إلا أنه ليس بهذا المحل، ويحسن بنا هنا أن نترجمه
للفائدة، ولأنه المصدر الإسماعيلي الوحيد بين مصادرنا هنا:
ترجمة القاضي النعمان ( 363هـ) :
هو
النعمان بن محمد بن المنصور، المشهور بـــ (القاضي النعمان) التميمي المغربي ثم
المصري (363هـ)، من كبار علماء الإسلام وعجائبهم، وقد اختلف أهل السنة بين منصف له
ومتحامل عليه، نظراً للخلاف السياسي الكبير الذي نشأ بين العباسيين السنة و الفاطميين الشيعة، لا سيما
وأن الرجل تحول من المالكية إلى الإمامية، فسخط عليه من سخط.
ومن مواطن الإنصاف ترجمة ابن خلكان له في كتابه
المشهور وفيات الأعيان - (ج 5 / ص 415) إذ يقول:
القاضي النعمان، أبو حنيفة النعمان بن أبي عبد الله محمد بن المنصور بن أحمد
بن حيون ، أحد الأئمة الفضلاء المشار إليهم، ذكره الأمير المختار المسبحي في تاريخه
فقال: كان من أهل العلم والفقه والدين والنبل على ما لا مزيد عليه، وله عدة
تصانيف: منها كتاب " اختلاف أصول المذاهب " وغيره، انتهى كلام المسبحي في
هذا الموضع، وكان مالكي المذهب ثم انتقل إلى مذهبه الإمامية، وصنف كتاب " ابتداء لدعوة للعبيديين " وكتاب
" الأخبار " في الفقه، وكتاب " الاقتصار " في الفقه أيضاً، وقال ابن زولاق في كتاب " أخبار قضاة مصر
" في ترجمة أبي الحسن علي بن النعمان المذكور، ما مثاله: وكان أبوه النعمان
بن محمد القاضي في غاية الفضل، من أهل القرآن والعلم بمعانيه، وعالماً بوجوه الفقه
وعلم اختلاف الفقهاء واللغة والشعر الفحل والمعرفة بأيام الناس، مع عقل وإنصاف ، وألف
لأهل البيت من الكتب آلاف أوراق بأحسن تأليف وأملح سجع، وعمل في المناقب والمثالب كتاباً
حسناً، وله ردود على المخالفين: له رد على أبي حنيفة وعلى مالك والشافعي وعلى ابن
سريج، وكتاب " اختلاف الفقهاء " ينتصر فيه لأهل البيت رضي الله عنهم، وله
القصيدة الفقيهة لقبها بالمنتخبة، وكان أبو حنيفة المذكور ملازماً صحبة المعز أبي تميم
معد بن منصور - المقدم ذكره - ولما وصل من إفريقية إلى الديار المصرية كان معه، ولم
تطل مدته، ومات فيمستهل رجب سنة ثلاث وستين وثلثمائة بمصر. وذكر أحمد بن محمد بن عبد
الله الفرغاني في " سيرة القائد جوهر " أنه توفي في ليلة الجمعة سلخ جمادى
الآخرة من السنة ، وصلى عليه المعز، وذكر ابن زولاق في تاريخه بعد ذكر وفاة المعز وذكر
أولاده وقضاة المعز فقال: قاضية الواصل معه من المغرب أبو حنيفة النعمان بن محمد الداعي،
ولما وصل إلى مصر وجد جوهراً قد استخلف على القضاء أبا طاهر الذهلي النغدادي فأقره،
انتهى كلام ابن زولاق، وكان والده أبو عبد الله محمد قد عمر، ويحكي أخباراً كثيرة نفيسة
حفظها وعمره أربع سنين، وتوفي في رجب سنة إحدى وخمسين وثلثمائة، وصلى عليه ولده أبو
حنيفة المذكور، ودفن في باب سلم، وهو أحد أبواب القيروان، وكان عمره مائة وأربع سنين
اهـ.
