبرة، فلم يمتعه الله بملكه، وما
أن استوى له الأمر حتى مالت عافيته، وربما لولا هذه الأمراض لفعل أبشع وأفضع، لكنها
رحمة الله بعباده، كما جرى بعد مقتل الحسين من الكرامات التي توقف بعض تهوك
الظالمين عندما يظنون أنهم قادرون عليها، ولن أتوسع في دراسة الأسانيد هنا، لأن
هذا البحث استطراد وليس أصلاً، فالأصل مرض الدبيلة، إلا أن زيادة الأمراض – على
ضخامة ذلك المرض- يدل على أن معاوية اغتال النبي (ص) أكثر من مرة، ولم يقتصر على
تلك المحاولة، بل اغتال النبي (ص) في أخيه علي بن لأبي طالب، وفي سبطه الحسن، وفي
سبطه الحسين، وفي حمزة، .. فهنا لا تكفيه الدبيلة فقط وإنما لا بد أن تجتمع عليه الأدواء، وهذه عبرة لكنه محروم من
الهداية لتتابع بطر الحق وغمط الناس ودعوته إلى النار وةبغيه ورده الشرائع علانية
ودهائه الذي غرّ به نصف الأمة، وتغييره الكبير في الثقافة الدينية.. الخ.
(
وقد رويت قصة إصابته باللقوة من طريق أبي زناد والشافعي و عبد المؤمن بن المهلهل
والشعبي وغيرهم .. تم تأجيل التوسع في هذه الأسانيد في مبحث وفاة معاوية، وكذلك
مرضه الثالث ( القرة = شدة البرد) وإنما توسعنا في الدبيلة هذه لأن لها علاقة
بحديث الدبيلة)
ولا
بأس أن نستعرض الروايات مختصرة هنا:
رواية أبي الزناد في اللقوة:
روى
البلاذري في أنساب الأشراف - (2 / 85): حدثني
محمد بن سعد عن الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه قال: لما صار معاوية
بالأبواء في حجته اطلع في بئر فأصابته اللقوة، ..
التعليق:
السند مرسل، وأبو الزناد عبد الله بن ذكوان من
طبقة الزهري، روى له الجماعة، وكان عظيماً عند بني أمية يدخل المسجد النبوي في حرس
السلطان وهو من رهط أبي لؤلؤة قاتل عمر ( وهذا التعظيم من قرائن أن معاوية هو
الآمر بقتل عمر، وهذا بحث آخر) وابنه عبد
الرحمن شيخ الواقدي صدوق في الجملة وهو على مذهب القوم، والواقدي إمام في التاريخ
والأخبار وفيه تعصب عن روايات العراقيين، ومادته حجازية، ومحمد بن سعد صاحب
الطبقات بصري وفيه نصب.
وهذا الداء الذي أصاب معاوية في عمرته سنة 44هـ
كما سيأتي، وقد حج معاوية بعد ذلك ثلاث مرات، أفسد فيها أيما إفساد، ففي الأولى
عبث بقبر حمزة وشهداء أحد، وحاول العبث بالمنبر النبوي الذي ذكّره بخطب النبي (ص)
فيه وفي المنافقين استجابة لقوله تعالى ( واغلظ عليهم) ولم يخبرنا التاريخ كيف
استجاب النبي (ص) لهذا الأمر القرآني؟ ولكنا وجدناه والحمد لله! وفيها أرعب بجيشه
الأنصار وسكان الحرمين، و لعل في عمرته تلك ومروره بالأبواء واطلاعه على البئر
العادية كان يريد شراً برفات أم النبي (ص) آمنة بنت وهب فقد كانت مدفونة بالأبواء
وليس عليها طريق الحاج ولا المعتمر.
ماذا أراد من بئر الأبواء؟
إذن
فأنا أرجح – من خلال خبرتي بمعاوية وأمه وأبيه- أنه أراد ينبش قبر أم النبي (ص)
آمنة بنت وهب ووضعه ثم يطرح رفاتها في بئر عادية انتصاراً لجده وخاله وأخيه الذين
وضعهم النبي (ص) في قليب بدر، مثلما رفس أبوه أبو سفيان قبر حمزة، ومثلما صرح يزيد
في شعره بالانتقام من آل أحمد بعد مقتل الحسين وأنه عدل ميل بدر فاعتدل، وفي هذه
الساعة التي نظر فيها معاوية لتك البئر ضربه الله باللقوة في الأبواء لحفظ رفات أم
النبي (ص)، فالتوى شدقه حتى صار تحت أذنه فأشغله الله بنفسه فأسرع إلى مكة وترك ما
هم به..
هذا تحليل وربط ولم ترد فيه رواية لمن العلم
بالشخصية مع قرائن قد تكون قوية تتيح لنا التنبؤ بما يريد أن يعمله معاوية بقبر أم
النبي (ص) وبسبب تلك العقوبة السريعة.
وعندي
أنه همّ بنبش قبر أم النبي (ص) ورمي رفاتها في بئر عادية، لكن الرجل داهية كبير،
ولا يفهمه – حتى في عصره – إلا القليل ممن أنار الله قلوبهم فأصبحوا ينظرون بنور
الله.
الرواية الثانية : رواية الشافعي في إصابته باللقوة ( بتصرف وفيها شيء من الدبيلة)
في
حلية الأولياء 430 - (9 / 154) : حَدَّثَنا أبي رحمه الله حَدَّثَنا أَحمد بن محمد
بن يوسف حَدَّثَنا أبو نصر المصري حَدَّثَنا وفاء بن سهيل بن أبي سحرة الكندي
حَدَّثَنا محمد بن إدريس الشافعي قال: ذكروا أن معاوية بن أبي سفيان اعتمر فلما قضى
عُمَرته وانصرف بالأبواء فاطلع في بئرها العادية[50]
فضربته اللقوة .. أنا اليوم ابن
ستين سنة[51]..
ثم بكى!
فارتفع الناس عنه، فقال له مروان بن الحكم: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ قال وقفت والله عما كنت عليه عروقا وكثر
الدمع في عيني وابتليت في أحبتي وما يبدو مني، ولولا هواي في يزيد ابني لانصرف قصدي، فلما اشتد وجعه كتب إلى ابنه يزيد أدركني وسرج
له البريد..الخ. وذكر شعر يزيد..
وفي
آخر الرواية : (قال فانتهى يزيد الى الباب وبه عثمان بن عنبسة قال فقال له مالك
بجنب عن أمير المؤمنين قال فأخذ بيده فأدخله على معاوية فاذا هو مغمى عليه..
الخ)، وفيها ذكر أنه كان مع النبي (ص)
في تبوك فقال ( صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك..) ثم وضع
حديثاً!
التعليق:
الحديث
اختصرته وهو مطول في مبحث وفاة معاوية..
إذا كان عمره ستين سنة ساعة إصابته باللقوة،
فهذا يعني أنها إصابته في أول ملكه، لأن عمره كان (78سنة) ومات سنة 60هـ وهذا يعني
أن اللقوة بقيت فيه ثماني عشرة سنة، من سنة 42هـ بعد سنة واحدة من استلامه الملك، وعلى هذا ربما أنه اعتمر قبل سنة 44هـ أو أن
كلامه مبني على حذف الكسر، فيكون أصيب سنة 44هـ وكان عمره 58 سنة فقال ( ستين ) من
باب جبر الكسر.. وإن كانت الرواية ( ابن بضع وستين كما في بعض الروايات) فهذا قريب
أيضاً، فلا تفرق الثلاث سنوات أو الخمس.. كلها تحمل على جبر الكسر[52].
أما
أين أصيب باللقوة؟ ففي الأبواء وفيها قبر آمنة بنت وهب أم النبي (ص) مع أن طريق
الحاج لا تمر بها في العادة ( أعني طريق الجادة، وإنما كان النبي (ص) يفضل المرور
بها ليزور قبر أمه) وليست ثغراً من ثغور المسلمين حتى يتفقده معاوية، فلماذا كان
في الأبواء؟ لا أجد سبباً كافياً إلا وجود قبر آمنة بنت وهب فيها، ( نعم أصبحت
الجادة منها فيما بعد، أما في عهد معاوية فلم تكن الجادة)
إذن
فإذا صح هذا الاحتمال فماذا تتوقعون نية معاوية؟ وماذا يريد من رفات أو جثة أم
النبي (ص)؟
فالجواب : من خلال معرفتي بمعاوية وأبيه وأمه،
فأنا أرجح أنه أراد منها ما أراده من جثة سيد الشهداء حمزة! ونحن نعرف أن جثة حمزة
أجرى عليها الماء مع حفر القبور ( قبور الشهداء) بحجة أنه يريد ماء لقصر بناه
هناك! وضربوا قدمه بالمسوح فثعب دماً، وربما قبر آمنة بنت وهب ليس بجوارها بئر أو
ماء نضاح فماذا يكون الحل؟ كيف يستطيع أن يهين هذه الجثة الشريفة كما أهان جثة
حمزة؟ الجواب سهل، أن ينبش قبرها ويرميها في بئر عادية قديمة، انتصاراً لخاله وجده
وأخيه يوم بدر الذين ألقاهم النبي (ص) في قليب بدر .
إذن
فقد ذهب الرجل يستطلع الآبار القديمة ومع أول بئر عادية ينظر فيها ضربه بالله
باللقوة فشغله الله بنفسه، وأسرع إلى مكة.. وجرى كلامه هذا في مكة.
وكلامي هذا ليس معلومات فقد أهمل التاريخ أكثر
مما دوّن، ولكن هذا تحليل، فأنا أعرف معاوية
جيداً، ولبثت معه سنوات، حتى كأني عشت معه، وأصبح عندي دربة على تفسير أفعاله واقواله
ومواقفه، وعلى الأوقات التي تتدخل فيها القدرة الإلهية لإيقاف الظالم، وسنة الله
في حرمانه المتكبرين من الهداية والاعتبار، وبهذا كله يستطيع الباحث تحليل شخصية
معاوية، وأما عند نقص واحد من هذه العوامل فسيفتقد الباحث لقوة التحليل، فالعلم
والهداية والفراسة نور يبعثه الله في القلوب لكشف سبيل المجرمين، ولمعرفة سنن
الصالحين، ومن أحب محمد (ص) أمدّه الله بقوة كاشفة لتصرفات أعدائه.
وعلى كل حال، فهذا هو معاوية، وهذا هو مكره
الذي خفي على الأجيال، وهذا هو نفاقه، وهذا هو دهاؤه، وهؤلاء هم أتباعه الباكون
ببكائه الداعون له بالصحة والعافية!
ليس هناك من سبب لزيارته الأبواء، ولا نظره في
بئر عادية ( قديمة) إلا وجود قبر أم النبي (ص) هناك، فليس الرجل محباً للتنزه
لضخامة جسمه، وليس محتاجاً إلى الماء ليذهب إلى بئر فهو سلطان ومعه كل ما يلزمه من
ماء وخدم، وليس باحث آثار حتى يتتبع الآبار القديمة المهجورة! وقد زرت الأبواء قبل سنة أو سنتين، ورأيت مكان
قبر أم النبي (ص) ودعوت لها، وقد عبث هؤلاء الحمقى بالمكان ومسحوه بالآلات خشية
الشرك! فهم يهربون مما يخشونه من عبادة الصالحين إلى عبادة الظالمين.
ثم
ألا ترون هذا الرجل ودهاءه؟ وكيف أنه مصر على الزندقة والسخرية من الدين؟ فهو رغم
هذه الأمراض التي يتأوه فيها تأوه الصبي ويستغيث بالقريب والبعيد، ويتباكى أمام
العامة، لا يفتأ لسانه رطباً بالموعظة! متكلماً في الابتلاء وأحوال أصحابه! راجياً
أن يكون من هؤلاء الصالحين! أو من هؤلاء الممحصين! طالباً للدعاء وهو لا يؤمن به!
مستدراً العواطف، خادعاً أكثر الناس، مصراً على تولية يزيد! وفوق هذا يذكر تبوك
التي كان له فيها قصة العقبة! ويضع الأحاديث! ثم يوصي بانتهاك أهل المدينة! ويصر
على لعن علي..الخ ويخدع الجميع بدعوى التبرك بآثار النبي (ص) .. ففي هذا كله بقاء
الملك لأسرته.. فقد أسلم أكثر الناس في عهده، والإسلام الشكلي– إسلام معاوية- أكبر
موطد للظالمين، وأكبر جالب للأموال، والناس لهذا الإسلام أطوع، وبه يصلون إلى
الغايات الدنيوية، وبه تخف المنافسة بين اليمانية والقيسية..الخ، فلا يظن المغفل
أن هذا الخداع كله لا أثر له في تشييد الملك له ولأسرتهن وتقليل الأطماع من
منافسيهم، والحب بظهر الغيب من كل بليد، ثم الأمة غارقة في الجهل إلا الندرة،
وبأقل من هذا يمكن خداعهم، فقد خدعهم بدهائه كله، وهذا كثير عليهم.
ثم
الإغماء المذكور من أثر الدبيلة على الراجح، فلا يعرف في اللقوة أنها تؤدي إلى
الإغماء..
وفي تاريخ الإسلام للإمام الذهبي - (4 / 315) :
وذكر
غيره: أن معاوية أصابته اللقوة قبل أن يموت، وكان اطلع في بئر عادية بالأبواء لما
حج، فأصابته لقوة، يعني بطل نصفه اهـ ..
التعليق:
بطل
نصفه، قد يعني نصف وجهه في منتصف ملكه! أي نحو عشر سنوات! وربما أكثر، فهي في أول
حجة حجها، وكان عمره يومئذ ستين سنة! وقد بقي بعد ذلك ثمان عشرة سنة، مات وعمره
(78سنة) على المشهور، ولا أظن أن المراد نصف جسمه، ولا علم لي في تمدد اللقوة إلى
الجسم، إنما نتيجتها في وجهه أن أصبح فمه معكوفاً تحت أذنه، وأصبحت إحدى عينيه
مفتوحة تسيل دمعاً لا يرقأ.. وهذا عذاب شديد، لكنه لم يعتبر، فإذا طبع الله على
قلب متكبر جبار فإنه لا أمل في شفائه من هذا الختم الأبدي، وإنني لأستغرب أن يصل
هذا العذاب إلى أيام الذهبي وتواتر في التاريخ ولا يعتبر به النواصب.
وفي البيان والتبيين - (ج 1 / ص 332) آثار اللقوة..
ولما
سقطت ثَنِيَّتا معاوية لفَّ وجهَه بعمامة،
وفي
البصائر والذخائر - (ج 1 / ص 4) اللقوة بالأبواء..
قال
الهيثم بن عدي: خرج معاوية يريد مكة، حتى إذا كان بالأبواء، أطلع في بئر عادية
فأصابته اللقوة، فأتى مكة،
إصابة معاوية بالقرة ( شدة
البرد = من آثار الدبيلة)[53]
في سير أعلام النبلاء - (5
/ 152)
يُوْسُفُ
بنُ عَبْدَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ سِيْرِيْنَ يَقُوْلُ: أَخَذَتْ مُعَاوِيَةَ
قِرَّةٌ، فَاتَّخَذَ لُحُفاً خِفَافاً تُلْقَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ
يَتَأَذَّى بِهَا، فَإِذَا رُفِعَتْ، سَأَلَ أَنْ تُرَدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ:
قَبَّحَكِ اللهُ مِنْ دَارٍ، مَكَثْتُ فِيْكِ عِشْرِيْنَ سَنَةً أَمِيْراً،
وَعِشْرِيْنَ سَنَةً خَلِيْفَةً، وَصِرْتُ إِلَى مَا أَرَى.
التعليق:
زيادة
العشرين سنة والعشرين سنة كأنها من ابن سيرين لزيادة الوعظ.. أو أن ابن سيرين يريد
أن يوحي بأن ذلك في آخر عمر معاوية وأن ذلك لم يكن طويلاً! لأن معاوية مات بعد أن
حكم العشرين والعشرين.. فليطمئن محبوه..!.
وعلى
كل حال: فهذا مرض ثالث، ولعله من آثار
الدبيلة، وهذه عقوبة ثالثة، إذ قد وردت روايات أنه لا يقبل على جسمه أي رداء، إذ
يتأذى حتى من الثوب المعمول من حواصل الطيور، ثم أصيب بالبرد على هذا وكان يتعرى
في البرد، والشام باردة أيضاً، فجمع الله له الزمهرير الخارجي ونار الدبيلة
الداخلية، لكنه مع هذا رجل جبار لم يعتبر، أو لم يوفقه الله إلى ذلك، فلم يغير من
مظالمه شيئاً، وكان أظهر تلك الأشياء ألا يجعل أمر الأمة إلى رجل فسيق كابنه يزيد،
وإنما يجعل الأمر شورى ويعيدها إلى الصحابة والتابعين.. ويلقيها من رقبته.. هذا
أقل ما كان يمكن لمعاوية فعله..فكيف وقد أتبعه بوصية أن يرمي أهل المدينة بمسرف بن
عقبة.. ويوصي بلعن علي وبتعميم هذا .. ونحو هذه الأمور التي تدل بوضوح على أن الله لم يوفقه للتوبة، فهو كبني
إسرائيل، رأوا من آيات الله الحسية الكثير، لكن قال الله عنهم ف ختام ذلك ( ثم قست
قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة).. فلا يظن أحد أنه سيردعه إصابته
باللقوة أو الدبيلة أو انبعاث الدم من قدم حمزة أو كسوف الشمس يوم المنبر ..الخ،
فآيات بني إسرائيل أبلغ ولم يهتدوا، لأن تتابع الكبر والعناد والمضادة لله ورسوله
يصرف القلب عن الهداية وتكون هذه الأكنة من عمل الكبر والعناد فتصبح في الوقت نفسه
عقوبة، وليس هناك عقوبة أبلغ من الحرمان من الهداية، والمتعصبون له اليوم على
المنهج نفسه، لو تأتيهم بكل آية ما تبعوا حجتك.. وهذا من الكبر أن يقال : هؤلاء
الشيوخ الأجلاء! يخضعون في آخر الأمر لدليل قدمه فلان؟..
اللهم
لا تصرف قلوبنا عن الحق كما صرفت قلوبهم.
استطراد (1): نبشه قبر حمزة:
وما ذكرته عن
ترجيحي بأن معاوية أراد نبش قبر أم النبي (ص) ورمي رفاتها في تلك البئر
العادية بالأبواء لم أقلها من فراغ أو من حب تتبع مساويء معاوية، ولكنها قياس على
ما نعرفه من سيرة معاوية.
وهذان
استطرادان يبينان أن معاوية ليس سليم النية في كثير مما يعمله، وإنما الناس فيهم
غفلة وسلامة باطن! فهذا ليس بغريب على
معاوية فقد أمر بنبش قبور شهداء أحد لأجل أن يهين سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب[54]،
وقد تم له ما أراد كما سيأتي ، وتمكن من ذلك وضربوا قدم حمزة بالمسحاة فانبعث
دماً، انتقاماً لقتله عتبة بن ربيعة يوم بدر، وأجرى معاوية عيناً على بقية الشهداء
ثم صرخوا في أهل المدينة ليحملوهم من بين الأوحال يتثنون، حتى أن أبا سعيد الخدري
قال ( لا يُنكر بعد هذا منكر أبداً) فقد عرف قصد معاوية من هذا العمل الدنيء[55]،
إلا أن مغفلي الصالحين جعلوا هذا العبث بجثث شهداء أحد من دلائل فقه معاوية
واحتجوا به في كتب الفقه في مسألة نقل الموتى للمصلحة العامة[56]!
مع أن المصلحة هنا خاصة، وهي عين لمعاوية يريد أن يجريها ولم يجد إلا أن يجريها من
فوق قبور الشهداء، ثم لم يصرخوا في أهل المدينة حتى ضربوا حمزة بالمساحي! فهلا كان
قبل؟ لكن أهل الغفلة لا يكتشفون دهاء الظالمين، ولا صدق الصالحين، فتراهم خلف كل
ظالم نافرين عن كل عادل، وهذه عقوبة إلهية بحث من يعطل نعم الله عليه من عقل وقلب.
التفاتة:
وفي
تحقيق النزاع والتخاصم لعمر بن عقيل / 227
قال: ( ركل قبر حمزة برجله اقتداء بإبليس في ركله جسد آدم عليه السلام ،
ونرى أن أبا سفيان أراد بمخاطبته حمزة بقوله : إن الأمر الذي كنت تقاتلنا عليه
بالأمس قد ملكناه اليوم ، مقابلة خطاب رسول الله ( ص ) لأصحاب قليب بدر بقوله : هل
وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ، فإنا وجدنا ما وعد ربنا حقا ) ! انتهى . فلا تستبعد
أبدا أن يكون أبو سفيان وقف على قبر النبي صلى الله عليه وآله وقال له شبيها بقوله
لحمزة ؟ ! اهـ
قلت:
لا أستبعد قول الشيخ ابن عقيل، والقرائن تدل على هذا، ومن عرف هذه العائلة عرف أن
مدار مكرهم هو ضد النبي (ص) والثأر منه والانتقام من دينه وقرابته وأنصاره، وقد
نجحوا إلى حد بعيد للأسف الشديد، كما نجح إبليس مع أهل سبأ من قبل (وَلَقَدْ
صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ (20) [سبأ).
استطراد (2): عمل معاوية
على اقتلاع المنبر النبوي أكثر من مرة!