ومن تحامل بعض أهل السنة ترجمة الزركلي له في الأعلام
(ج 8 / ص 41) فقال:
النعمان
بن محمد بن منصور، أبو حنيفة بن حيون التميمي، ويقال له القاضي النعمان: من أركان الدعوة
للفاطميين ومذهبهم بمصر، كان واسع العلم بالفقه والقرآن والادب والتاريخ، من
أهل القيروان، مولدا ومنشأ، تفقه بمذهب المالكية، وتحول إلى مذهب الباطنية! عاصر المهدي
والقائم والمنصور والمعز (منشئ القاهرة) وخدمهم، وقدم مع المعز إلى مصر، وهو كبير قضاته،
وتوفي بها، وصفه الذهبي بالعلامة المارق!وقال ابن حجر: في كتبه ما يدل على
انحلال عقيدته، له ( من الكتب): " اختلاف أصول المذاهب "
يرد فيه على أدلة الاجتهاد وينصر الاسماعيلية، و"دعائم الاسلام، وذكر الحلال والحرام
- خ " مجلدان، رأيت ثانيهما في الفاتيكان (1156 عربي) وكان " الظاهر
" الفاطمي قد أمر الدعاة بحض الناس على حفظه، وجعل لمن يحفظه مكافأة، وله
" مختصر - ط " و " تأويل دعائم الاسلام - ط " الاول منه، ويسمى
" تربية المؤمنين " و " المجالس والمسايرات - خ " أخبار وأحاديث،
و " افتتاح الدعوة - خ " لعله الذي سماه " ابتداء الدعوة للعبيديين
" و " الهمة في آداب اتباع الائمة - ط " و " الاقتصاد - ط
" في فقه الشيعة، و"مختصر الآثار فيما روي عن الائمة الاطهار - خ "
متداول الآن بين طائفة البهرة، و " أساس التأويل الباطن - خ " و " المناقب
والمثالب " و " ردود " على بعض الائمة كالشافعي ومالك وأبي حنيفة، و
" شرح الاخبار في فضائل النبي المختار وآله المصطفين الاخيار - خ "
و " المنتخبة " قصيدة في الفقه،
قال الذهبي: كتبه كبار مطولة، وكان
وافر الحشمة عظيم الحرمة، في أولاده قضاة وكبراء اهـ
الحديث الثاني عشر: حديث أبي ذر.. بلفظ مقارب
ذكره الجاحظ وعنه ابن أبي
الحديد في شرح نهج البلاغة - (8 / 257) فقال:
روى شيخنا أبو عثمان الجاحظ في كتاب " السفيانية " عن جلام بن جندل
الغفاري ، قال : كنت غلاما لمعاوية على قنسرين والعواصم ، في خلافة عثمان ، فجئت إليه
يوما اسأله عن حال عملي ، إذ سمعت صارخا على باب داره يقول : أتتكم القطار بحمل النار
اللهم العن الامرين بالمعروف ، التاركين له اللهم العن الناهين عن المنكر المرتكبين
له ، .. وذكر القصة وفيها:
فأقبل
[ أبو ذر] على معاوية وقال : ما أنا بعدو لله ولا لرسوله ، بل أنت وأبوك عدوان لله
ولرسوله ، أظهرتما الاسلام وأبطنتما الكفر ، ولقد لعنك رسول الله صلى الله عليه ، ودعا
عليك مرات ألا تشبع ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله ، يقول : " إذا ولى
الامة الاعين الواسع البلعوم ، الذى يأكل ولا يشبع ، فلتأخذ الامة حذرها منه
" .. الخ. اهـ المراد.
التعليق:
الحديث ضاع إسناده، والشاهد فيه الكلام الأخير،
وقد لا يكون متناقضاً مع ما سبق، من حيث إطلاق التحذير إن لم يقتلوه.. وكأنه قال
فإن لم تقتلوه فاحذروه، فاقتصر أبو ذر على الأمر الأخير، ثم هذا الحديث خرج من دار
معاوية ولن يصل إلينا بتمامه.. وقد يتم تشويه أبي ذر وتحريف أقواله، لكنه شاهد من
حيث الجملة..
الحديث الثالث عشر : حديث حذيفة – ولم أجد إسناده
وهذا
الحديث ذكرته بعض كتب الزيدية بلا إسناد.. ثم وجدت الإسناد بعد،
ففي مطمح
الآمال في إيقاظ جهلة العمال من سيرة الضلال - (1 / 92)
والأحاديث
المروية فيه معارضة عند أئمتنا عليهم السلام بأحاديث صحيحة كحديث: ((إذا رأيتم معاوية
يخطب على منبري فاضربوا عنقه)) عند أئمتنا والحاكم وغيرهم، قال الحاكم: رواه الخدري
وجابر وحذيفة، قال الحسن: فلم يفعلوا فأذلهم.
وهو في
حقائق المعرفة - (1 / 208) مصدر زيدي
قال: روي
عن أبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليمان؛
كلُّهم يروون عن النبيء صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا رأيتم معاوية يخطب
على منبري فاضربوا عنقه)) قال: فلم يفعلوا فأذلّهم الله.