أعني منبر النبي (ص) أراد معاوية اقتلاعه من
موضعه سنة 50هـ عندما حج، بمزاعم واهية، مرة بدعوى أن أهل المدينة قتلوا عثمان فلا
يستحقون وجود المنبر النبوي هناك! وأنه
يريد نقله إلى الشام! لكن ظهرت آيات من كسوف الشمس وشدة الريح وإظلام الدنيا ما
جعله يتراجع عن عزمه ويتركه، ومرة بدعوى أنه يريد أن ينظر ما تحته! ومرة بدعوى أنه
يخشى عليه الأرضة! وظهرت الآيات.. فواضح أن محاولاته اقتلاع المنبر النبوي ربما
تكررت، ولا يعتبر كعادته، بل سبق أن كتب لمروان ليقتلعه وظهرت الآيات فكأن معاوية
لم يقتنع فهو مادي دهري كأبيه، فلما حج أراد أن يجرب بنفسه فلما ظهرت الآيات توقف،
وقيل نصحه بعض الصحابة، أنه إن أراد أن ينقل المنبر فلينقل المسجد، والأول أصح[57]!
فإنه لا يوقفه عن نية السوء إلا العجز إما لآية ظاهرة أو ممانعة شديدة، وربما لو نجح ونقله إلى الشام لألقاه على
المزابل، وخصومة معاوية مع كل آثار النبي (ص) مشهورة فقد سلب عصا النبي (ص) من سعد
القرظ ونبش قبر حمزة.
المبحث الثامن:
أساليب النواصب في حماية معاوية وأبي سفيان من هذا الحديث:
نموذج (1) : إنكار أن يكون الفاعلون من قريش!
وإذا
تم تبرئة كل قريش فهي تبرئة لمعاوية لأنه من قريش، وهذه فعلها بعض المقربين من
معاوية نفسه، وهو نافع بن جبير بن مطعم بن عدي النوفلي، وهم ( نوفل وأمية ) حليفان
من أيام الجاهلية ضد بني هاشم وبني المطلب،
ففي مغازي الواقدي - (ج 1 / ص 1045)
قَالَ
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ
جُبَيْرٍ[58] .
قَالَ لَمْ يُخْبِرْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدًا إلّا
حُذَيْفَةَ . وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ قُرَشِيّ . وَهَذَا الْأَمْرُ
الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا اهـ
كذا
في المطبوع ( فيهم قرشي)! وهذه عبارة ملتبسة، وكأن هناك سقطاً، فسقطت كلمة (ليس)،
وبها يستقيم المعنى، وهو ما وجدته في
تهذيب الكمال من طريق الواقدي نفسه ففي
تهذيب الكمال للمزي - (ج 5 / ص 505) من طريق ابن سعد عن الواقدي: حدثني أبو بكر بن
عبدالله بن أبي سبرة، عن سليمان بن سحيم، عن نافع بن جبير بن مطعم، قال: لم يخبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين الذي نحسوا به ليلة العقبة بتبوك
غير حذيفة، وهم اثنا عشر رجلا، ليس فيهم قرشي، وكلهم من الانصار أو من حلفائهم
اهـ
التعليق:
حذيفة وعمار أصدق وأعلم بالمنافقين وأهل العقبة
من نافع بن جبير الراكن إلى الظالمين المشارك للحجاج في هدم الكعبة المتفاخر بقريش
الحليف لمعاوية وابنه وعبد الملك وابنه والحجاج وعنبسة..الخ، بل روايته هذا – مع
شدة لصوقه ببني أمية- قرينة على أن رؤوس هؤلاء النفر من قريش، وهذه الرواية من تلك
الروايات التي يبثها بنو أمية وأشياعهم في صرف هذا الأمر عن قريش إلى الأنصار،
وأخذ بعض الرواة هذه الإشاعة الأموية، فألصوقها بالأنصار، مثلما حاولوا صرف هذه
التهمة من معاوية إلى علي، وهو النموذج التالي:.
نموذج (2): إلصاق التهمة
بالإمام علي بدلاً من معاوية وابي سفيان!
يظهر
أن صرف الأمر عن قريش إلى الأنصار لم يوقف أحاديث حذيفة بن اليمان، فلجأ النواصب
إلى اتهام الإمام علي بذلك، مع أن النبي (ص) استخلفه على المدينة، ولم يكن معهم في
تبوك، هذا إذا تنزلنا معهم واعتبرنا الإمام علي من المنافقين، وهذه المحاولة لجأ
إليها الوليد بن عبد الملك والمحدث الناصبي عمرو بن ثابت ( معاصر لمعاوية) والمحدث
المشهور حريز بن عثمان ( معاصر للوليد بن عبد الملك وغيره من بني مروان)
أما عمر بن ثابت:
ففي
كتاب الغارات الثقفي – في سرده النواصب-
قال:
ومنهم - يعني من النواصب- عمر بن ثابت ، قال - يعني الثقفي- : حدثنا الواقدي أن عمر بن ثابت
الذي روى عن أبي أيوب الأنصاري حديث ( ستة أيام من شوال ) كان يركب ويدور في
القرى بالشام فإذا دخل قرية جمع أهلها ثم يقول : أيها الناس إن علي بن أبي طالب
كان رجلا منافقا أراد أن ينخس برسول الله
صلى الله عليه وآله ليلة العقبة فالعنوه . قال : فيلعنه أهل تلك القرية ثم
يسير إلى القرية الأخرى فيأمرهم بمثل ذلك . [ وكان في أيام معاوية ] .
التعليق:
وهذه
من دلائل أن معاوية من أهل العقبة، لأنه
بالاستقراء حاول أن يقلب كل مثالبه إلى علي، كما في حديث يموت على غير ملتي، ومثل
هذا الحديث، ثم يحاول أن يجلب فضائل علي إليه أو يشتتها في غيره كما روى المدائني،
وقد هيأ لهذا العمل الفكري عشرات الألوف من الوعاظ والقصاص والمحدثين والفقهاء..
وعمرو
بن ثابت – وقيل عمر بن ثابت- ترجم له ابن حجر في التقريب وقال ( ثقة وأخطأ من عده
صحابياً)! ولعل من توهم أنه صحابي هو روايته هذا الخبر الذي كلفه معاوية ببثه! ولا
أدري هنا لماذا إصرار معاوية على الست من شوال – فهو الآمر لعمرو بن ثابت
قطعاً- هل كان عذراً لإفطاره في رمضان
بحجة ن من صام ستاً فكأنما صام الدهر؟ وأن معاوية كان شرهاً في الأكل ويخشى مراقبة
الناس له إذا أفطر في رمضان؟ أما الست من شوال فلا يستطيع مراقبته أحد!فمعاوية كان
أكولاً، ولا بد أنه يأكل في رمضان، لأنه كان لا يصبر على شهوة بطن ولا دنيا، ولعله
لما خشي بعض أهله أن يفضحه أو ينقل شيئاً من ذلك أمر عمرو بن ثابت ببث هذا الحديث
عن أبي أيوب الأنصاري، ولعل أصل الحديث الموضوع كان ( من صام ستاً من شوال فكأنما
صام الدهر) ثم دمجه مغفلو أهل الحديث برمضان بعد أن عجزوا عن أقناع النواصب به
فضلاً عن السنة والشيعة، وهذا العجز لعله أتى من صراحة الآية الكريمة (شَهْرُ
رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ
الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ )
وأبو أيوب بريء من هذا الحديث وقد بقي في الأمة إلى اليوم مع أن الذي بثه هو هذا
الكاذب، وإنما رواه عن أحد أصحاب علي وهو أبو أيوب الأنصاري، لأنه مشهور في العراق
والحجاز والشام، وحتى إذا وقع تكذيب فيقع على
أبي أيوب لا على معاوية! ولماذا لم يعرف تلامذة أبي أيوب إلا هذا الفاجر (
عمر بن ثابت)؟ فلم يروه عنه لا أهل الحجاز ولا أهل العراق..
إذن
فهذا الرجل الذي بعثه معاوية لاتهام علي بجريمة أبي سفيان ومعاوية هو ردة فعل من
معاوية على تلك الأسرار التي بثها ( صاحب سر النبي (ص)) وهو حذيفة بن اليمان والتي تشير لأهل العقول أن معاوية من أؤلئك
المنافقين الذين أخبر النبي (ص) بأنهم منافقون إلى يوم القيامة، وأنهم حاولوا
اغتيال النبي (ص) وأنه وأنه.. الخ، ولسان حال معاوية يقول : إذا اشتهر هذا الحديث بين الناس وفي معظمهم
تدين ولو قليل، فلن يرضوا بيزيد ابن المنافق ولا أسرة المنافق أن تحكمهم؟.. إذن فما
الحل؟ لا حل إلا برد الحديث على أصحابه،
وقتل الأحياء الذين يروونه، فكلف زياد بقتل أصحاب علي ( فقتل منهم الآلاف) وكلف عمر بن ثابت هذا بالطواف في مدن الشام
الذين لم يسمعوا بالحديث، فليتحصنوا
باتهام علي ولعنه قبل أن ينتشر فيهم تهمة معاوية ولعنه، هكذا كان عقل ودهاء
معاوية.
وأما حريز بن عثمان – الذي يشيد به أحمد بن حنبل وغيره من السلفية
المحدثة-
الذي
كان يلعن علياً في اليوم ( 140) مرة، وهو ثقة عاقل فاضل عند السلفية المحدثة من
أيام أحمد بن حنبل وسلفه من البصريين والشاميين، فهم لا يهجرون إلا من سب معاوية
أما من يلعن علياً كمروان ومعاوية وحريز فأحاديثهم تملأ الكتب الحديثية...
ففي تهذيب التهذيب - (ج 2 / ص 209)
حكى
الأزدي في الضعفاء : أن حريز بن عثمان روى أن النبي صلى الله عليه و سلم لما
أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب فحل حزام البغلة ليقع النبي صلى الله
عليه و سلم قال الأزدي من كانت هذه حاله لا يروي عنه اهـ
قلت:
انظروا ! فقد انزعج النواصب من اتهام معاوية فلم يروا بداً من قلب التهمة إلى علي!
فهؤلاء النواصب يريدون ستر جرائم معاوية باتهام علي، وهذه من القرائن على أن
معاوية بث في أشياعه ما يعرف هو من مثالبه ( ولهذه المقابلات والمعارضات نظائر
كثيرة جداً في منهج معاوية أشياعه)، وكأن معاوية خشى أن يذيع القصة تلامذة حذيفة
بن اليمان! فاستبق الأمر بنسبة ما يعرف تماماً أنه فعله فنسبه ظلماً وزراً إلى
خصمه الذي يحبه الله ورسوله، وقد جمعت في هذه المعارضات جملة وافرة جداً، يعجب
منها اللبيب والأحمق ( يسر الله إخراجها).
فحريز بن عثمان ورث هذه الثقافة الأموية وصدق
بها وبثها، والغريب أن هذا لم يمنع السفية المحدثة من الاهتمام بحديث وتوثيقه
ومحبته ووصفه بالعقل والفضل [59]،
مثلما اليوم يقولون عن النواصب: ( الشيخ الفاضل فلان، الداعية فلان، العلامة
فلان.. ) وينقلون الأعاجيب من فضائل هؤلاء الحمقى والمغفلين، فالبلادة تحب أختها
وتأنس بها وتستشرب هواها، ولا أرى محبتهم للظالمين ونفورهم عن العادلين إلا عقوبة
من الله.
وقد سار النواصب على منهج معاوية هذا، وأشهر
النواصب الذين ساروا على هذا المنهج من المقابلات والمعارضات الظالمة الجاهلة ابن
تيمية - وهو المجدد الثاني للنصب- وقد
توسع في هذه المقارنات بين الملائكة والأبالسة، بين المؤمنين والمنافقين، واحتفل
بها أتباعه وظنوها علماً عظيماً يرضى الله عنه ورسوله! وتبعه على ذلك نواصب اليوم
كالشيخ صالح الفوزان وتلميذه سليمان الخراشي فقال هذان الناصبيان الأحمقان في
دفاعهم عن نصب ابن تيمية في كتاب الخراشي
الذي قدم له شيخه االفوزان: ابن تيمية لم يكن ناصبيا - (1 / 70): ( فابن تيمية يحرج الرافضة بأن جميع ما
يقولونه في عثمان أو معاوية هو لازم لعلي ، لا مناص من ذلك) اهـ!
فأنت
ترى أن هؤلاء نواصب لا مرية في ذلك!
وعلى
قاعدتهم هذه نقول: إذن فاجمعوا تلك الخصال
من البغي إلى الدعوة إلى النار إلى استحلال الربا إلى بيع الخمر إلى محاولة اغتيال
النبي (ص) إلى نبش قبر حمزة إلى قتل من لم
يلعن أهل بدر إلى استلحاق أبناء الزنا وضمهم لنسبه إلى التمثيل به بالجثث المؤمنة
حية وميتة! إلى تولية الفاسق ...الخ
أين تجدونها في علي؟ إنهم نواصب فلا تغترون بتسترهم بالسنة فالتستر
بالسنة قديم من أيام معاوية، بل هو أول من اخترع هذا اللقب، ولا بأس فقد قبلناه
على غير ما يريد معاوية والنواصب، هم يريدون سنته ونحن نريد سنة رسول الله.
وكذلك
عثمان هنا لا تقارن أخطاؤه بما نسب لعلي من أخطاء، مع سابقة عثمان وفضله إلا أن
الملحوظات الكبيرة على سياساته محل إجماع حتى من محبيه ومناصريه.. فأين مثلها في
حق الإمام علي؟ بل أين ما فعله الشيخان أبو بكر وعمر رحمهما الله من عزل الأنصار
والتفاضل في العطاء وتولية سفهاء قريش ودهم بيت فاطمة مع قرب المصيبة من سياسة
الإمام علي؟ ولكننا لا نريد أن يدفعنا النواصب للوقوع في الشيخين، لفضلهما وهجرتهما
وسابقتهما وإنفاقهما الأموال.. وإلا فإنه عند المقارنة لا نجد أعدل ولا أعلم من
الإمام علي، لكن عندما نجدهم يلزمون علياً بكل جرائم معاوية فهنا لا بد من تنبيههم ليقفوا عند حدود الأدب،
نحن نهمل كثيراً الرد على غلو البكرية والعمرية والعثمانية الذين يبالغون في تفضيل أبي بكر وعمر وعثمان
على علي في كل شيء حتى الشجاعة! نسكت عن هذا كله ولا نرد ولا نحب أو لا نتحمس أن
ندخل في هذه المقارنات بين الكبار إلا اضطراراً.
أما أن يأتوا بمعاوية ويزيد وأمثالهم ويلزمون
الإمام علي بجرائمهم ونفاقهم؟ فهذه كبيرة في حق أمير المؤمنين كما حاول حريز بن
عثمان هنا أن ينقل محاولة اغتيال معاوية للنبي (ص) إلى علي بن أبي طالب، والغريب
أن هذه السلفية المحدثة تدعي أنها تحب علياً وتدافع عنه، ولكننا نراهم يوثقون حريز
بن عثمان رغم اعترافهم لأنه يلعن علياً في اليوم مئة وأربعين مرة فقط! ومرغم أنه
يتهم علياً ببعض جرائم معاوية ورغم كل شيء، بل رأيناهم يوثقون من يجمع الأشعار في
هجاء النبي (ص) كما فعلوا مع خالد بن سلمة المخزومي، هؤلاء نواصب لا مرية في ذلك،
,إنما نحن ننبه الشباب الطيب القلب، أما الشيوخ فقد يئسنا منهم من زمن طويل، فقد
أشربوا في قلوبهم معاوية وابن تيمية بتعصبهم وتمذهبهم وجهلهم وكبرهم وغمطهم الناس
واستطالتهم بالكثرة والمال والإقصاء، وأشبهوا سلف معاوية الذين قالوا للذين آمنوا
( أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا)؟ فنعوذ بالله من
كثرة يسوقها إبليس ومن مال أخذ من سحت، فوالله ليس بهذين مفتخر لمسلم ولا عليهما
تدور الأدلة والبراهين.
نموذج ( 3) إماتة ذكر
الحديث وتقليل مصادره:
فالبخاري
لم يروه في الصحيح ولا في التاريخ الصغير مع كثرة طرقه وعلى شرطه..
وابن
تيمية، قلل مصادره إلى أبعد حد، فقال في
الصارم المسلول - (ج 1 / ص 361): و ذكر بعض أهل التفسير (!) أن النبي صلى الله
عليه و سلم عد المنافقين الذين وقفوا له على العقبة في غزوة تبوك ليكتفوا
به فقال حذيفة : ألا تبعث إليهم فتقتلهم فقال [ أكره أن يقول العرب لما ظفر
بأصحابه أقبل يقتلهم بل يكفيناهم الله بالدبيلة ] اهـ
قلت:
ولم يذكره ابن يتمية في سائر كتبه إلا في هذا الموضع، ولم ينسبه إلى صحيح مسلم ولا
مسند أحمد ولا كل المصادر التي سبق أن ذكرنها، بل إلى بعض أهل التفسير! ( فقط)!
فلو توسع لربما اكتشف الناس ذلك، وهذا منهج النواصب يعطلون ما شاءوا إخفاءه ولو
كان متواتراً ومهماً، ويظهرون ما أحبوا إظهاره ولو كان ضعيفاً لا أهمية له.
نموذج (4): زعمهم بأن النبي (ص) لا يعرفهم أصلاً ولا أسر بهم
لحذيفة!
وهذا
فعله ابن حزم الظاهري – وكان ناصبياً- إلا أنه رحمه الله أخف بكثير من نواصب عصرنا
المتبعين لابن يتمية، فقال في المحلى - (ج 11 / ص 224): وأما حديث عمار في أمتى
اثنا عشر منافقا فليس فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفهم بأعيانهم
وهو إخبار بصفة عن عدد فقط ليس فيهم بيان أنهم عرفوا باسمائهم فسقط التعلق بهذا
الخبر وبالله تعالى التوفيق اهـ
والجواب
قد سبق فعودوا للأحاديث..وإذا كان هذا كذب ابن حزم فكيف بكذب ابن تيمية؟ فكذب بكذب
الجهلة من نواصب العصر كالخراشي والفوزان وعبد المحسن العباد البدر وابنه عبد
الرزاق وسليمان العودة وسليمان العلوان وكل هذه الطبقة من نواصب اليمن والشام ومصر والعراق..الخ، والمعركة
الأخيرة ستكون بين محمد (ص) ومعاوية.. وقد بدأ النواصب في لبنان يصرحون بلعن
الإمام علي و الحسن والحسين ( كما ذكر الشيخ السلفي عمر بكري، وكان هذا من أسباب
اعتداله، والعاقل يعتدل وينصح في الأقربين، أما الجاهل فيباري عمرو بن كلثوم)،
ولكن اعتراف الشيخ بكري بأن بعض السلفية المحدثة بشمال لبنان بدؤوا يصرحون بلعن
الإمام علي وأهل البيت دليل على أن المعركة الأخيرة ستكون بين النبي (ص) ومعاوية،
وأنا أعرف من لو يكتشف أن النبي (ص) لا يحب معاوية فهو على استعداد للردة وإنكار
النبوة، والله ابتلى قريشاً بالنبي (ص) فقالوا كما ذكر الله عنهم: (وَقَالُوا
لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31)
أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ
مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ
دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ
مِمَّا يَجْمَعُونَ (32) [الزخرف : 31 ، 32] )، كما ابتلى الله المسلمين من بعد
النبي (ص) بآل محمد ليرى الله إلى أي حد سنتخلى عن العصبية والكبر والحسد (أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)
وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا
وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
[العنكبوت ).
الله
بهذا الابتلاء يريد ألا يشاركه في الكبر والجبروت أحد من الناس، فالكبر والجبروت
لا ينفع معهما طاعة، ولو نفعت الطاعة مع هذا الكبر لنفعت إبليس الذي أبى واستكبر
فاستحق العذاب، وكان من أعرف الخلق بالله وأكثرهم عبادة، فلا يغتر أحد بعبادة
هؤلاء فقد اختبرهم الله فسقطوا ولم يستطيعوا عبادة الله، إنما عبدوا المذهب
والعادة والألفة، فلا يغرونكم بعد أن غروا أنفسهم وغرهم بالله الغرور وأمنوا من
مكر الله ولن يتدبروا آية ولم يلتفتوا لحجة، دعوهم يخوضوا ويلعبوا، وتنبهوا لمحمد
وآل محمد، دون غلو من غلا ولا جفاء من جفا، لكن أقبلوا عليهم إقبال المحب
والمتواضع وليس إقبال المتكبر والحاسد، ففي الأولى تجد الهداية، وفي الثانية يحرمك
الله من الهداية.
وهنا لا أقول إن ابن حزم ونحوه من العلماء – باستثناء ابن تيمية- لا أقول إنهم قد سقطوا في الابتلاء فأنا أرجو
لهم وأدعو لهم، وربما لم يكن هذا
اهتمامهم، وربما لم يبلغهم من الحجة ما
بلغكم أنتم، والله بصير بالعباد، يحاسب كل فرد على ما يعلمه من بذله الوسع في معرفة
الحقيقة.
نموذج (5) تحريفهم لحديث قيس بن عباد
وهذه
حصلت من النواصب المتقدمين وهو يونس بن عبيد وربما شاركه في هذا ابن علية، ففي
زوائد عبد الله بن أحمد على مسند أحمد بن حنبل - (ج 1 / ص 148) وهو في سنن أبي
داود من الطريق نفسه- كلاهما عن إسماعيل
أبو معمر ثنا بن علية عن يونس عن الحسن عن قيس بن عباد قال:
قلت لعلي : أرأيت مسيرك هذا عهد عهده إليك رسول
الله صلى الله عليه و سلم أم رأى رأيته؟
قال ما تريد إلى هذا؟
قلت ديننا ديننا قال ما عهد إلى رسول الله صلى
الله عليه و سلم فيه شيئا ولكن رأى رأيته اهـ
التعليق:
ويونس بن عبيد كان ناصبياً، وكذا ولكن
بدرجة أخف أبو معمر وابن علية[60]..
والحديث
إنما هو قيس بن عباد عن عمار عن حذيفة، وأما حديث علي فصوابه في الإسناد والمتن
غير ما حرفوا هنا.. ( وهذا له بحث آخر: وقد توسعت فيه في ردي على بعض النواصب
المعاصرين، في كتاب : التشظي السلفي – لم يكتمل)
نموذج (6) نقل العقبة إلى
الطائف!
بعض
الناس حاول نقل العقبة إلى الطائف، وسفهاء قريش إلى كفار ثقيف، وهذا الأمر يحتاج
لبحث.. ومع هذا يحتاج إلى تدقيق، ففي صحيح مسلم -
(ج 5 / ص 181)
وَحَدَّثَنِى
أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَرْحٍ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى
وَعَمْرُو بْنُ سَوَّادٍ الْعَامِرِىُّ - وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ - قَالُوا
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِى يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِى
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه
وسلم- حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَا
رَسُولَ اللَّهِ هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟
فَقَالَ «
لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ
الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِى عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ
عَبْدِ كُلاَلٍ فَلَمْ يُجِبْنِى إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا
مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِى فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلاَّ بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ .. الخ
».
التعليق:
وأظن
هذا من تحريف عروة بن الزبير قبل أن يتوب، أو من الزهري أو يونس وكل هؤلاء فيهم
نصب، ولعل عروة بعد توبته رواها على الاستقامة.. وقصة الطائف صحيحة من حيث أن أهل
الطائف كذبوه وآذوه وأرسلوا سفهاءهم لرميه بالحجارة.. إلا أن هذا لا يسمى ( يوم
العقبة)! وإنما يوم عرض نفسه على أهل الطائف.
ثم
هناك قرينة أخرى وهو قوله ( لقد لقيت من قومك..)
وأهل ثقيف ليسوا قوم عائشة؟ وإنما قومها قريش.. فتدبر! فهذا قد يكون بقية حديث
صحيح صرفه أهل الشام عن سياقه، ونسوا كلمة ( قومك)! فكأن الرواية تم إدماجها مع
قصته بالطائف حتى يردوا على أحاديث حذيفة وعمار وغيرهم من الصحابة الذين نشروا
ثقافة ( قصة العقبة) من باب التحذير من معاوية وأمثاله، فأصبح من الصعوبة محوها
وكتمها، فعمل معاوية وأشياعه بالشام على تكليف الرواة بتشتيت هذه القصة، فينقلون
المكان، ويتوسعون في أسماء الأشخاص، حتى لو وصل بهم الأمر لاتهام الإمام علي أحب
الناس إلا الله ورسوله، ورغم أنه في المدينة لا في تبوك! ورابعة يجعلونها في الأنصار
..الخ، والأنصار لا تحفظ لهم محاولة واحدة في اغتيال النبي (ص) حتى من المنافقين
منهم! وأما قريش فالمحاولات وصلت صحتها وكثرتها أن دخلت في سورة الأنفال وسورة
التوبة!
إذن فهذا الاضطراب الشامي في المكان والأشخاص
والقبائل أتى جهة واحدة فقط، من أهل الشام ونواصبهم وحلفائهم، وهذا دليل على تدخل
السلطة في تشتيت هذا الحديث بأي شكل من الأشكال، حتى لو تم نقل المكان من تبوك
للطائف، أو نقل التهمة من معاوية وقريش إلى علي والأنصار اللذين لا يحبهما إلا
مؤمن ولا يبغضهما إلا منافق! ولا يجب أن
نستغرب هذا، فالسلفية المحدثة تعتقد أن والدي النبي (ص) في النار ووالدي معاوية في
الجنة! فقد أحاطوا النبي بالنار من جميع الجهات، أماً وأباً وعمّاً وجدّاً[61]
وأحاطوا معاوية بالجنة، امّاَ وأباً وابناً[62]..
نموذج (7) : حصرهم هذه
العصابة في شخص مجهول!
ففي الدر المنثور - (ج 4 / ص 242) وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ
وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ( وهموا بما لم ينالوا) قال : هم
رجل يقال له الأسود بقتل رسول الله صلى الله عليه و سلم اهـ [63]
وفي الاسناد
مجهولون.. والمتن متهافت، ولا يعرف ذلك الرجل، والثابت خلافة ، والإخبار عن جماعة
.. وابن عباس بريء وكذلك مجاهد.. إنما البلاء في بقية رجال الأسانيد، إلا أننا لا
نأمن التدليس حتى من الثقات أمثال شريك ومجاهد.. وقد يكون ( الأسود) لقب لبعض
أنصار طلقاء قريش في هذه المحاولة الدنيئة، أو هو مطيع بن الأسود العدوي ( والد عبد الله بن مطيع، من المؤلفة)،كان من المؤلفة
قلوبهم من الطلقاء، والبيت فيه نصب، وهو مذكور في أعداء أهل البيت، له أبناء منهم سليمان قتل يوم الجمل مع عائشة،
وعبد الله بن مطيع مشهور كان مع ابن الزبير وولي له الكوفة وكان ضد المختار، وكان
الشعبي كاتبه ( ذكره في المحبر)!.. ومات مطيع هذا زمن عثمان وأوصى إلى الزبير، وهو
راوي حديث: (لا يقتل قرشي صبراً بعد اليوم وهو منكر مخالف للواقع)، فربما كلفه أبو
سفيان ومعاوية بمشاركتهم وكاد أن يصل إلى ناقة النبي (ص) .. إلا أن الرواية
ضعيفة..
وهكذا .. وإنما
ذكرت هنا نماذج، وستجدون أكثر مما كتبت،
فالنواصب كانت لهم الدولة والقصص والرواية، إلا أن الله ابتلاهم بالجهل،
فلا تكاد تجد ناصبياً إلا جاهلاً بالقرآن والحديث والتاريخ والنفس البشرية ..الخ،
فلذلك نستدل على مثالب معاوية بكثرة ما يسقطون من أكياسهم من حبات الألفاظ، فيدلون
على بيوتهم بأنفسهم، وقد عملوا الكثير في تفسير القرآن وفي رواية الحديث وفي الجرح
للثقات والتعديل للكذابين ما لا يقع تحت الحصر، وهذا لا يعني الزهد في كتب التراث،
ففيها الكثير الطيب إلا أن كثرة النصب وتلبيسه ودخوله حتى في كتب المعارضة يدل على
قوة انتشار في زمن ما، ... وبعض النواصب أهل مكر شديد، يذكرون فضيلة من يبغضون ليقرنوا بها مثلبة تمحوها، وقد
يذكرون مثلبة من يحبون ليختموها بتوبة خاتمة، وقد ينشرون العقيدة في الجبر
والتجسيم عبر فضائل من يبغضون، ويعكسون، لكن النصب بمجمله أحمق، لأنه استجاب لداهية،
ولو كان النصب ذكياً ما أخذ منه الداهية إلا أفراداً!.
وخير ما نختم به
في نصيحة المحبين لمعاوية وأمثاله من الظالمين قوله تعالى:
(وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ
يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا
أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ
اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ
عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) [النساء ].
وصلى
الله وسلم وبارك وتحنن وترحم على محمد وعلى آل محمد.
انتهى
من كتابة هذا الكتاب، بعد بحث استمر شهوراً..
حسن بن فرحان المالكي
الرياض
- حي طويق
صباح
يوم الأحد 1/ 2/ 1432هـ
الملاحق
التفصيلية والزيادات وملاحق الرواة :
ملحق (1) بقية أحاديث
الدبيلة:
وهنا
سنوردها لطالب العلم صامتة دون كثير تخريج ولا استنباط.. والأصل كما قلنا هو حديث
حذيفة بن اليمان من رواية عمار بن ياسر عنه ( التي رواها الإمام مسلم في صحيحه)
وقد توسعنا في حديث حذيفة بما فيه الكفاية إن شاء الله.
1- حديث أبي الطفيل : وله في القصة حديثان، وأبو الطفيل عامر بن
وائلة من خواص السلف العتيق كعلي وعمار وحذيفة، ومعظم مادته في هذا الموضوع أخذها
من هؤلاء، وهو آخر الصحابة موتاً مات سنة 110هـ، وله حديثان: الأول : ذكره
للقصة، رواه الضياء في المختارة من طريق
عبيد الله بن موسى عن الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل، ورجاله
ثقات ( والسند متصل)/ والثاني: من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عنه (
وكاد أن يسميهم.. لولا امرأته سودة، ذكرت له حديث بني أمية ..
أما
الحديث الأول: ففيه سرد لقصة العقبة من روايته نفسه، وكنا قد
روينا روايته للقصة عن غيره كحذيفة وعمار، ، ففي الأحاديث المختارة للضياء المقدسي
- (ج 3 / ص 284) من طريق الطبراني سليمان بن أحمد الطبراني ثنا عبدالله بن محمد بن
العباس الأصفهاني ثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات ثنا عبيدالله بن موسى ثنا الوليد
بن عبدالله بن جميع عن أبي الطفيل قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة
تبوك فانتهى إلى عقبة فأمر مناديه فنادى لا يأخذن العقبة أحد فإن رسول الله صلى
الله عليه وسلم يأخذها فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير وحذيفة يقوده وعمار
يسوقه فأقبل رهط متلثمين على الرواحل حتى غشوا النبي صلى الله عليه وسلم فرجع عمار
فضرب وجوه الرواحل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لحذيفة ( قد قد ) فلحقه عمار
فقال ( سق سق ) حتى أناخ فقال لعمار ( هل تعرف القوم ) فقال لا كانوا متلثمين وقد
عرفت عامة الرواحل فقال ( أتدري ما أرادوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فيطرحوه
من العقبة ) فلما كان بعد ذلك نزع بين عمار وبين رجل منهم شيء مما يكون بين الناس
فقال أنشدك بالله كم أصحاب العقبة الذين أرادوا أن يمكروا برسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال ترى أنهم أربعة عشر فإن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر ويشهد عمار أن
منهم إثنى عشر حربا لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد اهـ قال المحقق
( ابن دهيش) : إسناده صحيح اهـ و لم يطبع فيما طبع من المعجم الكبير للطبراني،
ولا أستبعد أن يكون النواصب أتلفوا كثيراً من مسند حذيفة وأمثاله في المعجم
الكبير..
الحديث
الثاني عن أبي الطفيل : وفيه كاد أبو الطفيل
أن يسميهم، ففي مسند أحمد - (ج 39 / ص 212) حَدَّثَنَا
عَبْد اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي مِنْ كِتَابِهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
خَالِدٍ حَدَّثَنَا رَبَاحُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الطُّفَيْلِ
فَوَجَدْتُهُ طَيِّبَ النَّفْسِ فَقُلْتُ لَأَغْتَنِمَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ فَقُلْتُ
يَا أَبَا الطُّفَيْلِ النَّفَرُ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِهِمْ مَنْ هُمْ فَهَمَّ أَنْ يُخْبِرَنِي
بِهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ[64]!
مَهْ يَا أَبَا الطُّفَيْلِ أَمَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّمَا عَبْدٍ
مِنْ الْمُؤْمِنِينَ دَعَوْتُ عَلَيْهِ دَعْوَةً فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً
وَرَحْمَةً اهـ تعليق شعيب الأرنؤوط : صحيح لغيره وهذا إسناد قوي / وهو في المعجم
الأوسط للطبراني - (ج 5 / ص 355) بالسند نفسه/ وفي معرفة الصحابة لأبي نعيم
الأصبهاني - (ج 23 / ص 258) بالسند نفسه، وقال الهيثمي في المجمع في موضعين : رواه
أحمد ورجاله ثقات، ورواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
2- حديث أبي سعيد الخدري:
في مغازي الواقدي - (ج 1 / ص 1040) قَالَ
حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ كَانَ أَهْلُ
الْعَقَبَةِ الّذِينَ أَرَادُوا بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، قَدْ سَمّاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لِحُذَيْفَةَ وَعَمّارٍ رَحِمَهُمَا اللّهُ اهـ. قلت: ونقله الطبري الإمامي في المسترشد
بسنده ولفظه سواء.
3-
حديث أبي قتادة: ولكن فيها توجيه باتجاه منافقي الأنصار بزيادة
الحوار مع أسيد بن الحضير! وكأن هذه الزيادة يراد منها تثبيت ذلك في الأنصار.. وهي
قصة منفصلة على ما أرجح.. ففي المغازي للواقدي
207 - (1 / 1040) قَالَ حَدّثَنِي
عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخُو عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ
الْمَازِنِيّ عَنْ خَلّادِ بْنِ سُوَيْدٍ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ .. فذكر قصة
مشيهم ليلاً ثم ذكر روايات اعتراضية ثم عاد إلى
ذكر الحديث بصيغة الجمع ( قالوا) فلا أدري هل هو من حديث أبي قتادة كما فهم
الطبري في المسترشد أم أن القصة بإسناد آخر جمعي وهو الظاهر/ وفي المغازي
للواقدي 207 - (1 / 1042) بالإسناد الجمعي: قَالُوا : لَمّا كَانَ رَسُولُ
اللهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعْضِ الطّرِيقِ مَكَرَ بِهِ أُنَاسٌ مِنْ
الْمُنَافِقِينَ وَائْتَمَرُوا أَنْ يَطْرَحُوهُ مِنْ عَقَبَةٍ فِي الطّرِيقِ .
فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الْعَقَبَةَ أَرَادُوا
أَنْ يَسْلُكُوهَا مَعَهُ فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَبَرَهُمْ
فَقَالَ لِلنّاسِ اُسْلُكُوا بَطْنَ الْوَادِي ، فَإِنّهُ أَسْهَلُ لَكُمْ
وَأَوْسَعُ فَسَلَكَ النّاسُ بَطْنَ الْوَادِي وَسَلَكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله
عليه وسلم الْعَقَبَةَ ، وَأَمَرَ عَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَنْ يَأْخُذَ
بِزِمَامِ النّاقَةِ يَقُودُهَا ، وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَسُوقُ
مِنْ خَلْفِهِ ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَسِيرُ فِي
الْعَقَبَةِ إذْ سَمِعَ حِسّ الْقَوْمِ قَدْ غَشَوْهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صلى
الله عليه وسلم وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ أَنْ يَرُدّهُمْ فَرَجَعَ حُذَيْفَةُ
إلَيْهِمْ وَقَدْ رَأَوْا غَضَبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ
يَضْرِبُ وُجُوهَ رَوَاحِلِهِمْ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ، وَظَنّ الْقَوْمُ أَنّ
رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُطْلِعَ عَلَى مَكْرِهِمْ فَانْحَطّوا
مِنْ الْعَقَبَةِ مُسْرِعِينَ حَتّى خَالَطُوا النّاسَ وَأَقْبَلَ حُذَيْفَةُ
حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَاقَ بِهِ، فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه
وسلم مِنْ الْعَقَبَةِ نَزَلَ النّاسُ فَقَالَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَا
حُذَيْفَةُ هَلْ عَرَفْت أَحَدًا مِنْ الرّكْبِ الّذِينَ رَدَدْتهمْ ؟ قَالَ يَا
رَسُولَ اللهِ عَرَفْت رَاحِلَةَ فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ وَكَانَ الْقَوْمُ
مُتَلَثّمِينَ فَلَمْ أُبْصِرْهُمْ مِنْ أَجْلِ ظُلْمَةِ اللّيْلِ، وَكَانُوا قَدْ
أَنْفَرُوا بِالنّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَسَقَطَ بَعْضُ مَتَاعِ رَحْلِهِ فَكَانَ
حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَسْلَمِيّ يَقُولُ فَنُوّرَ لِي فِي أَصَابِعِي
الْخَمْسِ فَأُضِئْنَ حَتّى كُنّا نَجْمَعُ مَا سَقَطَ مِنْ السّوْطِ وَالْحَبْلِ
وَأَشْبَاهِهِمَا ، حَتّى مَا بَقِيَ مِنْ الْمَتَاعِ شَيْءٌإِلاَّجَمَعْنَاهُ .
وَكَانَ لَحِقَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَقَبَةِ، فَلَمّا أَصْبَحَ
قَالَ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ : يَا رَسُولَ اللهِ مَا مَنَعَك
الْبَارِحَةَ مِنْ سُلُوكِ الْوَادِي، فَقَدْ كَانَ أَسْهَلَ مِنْ الْعَقَبَةِ ؟
قَالَ يَا أَبَا يَحْيَى ، أَتَدْرِي مَا أَرَادَ الْبَارِحَةَ الْمُنَافِقُونَ
وَمَا اهْتَمّوا بِهِ ؟ قَالُوا : نَتْبَعُهُ فِي الْعَقَبَةِ ، فَإِذَا أَظْلَمَ
اللّيْلُ عَلَيْهِ قَطَعُوا أَنْسَاعَ رَاحِلَتِي وَنَخَسُوهَا حَتّى يَطْرَحُونِي
مِنْ رَاحِلَتِي، فَقَالَ أُسَيْدٌ
يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْ اجْتَمَعَ النّاسُ وَنَزَلُوا، فَمُرْ كُلّ بَطْنٍ أَنْ
يَقْتُلَ الرّجُلَ الّذِي هَمّ بِهَذَا، فَيَكُونُ الرّجُلُ مِنْ عَشِيرَتِهِ هُوَ
الّذِي يَقْتُلُهُ وَإِنْ أَحْبَبْت، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ فَنَبّئْنِي
بِهِمْ فَلاَ تَبْرَحُ حَتّى آتِيَكُمْ بِرُؤُوسِهِمْ وَإِنْ كَانُوا فِي
النّبِيتِ فَكَفَيْتُكَهُمْ وَأَمَرْت سَيّدَ الْخَزْرَجِ فَكَفَاك مَنْ فِي
نَاحِيَتِهِ فَإِنّ مِثْلَ هَؤُلاَءِ يُتْرَكُونَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ حَتّى مَتَى
نُدَاهِنُهُمْ وَقَدْ صَارُوا الْيَوْمَ فِي الْقِلّةِ وَالذّلّةِ وَضَرَبَ
الْإِسْلاَمُ بِجِرَانِهِ فَمَا يُسْتَبْقَى مِنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ رَسُولُ اللهِ
صلى الله عليه وسلم لِأُسَيْدٍ إنّي أَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ النّاسُ إنّ مُحَمّدًا
لَمّا انْقَضَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَضَعَ يَدَهُ فِي
قَتْلِ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللهِ فَهَؤُلاَءِ لَيْسُوا بِأَصْحَابٍ! قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ شَهَادَةَ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاّ َاللّهُ ؟ قَالَ بَلَى ،
وَلاَ شَهَادَةَ لَهُمْ ، قَالَ أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ أَنّي رَسُولُ اللهِ ؟ قَالَ
بَلَى ، وَلاَ شَهَادَةَ لَهُمْ، قَالَ
فَقَدْ نُهِيت عَنْ قَتْلِ أُولَئِكَ اهـ / في إمتاع الأسماع للمقريزي ( 2 / 94 ) –
وهذه كأنها في ثنية هرشى بعد غدير خم- قال : كيد المنافقين بإلقاء رسول الله صلى الله
عليه وسلم من الثنية (!) ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق مكر
به أناس من المنافقين ، وائتمروا أن يطرحوه من عقبة ، فلما بلغ تلك العقبة أرادوا
أن يسلكوها معه فأخبر خبرهم ، فقال للناس ( 1 ) : اسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم
وأوسع ، فسلك الناس بطن الوادي . وسلك صلى الله عليه وسلم العقبة ، وأمر عمار بن
ياسر أن يأخذ بزمام الناقة يقودها ، وأمر حذيقة بن اليمان يسوق خلفه ، فبينا رسول
الله صلى الله عليه وسلم يسير في العقبة ، إذ سمع حس القوم قد غشوه فغضب وأمر
حذيفة أن يردهم ، فرجع إليهم فجعل يضرب وجوه رواحلهم بمحجن في يده ، فانحطوا من
العقبة ونزل الناس قال : يا حذيفة ، هل عرفت أحدا من الركب الذين رددتهم ؟ قال :
يا رسول الله ، عرفت راحلة فلان وفلان ، وكان القوم متلثمين فلم أعرفهم من أجل
ظلمة الليل . التقاط ما سقط من المتاع وكانوا قد انفروا برسول الله صلى الله عليه
وسلم فسقط بعض متاع رحله ، فكان حمزة ابن
عمرو الأسلمي يقول : فنور لي في أصابعي الخمس ، فأضاءت حتى كنا نجمع ما سقط ،
السوط والحبل وأشباهما ، حتى ما بقي من المتاع شئ إلا جمعناه . وكان [ حمزة بن
عمرو الأسلمي قد لحق برسول الله (ص) بالعقبة) اهـ
4- حديث جابر بن عبد الله:
مغازي الواقدي - (ج 1 / ص 1045) : قَالَ حَدّثَنِي
ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ تَنَازَعَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ
وَرَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ فَاسْتَبّا ، فَلَمّا كَادَ الرّجُلُ
يَعْلُو عَمّارًا فِي السّبَابِ قَالَ عَمّارٌ كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ ؟
قَالَ اللّهُ أَعْلَمُ ، قَالَ
أَخْبِرْنِي عَنْ عِلْمِكُمْ بِهِمْ فَسَكَتَ الرّجُلُ، فَقَالَ مَنْ حَضَرَ
بَيّنِ لِصَاحِبِك مَا سَأَلَك عَنْهُ؟ وَإِنّمَا يُرِيدُ عَمّارٌ شَيْئًا قَدْ
خَفِيَ عَلَيْهِمْ، فَكَرِهَ الرّجُلُ أَنْ يُحَدّثَهُ وَأَقْبَلَ
الْقَوْمُ عَلَى الرّجُلِ فَقَالَ الرّجُلُ كُنّا نَتَحَدّثُ أَنّهُمْ كَانُوا
أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا . قَالَ عَمّارٌ فَإِنّك إنْ كُنْت مِنْهُمْ فَهُمْ
خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَقَالَ الرّجُلُ مَهْلًا ، أَذَكّرَك اللّهُ
أَنْ تَفْضَحَنِي، فَقَالَ عَمّارٌ
وَاَللّهِ مَا سَمّيْت أَحَدًا، وَلَكِنّي أَشْهَدُ أَنّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ
رَجُلًا ، اثْنَا عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ
الدّنْيَا ; وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ . يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ
مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ اهـ
وهو عند الطبراني بذكر وديعة بن ثابت، وهذا ليس في الواقدي، وفي المسترشد للطبري الإمامي عن الواقدي بسنده
ولفظه سواء، مما يدل على أن سند الطبراني هو الذي فيه الخلل ( من تسمية وديعة بن
ثابت) ولا أستبعد أن يكون زيادة ثابت بن وديعة ( وهو بدري) زيادة شامية ناصبية،
فالصواب أن المتخاصم مع عمار هو أبو موسى الأشعري.. لكن أصحاب الأهواء الشامية
يكبر عليهم اتهام أبي موسى ويسهل عندهم اتهام أحد البدريين مكانه.. وتبين هنا أن الشيعي الإمامي أصدق في النقل عن
مغازي الواقدي من الحنبلي السلفي..
5- حديث علي: شرح نهج البلاغة
- (20 / 298)
قال
له قائل : يا أمير المؤمنين ، أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ترك ولدا
ذكرا قد بلغ الحلم ، وآنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟
قال : لا ، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت ،
أن العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وسلم وحسدته على ما آتاه الله من فضله ،
واستطالت أيامه حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته ، مع عظيم إحسانه إليها ،
وجسيم مننه عندها ، وأجمعت مذ كان حيا على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته ، ولولا
أن قريشا جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة ، وسلما إلى العز والإمرة ، لما عبدت الله
بعد موته يوما واحدا، ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا ، وبازلها بكرا ، ثم
فتح الله عليها الفتوح ، فأثرت بعد الفاقة ، وتمولت بعد الجهد والمخمصة ، فحسن في
عيونها من الاسلام ما كان سمجا ، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطربا ،
وقالت : لو لا إنه حق لما كان كذا ، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن
تدبير الامراء القائمين بها ، فتأكد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنا
نحن ممن خمل ذكره ، وخبت ناره ، وانقطع صوته وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب
، ومضت السنون والاحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف
... الخ ـ
وقوله:
ونفرت به ناقته.. موجه لقريش كما هو ظاهر من سياق الكلام كله..
وللإمام
علي أقوال كثيرة من قرائن هذا الموضوع
تركت ذكرها للاختصار.
6- حديث عقيل بن أبي طالب
في كتاب الغارات للثقفي ( هو محدث زيدي قديم ثقة
في النقل) ولكن لأنه كان زيدياً وكان الاصطفاف في زمنه كان واضحاً بين إمامية
وسلفية فقد أهمل الناس كتابه ولم يتنبه
الباحثون لكتابه إلا في زمن متأخر، فلذلك تم إهمال كثير من رجاله وأسانيده ، ولا
نعرف كثيراً منهم إلا أن من قرأ كتابه علم أنه كان محدثاً كبيراً ومؤرخاً لا
يستهان بالمادة التي قدمها، ومن تلك
الروايات رواية عقيل بن أبي طالب ولم أجدها إلا عنده، وسأذكرها مع ترك التوسع في
البحث عن الرجال:
ففي كتاب الغارات:
حدثنا محمد قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا
إبراهيم[65]،
قال : وأخبرني يوسف بن كليب المسعودي[66]
قال : حدثنا الحسن بن حماد الطائي[67] عن عبد الصمد البارقي[68]
عن جعفر بن علي بن الحسين [69]عليهما
السلام قال : قدم عقيل على علي - عليه السلام - وهو جالس في صحن مسجد الكوفة - فذكر القصة ثم ارتحاله إلى معاوية ، وفيها:
فقال له معاوية : أخبرني عن العسكرين؟ قال : مررت
بعسكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فإذا ليل كليل النبي صلى الله
عليه وآله ونهار كنهار النبي إلا أن رسول الله صلى الله عليه وآله ليس في القوم ،
ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر برسول الله - صلى الله عليه وآله
وسلم - ليلة العقبة اهـ .
قلت:
كان من هؤلاء معاوية وعمرو بن العاص (في قول) وأبو الأعور السلمي وعتبة بن أبي
سفيان ( ثالث الثلاثة) وغيرهم.. وهذا الحدث فيما يخص هؤلاء والأسماء التي ذكرها
بعض المؤرخين في معارضة هذه الأسماء سنتوسع فيها في السيرة النبوية ( مبحث: العقبة
وهرشى وأهل العقدة) وبحثنا هنا هو عن معاوية فقط، وهل كان ممن حاول اغتيال النبي
(ص) أم لا؟ وجاء ذكر أبي موسى وأبي سفيان عرضاً، وأما بقية الأسماء كأبي الأعور
السلمي وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وغيرهم من بقية الأربعة عشر أوأكثر من
أحلاف معاوية وأبي سفيان وبني أمية من قريش ومن حلفائهم من منافقي الأنصار فهذا له
مبحث في السيرة وليس في معاوية.
وأخيراً:
وتركت
بعض الروايات..مثل رواية حمزة بن عمرو الأسلمي..
وبعض
الأقوال للحسن بن علي.. وقد سبق بعضها..
وحديث
عمار في خصومته مع أبي موسى وقد سبق بعضه[70]..
المراسيل
:
1- رواية عروة بن الزبير ( 94هـ).
قال البيهقي في دلائل النبوة: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال أخبرنا أبو
جعفر البغدادي حدثنا أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة عن
أبي الأسود عن عروة قال :
ورجع رسول الله قافلاً من تبوك إلى المدينة حتى
إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله ناس من أصحابه فتآمروا عليه أن يطرحوه في عقبة
في الطريق فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فلما غشيهم رسول الله أخبر
خبرهم فقال من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم وأخذ النبي العقبة وأخذ
الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله لما سمعوا بذلك استعدوا
وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم وأمر رسول الله حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر فمشيا
معه مشياً وأمر عماراً أن يأخذ بزمام الناقة وأمر حذيفة أن يسوقها فبينا هم يسيرون
إذ سمعوا بالقوم من ورائهم قد غشوهم فغضب رسول الله وأمر حذيفة أن يردهم وأبصر
حذيفة غضب رسول الله فرجع ومعه محجن فأستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضرباً بالمحجن
وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعر إنما ذلك فعل المسافر فرعبهم الله عز وجل حين
أبصروا حذيفة وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة
حتى أدرك رسول الله فلما أدركه قال أضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار
فأسرعوا حتى استوى بأعلاها فخرجوا من العقبة ينتظرون الناس فقال النبي لحذيفة هل
عرفت يا حذيفة من هؤلاء الرهط أو الركب أو أحداً منهم ? قال حذيفة عرفت راحلة فلان
وفلان وقال كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون فقال هل علمتم ما كان شأن الركب
وما أرادوا ? قالوا لا والله يا رسول الله قال فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا
أظلمت في العقبة طرحوني منها قالوا أفلا تأمر بهم به يا رسول الله إذا جاءك الناس
فتضرب أعناقهم ? قال أكره أن يتحدث الناس ويقولوا إن محمداً قد وضع يده في أصحابه
فسماهم لهما وقال اكتماهم اهـ ، والقصة عن
عروة في السنن الكبرى للبيهقي - (ج 9 / ص 33) والخصائص الكبرى - (1 / 465) وهو عند
ابن كثير من طريق ابن لهيعة عن يتيم عروة عن عروة .. وهي الطريق المعتمدة عن يتيم
عروة.
2- رواية الضحاك بن مزاحم[71]
في أسباب النزول للواحدي (1 / 242) قال
الضحاك: هموا أن يدفعوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة وكانوا قومًا قد
أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهم معه، يلتمسون غرته حتى
أخذ في عقبة، فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك كان ليلا قالوا: إذا أخذ في
العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، وكان قائده في تلك الليلة عمار بن ياسر وسائقه
حُذيفة فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل، فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين، فقال: إليكم
إليكم يا أعداء الله؛ فأمسكوا، ومضى النبيّ عليه الصلاة والسلام حتى نزل منزله
الذي أراد، فأَنزل الله تعالى قوله: { وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } اهـ
التعليق:
وهذا اللفظ قريب من لفظ إسحاق بن راهويه المبتور
الإسناد ( كما في تفسير ابن أبي حاتم - (ج
7 / ص 340) فقد روى ابن أبي حاتم من طريق إسحاق بن راهويه حدثنا محمد... ثم سقط
الإسناد من المطبوع وذكر مثل هذه الرواية، فلعلها عن الضحاك.
3- رواية الزهري ( 124هـ):
مغازي
الواقدي - (ج 1 / ص 1045) : قَالَ
حَدّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزّهْرِيّ . قَالَ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأُوحِيَ إلَيْهِ وَرَاحِلَتُهُ
بَارِكَةٌ فَقَامَتْ رَاحِلَتُهُ تَجُرّ زِمَامَهَا حَتّى لَقِيَهَا حُذَيْفَةُ
بْنُ الْيَمَانِ فَأَخَذَ بِزِمَامِهَا فَاقْتَادَهَا حِينَ رَأَى رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسًا . فَأَنَاخَهَا ثُمّ جَلَسَ عِنْدَهَا
حَتّى قَامَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَتَاهُ فَقَالَ مَنْ
هَذَا ؟ قَالَ . أَنَا حُذَيْفَةُ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . فَإِنّي مُسِرّ إلَيْك أَمْرًا فَلَا تَذْكُرَنّهُ إنّي نُهِيت أَنْ
أُصَلّيَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانٍ - رَهْطٌ . عِدّةٌ مِنْ
الْمُنَافِقِينَ - وَلَا يُعْلِمُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
ذِكْرَهُمْ لِأَحَدٍ غَيْرَ حُذَيْفَةَ .
فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي
خِلَافَتِهِ إذَا مَاتَ رَجُلٌ مِمّنْ يَظُنّ أَنّهُ مِنْ أُولَئِكَ الرّهْطِ
أَخَذَ بِيَدِ حُذَيْفَةَ فَقَادَهُ إلَى الصّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ مَشَى مَعَهُ
حُذَيْفَةُ صَلّى عَلَيْهِ عُمَرُ وَإِنْ انْتَزَعَ يَدَهُ وَأَبَى أَنْ يَمْشِيَ
انْصَرَفَ مَعَهُ اهـ والرواية تماماً
في المسترشد للطبري الإمامي:
فائدة:
إذا نقل الشيعة أو المعتزلة من كتب السنة فهم يصدقون في النقل، إنما خلاف السنة
معهم في أسانيدهم وأحاديثهم التي لا يوردها أهل السنة فهنا ممكن أن نقول إننا نجهل
تلك المصادر وتلك الأحاديث، لكن إن وجدنا رواية للواقدي أو البلاذري أو المدائني
أو ابن إسحاق في كتب الشيعة ثم لا نجدها في المطبوع من كتبهم فهذا يعني أنهم حفظوا
لما بعض المفقود من كتب وروايات هؤلاء، ولا يزيدون فيه حرفاً ولا ينقصون مثلهم مثل
السنة تماماً.. إلا إذا اكتشفنا كذاباً فيهم يزيد في الرواية أو ينسب لأهل السنة
فهذا ممكن كما نكتشفه في أوساط أهل السنة أيضاً...
4- رواية طاوس بن كيسان:
في تفسير البغوي - (ج 4 / ص 69) { قُلِ
اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ } مظهر { مَا تَحْذَرُونَ } قال ابن كيسان: نزلت
هذه الآية في اثني عشر رجلا من المنافقين، وقفوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
على العقبة لما رجع من غزوة تبوك ليفتكوا به إذا علاها، ومعهم رجل مسلم يخفيهم
شأنه، وتنكروا له في ليلة مظلمة، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم
بما قدَّروا، وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم، وعمار بن ياسر يقود برسول
الله صلى الله عليه وسلم راحلته، وحذيفة يسوق به، فقال لحذيفة: اضرب وجوه رواحلهم
فضربها حتى نحاها، فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحذيفة: من عرفت من
القوم؟ قال: لم أعرف منهم أحدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإنهم
فلان وفلان حتى عدَّهم كلهم، فقال حذيفة: ألا تبعث إليهم فتقتلهم؟ فقال: أكره أن
تقول العرب. لما ظفر بأصحابه أقبل يقتلهم، بل يكفيناهم الله
بالدُّبَيْلَة" اهـ ثم ذكر حديث قيس بن عباد عن عمار... وقد ذكرناه في الأصل،
وهو أصل الحديث.
5- [ رواية ابن إسحاق ( 151هـ)
قال
البيهقي في دلائل النبوة: وأخبرنا
محمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال حدثنا أحمد بن
عبد الجبار حدثنا يونس عن ابن إسحاق قال:
فلما بلغ رسول الله الثنية نادى منادي رسول الله ( أن خذوا بطن الوادي فهو
أوسع عليكم فإن رسول الله قد أخذ الثنية فذكر الحديث في مكر المنافقين بنحو مما
ذكرنا في رواية عروة إلى قوله لحذيفة هل عرفت من القوم أحداً ? فقال لا ولكني أعرف
رواحلهم فقال له رسول الله إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم
إن شاء الله عند وجه الصبح فإنطلق إذا أصبحت فأجمعهم فلما أصبح قال أدع :
عبد
الله أظنه ابن سعد بن أبي سرح وفي الأصل عبد الله بن أبي وسعد بن أبي سرح إلا أن
ابن إسحاق - ذكر قبل هذا أن ابن أبي تخلف في غزوة تبوك ولا أدري كيف هذا[72]؟- قال ابن إسحاق وأبا حاضر الأعرابي/ وعامراً / وأبي عامر / والجلاس ابن سويد بن الصامت: وهو الذي قال لا
ننتهي حتى نرمي محمداً من العقبة الليلة ولئن كان محمد وأصحابه خيراً منا إنا إذا
لغنم وهو الراعي ولا عقل لنا وهو العاقل،
وأمره أن يدعو مجمع بن جارية ، وفليح التيمي وهو الذي سرق طيب الكعبة وارتد
عن الإسلام فإنطلق هارباً في الأرض فلا يدري ابن ذهب، وأمره أن يدعو حصين بن نمير الذي أغار على تمر
الصدقة فسرقه فقال له رسول الله ويحك ما حملك على هذا ? قال حملني عليه أني ظننت
أن الله لم يطلعك عليه فأما إذ أطلعك الله عليه وعلمته فإني اشهد اليوم أنك رسول
الله وإني لم أؤمن بك قط قبل الساعة يقيناً فأقاله رسول الله عثرته وعفا عنه بقوله
الذي قال، وأمره أن يدعو طعمة بن أبيرق
وعبد الله بن عيينة وهو الذي قال لأصحابه اشهدوا هذه الليلة تسلموا الدهر كله
فوالله ما لكم أمر دون أن تقتلوا هذا الرجل فدعاه رسول الله فقال ويحك ما كان
ينفعك من قتلي لو أني قتلت فقال عدو الله يا نبي الله والله لا تزال بخير ما أعطاك
الله النصر على عدوك إنما نحن بالله وبك فتركه رسول الله، وقال لحذيفة أدع مرة بن ربيع وهو الذي ضرب بيده
على عاتق عبد الله بن أبي ثم قال تمطى والنعيم لنا من بعده كائن نقتل الواحد
المفرد فيكون الناس عامةً بقتله مطمئنين فدعاه رسول الله فقال له ويحك ما حملك على
أن تقول الذي قلت ? فقال يا رسول الله إن كنت قلت شيئاً من ذلك إنك لعالم به وما قلت
شيئاً من ذلك ، فجمعهم رسول الله وهم اثنا عشر رجلاً الذين حاربوا الله ورسوله
وأرادوا قتله فأخبرهم رسول الله بقولهم ومنطقهم وسرهم وعلانيتهم وأطلع الله عز وجل
نبيه على ذلك بعلمه ومات الاثنا عشر منافقين محاربين لله تعالى ورسوله وذلك قول
الله عز وجل وهموا بما لم ينالوا
وكان أبو عامر رأسهم وله بنوا مسجد
الضرار وهو الذي كان يقال له الراهب فسماه رسول الله الفاسق وهو أبو حنظلة غسيل
الملائكة فأرسلوا إليه فقدم عليهم أخزاه الله وإياهم وانهارت تلك البقعة في نار
جهنم ، وقال مجمع حين بنى المسجد إن هذا المسجد إذا بنيناه اتخذناه لسرنا ونجوانا
ولا يزاحمنا فيه أحد فنذكر ما شئنا ونخيل إلى أصحاب محمد إنما نريد الإحسان اهـ
التعليق:
وقائمة ابن إسحاق هنا غير قائمة الزبير بن
بكار..وهي ضد رواية نافع بن جبير بن مطعم التي برأت قريشاً فهذه الرواية فيها
قرشيون... ولكن فيها خلط بين خلية مسجد الضرار وقصة العقبة.. وهي مخالفة لحديث
عمار وسياقه وتعريضه.. وكذلك ما يخص أبا موسى، لكن إذا كان أبو عامر رأسهم ( من
حيث القيادة غير الحاضرة) فأبو سفيان رأسهم أيضاً لأنهما حليفان أساسيان.. ولهم
يسمع منافقو قريش والأنصار وبقايا اليهود.. فالتاريخ تأثر بالسلطة بلا شك..
والدليل هذا الاضطراب والتناقض ثم لن يقدم مجموعة من المعمورين بهذه المغامرة،
لابد أن تكون الدوافع قوية .. واسألوا علماء الجريمة!
نقد ابن القيم لرواية ابن إسحاق وروايته لها كاملة :
زاد
المعاد في هدي خير العباد - (3 / 477): فَصْلٌ
فِي رُجُوعِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تَبُوكَ وَمَا هَمّ
الْمُنَافِقُونَ بِهِ مِنْ الْكَيْدِ بِهِ وَعِصْمَةُ اللّهِ إيّاهُ
ذَكَرَ
أَبُو الْأُسُودِ فِي " مَغَازِيهِ " عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: - فسرد رواية
عروة – ثم قال :
وَقَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ إنّ اللّهَ قَدْ أَخْبَرَنِي بِأَسْمَائِهِمْ
وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ وَسَأُخْبِرُك بِهِمْ إنْ شَاءَ اللّهُ غَدًا عِنْدَ
وَجْهِ الصّبْحِ فَانْطَلِقْ حَتّى إذَا أَصْبَحْتُ فَاجْمَعْهُمْ
فَلَمّا أَصْبَحَ قَالَ اُدْعُ : عَبْدَ اللّهِ
بْنَ أُبَيّ / وَسَعْدَ بْنَ أَبِي سَرْحٍ / وَأَبَا خَاطِرٍ الْأَعْرَابِيّ /
وَعَامِرًا / وَأَبَا عَامِرٍ / وَالْجُلَاسَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ وَهُوَ
الّذِي قَالَ لَا نَنْتَهِي حَتّى نَرْمِيَ مُحَمّدًا مِنْ الْعَقَبَةِ اللّيْلَةَ
وَإِنْ كَانَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ خَيْرًا مِنّا إنّا إذًا لَغَنَمٌ وَهُوَ
الرّاعِي وَلَا عَقْلَ لَنَا وَهُوَ الْعَاقِلُ
/ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ مُجَمّعَ بْنَ حَارِثَةَ / وَمُلَيْحًا
التّيْمِيّ وَهُوَ الّذِي سَرَقَ طِيبَ الْكَعْبَةِ وَارْتَدّ عَنْ الْإِسْلَامِ
وَانْطَلَقَ هَارِبًا فِي الْأَرْضِ فَلَا يُدْرَى أَيْنَ ذَهَبَ / وَأَمَرَهُ
أَنْ يَدْعُوَ حِصْنَ بْنَ نُمَيْرٍ الّذِي أَغَارَ عَلَى تَمْرِ الصّدَقَةِ
فَسَرَقَهُ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْحَكَ
مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا ؟ فَقَالَ حَمَلَنِي عَلَيْهِ أَنّي ظَنَنْتُ أَنّ
اللّهَ لَا يُطْلِعُك عَلَيْهِ فَأَمّا إذَا أَطْلَعَك اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلِمْته
فَأَنَا أَشْهَدُ الْيَوْمَ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَإِنّي لَمْ أُؤْمِنْ بِك قَطّ
قَبْلَ هَذِهِ السّاعَةِ فَأَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَثْرَتَهُ وَعَفَا عَنْهُ / وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ طُعَيْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ
وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عُيَيْنَةَ وَهُوَ الّذِي قَالَ لِأَصْحَابِهِ اسْهَرُوا
هَذِهِ اللّيْلَةَ تَسْلَمُوا الدّهْرَ كُلّهُ فَوَاَللّهِ مَا لَكَمَ أَمْرٌ
دُونَ أَنْ تَقْتُلُوا هَذَا الرّجُلَ فَدَعَاهُ [ ص 479 ] فَقَالَ وَيْحَكَ مَا
كَانَ يَنْفَعُكَ مِنْ قَتْلِي لَوْ أَنّي قُتِلْتُ ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ
فَوَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا نَزَالُ بِخَيْرِ مَا أَعْطَاك اللّهُ
النّصْرَ عَلَى عَدُوّك إنّمَا نَحْنُ بِاَللّهِ وَبِك فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ / وَقَالَ اُدْعُ مُرّةَ بْنَ الرّبِيعِ وَهُوَ
الّذِي قَالَ نَقْتُلُ الْوَاحِدَ الْفَرْدَ فَيَكُونُ النّاسُ عَامّةً بِقَتْلِهِ
مُطْمَئِنّينَ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
وَيْحَكَ مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ الّذِي قُلْت ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللّهِ إنْ كُنْتُ قُلْتُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إنّك لَعَالِمٌ بِهِ وَمَا قُلْتُ
شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا الّذِينَ حَارَبُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَأَرَادُوا
قَتْلَهُ فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِقَوْلِهِمْ وَمَنْطِقِهِمْ وَسِرّهِمْ وَعَلَانِيَتِهِمْ وَأَطْلَعَ اللّهُ
سُبْحَانَهُ نَبِيّهُ عَلَى ذَلِكَ بِعِلْمِهِ وَمَاتَ الِاثْنَا عَشَرَ
مُنَافِقِينَ مُحَارِبِينَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزّ وَجَلّ {
وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } [ التّوْبَةُ 74 ]
وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ رَأْسَهُمْ وَلَهُ
بَنَوْا مَسْجِدَ الضّرَارِ وَهُوَ الّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ الرّاهِبُ فَسَمّاهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَاسِقَ وَهُوَ أَبُو
حَنْظَلَةَ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ
فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَخْزَاهُ اللّهُ وَإِيّاهُمْ فَانْهَارَتْ تِلْكَ
الْبُقْعَةُ فِي نَارِ جَهَنّمَ اهـ .
ثم قال : فَصْلٌ [ بَيَانُ وَهْمِ ابْنِ إسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ
هَذِهِ ]
قُلْت
– ابن القيم - : وَفِي سِيَاقِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَهُمْ مِنْ وُجُوهٍ
أَحَدُهَا :
أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَسَرّ إلَى حُذَيْفَةَ أَسْمَاءَ أُولَئِكَ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يُطْلِعْ
عَلَيْهِمْ أَحَدًا غَيْرَهُ وَبِذَلِكَ كَانَ يُقَالُ لِحُذَيْفَةَ إنّهُ صَاحِبُ
السّرّ الّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ وَلَا غَيْرُهُ
يَعْلَمُ أَسْمَاءَهُمْ وَكَانَ إذَا مَاتَ الرّجُلُ وَشَكّوا فِيهِ يَقُولُ
عُمَرُ اُنْظُرُوا فَإِنْ صَلّى عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ وَإِلّا فَهُوَ مُنَافِقٌ
مِنْهُمْ
الثّانِي
: مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ فِيهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ وَهُوَ
وَهْمٌ ظَاهِرٌ وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ نَفْسُهُ أَنّ عَبْدَ اللّهِ
بْنَ أُبَيّ تَخَلّفَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ .
الثّالِثُ
أَنّ قَوْلَهُ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَهْمٌ أَيْضًا وَخَطَأٌ ظَاهِرٌ
فَإِنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي سَرْحٍ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ إسْلَامٌ الْبَتّةَ وَإِنّمَا
ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ ثُمّ ارْتَدّ وَلَحِقَ
بِمَكّةَ حَتّى اسْتَأْمَنَ لَهُ عُثْمَانُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَمّنَهُ وَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَلَمْ
يَظْهَرْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَ
هَؤُلَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَتّةَ فَمَا أَدْرِي مَا هَذَا الْخَطَأُ
الْفَاحِشُ .
الرّابِعُ
قَوْلُهُ وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ رَأْسَهُمْ وَهَذَا وَهْمٌ ظَاهِرٌ لَا
يَخْفَى عَلَى مَنْ دُونَ ابْنِ إسْحَاقَ بَلْ هُوَ نَفْسُهُ قَدْ ذَكَرَ قِصّةَ
أَبِي عَامِرٍ هَذَا فِي قِصّةِ الْهِجْرَةِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ أَنّ أَبَا عَامِرٍ لَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ إلَى مَكّةَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَلَمّا
افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ خَرَجَ إلَى
الطّائِفِ فَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ خَرَجَ إلَى الشّامِ فَمَاتَ بِهَا
طَرِيدًا وَحِيدًا غَرِيبًا فَأَيْنَ كَانَ الْفَاسِقُ وَغَزْوَةُ تَبُوكَ
ذَهَابًا وَإِيَابًا اهـ .
ولي
تعليق على ابن القيم يطول..ولا أستبعد أن يكون قد أكملوا مكان اسم معاوية وأبي
سفيان وأمثالهم بآخرين لم يشهدوا تبوك كعبد الله بن أبي ومرارة بن الربيع أو لا يعرف لهم إسلام كسعد بن أبي سرح .. الخ
وللزبير بن بكار قائمة تختلف جذرياً عن هذه، فليس فيها قرشي قط! بينما رواية ابن
إسحاق فيها قرشيون، وأنا لا أرى أكثر هذه الأسماء، نعم قد يكون أكثرهم منافقين
ولكن في مناسبات أخرى، وقد كررهم أهل الحديث والتاريخ والسير حتى كأن هذا الحشد
القرآني في المنافقين إنما في حق بضعة عشر منافقاً!!.... استيقظوا...!
سياق الواقدي:
في مغازي الواقدي - (ج 1 / ص 1040):
قَالُوا
: لَمّا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ مَكَرَ
بِهِ أُنَاسٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَائْتَمَرُوا أَنْ يَطْرَحُوهُ مِنْ عَقَبَةٍ
فِي الطّرِيقِ . فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ تِلْكَ الْعَقَبَةَ أَرَادُوا أَنْ يَسْلُكُوهَا مَعَهُ فَأُخْبِرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرَهُمْ فَقَالَ لِلنّاسِ
اُسْلُكُوا بَطْنَ الْوَادِي ، فَإِنّهُ أَسْهَلُ لَكُمْ وَأَوْسَعُ فَسَلَكَ
النّاسُ بَطْنَ الْوَادِي وَسَلَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْعَقَبَةَ ، وَأَمَرَ عَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ أَنْ يَأْخُذَ بِزِمَامِ النّاقَةِ
يَقُودُهَا ، وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَسُوقُ مِنْ خَلْفِهِ .
فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسِيرُ فِي الْعَقَبَةِ
إذْ سَمِعَ حِسّ الْقَوْمِ قَدْ غَشَوْهُ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمَرَ حُذَيْفَةَ أَنْ يَرُدّهُمْ فَرَجَعَ حُذَيْفَةُ
إلَيْهِمْ وَقَدْ رَأَوْا غَضَبَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَجَعَلَ يَضْرِبُ وُجُوهَ رَوَاحِلِهِمْ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ . وَظَنّ
الْقَوْمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أُطْلِعَ
عَلَى مَكْرِهِمْ فَانْحَطّوا مِنْ الْعَقَبَةِ مُسْرِعِينَ حَتّى خَالَطُوا
النّاسَ وَأَقْبَلَ حُذَيْفَةُ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ [ ص 1043 ] صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَاقَ بِهِ . فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْعَقَبَةِ نَزَلَ النّاسُ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا حُذَيْفَةُ هَلْ عَرَفْت أَحَدًا مِنْ الرّكْبِ
الّذِينَ رَدَدْتهمْ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ عَرَفْت رَاحِلَةَ فُلَانٍ
وَفُلَانٍ وَكَانَ الْقَوْمُ مُتَلَثّمِينَ فَلَمْ أُبْصِرْهُمْ مِنْ أَجْلِ
ظُلْمَةِ اللّيْلِ .
وَكَانُوا
قَدْ أَنْفَرُوا بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَقَطَ بَعْضُ
مَتَاعِ رَحْلِهِ فَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيّ يَقُولُ
فَنُوّرَ لِي فِي أَصَابِعِي الْخَمْسِ فَأُضِئْنَ حَتّى كُنّا نَجْمَعُ مَا
سَقَطَ مِنْ السّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِمَا ، حَتّى مَا بَقِيَ مِنْ
الْمَتَاعِ شَيْءٌ إلّا جَمَعْنَاهُ . وَكَانَ لَحِقَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَقَبَةِ .
فَلَمّا
أَصْبَحَ قَالَ لَهُ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا مَنَعَك
الْبَارِحَةَ مِنْ سُلُوكِ الْوَادِي؟ فَقَدْ كَانَ أَسْهَلَ مِنْ الْعَقَبَةِ ؟
قَالَ يَا أَبَا يَحْيَى ، أَتَدْرِي مَا أَرَادَ الْبَارِحَةَ الْمُنَافِقُونَ
وَمَا اهْتَمّوا بِهِ ؟ قَالُوا : نَتْبَعُهُ فِي الْعَقَبَةِ ، فَإِذَا أَظْلَمَ
اللّيْلُ عَلَيْهِ قَطَعُوا أَنْسَاعَ رَاحِلَتِي وَنَخَسُوهَا حَتّى يَطْرَحُونِي
مِنْ رَاحِلَتِي!
فَقَالَ أُسَيْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَدْ
اجْتَمَعَ النّاسُ وَنَزَلُوا ، فَمُرْ كُلّ بَطْنٍ أَنْ يَقْتُلَ الرّجُلَ الّذِي
هَمّ بِهَذَا ، فَيَكُونُ الرّجُلُ مِنْ عَشِيرَتِهِ هُوَ الّذِي يَقْتُلُهُ
وَإِنْ أَحْبَبْت ، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ فَنَبّئْنِي بِهِمْ فَلَا
تَبْرَحُ حَتّى آتِيَكُمْ بِرُءُوسِهِمْ وَإِنْ كَانُوا فِي النّبِيتِ
فَكَفَيْتُكَهُمْ وَأَمَرْت سَيّدَ الْخَزْرَجِ فَكَفَاك مَنْ فِي نَاحِيَتِهِ
فَإِنّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ يُتْرَكُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ حَتّى مَتَى
نُدَاهِنُهُمْ وَقَدْ صَارُوا الْيَوْمَ فِي الْقِلّةِ وَالذّلّةِ وَضَرَبَ
الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ فَمَا يُسْتَبْقَى مِنْ هَؤُلَاءِ ؟
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لِأُسَيْدٍ إنّي أَكْرَهُ أَنْ يَقُولَ النّاسُ إنّ مُحَمّدًا لَمّا
انْقَضَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَضَعَ يَدَهُ فِي قَتْلِ
أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا بِأَصْحَابٍ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ شَهَادَةَ
أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ قَالَ بَلَى ، وَلَا شَهَادَةَ لَهُمْ قَالَ
أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى ، وَلَا شَهَادَةَ
لَهُمْ قَالَ فَقَدْ نُهِيت عَنْ قَتْلِ أُولَئِكَ اهـ
ثم
ذكر حديث أبي سعيد وجابر بن عبد الله وأبي قتادة وقد سبقت هذه الأحاديث.. ثم ذكر
حديث نافع بن جبير وهي رواية قرشية منكرة
في تبرئة قريش! وسيأتي مع نقده..
وتركت
سياق بقية المؤرخين الناقلين عن هذه المصادر كابن الجوزي وابن كثير وابن الأثير والصالحي ( وسياقه
من أحسن السياقات وأجمعها للأسانيد والمتون إلا أنه لم يزيد على ما سبق) وكذا صاحب
السيرة الحلبية وملا علي القاريء في شرحه لمشكاة المصابيح ( اسم كتابه : مرقاة
المفاتيح شرح مشكاة المصابيح)..الخ تركنا كل
هذا للاختصار.
[1] [1] هو عبد الصمد بن عبد الوارث
بن سعيد العنبري مولاهم التنوري البصري صدوق ثبت في شعبة من التاسعة مات سنة سبع روى له الجماعة ووالده هو عبد الوارث بن سعيد
ثقة أيضاً..
[2] هو عبد
الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم أبو عبيدة التنوري بفتح المثناة وتشديد النون
البصري ثقة ثبت رمي بالقدر ولم يثبت عنه من الثامنة مات سنة ثمانين ومائة ع ( قاله
الحافظ ابن حجر في التقريب).
[3] وقال الهيثمي في المجمع (1/118)
رواه البزار ورجاله ثقات.
[4] أنساب الأشراف- بنو عبد شمس- ص129 تحقيق إحسان عباس.
[5] خلف: هو خلف بن هشام البزار ( 229هـ)، ثقة من رجال مسلم ( في تقريب التهذيب:
خلف بن هشام بن ثعلب البزار المقرىء البغدادي ثقة له اختيار في القراءات من العاشرة
مات سنة تسع وعشرين م د) اهـ.
[6] عبد الوارث بن سعيد ( 180هـ) ثقة من رجال الجماعة ( وفي تقريب التهذيب :عبد
الوارث بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم أبو عبيدة التنوري البصري ثقة ثبت رمي بالقدر
ولم يثبت عنه من الثامنة مات سنة ثمانين ومائة ع) وقد توبع من حماد بن سلمة (من
رجال مسلم) فالتقت الأسانيد عند سعيد بن جمهان.
[7] سعيد بن جمهان الأسلمي ( 136هـ) ( بصري صدوق له أفراد) قاله ابن حجر
والصواب أنه ثقة وكان أحمد يطرد من المسجد من يضعف حديثه (الخلافة ثلاثون
عاماً...)، ورغم خطأ أحمد في هذا العنف إلا أنه يدل على غاية في التوثيق لابن
جمهان، والغريب أن نواصب العصر كمحب الدين الخطيب ومن تبعه ينفردون عن أهل السنة
بتضعيف حديثه ( الخلافة ثلاثون عاماً ثم تكون ملك) لحماية معاوية من وصفه بالملك
العضوض، ويبالغون في الثناء على أحمد وعلمه بالحديث والعقائد، ولو كانوا في عهد
أحمد لأخرجهم من المساجد!.
[8] قوى أمره أحمد وقال (كان مذهبه التشيع ولا بأس به كتبت عنه حديثاً كثيراً
عن أبي الجحاف) والعجلي وقال (لا بأس به وكان يتشيع ويدلس) ومحمد بن عبد الله بن عمار وقال: (زعموا أنه لا
بأس به) وحسن له الترمذي وضعفه يحيى بن معين بسبب تشيعه وقال (كذاب يشتم عثمان)!!
وأبو داود (رافضي خبيث يشتم أبا بكر وعمر) والنسائي (ضعيف) ويعقوب بن سفيان (رافضي
خبيث) وعبيد الله بن موسى وصالح جزرة وابن عدي (ضعيف) والدارقطني والحاكمان أبو
عبد الله وأبو أحمد وابن حبان والدارقطني والساجي.
أقول:
وقد روى الجوزجاني عن أحمد تكذبيه لكن الجوزجاني ناصبي فلا يؤمن كذبه عن أحمد لا
سيما وأن الثابت عن أحمد تقوية أمره والإكثار من الرواية عنه.
ثم
معظم المضعفين له كان بسبب التشيع وشتمه لعثمان أو لأبي بكر وعمر وهذا لا يعد
طعناً لأن الخوارج كان يلعنون علياً ويشتمونه وكذا النواصب ومع ذلك فالثقة منهم
ثقة وكذا الأمر في الشيعي أو الرافضي، فإن كان شتم الصحابي طعناً فيجب أن يكون شتم
علي ولعنه طعناً وإن كان لا يعد طعناً فلا يجوز أن يكون شتم عثمان طعناً بينما شتم
علي لا يعد طعناً، هذه ازدواجية النواصب، بل إن التحذير من شتم علي كان أبلغ لحديث
(من سب علياً فقد سبني) وهو حديث حسن.
فالصواب
في تليد بن سليمان أنه ضعيف إلا في المتابعات والشواهد وهذه منها وأما تدليسه
فمأمون لأنه قد صرح بالتحديث عن الأعمش.
[9] زكريا بن يحيى الساجي (307هـ) وهو ثقة مشهور من شيوخ النسائي ومعاصريه.
[10] عبد الملك بن الصباح المسمعي الصنعاني ثم البصري (200هـ) ثقة من رجال
الشيخين .
[11] في الأصل (جدير) وهو خطأ والتصحيح من التقريب ترجمة (8415) وهو عمران بن حدير
السدوسي أبو عبيدة البصري، قال عنه الحافظ (ثقة ثقة) من رجال مسلم والسنن، مات سنة
149هـ فهو في طبقة معمر وهشام بن حسان.
[12] لا أعرف من الظان؟! ولعله المسمعي لقلة الكتابة يومئذ..
[13] أبو مجلز هو لاحق بن حميد البصري ( 106هـ) وهو ثقة من رجال الجماعة وهو
تابعي روى عن بعض الصحابة كأسامة بن زيد والحسن بن علي وأنس بن مالك وحذيفة بن
اليمان وعبد الله بن عمر وغيرهم وقد اتهم بحب علي ومرة بحب عثمان وحب الرجلين مع
الثقة لا تضر!!
[14] هو معاوية كما هو واضح في الرواية، وأكثر ما ورد في السير والمغازي
والمثالب من قولهم (فلان) هو في معاوية وحزبه ولكنهم عندما وصلوا للسلطة تم إخفاء
هذه الأسماء، والتراث الإسلامي امتاز عن غيره من تراث الأمم بكثرة ورود اسم
(فلان)! لأن هؤلاء (الفلانيين) حكموا فخافهم الرواة ثم قلدهم المصنفون، وبعض المصنفين ورثوا هذا
الهوى، فيؤدي هذا الإخفاء لذهاب ثمرة الحديث، لأنه إن لم نعلم من هو المذموم بطلت
ثمرة الحديث، فلا يطيب حلو الحديث إلا بمره، ولم يذهب النبي (ص) من الدنيا إلا وقد
علم أصحابه كل شيء يحتاجون إليه ويحذون منه، ثم تركهم للابتلاء ليعلم الصادقين
منهم ويعلم الكاذبين، وهذا التمحيص كان في عهد النبوة وبعدها، ومثلما عاتب الله
الصحابة بأن فيهم سماعون للمنافقين فهذه العادة إن لم يتخلصوا منها في عهد النبي
(ص) فلن يتخلصوا منها بعده، والنفاق هو الذي فرق الأمة شيعاً، وقد علمنا صفات
المنافقين العامة كالكذب، ولكن إذا لم نعلم ما حدثونا هل هو كذب أم لا، فلننظر
المحددات الأخرى الأكثر خصوصية مثل بغض أخلص الناس للنبي (ص) : ( لا يبغض الأنصار
إلا منافق) .. ( لا يبغض علياً إلا منافق) وعندئذ سنعرف أن أمتنا قد خاضت في
النفاق إلى الركب، وتركت صفة الخيرية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو
قامت هذه الأمة بالأمر بالمعروف على وجهه والنهي عن المنكر على وجهه لما شاع
الاستبداد في وقت مبكر ( بعد ثلاثين سنة من وفاة النبي (ص))، ولما استمر الاستبداد إلى يومنا هذا، وهذه
الفتن يرقق بعضها بعضاً، من ترك إرشادات النبي (ص) للأفضل لهم، إلى ترك الشورى بين
صالحيهم، إلى التخاذل في نصرة مؤمنيهم، إلى السكوت عن ظالميهم، إلى الركون إلى
الذين ظلموا وإعانتهم، إلى تحريف الدين للسلطة والمصالح الشخصية إلى استثمار
مجموعة من المغفلين ليجعلوا كل هذا ديناً وعقيدة إلى تصديق الخلف وتدينهم بما طبخه
لهم السلطان ووعاظه، إلى ما ترون اليوم! لا عقل ولا مروءة، لا علم ينجي ولا دين
على جادة، حتى مكارم الأخلاق التي بعث الأنبياء لإتمامها عملت السلطة وعلماؤها
ومغفلو الصالحين لتدمير ما تبقى من مكارم أهل الجاهلية، فأصبحنا لا مؤمنين مع الذل
ولا كفاراً أحراراً.
[15] قلت: مسند المهاجر في الأجزاء المفقودة من معجم الطبراني فلا أستطيع
الحكم على الإسناد لكن هذا الحديث شاهد قوي لاسيما مع توثيق الهيثمي.
[16] هو أبو بكر الأصم ( 201هـ): صرح باسمه الرازي في
مكان آخر، ونسب له رواية الحسن مع زيادته هذه، وهو المعتزلي المشهور في الظاهر، وهو من طبقة
شيوخ أحمد، وفيه نصب، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء - (ج 9 / ص 402) الاصم * شيخ
المعتزلة، أبو بكر الاصم، كان ثمامة بن أشرس يتغالى فيه، ويطنب في وصفه، وكان دينا
وقورا، صبورا على الفقر، منقبضا عن الدولة، إلا أنه كان فيه ميل عن الامام علي،
مات سنة إحدى ومئتين، وله تفسير، وكتاب " خلق القرآن "، وكتاب الحجة والرسل،
وكتاب الحركات، والرد على الملحدة، والرد على المجوس، والاسماء الحسنى، وافتراق الامة،
وأشياء عدة، وكان يكون بالعراق اهـ .
[17] والسلفية
المحدثة خرجت هذا الحديث من احاديث الروابط تخريجاً ضعيفاً هزيلاً، ففي الفتاوى الحديثية
للحويني - (ج 1 / ص 99): عن أبي مسعود عقبة
بن عمرو ، رضي الله عنه ، قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ، فحمد الله
تعالى وأثنى عليه ، ثم قال : (إن منكم منافقين ، فمن سميت فليقم) ، فذكر الحديث...
فقال الحويني: أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير) (4/ 1 / 23) ،
والطبراني في (الكبير) (ج17 رقم 687) ، والبيهقي في (الدلائل) (6/ 286) من طريق أبي
نعيم الفضل بن دكين ، ثنا سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن رجل ، عن أبيه - قال
سفيان : أراه عياض بن عياض - عن أبي مسعود . فذكره ، قلتُ – الحويني- : كذا شك في شيخ
سلمة بن كهيل ، وقد رواه وكيع بن الجراح وأبو حذيفة معًا عن الثوري ، عن سلمة ، عن
عياض بن عياض ، عن أبيه ، عن أبي مسعود به ، أخرجه أحمد (5 / 273) ، والبيهقي في (الدلائل)
(6 / 286) ، قال الهيثمي في (المجمع) (1/ 112) : (فيه عياض بن عياض عن أبيه ، ولم أر
من ترجمهما) . كذا قال ! وعياض بن عياض ترجمة ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل)
(3/ 1 / 409) ، وقال : (روى عن أبيه عن أبي مسعود الأنصاري ، روى عن سلمة بن كهيل وموسى
بن قيس الحضرمي ) . ولم يزد على ذلك ، وأما أبوه فهو عياض بن عياض أيضًا ، فترجمه
ابن حبان في (الثقات) (5/ 267) ، وقال : (عياض بن عياض يروي عن أبي مسعود ، روى
عنه الثوري وابنه عياض بن عياض) . فالسند ضعيف لجهالة عياض بن عياض وأبيه . والله أعلم
اهـ، قلت: ولم يذكر الشيخ الحويني إلا هذا الطريق وأهمل الطرق
الأخرى والقصة كلها، أو كان يجهل تلط الطرق والشواهد والقصة، وهذا الذي أضعف أهل
الحديث، فهم لا يصلون إلى معلومة في الأحاديث المفرقة والمقطعة ولا يراقبون الأثر
السياسي والمذهبي فلذلك تكون نتائجهم هزيلة جداً ليس فيها إلا استدرك على إسناد
واحد أخطا فيه الهيثمي.
[18] وذكر الحديث في ترجمته في الاستيعاب وأسد
الغابة والإصابة.
[19] على تعريف الصحبة عند أهل الحديث ولو انفرد
عاصم بهذا الحديث ربما يحق للآخرين رده لكن قد تابع عاصماً مجموعة من الصحابة.
[20] في الأصل (سلمة) وهو خطأ والتصحيح من تهذيب
الكمال وتقريب التهذيب.
[21] قد رمي برأي الخوارج وصح رجوعه عنه (قاله ابن
حجر في التقريب مع توثيقه له) وهو من رجال مسلم.
[22] لم
يخبر ابن سعد بشيخه هنا، كأنه استسره ذلك، فهم في البصرة والبصرة عثمانية، ويكون
ابن سعد قد احتال على ذكر هذا الحديث بعدم تسمية شيخه في بداية الإسناد ليتعلق
النواصب بعدم تسمية شيخه..وأهل الحديث المتقدمون يفعلون هذا، مع إيمان كثير منهم
بثبوت ذم معاوية أو بني أمية في حديث ما إلا أنهم يلهون أصحاب الصناعة بطرق
شتى، مرة ببتر وأخرى بتورية كأن يقولوا (
فلان) بدلاً من معاوية، وثالثة بعدم تسمية
شيخ أو راوٍ..الخ حتى يكفون أنفسهم شر العامة، الذين كانوا يغضبون إذا لم يجدوا في
الحديث علة من العلل..
[23] وهذا ثقة ففي الجرح والتعديل - (ج 7 / ص 158): كثير بن يحيى بن كثير أبو مالك البصري روى عن أبى
عوانة ومطر بن عبد الرحمن الأعنق وواهب بن سوار وسعيد بن عبد الكريم بن سليط سمعت أبى
يقول ذلك، قال أبو محمد روى عنه أبى وأبو زرعة، نا عبد الرحمن قال سألت أبى عن كثير
بن يحيى بن كثير فقال محله الصدق وكان يتشيع، نا عبد الرحمن قال سئل أبو زرعة
عن كثير بن يحيى فقال صدوق./ إلا
أن بعضهم ضعفه مذهبياً بسبب قليل من التشيع زعموا أنه فيه، فقال الذهبي فيما نقله
عنه الحافظ في لسان الميزان - (ج 2 / ص
311): كثير بن يحيى بن كثير صاحب البصري: شيعي
نهى عباس العنبري الناس عن الأخذ عنه! وقال الأزدي: عنده مناكير ثم ساق له عن أبي عوانة
عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه سمعت علياً رضي الله عنه يقول: ولي
أبو بكر رضي الله عنه وكنت أحق الناس بالخلافة قلت – الذهبي- : هذا موضوع! علي أبي عوانة ولم أعرف من
حدث به عن كثير انتهى قال ابن حجر: وقد روى
عنه عبد الله بن أحمد وأبو زرعة وغيرهما قال أبو حاتم: محله الصدق وكان يتشيع وقال
أبو زرعة: صدوق وذكره ابن حبان في الثقات فلعل الآفة ممن بعده اهـ قلت: لا آفة في
الحديث فعلي يرى نفسه أحق بالخلافة فكان ماذا؟ وقد تواتر عن الإمام علي هذا الأمر،
.. وقال ابن حجر في تعجيل المنفعة - (ج 1 / ص 349): كثير بن يحيى بن كثير الحنفي أبو
مالك البصري.
عن ابي
عوانة ومطر بن عبدالرحمن وغيرهما، وعنه عبدالله بن أحمد وأبو حاتم، وقال كان يتشيع،
وأبو زرعة وقال صدوق، وقال الأزدي عنده مناكير، قلت – ابن حجر- كان يعرف
بصاحب البصري وكان عباس بن عبد العظيم ينهى الناس عن الاخذ عنه اهـ قلت: قد روى
عنه غلاة أهل الحديث عبد الله بن أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم ووثقوه ( فلا يروون إلا
عن ثقة عندهم) وأما العنبري فهو ناصبي ولا يقبل قول ناصبي في شيعي، بل في سني،
لأن بعض السنة عند النواصب تشيع، وبعض السنة عند الشيعة نصب، وأما الأزدي فقد
أنكر عليه ما لا نكارة فيه، وهو راوي حديث: جندب وما جندب والأقطع الخير ( أي زيد
بن صوحان/ وهو من رواة حديث إني وإياك
وهذين وهذا الراقد في مكان واحد يوم القيامة/
ومن رواة حديث أبي بلج عن ابن عباس، وحديث الناكثين، ولكنه أيضاً قد روى في فضل أبي بكر وعمر/ وهذا دليل أنه ليس متشيعاً بل محدث يروي ما سمع
بالإسناد.
[24] قد يأتي بعض طلبة
العلم ويستغربون مثل هذا الحشد المعلوماتي، أن هذا فيه نصب وهذا فيه تشيع والبصرة
ناصبية و...الخ وأنا إنما أتحدث هنا مع أهل العلم، ومن الصعب توثيق كل شيء،
وليراجعوا الملحق ( في نصب أهل البصرة).
[25] انظر قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ
مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ
فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ
(159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ
وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) [البقرة ] / ياترى لو أن العلماء بينوا
وصرحوا أن منهم أبو سفيان ومعاوية .. هل كان معاوية يستطيع أن يغير السنن ويشرع
للسلاطين المظالم ؟ هل كان سيقتدي به هؤلاء من مغفلي الصالحين وعامة الناس؟ إن
البيان مسئولية العلماء، ومن لم يبين فقد يكون في الأرض عالماً ولكنه في السماء من
الملعونين، جنبنا الله وكل المخلصين هذا السكوت والتعمية والتشويش وحماية الظالمين
ومحاربة الأحاديث الصحيحة والوقائع الثابتة، لو أدرك الناس هذا هل سيأخذون دينهم عن علماء السلاطين الأمويين؟..الخ
[26] لأن المنافق منافق ومسلم
وكافر في الوقت نفسه! بحسب الموقع أو الزاوية الذي ننظر منها إلى المنافق، فهو مسلم
حسب الأحكام الدنيوية، وكافر حسب الأحكام
الأخروية ، ومنافق حسب الوصف، ومعرفة
مستويات هذا الخطاب وسياقاته في كثير من الألفاظ والإطلاقات من أكبر المعينات في
تدبر القرآن الكريم، لأن القرآن حي متحرك، واللغة جامدة، فالإسلام مثلاً في القرآن ثلاث مستويات أو أكثر، وكذا الإيمان
والكفر والشرك..الخ، لكن هذه الألفاظ في
اللغة يكاد يكون واحداً، والسياق يعطي
المعنى المراد، ولن يعطيه إلا مع الوعي التاريخي لكبار المسائل من التاريخية
والفلسفية الخاصة بالنفس والحركة الاجتماعية.
[27] أعني قد يضعون
الأحاديث والروايات من باب المعارضة والمقابلة والمضادة لما ثبت عند الناس،
وللسلطات الأموية جهاز كامل في هذا الباب، ولعله أقوى الأجهزة وأكثرها أثراً
وأعمقها مكراً، فهم لا يأتون إلى الأمر الذي لا يستطيعون دفعه من حديث أو حادثة،
وإنما يضعون ما يشبهه أو يصرفه أو يقيده أو يعممه .. حسب الحاجة وتوجيه الخضراء، وفي هذا الموضوع – حديث
الدبيلة- وضعوا هنا اثني عشر من منافقي
الأنصار ( أكثرهم لم يشهد تبوك!)، فيرددون أسماء هؤلاء الاثني عشر في كل حادثة!
حتى يحفظهم الناس وينصرفوا بهم عن
المنافقين الكبار أصحاب الأثر والطموح والمحاولة والمصلحة والثأر والحسد! فنسي
الناس المنافقين الكبار الذين جاء القرآن بالتحذير منهم وكان لهم جمهورهم ( وفيكم سماعون لهم) فسكت عنهم التاريخ، لأن
دولة أؤلئك الأشخاص قامت بعد ثلاثين سنة فقط من رحيل النبي (ص) وعملت مجازر في
علماء الصحابة والتابعين حتى وصل الخوف إلى بعض المناصرين لهم حتى سكت عن نصف
الحديث وخشي قطع البلعوم، فكيف بغيره؟ وما ضاع من الحديث أكثر مما دوّن، وما تم
تدوينه لا تجده إلا مشوشاً غامضاً مقطعاً غالباً.
[28] مصنف الأمالي ثقة
مشهور ( 330هـ ) وكتابه مطبوع، وليس فيه الرواية، فربما هو في بعض كتبه الأخرى، أو
أن أحد حذاق السلفية حذفه، وطريق ابن عساكر إلى كتب المحاملي وغيره صحيحة.
[29] تقريب التهذيب - (1 /
242) سعيد ابن يحيى ابن سعيد ابن أبان ابن سعيد ابن العاص الأموي أبو عثمان البغدادي
ثقة ربما أخطأ من العاشرة مات سنة تسع وأربعين خ م د ت س
[30] تقريب التهذيب - (2 /
590) يحيى ابن سعيد ابن أبان ابن سعيد ابن العاص الأموي أبو أيوب الكوفي نزيل بغداد
لقبه الجمل صدوق يغرب من كبار التاسعة مات سنة أربع وتسعين [ومائة] وله ثمانون سنة
ع
[31] صدوق من رجال مسلم،
مات سنة 148هـ وكان فيه نصب / تقريب التهذيب - (2 / 283) طلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد
الله التيمي المدني نزيل الكوفة صدوق يخطىء من السادسة مات سنة ثمان وأربعين م 4.
[32] هو أبو بردة بن أبي موسى الأشعري ( 104هـ) ، من
رجال الجماعة وكان ناصبياً، / وهو كوفي، من رؤساء الأرباع بالكوفة، روى له الجماعة،
وهو ابن أبي موسى (وهو من هو!) وأبو بلال بن أبي بردة (الخبيث)! وأوصى به معاوية ابنه
يزيد..ووفد على معاوية وشهد وفاته - بعد شهادته على حجر !- وشكا إليه الشاعر عقيبة
الأسدي/ وأما أحواله من حيث الرواية والسيرة، فهو أولاً: (صاحب الشهادة الأم ضد
حجر بن عدي) التي أمر زياد بالشهادة عليها!/ وهو....ثانياً: هو راوي (قصة إسلام أبي
موسى وهجرته)! وفيها نكارة فقد جعل لأبيه
سابقة وليس له سابقة واستنكرها أهل الحديث دون أن يتنبهوا لنصب أبي بردة هذا / وهو
...ثالثاً: راوي حديث (لا تضره الفتنة) في قصة اعتزال محمد بن مسلمة! وهو منكر
وفيه رجل مجهول، وهذه الرواية مقدسة عند السلفية لأنها تبرر خذلان من خذل علياً/ وهو
رابعاً: راوي قرحة معاوية (وأخفى اسمها (الدبيلة)! وفيها اعتراف معاوية بأخوة أبي موسى
له! وهذه قرينة على أن أبا موسى كان من هؤلاء/
وهو خامساً: راوي حديث (إذا جمع الخلائق للحساب أتي بيهودي أو نصراني قيل يا
مؤمن هذا فداؤك من النار)..وهذا غاية الإرجاء وفق الإرجاء الشامي لا العراقي
وبينهما فرق ليس هنا مجال بيانه ..
[33]
تذكروا الحديث (تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ
مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِى أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ »
)
[34] وهذا
مصداق قوله تعالى: (سنعذبهم مرتين)! وقد
قال قتادة ( مرة بالدبيلة ومرة بعذاب القبر)، فهذه عقوبة خاصة بهؤلاء.. إلا أن أهل
الحديث عمموا عذاب القبر حتى شمل نصف البشر، وقللوا الدبيلة حتى لم يذكروا أحداً
مات بها إلا الفرزدق وأحد ملوك الروم! وعجبي إذ يعرفون أن أن ملك الروم مات بها
ولا يعرفون أن معاوية مات بها!
[35] والحديث روي عن غير معاوية بألفاظ منها الصحيح
ومنها الضعيف، ومعاوية يريد تكفير كل الخطايا بأي أذى! والحديث الصحيح الإسناد عن
غيره لا يقول بكل هذا الإرجاء الفج، ففي (جامع الأصول من أحاديث الرسول - (ج 1 / ص
7430) (خ م ط ت) عائشة - رضي الله عنها - قالت : قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-
: « مَا مِنْ مُصيبة تُصِيبُ المسلم إلا كفَّر الله عنه بها ، حتى الشَّوكةِ
يُشاكُها » يعني كفر بها من ذنبه شيئاً، وهو ظاهر في الألفاظ الأخرى: كما في لفظ «
لا يُصِيبُ المؤمن شوكة فما فوقها إلا نقص الله بها من خطيئته »، وفي أخرى
« إلا رفعه الله بها درجة ، وحطَّ عنه بها خطيئة »، وفي أخرى « لا يُصِيبُ المؤمنَ
من مصيبة - حتى الشوكة - إلا قُصَّ بها أو كُفِّر بها من خطاياه » اهـ فالفرق بين حديث معاوية وأحاديثهم أن
معاوية يجعل الأذى مكفراً للخطايا كلها! بينما الأحاديث تجعل المصائب والشدائد
مكفرة لبعض الذنوب، فالفرق بين الإرجاء الشامي والتعويض الرباني واضح، فإن وجدتم
رواية تجعل الأجر الكثير على الأذى القليل فابحثوا في الإسناد وستجدون في السند من
فيه نصب أو غفلة، وكذلك العقوبة الكبيرة على الذنب الصغير، فالثقافة الأموية دمغت
العقل المسلم بالتناقضات حتى يلصقوا بالله وعدله تناقضات معاوية في العقوبة
والعطاء، فيصورون الله على صورة السلطان، فقد يغفر للمجرم والظالم وقد يعاقب
الفاضل والبريء.
[36] أبو بكر بن أبي الدنيا ( 281هـ ) حنبلي
مشهور، وهو ثقة إلا أن فيه نصب ككثير من
الحنابلة، وقد ألف في حلم معاوية، ولا يجرؤ على التأليف في فضائل معاوية إلا
الحنابلة فيما أعلم، ولكنهم ليسوا في نصب أهل الشام، هم يحبون الجميع، إبليس وآدم،
موسى وفرعون، علي ومعاوية، ..الخ وحتى يقترب هذا من هذا لابد من تقليل هذا إلى
أدنى حد ورفع ذاك إلى أعلى حد، حتى تصبح نظريتهم في هذا التلفيق مقبولة.. والله لم
يكلفهم بهذا، لكنها الفتنة.
[37] وهو ثقة، وفي الجرح والتعديل - (2 /
161) إسماعيل بن أسد وهو إسماعيل بن أبي الحارث روى عن الحسن ابن موسى الاشيب وأبي
النضر هاشم بن القاسم وروح بن عبادة وشبابة ويزيد بن هارون ومعلى بن منصور وأبي بدر
شجاع بن الوليد، ويحيى بن أبي بكير، كتبت عنه مع أبي وهو ثقة صدوق، سئل أبي عنه فقال:
صدوق.
[38] ثقة، وفي تقريب التهذيب - (ج 1 / ص 216) زكريا بن
عدي بن الصلت التيمي مولاهم أبو يحيى الكوفي نزيل بغداد وهو أخو يوسف ثقة جليل يحفظ
من كبار العاشرة مات سنة إحدى عشرة أو اثنتي عشرة ومائتين خ م مد ت س ق
[39] تقريب التهذيب - (ج 1
/ ص 451) : القاسم بن مالك المزني أبو جعفر
الكوفي صدوق فيه لين من صغار الثامنة مات بعد التسعين خ م ت س ق
[40] ثقة ، سبق التعريف به
[41] ثقة عندهم وهو ناصبي،
سبق التعريف به..
[42]
تذكروا الحديث (تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ
مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِى أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ »
)
[43] نشرت، وفي لفظ سبرت، أي
دخل رأسها إلى الداخل.. تذكروا الحديث (تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ
مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِى أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ »
)
[44] تذكروا الحديث (تَكْفِيكَهُمُ
الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِى أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ
مِنْ صُدُورِهِمْ »..!
[45] تحدث الناس بالعراق..
لأن عبد الملك بن عمير عراقي ناصبي، وقد وفد على معاوية بأخبار الناس هؤلاء!
وهؤلاء هم تلاميذ حذيفة وعمار وأمثالهم من المؤمنين.. وهم واثقون من ذلك لكن الرأي
العام كان أموياً..
[46] والنقابة هي الدبيلة.. لأنها تنقب البدن.. أو
تنقب الظهر فتدخل إلى الجوف..
[47] وكان ابن زياد قد أمر عبد الله بن يقطر – وهو
أخو الحسين من الراضعة- أن يصعد فوق القصر ويلعن علياً والحسين، فصعد وأمر بنصرة
الحسين وذم ابن زياد، ففي تاريخ الرسل والملوك - (ج 3 / ص 257): ( فصعد عبد الله
بن يقطر، فلما أشرف على الناس قال: أيها الناس، إني رسول الحسين ابن فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم لتنصروه وتوازروه على ابن مرجانة ابن سمية الدعي. فأمر به
عبيد الله فألقي من فوق القصر إلى الأرض، فكسرت عظامه، وبقي به رمق، فأتاه رجل يقال
له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه، فلما عيب ذلك عليه قال: إنما أردت أن أريحه)!.
[48]
أصيب في أحسنه - بهذه اللقوة، وهي داء في الوجه- فأصابت منه العين والشفة
والشدق والخد والوجه بشكل عام، فكانت عينه تسيل دمعاً لا ترقأ، ولا يستطيع كشف
وجهه، ولا أن تلتقي شفتاه، وفي لسان العرب
- (15 / 253): اللَّقْوة داء يكون في الوجه يَعْوَجُّ منه الشِّدق/ وفي المحكم والمحيط
الأعظم - (6 / 564) : اللقوة : داء يكون في الوجه يعوج منه الشدق / المخصص ـ لابن سيده - (2 / 335): اللَّقْوَة التي
هي الداءُ إنما هو اضْطِرَاب شَكْل الوَجْهِ واعوِجَاجُه / كتاب: التوقيف على مهمات التعاريف - (1 / 625):
اللقوة مرض ينحدب له شق الوجه إلى جهة غير طبيعية ولا يحسن التقاء الشفتين ولا ينطبق
إحدى العينين / تاج العروس من جواهر القاموس - (39 / 478): (اللَّقْوَةُ ) ، بالفتح : ( داءٌ في الوَجْهِ
) ؛ ) زادَ الأزْهرِي : يَعْوَجُّ منه الشِّدْق .
وقالتِ الأطبَّاء : *!اللَّقْوةُ مَرَضٌ يَنْجذِبُ
له شِقّ الوجْهِ إلى جهَةٍ غيْر طَبِيعِيَّة ولا يحسنُ الْتِقاء الشفَتَيْن ولا تَنْطَبِقُ
إحْدَى العَيْنَيْن . / فقه اللغة -
(1 / 491): اللَّقْوَةُ أَنْ يَتَعَوَّجَ وَجْهُهُ
ولا يَقْدِرَ على تَغْمِيضِ إحْدَى عَيْنَيْهِ / ويضرب بها المثل في قبح المنظر ففي شرح نهج البلاغة - (19 / 229): وقال العتابى : الناس لصاحب المال الزم من الشعاع
للشمس ، وهو عندهم أرفع من السماء ، وأعذب من الماء ، وأحلى من الشهد ، وأزكى من الورد
، خطؤه صواب ، وسيئته حسنة ، وقوله مقبول ، يغشى مجلسه ، ولا يمل حديثه ، والمفلس عندهم
أكذب من لمعان السراب ، ومن رؤيا الكظة ، ومن مرآه اللقوة ..الخ / إسفار الفصيح
للهروي - ( / 0) ( ولقي من اللقوة) يلقى لقوة، بفتح اللام، (فهو ملقو)، مثل مدعو: إذا
اعوج وجهه والتوى شدقه إلى أحد جانبي عنقه6، وهو ضرب من الفلاج أيضا،[27/ب] إلا
أنه في الوجه، والفلاج في البدن.
[49] سير أعلام النبلاء -
(27 / 124): وَقِيْلَ:كَانَ بِهِ اللَّقْوَةُ، بَقِيَ فِيْهَا حَتَّى مَاتَ - رَحِمَهُ
اللهُ - !! اهـ بل لا رحمه الله.
[50] اسمها بئر الطلوب ففي معجم
ما استعجم - (3 / 955) قال : فهذا ذكر
الطريق من المدينة إلى الجحفة، وعلى سبعة أميال
من السقيا بئر الطلوب وهي بئر عادية وهي التي اطلع فيها معاوية فأصابته اللقوة
فأغذ السير إلى مكة.
[51] سيأتي في رواية قادمة أنه قال ( ابن
بضع وستين)..
[52] ولد قبل النبوة بخمس سنين تقريباً.. وعلى هذا
فعمره عام الهجرة ( 18 سنة) / ويوم فاة
النبي (ص) = 28 سنة / ويوم وفاة أبي بكر =
30 سنة / ويوم وفاة عمر = 40 سنة / ويوم وفاة عثمان = 52 سنة / ويوم وفاة علي 62
سنة وولي الملك وهو في هذا السن/ ويوم وفاته
82 سنة تقريباً..وعلى هذا إن كان أصيب عام 44 هـ فيصح أنه ابن بضع وستين سنة، وقد
بقيت فيه اللقوة من عام 44هـ إلى وفاته سنة 60هـ
مدة 16 سنة، ومتى أضاف الله له مرض
الدبيلة؟ يحتاج إلى بحث، ولكنها استمرت فيه مدة لا يستهان بها بدلالة سماع أهل
الأمصار وأرجافهم وإرسال الولاة لبعض الوفود عائدين له.. فهذا خاص بالدبيلة وهي
التي تحدث الناس أنها قاتلته .
[53]
وهو البرد الشديد/ المعجم
الوسيط - (2 / 725) ( القرة ) البرد وما يصيب الإنسان وغيره من البرد / المخصص ـ لابن
سيده - (2 / 408): القُرُّ البردُ عَامَّة
وقال بعضهم القُرُّ في الشتاء والبردُ في الشتاء والصيف فأما القِرَّة فما أصاب الإنسانَ
منه / المخصص ـ لابن سيده - (2 / 416) أبو عبيد الحَرْجَفُ القَرَّةُ وهي الصَّرْصَرُ
والصِّرُّ / تاج العروس من جواهر القاموس - (10 / 583)
مِن دُعائهم
: ( رَمَاه اللّهُ *!بالحِرَّة تَحْتَ القِرَّةِ ) ؛ يُرِيدُ العَطَشَ مع البَرْدِ
، وأَوْرَدَه ابنُ سِيدَه مُنَكَّراً فقال : ومِن كلامهم : حِرَّةٌ تَحتَ قِرَّة ؛
أَي عَطَشٌ في يومٍ باردٍ ، قال اللِّحْيَانيّ : هو دُعاءٌ معناه رَمَاه اللّهُ بالعَطَشِ
والبَرْدِ / تاج العروس من جواهر القاموس - (36 / 475)
القَرَهُ
أَيْضاً كالقَرَحِ ، وهو ( تَقَوُّبُ الجِلْدِ من كَثْرَةِ القُوَباءِ ) ، عن ابنِ
الأَعْرابيّ .
( و ) قيلَ : هو ( اسوِدادُ البَدَنِ أَو تَقَشُّرُهُ
من شِدَّةِ الضَّرْبِ )
[54]
والحديث عند ابن إسحاق في المغازي وابن المبارك في الجهاد
والواقدي في المغازي وعبد الرزاق في المصنف، وهو في مصنف ابن أبي شيبة، والطبقات
الكبرى لابن سعد، وعيون الأخبار لابن
قتيبة- (ج 1 / ص 255): وتفسير الثعالبي - (ج 1 / ص 333) / ودلائل النبوة للبيهقي، وفي صفة الصفوة لابن
الجوزي: - وهو في البحوث العلمية - (5 /
243) دار الإفتاء بالسعودية- / وفي سير أعلام النبلاء - (ج 1 / ص 326) وذكرها
السفاريني الحنبلي في كتابه العقائدي لوامع
الأنوار البهية - (2 / 368) .. وغير هذا كثير، وقد توسعنا يف هذا العمل ودلالاته
في كتابنا عن معاوية، وسننتقي منها الأصح والأكثر شهرة.
[55]
هذه الحادثة حادثة نبش قبور شهداء أحد والتمثيل بجثة حمزة كانت سنة 50هـ كما سيأتي، أي بعد ست وأربعين
سنة من وقعة أحد (حسب الأشهر)، وهي في السياق نفسه من أكل أمه هند لكبد حمزة
وتمثيل أبي سفيان بجثته يوم أحد ثم رفسه قبره في خلافة عثمان، فروى عبد الرزاق
بسند صحيح على شرط مسلم في كتابه: مصنف عبد الرزاق - (ج 3 / ص 547) عن ابن عيينة عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد
الله يقول: لما أراد معاوية أن يجري الكظامة
قال من كان له قتيل فليأت قتيله يعني قتلى أحد قال فأخرجهم ( يعني معاوية) رطابا يتثنون
قال فأصابت المسحاة رجل رجل منهم فانفطرت دما فقال أبو سعيد لا ينكر بعد
هذا منكر أبدا اهـ وسنده صحيح على شرط مسلم، والرجل الذي عبثوا بجثته وقطعوا
قدمه هو حمزة رضي الله عنه من رواية أبي الزبير عن جابر من طريق آخر (قال أبو عمر
: الذي أصابت المسحاة إصبعه هو حمزة - رضي الله عنه – رواه عبد الأعلى بن حماد قال
: حدثنا عبد الجبار يعني ابن الورد قال : سمعت أبا الزبير يقول : سمعت جابر بن عبد
الله يقول : رأيت الشهداء يخرجون على رقاب الرجال كأنهم رجال نُوَّم حتى إذا أصابت
المسحاة قدم حمزة - رضي الله عنه - فانبثقت دماً)، لكن سفيان بن عيينة فيه نصب
فأخفى ذكر حمزة، ومن يعرف معاوية يعرف
تماماً أن هذا لم يحدث صدفة، وأنه نبش القبور بحجة أنه يريد إجراء عين من ذلك
المكان! وربما كان قصده الرئيس التمثيل بجثة حمزة فلما انبعث الدم من قدمه رطباً
فعندها العمال والوالي من مواصلة العبث بهذه الجثث الشريفة، فنادوا في أهل المدينة
مستصرخين! بعد أن نبشوا بعض القبور وتعمدوا ضرب قدم حمزة، ولذلك قال أبو سعيد : لا
ينكر منكر بعد هذا أبداً! ولو كان الأمر مجرد خطأ ما قال أبو سعيد الخدري هذا
الكلام، فهذا فهم السلف الصالح لمعاوية يا أتباع السلف! ومعاوية واشياعه يعرفون
قبر حمزة تماماً، فقبل ذلك رفسه أبو سفيان في عهد عثمان قائلاً : قد عدنا يا حمزة،
والأمر الذي اجتلدنا عليه وصل إلى غلماننا فهم يتلعبون بالملك، أو نحو هذا، فبنو
أمية يعرفون قبر حمزة، ولأجل ذلك أخفى الحسن والحسين قبر الإمام علي حتى لا يجري
معاوية عيناً بالنجف أيضاً ويعبث بجثة الإمام علي كما عبث هو وأبوه وأمه بجثة
حمزة، وهذا الحقد الأموي السفياني على حمزة لأنه قتل عتبة بن ربيعة جد معاوية
لأمه، فكيف بحقد هذه العائلة على علي وقد قتل حنظلة بن أبي سفيان أخا معاوية وأسر
أخاه الآخر عمرو بن أبي سفيان يوم بدر، وقتل الوليد بن عتبة خال معاوية يوم بدر
واشترك في قتل عتبة بن ربيعة نفسه، فلا بد هنا أن يكون بغضهم للإمام علي أكثر
بكثير من بغضهم لحمزة، وهذه العائلة ماكرة لا يفهمها المغفلون، وقد ذكر القرآن
الكريم عن مكر قريش ما فيه كفاية لمن أراد أن يفهم هؤلاء، وهم إضافة إلى ذلك
متوحشون، يمثلون بالموتى ويرفسون القبور ويأكلون الأكباد ويقطعون المذاكير ويتخذون
من هذا وهذا خلاخل وخواتم.. كما فعلت هند وجواريها، نعوذ بالله من هذا الانحطاط في
الخلق والدين والمروءة، ثم ما هذا الحفر العنيف؟ لدرجة أن تصاب رجل حمزة وتنبعث
دماً؟! تصور لو أنك أنت تريد نقل جثة ميت هل سيحصل هذا؟ كلا.. فمقاس اللحد معروف،
والمسحاة يمكن أن تأخذ التراب شيئاً فشيئاً فهي ليست آلة كهربائية تقطع ما صادفها،
وليس التراب صخراً يحتاج كل هذه القوة! إنما يستطيع الحافر أن يراعي ذلك بسهولة
بجذب التراب بطرف المسحاة، وقد اشتغلنا في المزارع ونعرف أننا لو أردنا ألا نجرح
فسيلة موز لاستطعنا بسهولة دون أن يصيبها أدنى جرح، لكن حسن الظن السلفي بالأشرار
وإساءة ظنهم بالأخيار أدى إلى البرودة في تفسير الموقف بل تسويغها كما سيأتي
ضاربين بقول أبي سعيد الخدري عرض الحائط.
[56] ففي [مواهب الجليل على مختصر خليل]، على قول خليل :
( والقبر حبس، لا يمشى عليه، ولا ينبش إلا أن يشح رب كفن غصبه ). قال الحطاب : وكذلك
إذا احتيج للمقبرة لمصالح المسلمين كما فعل سيدنا معاوية رضي الله عنه في شهداء أحد
، عن جابر رضي الله عنه اهـ! هكذا معاوية
سيدنا! أما جابر بن عبد الله فيذكره بحفاف ناشف! وأصبح العابث بالشهداء فقيهاً
مأجوراً كما أنه مأجور على كل مظالمه، وربما لو نجح في اغتيال النبي (ص) لكان
مجتهداً مخطئاً وله أجر على اجتهاده! فقد اكتملت النبوة، ولا داعي لبقائه أكثر من
هذا حتى لا تنزل تشريعات يعجز عنها المسلمون، فأجرى الله على يديه رحمة هذه الأمة!
...الخ هذه شنشنة نعرفها من القوم، وهي
عقوبة من الله.
[57] بوب الطبري باباً في هذا الحدث من حوادث سنة 50هـ، ففي تاريخ
الطبري - (ج 3 / ص 187):
ذكر إرادة
معاوية نقل المنبر إلى المدينة ، قال محمد بن عمر: وفي هذه السنة أمر معاوية بمنبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يحمل إلى الشام، فحرك، فكسفت الشمس حتى رئيت النجوم
باديةً يومئذ، فأعظم الناس ذلك، فقال: لم أرد حمله، إنما خفت أن يكون قد أرض، فنظرت
إليه. ثم كساه يومئذ، وذكر محمد بن عمر، أنه حدثه بذلك خالد بن القاسم، عن شعيب بن
عمرو الأموي.
قال محمد
بن عمر: حدثني يحيى بن سعيد بن دينار، عن أبيه، قال: قال معاوية: إني رأيت أن منبر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وعصاه لا يتركان بالمدينة، وهم قتلة أمير المؤمنين عثمان
وأعداؤه، فلما قدم طلب العصا وهي عند سعد القرظ، فجاءه أبو هريرة وجابر بن عبد
الله، فقالا: يا أمير المؤمنين؛ نذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا، فإن هذا لا يصلح، تخرج
منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم من موضع وضعه، وتخرج عصاه إلى الشام ؛ فانقل المسجد؛
فأقصر وزاد فيه ست درجات، فهو اليوم ثماني درجات، واعتذر إلى الناس مما صنع.
قال محمد
بن عمر: وحدثني سويد بن عبد العزيز، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن أبان بن
صالح، عن قبيصة بن ذؤيب، قال: كان عبد الملك قد هم بالمنبر، فقال له قبيصة بن ذؤيب:
أذكرك الله عز وجل أن تفعل هذا، وأن تحوله! إن أمير المؤمنين معاوية حركه فكسفت الشمس،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من حلف على منبري آثماً فليتبوأ مقعده من
النار " ، فتخرجه من المدينة وهو مقطع الحقوق بينهم بالمدينة! فأقصر عبد الملك
عن ذلك، ...اهـ
والخبر
في الكامل في التاريخ والسيرة الحلبية وغيرها من المصادر.
[58] نافع بن جبير بن مطعم
بن عدي النوفلي حليف بني عبد شمس، مات نحو
عام 99هـ كان مقرباً من معاوية وبني أمية،
يصلي معه في المقصورة ويستفيد منه، ويكسر أنف حاجبه إن حجبه عن معاوية ويفتخر
بموقعه من معاوية (أنساب الأشراف - (ج 2 / ص 99): المدائني عن مسلمة بن محارب قال:
استأذن نافع بن جبير بن مطعم على معاوية فمنعه الحاجب، فكسر أنفه ومعاوية ينظر، فلما
دخل عليه قال له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: وما يمنعني من ذلك وأنا بالمكان الذي أنا
به من أمير المؤمنين؟ فقال له أبوه – وكان عند معاوية- : ويحك، ألا قلت وأنا بالمكان
الذي أنا به من عبد مناف بن قصي؟! ) وقد
بقي بعد معاوية يطريه ويثني عليه ( ففي أنساب الأشراف - (ج 2 / ص 104): المدائني عن عبد الحميد الأشج عن خالد بن سعيد قال:
خرج عبد الملك ومعه نافع بن جبير بن مطعم، فوقف على راهب، فذكر الراهب معاوية
فأطراه، فقال عبد الملك لنافع: لشد ما أطرى هذا الراهب ابن هند، فقال نافع ( بن
جبير): إن معاوية كان لذلك أهلاً، أصمته الحلم وأنطقه العلم!، بجأش ربيط، وكف
ندية! ) اهـ / وفي سر
الفصاحة - (ج 1 / ص 62): وبلغ على بن الحسين عليه السلام قول نافع بن جبير في معاوية:
كان يسكته الحلم، وينطقه العلم فقال: بل كان يسكته الحصر، وينطقه البطر/ وفي نثر الدر - (ج 1 / ص 69): ( وبلغه عليه الرحمة - قول نافع بن جبير في معاوية
حيث قال:كان يسكته الحلم،وينطقه العلم،فقال:كذب،بل كان يسكته الحصر،وينطقه البطر./
وكان مع الحجاج في حصار ابن الزبير وقتله ( في أنساب الأشراف - (ج 2 / ص 420) المدائني
عن أبي طالب بن ميمون عن ابن أبي عتيق، قال: كان ابن الزبير مضطجعاً في المسجد وولده
وأهل مكة يخرجون إلى الحجاج، وأنا عند رجله فقال: ما هذه الأصوات، أين يذهبون ؟ قلت:
إلى الحجاج، قال: فما يمنعهم أن يكفوا أصواتهم فقد منعونا النوم، فقلت في نفسي: أتراه
جاداً، ثم سمعت غطيطه؛ قال: ووقف الحجاج على جثة ابن الزبير ومعه نافع بن جبير بن
مطعم، فقيل لنافع: ما قال لك ؟ قال: أريد صلبه، فنهيته) اهـ ولم ينته فقد صلبه
الحجاج، وعجبي من وقوف هذا الفقيه مع الحجاج في حصار مكة وضرب الكعبة ؟ وقد واصل
التواصل مع الحجاج فوفد إليه في العراق وغزا في جيوشه، (أنساب الأشراف - (ج 4 / ص 324): قالوا: وقدم نافع بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل
على الحجاج فأمره بقتل رجل، فاعتل فأغفل الحجاج بره، فمضي إلى المدينة فبعث إليه
الحجاج بثلاثمائة دينار صلة لحقه بها الرسول وقال: استعن بها في سفرك. ) /
وكان مع الوليد بن عبد الملك أيضاً ففي العقد الفريد - (ج 1 / ص 151):دخل نافع بن جبيرة
بن مطعم على الوليد، وعليه كساء غليظ، وخفان جاسيان، فسلم وجلس، فلم يعرفه الوليد،
فقال لخادم بين يديه: سل هذا الشيخ من هو. فسأله، فقال له: اعزب؛ فعاد إلى الوليد فأخبره؛
فقال: عد إليه واسأله؛ فعاد إليه، فقال له مثل ذلك. فضحك الوليد، وقال له: من أنت؟
قال: نافع بن جبير بن مطعم. / وفي أنساب الأشراف - (ج 3 / ص 269): وكان نافع بن جبير
بن مطعم بن عدي تائهاً، عظيم النخوة والكبر، وكان فصيحاً جهير الكلام يفخم كلامه
اهـ / وكان يفخر بتواضعه إذا جلس إلى فقيه
من الموالي (الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة - (ج 1 / ص 9): ( ونافعُ بن جُبير:
كان ذا كبر، وجلس في حلقة العلا بن عبد الرحمن الحرفي، وهو يقرئ المسلمين، فلما فرغ
قال: أتدرون لم جلست إليكم؟ قالوا: جلست لتسمع؟. قال: لا، ولكنِّي أردت أن أتواضع
لله بالجلوس إليكم)! والتفاخر بالتواضع كبر، ولكن هؤلاء لا يفقهون، ثم هو غير
جاد في ذلك ففي (التذكرة الحمدونية - (ج 1 / ص 23): وكان نافع بن جبير يقول لزين العابدين:
غفر الله لك، أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه؟يعني زيد بن أسلم،
فقال: إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيث كان.) / وفي العقد الفريد - (ج 1 / ص 418): ( وقدَّم
نافعُ بن جُبير بن مطْعِم رجلاً من أهل الموالي يُصلِّي به، فقالوا له في ذلك؛ فقال:
إنَّما أردتُ أن أتواضع لله بالصَّلاة خلفَه. وكان نافعُ بن جُبير هذا إذا مَرَّت به
جِنازة قال: من هذا؟ فإِذا قالوا: قُرشي؛ قال: واقَوْماه! وإذا قالوا: عربيّ؛ قال:
وابلدَتاه! وإذا قالوا: مَوْلى؛ قال: هو مالُ الله يَأخذ ما شاء، ويَدَع ما شاء) ..
)!، ( وذكر ابن سعد في ترجمته أشياء من هذه الأمور بأسانيد)، وكان رفيق عروة بن
الزبير! ( كما في ترجمته في نبلاء الذهبي) وعروة عروة! فهو من صنائع معاوية، ولا
استبعد أن يكون عروة قد جلب لمعاوية من هو على منهجه، والثراء قرينة ما على ذلك،
وعده ابن المديني من أصحاب زيد بن ثابت، وقد اتهموه بالكبر فأخبر بأول أمره وكيف
كان! ثم لبس الخز واستغنى وكان يفد على معاوية ( ربما جره إلى معاوية رفيقه عروة)،
وقد واصل التواصل مع بني أمية فدخل على عبد الملك بن مروان وسأله عن أسماء النبي
(ص) التي كان أبوه يحفظها! ( الشريعة للآجري).
إذن قد
صحب معاوية وابنه وعبد الملك وابنه والحجاج فما الرجاء في مثل هذا؟
مع
كبره وفخره بقريش وترفعه على الناس وكونه كان في جيش الحجاج الضارب للكعبة
بالمنجنيق؟
وهو من
بني نوفل حلفاء بني عبد شمس ضد بني هاشم
وشاركوا بقية قريش في حصار الشعب، وذمهم أبو طالب في لاميته، فمثل هذا الرجل لا
أطمئن لقوله لا سيما وأن الرواية ليست حديثاً فلن يتحرج أن يبريء قريشاً كلها!
ويتهم الأنصار إذا وجد من معاوية ثمناً مقبولاً ثم الرواية ليست حديثاً حتى يزداد
تحرجه ويتمنع.. ثم هو لم يشهد وإنما ثقافته بين أبيه وأخيه ومعاوية وعنبسة بن سعيد
وأمثالهم ممن لا تؤخذ منهم هذه الأخبار والدقائق إنما تؤخذ من أصحابها كحذيفة
وعمار وعلي وأمثالهم.
حديثه: وقد أكثر عنه أهل الحديث، وهو
متهم أو غير معتمد على أقل الأحوال، فروى
عن أبي هريرة ( في القراريط) وفي بالصلاة خلف الإمام من بني أمية ( صحيح مسلم) وعنه
في فضل الحسن فقط ( اللهم إني أحبه فأحبه) وصواب الحديث في الحسنين ( اللهم إني أحبهما فأحبهما) لكنهم
يريدون اختطاف الحسن معهم! وحديث ( الناس تبع لقريش) كل هذه الأحاديث رواها عن أبي
هريرة، و روى خبر وفاة مسيلمة على رسول
الله وحوارهما ( في البخاري) رواه عن ابن عباس، والجيش الذي يغزو الكعبة فيخسف
بمهم ( عن عائشة في البخاري وعن أم سلمة في غيره ) وعن أبي عبيدة عن أبيه في شغل
المشركين للمسلمين يوم الخندق عن الصلاة أربع صلوات وهو منكر وكأنه اعتذار عن
تقصير بني أمية في الصلاة وجمعهم أربع صلوات في وقت واحد! ( في عدة مصادر) وكذا عن
ابن عباس في الأيم والثيب وأبغض الناس ثلاثة ومواقيت الصلاة ، وروى عن غيره في
الأرجاء ( أحاديث عثمان في الصلاة والوضوء) والمسح على الخفين ( عن آل المغيرة عن
المغيرة في صحيح البخاري وفي غزوة تبوك.. وكان المغيرة يتتبع النبي (ص) حتى في
الخلاء!) وروى عن معاوية في صلاته معه بالمقصورة
في وجوب الفصل بين صلاة الجمعة والركعتين بعدها بكلام ( في مسلم)، وروى عن
جرير بن عبد الله البجلي، وعن أبي شريح الخزاعي أحاديث قليلة، ومعظم مادته عن
القوم.
وقد
روى عن علي وصف النبي (ص)، وفيه كلامه شيء! وروى حديث النزول إلى السماء الدنيا عن
أبيه ( واحتفت به كتب العقائد) وروى كفارة المجلس ( وهو في الإرجاء)، وهو راوي
حديث العجوز ( إن لم تجديني فأت أبا بكر).
وروى
ما يتفق مع آراء بني أمية من أن النبي (ص) إنما يريد ملكاً! ففي الطبقات الكبرى لابن سعد - (ج 1 / ص 118)
بد العزيز
عن أبي الحويرث قال: وحدثنا ابن أبي سبرة عن سليمان بن سحيم عن نافع بن جبير،
دخل حديث بعضهم في حديث بعض، قالوا: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يكون مع أمه
آمنة بنت وهب، فلما توفيت قبضه اليه جده عبد المطلب وضمه ورق عليه رقة لم يرقها على
ولده، وكان يقربه منه ويدنيه، ويدخل عليه إذا خلا وإذا نام، وكان يجلس على فراشه فيقول
عبد المطلب إذا رأى ذلك: دعوا ابني انه ليؤنس ملكاً اهـ.
[59] وفي ترجمة حريز بن عثمان في تهذيب التهذيب - (ج 2 / ص 208): قال صاحب تاريخ الحمصيين لم يكن له كتاب إنما كان
يحفظ لا يختلف فيه ثبت في الحديث!/ وقال معاذ بن معاذ حدثنا حريز بن عثمان ولا
أعلم إني رأيت بالشام أحدا أفضله عليه! / وقال الآجري عن أبي داود شيوخ حريز كلهم ثقات!/
قال وسألت أحمد بن حنبل عنه فقال ثقة ثقة!/
وقال أيضا ليس بالشام أثبت من حريز
إلا أن يكون بحير / وقال أيضا عن أحمد وذكر له حريز وأبو بكر بن أبي مريم وصفوان فقال
ليس فيهم مثل حريز! ليس أثبت منه، ولم يكن يرى القدر / وقال إبراهيم بن الجنيد
عن ابن معين حريز وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر وابن أبي مريم هؤلاء ثقات، وقال بن المديني لم يزل من أدركناه من أصحابنا
يوثقونه!/ وقال دحيم حمصي جيد الإسناد
صحيح الحديث وقال أيضا ثقة/ وقال المفضل بن
غسان ثبت / وقال البخاري قال أبو اليمان كان حريز يتناول رجلا ثم ترك ( البخاري
وأبو اليمان فيهما نصب لم يترك حريز لعن علي، ولماذا يقولان عن علي : رجل؟ فقط
رجل؟ وكأنهما يتكلمان عن أعرابي..)! / وقال أحمد بن أبي يحيى عن أحمد حريز صحيح الحديث
إلا أنه يحمل على علي ( يعني فقط!)/ وقال المفضل بن غسان يقال في حريز مع تثبته أنه كان
سفيانياً ( يعني ناصبي، إلا أن لفظ النصب لا ينطقونه إلا بصعوبة)!/ وقال العجلي شامي ثقة وكان يحمل على علي/ وقال عمرو بن علي كان ينتقص عليا وينال منه
وكان حافظا لحديثه/ وقال في موضع آخر ثبت
شديد التحامل على علي/ وقال بن عمار يتهمونه
أنه كان ينتقص عليا ويروون عنه ويحتجون به ولا يتركونه / وقال أبو حاتم حسن الحديث
ولم يصح عندي ما يقال في رأيه ولا أعلم بالشام أثبت منه وهو ثقة متقن / وقال أحمد بن
سليمان الرهاوي سمعت يزيد بن هارون يقول وقيل له كان حريز يقول لا أحب عليا
قتل آبائي ( وكان أجداده مع الفئة الباغية) فقال لم أسمع هذا منه كان يقول لنا إمامنا
ولكم امامكم / وقال الحسن بن علي الخلال عن يزيد نحو ذلك وزاد سألته أن لا يذكر لي
شيئا من هذا مخافة أن يضيق على الرواية عنه / وقال الحسن بن علي الخلال سمعت عمران
بن إياس سمعت حريز بن عثمان يقول لا أحبه قتل آبائي يعني عليا / وقال أحمد بن
سعيد الدارمي عن أحمد بن سليمان المروزي سمعت إسماعيل بن عياش قال عادلت حريز بن عثمان
من مصر إلى مكة فجعل يسب عليا ويلعنه وقال الضحاك بن عبد الوهاب وهو متروك متهم
( قلت: كلا بل هو صادق، أنتم المتهمون)/ حدثنا إسماعيل بن عياش سمعت حريز بن عثمان
يقول هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لعلي أنت مني بمنزلة
هارون من موسى حق ولكن أخطأ السامع قلت فما هو فقال إنما هو أنت مني بمنزلة قارون من
موسى قلت عمن ترويه قال سمعت الوليد بن عبد الملك يقوله وهو على المنبر!
/ وقد روى من غير وجه أن رجلا رأى يزيد بن
هارون في النوم فقال له ما فعل الله بك قال غفر لي ورحمني وعاتبني قال لي يا يزيد كتبت
عن حريز بن عثمان؟ فقلت يا رب ما علمت إلا خيرا قال أنه كان يبغض عليا/ وقال العقيلي ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحسن بن علي
الحلواني حدثني شبابة سمعت حريز بن عثمان قال له رجل يا أبا عثمان بلغني أنك لا تترحم
على علي فقال له اسكت ما أنت وهذا ثم التفت إلي فقال رحمه الله مائة مرة ( شبابة
ناصبي لا يوثق به إنما يريد مرير أحاديث حريز)، وقال ابن عدي وحريز من الاثبات في الشاميين ويحدث
عن الثقات منهم وقد وثقه القطان وغيره وإنما وضع منه ببغضه ..قلت – ابن
حجر- وحكى الأزدي في الضعفاء أن حريز بن عثمان روى أن النبي صلى الله عليه و سلم
لما أراد أن يركب بغلته جاء علي بن أبي طالب فحل حزام البغلة ليقع النبي صلى الله عليه
و سلم قال الأزدي من كانت هذه حاله لا يروي عنه قلت لعله سمع هذه القصة أيضا من الوليد!
( أين الحديث: فمن صدقهم بكذبهم واعنهم على ظلمهم فليس مني ولست منه)، وقال بن عدي
قال يحيى بن صاح الوحاظي أملى علي حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن النبي صلى
الله عليه و سلم حديثا في تنقيص علي بن أبي طالب لا يصلح ذكره حديث معقل منكر
جدا لا يروي مثله من يتقي الله/ قال الوحاظي
فلما حدثني بذلك قمت عنه وتركته، وقال غنجار
قيل ليحيى بن صالح لم لم تكتب عن حريز؟ فقال كيف اكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع
سنين فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن عليا سبعين مرة! وقال بن حبان كان يلعن
عليا بالغداة سبعين مرة وبالعشي سبعين مرة فقيل له في ذلك فقال هو القاطع رؤوس
آبائي وأجدادي وكان داعية إلى مذهبه يتنكب حديثه انتهى وإنما أخرج له البخاري
لقول أبي اليمان أنه رجع عن النصب كما مضى نقل ذلك عنه والله أعلم اهـ قلت:
البخاري وأبو اليمان على منهج القوم لكن بدرجة أخف.
[60] ولا يأت أحد ليقول لي
: لم نجد في تهذيب التهذيب اتهام يونس بن عبيد أو ابن عون أو نحوهما بالنصب، فأنت
لا تجني من الشوك العنب، فأنا إنما أستخرج النصب من قراءة سيرة الرجل وأحاديثه
ومواقفه .. وإلا فأهل الحديث لم يتهموا مروان بن الحكم بالنصب مع أن لعنه للإمام
علي ثابت في صحيح مسلم ومتواتر التاريخ، وكذلك لم يتهموا معاوية بالنصب ولا من جمع
الأشعار في هجاء النبي (ص) فأهل الجرح
والتعديل معظمهم لا يرون النصب ولو كان
لعن الإمام علي، لكنهم ينتبهون جيداً لمن يتنقص معاوية بربع ما يستحق، فلا تتعبوا
أنفسكم في كل مرة بأنكم لن تجدوا في كتب الجرح والتعديل أنهم قالوا كذا أو كذا..
هؤلاء الذين تعودون إليهم لمعرفة حقيقة الراوي هم واقعون تحت تأثير النصب إذا
أحسنا الظن إلا القليل جداً، وهذا القليل ليس باحثاً وإنما مقلد أيضاً، والحكم
المثالي على الرجل أي رجل، هو بتتبع سيرته وأحاديثه وأقواله والحكم عليها نصباً أو
سنة أو بدعة أو إسلاماً أو نفاقاً.. كما فعلنا في هذا الكتاب، فمن من شيوخكم وشيوخ
شيوخكم كان يعرف هذه المعلومات؟ حتى لو لم يوافقني على كثير منها إلا أنه بالتأكيد
– إن أنصف – سيذهل لكثرة ما وجد من الأبحاث والفوائد والمعلومات التي لم يكن
يتوقعها، إذن فأنا لا أحب أن أزكي نفسي، لكن لا أحب أن أغمط نفسي حقها من البحث
والعلم، ولا أرضى أن يحاكمني أحد إلى من يجهل ما بحثته، نعم حاكموني إلى من بحث
وليس إلى من تمذهب وتعصب وتعلم الجهل والكذب والتلبيس وعبادة الشيوخ
والأتراب..
[61] أعني بعمه أبا طالب، وقد تحقق عندي إسلامه، والروايات في موته على الكفر جاءت بأثر أموي،
وديوانه وسيرته تدل على أنه مؤمن يكتم إيمانه، نعم عمه الآخر أبو لهب في النار بنص
القرآن الكريم، وإنما أورده هذه الموارد قربه من أبي سفيان وهند، فقد كانت هند بنت
عتبة تحرضه، وكانت زوجته حمالة الحطب أختاً لأبي سفيان، فالذي أورد أبا لهب النار
إنما هو قربه من بني أمية، وهذا تحذير لكل هاشمي يقترب من النواصب!.
[62] هم رووا أن هؤلاء ممن
وعدهم الله بالحسنى! ويحشرونهم في المشمولين بهذه الآية مهما ساءت سيرتهم بعد
دعواهم الإسلام، فلا يضرهم شيء، فالسلفية المحدثة قرروا أنهم في الجنة وألزموا
الله بأنه وعدهم بالحسنى! ولا رجعة في هذا الأمر وإلا فهم يهددون بالكفر، وأن الله
يخلف وعده، وأن وأن ..الخ، وقد رددنا على شبهاتهم في كتابنا ( مع الشيخ عبد الله
السعد) ثم زادوا وشهدوا ليزيد بالجنة بسبب
حديث وضعه لهم عمرو بن الأسود العنسي ( ابن متنبيء اليمن) في تبشيره بالجنة هو ووالده، و على هذا لا
يضرهما عندهم ذنب حتى لو ثبت عندهم أن
يزيد نصراني أو زنديق أو ثائر لأجداده ببدر، وحتى لو ثبت عندهم أن معاوية حاول
اغتيال النبي (ص) ودعا إلى النار وتنقص رسول الله ...الخ، كل هذا لا فائدة من ذكره
عند هؤلاء الغلاة، فهم قرروا وانتهى الأمر
ورفعت الجلسة!
[63] تفسير ابن أبي حاتم -
(ج 7 / ص 341) : حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ
بْنِ حَمْزَةَ، ثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ،
عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا
" قَالَ: هَمَّ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ:
الأَسْوَدُ بِقَتْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ / المعجم الأوسط
للطبراني - (ج 4 / ص 286) حدثنا أحمد قال
: نا إسحاق بن الأخيل قال : نا مبشر بن إسماعيل ، عن جناب بن نسطاس ، عن شريك ، عن
عطاء بن السائب ، عن مجاهد ، عن ابن عباس في قول الله عز وجل : ( وهموا بما
لم ينالوا (1) ) قال : « هم رجل يقال له : الأسود بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
» « لم يرو هذا الحديث عن عطاء بن السائب إلا شريك ، ولا عن شريك إلا جناب ، تفرد به
: مبشر »
[64] وقد اصبح هذا اسمها! فقيل سودة امرأة أبي
الطفيل! ولم يعرفوها إلا بهذا الحديث، ففي الإصابة في تمييز الصحابة - (ج 7 / ص
725): سودة امرأة أبي الطفيل تابعية أرسلت
حديثا فذكره أبو نعيم في الصحابة فأورد من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم قال دخلت
على أبي الطفيل فوجدته طيب النفس فقلت لأغتنمن ذلك منه فقلت يا أبا الطفيل النفر الذين
لعنهم رسول الله صلى الله عليه و سلم من هم فهم أن يخبرني بهم فقالت امرأته سودة أما
بلغك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إنما أنا بشر فمن دعوت عليه بدعوة فاجعلها
له زكاة ورحمة اهـ
[65] هو المؤلف إبراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال
الثقفي، وما سبقه كانوا من رواة الكتاب.
[66] يوسف بن كليب ( بن عبد الملك) المسعودي: يروي عن
معاوية بن هشام والحسن بن علي بن أبي حمزة والحكم بن سليمان ويحيى بن سليمان (
تلميذ عبد الغفار بن القاسم)، ويحيى بن
سالم العبدي وأبي مالك الجهني و عامر بن
كثير وغيرهم، وعنه عباد بن يعقوب و يحيى بن زكريا بن شيبان شيخ ابن عقدة، وصاحب
الغارات والطبري الإمامي في المسترشد والحسن بن محمد الخزاز وغيرهم...
[67] الحسن بن حماد الطائي من أصحاب
الصادق ( مترجم عند الإمامية) وعند أهل الحديث مجموعة كبيرة باسم ( الحسن بن
حماد) دون النسبة، وأظنه العطار الذي وثقه
ابن حيان فله أحاديث في فضل علي، ويحتاج لبحث..
[68] عبد الصمد البارقي: وآل عبد الصمد كثير، ولم أجد
هذا الاسم مع هذه النسبة.
[69] جعفر بن علي بن الحسين لا أعرفه، وقد تكون
الرواية صوابها هكذا (عن جعفر بن محمد بن
علي بن الحسين) وعلى هذا فهو جعفر الصادق، أو ( عن جعفر عن علي بن الحسين)، أو أنه آخر، فليبحث،
لم أشأ أن أتوسع في البحث عنه.
[70] وفي أمالي الطوسي ص 181 : 6 رواه بالسند نفسه ولفظ مقارب، قال: أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو الحسن علي
بن مالك النحوي ، قال : حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد الحسني ، قال : حدثني عيسى
بن مهران المستعطف ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا شريك ، عن عمران
ابن طفيل ، عن أبي تحيى ، قال : سمعت عمار بن ياسر ( رحمه الله ) يعاقب أبا موسى
الأشعري ، ويوبخه على تأخره عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وقعوده عن الدخول
في بيعته ، ويقول له : يا أبا موسى ، ما الذي أخرك عن أمير المؤمنين ؟ فوالله لئن شككت
فيه لتخرجن عن الإسلام . وأبو موسى يقول له : لا تفعل ودع عتابك لي ، فإنما أنا أخوك
. فقال له عمار : ما أنا لك بأخ ، سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يلعنك
ليلة العقبة وقد هممت مع القوم بما هممت . فقال له أبو موسى : أفليس قد استغفر
لي ؟ قال عمار : قد سمعت اللعن ولم أسمع الاستغفار. اهـ
[71] تقريب التهذيب - (ج 1
/ ص 280): الضحاك بن مزاحم الهلالي أبو القاسم
أو أبو محمد الخراساني صدوق كثير الإرسال من الخامسة مات بعد المائة 4
[72] قالها البيهقي :
والسبب هو السلطة والتاريخ، لأجل التغطية على قريش كأبي سفيان ومعاوية وأمثالهم..
ولكن البيهقي لا يعرف أثر معاوية وبني أمية على التاريخ بحيث أصبحوا يلزقون كل شيء
بالأنصار، لإبعاد الشبهة عن قريش إلا أنهم تورطوا في ذكر منافقين من الأنصار لم
يشهدوا تبوك أصلاً..
نحن نقدم قروضًا للكيانات الخاصة والتجارية بمعدل فائدة سنوي منخفض جدًا ونمنح قروضًا تتراوح من 5000 دولار إلى 400 مليون دولار. ويهدف هذا إلى القضاء على التاريخ المتزايد لسوء الائتمان، ولكن أيضًا لتحقيق ربح ثابت لشركتنا وعملائنا. هل تفقد النوم ليلاً وتشعر بالقلق بشأن كيفية الحصول على قرض؟ جهة الاتصال: Sunshine Finance الآن عبر البريد الإلكتروني:
ردحذفcontact@sunshinefinser.com أو
واتساب: 919233561861+
شكرًا
كيف حصلت على قرضي تحياتي لكل من يقرأ هذا التعليق !!! انا رشيد بالاسم. من دبي. أنا هنا للتوصية بجهود مؤسسات الإقراض الائتمانية، كنت بحاجة إلى قرض لدفع فواتيري وأعمالي ومبلغ قرض موحد قدره 145000 درهم إماراتي وبمجرد أن اتصلت بمؤسسات الإقراض الائتمانية يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي وفي يوم الجمعة من الأسبوع الماضي أيضًا، تلقيت تنبيهًا من البنك الذي أتعامل معه (بنك أبو ظبي التجاري (ADCB)) يفيد بتحويل الأموال إلى حسابي المصرفي، وأريد من جميع الأشخاص الموجودين على هذا الموقع أن يتصلوا الآن بمؤسسات الإقراض الائتمانية عبر البريد الإلكتروني حول كيفية القيام بذلك احصل على قرض لأنني حصلت على قرضي منهم وأنا سعيد جدًا، لذا اتصل بهم الآن. البريد الإلكتروني: (loancreditinstitutions00@yahoo.com) أو whatsapp: +393512640785. أو whatsapp: +393509313766.
ردحذفشكرًا