فتكرر
ذكر حذيفة بلا إسناد، ثم وجدت إسناد حديث حذيفة في كتب الإمامية،
ثم اكتشفت أن ذلك المصدر الإمامي سني ولرجل من شيوخ البخاري :
ففي
أصل عباد العصفري:
قال رسول الله (ص): ( إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان على المنبر فاضربوه
بالسيف[4]
) اهـ
التعليق:
وهذا
السند حسن، رجاله بين الثقة والصدوق، إن صح أن عباد العصفري هو عباد بن يعقوب
الرواجني شيخ البخاري، وهو قول جمهور الشيعة الإمامية، وهذا هو الراجح، ولو كان
إمامياً لعرفوه ولم يترددوا في ذلك.
الخلاصة العامة في هذا الحديث:
أن
الحديث على مقاييس أهل الحديث وعند الإنصاف منهم سيكون صحيحاً بلا ريب.. فقد روي
من اثني عشر طريقاً نصفها حسن بذاته إذا تخلصنا من المذهبية في الجرح والتعديل،
أما عند التحكم المذهبي فلو أتيت هؤلاء بأسانيد الدنيا كلها لم يقتنعوا، ولو
اقتنعوا لتأولوا ذلك في فضائل معاوية، وأن النبي (ص) إنما اراد أن يموت شهيداً على
منبره (ص) في ذلك المكان الطاهر ليكون شفيعه يوم القيامة ..الخ فنحن أصبحنا نعرف
أساليبهم ولم نعد نهتم لها..
ومع
هذا فمنهجي في التصحيح يبقي الحديث صحيح الإسناد، دون أن أقطع بصحة المتن، إلا
أنني أرجحه واحتج به تحت أصل أن النبي (ص) ترك الأمة على الجادة ليلها كنهارها لا
يزيغ عنها إلا هالك.
أما
اليقين فهو للأحاديث الكبرى مثل حديث المنزلة والغدير وخيبر وأمثالها من الأحاديث
المتواترة التي يصعب على القلب إنكارها إلا أن يشك في النبوة، ونعوذ بالله من ذلك،
ويجب على طلبة العلم أن يفرقوا بين متواتر وصحيح، بين متيقن وراجح، بين قطعي
الثبوت وظني الثبوت.
وأخيراً : طرفة صعصعة بن صوحان :
قال صعصعة بن صوحان التابعي الجليل - في أيام يزيد بن معاوية - :
ليت الأرض لفظت إلينا معاوية لننظر إليه كيف عذبه
الله ، وينظر الينا كيف عذبنا ابنه اهـ
وأقول
: ليت ذلك يكون لسبب آخر!
لننظر
كيف عذبه الله نعم، ولكن لينظر هو إلى الفرق بين عقله وعقول أتباعه!
أنا أظن أنه لو رآهم لظن أن ذريته مازالت حاكمة
من يوم وفاته إلى اليوم[5]!
أو أنها تحولت إلى علماء ووعاظ على كثير من القنوات الفضائية! ولو أخبرناه أن
ذريته خرجت من الحكم عام 64هـ لاتهمنا بالجنون وحق له!
الملاحق :
وهو
قسمان:
ملحق
الرواة لبعض تراجم رجال الحديث:
وملحق الردود على بعض تضعيفات الحديث:
أولاً : ملحق الرواة:
وهذه
الملاحق ليست في ترجمة كل الرواة، إنما بعض الرواة الذين تحتاج تراجمهم لتفصيل قد
تضيق بها الحواشي، فيتضرر القاريء، فهي تراجم بعضها موسع حسب القيمة المركزية
للراوي، فلذلك أطلنا في ترجمة علي بن زيد بن جدعان، وتوسطنا في آخرين واختصرنا
صنفاً ثالثاً..
والحديث
وطرقه وأسانيده والاحتجاج على منكريه يحتاج إلى المزيد من البحث والتوسع، ولكني
أخشى إن توسعت فيه أن أهمل غيره من البحوث، لا سيما وأن كثيراً من الناس ممن يعز
عليّ عتابهم قد أكثروا في العتب لتأخر صدور الكتب الجديدة..
فلذلك
إن حصل تقصير في هذا البحث أو غيره فليعذروني، لأنني متشتت في الأبحاث، ولا أكاد
أن أنجز بحثاً إلا جرني بعضه إلى بحث آخر ، والرجال المترجمون هم:
علي بن زيد بن جدعان التيمي، من آل أبي
مليكة ( نحو 40هـ- 131 هـ):
- نسبه
وأسرته وعائلته: هو علي
بن زيد بن عبدالله بن زهير[6](
المشهور بأبي مليكة) ابن عبدالله بن جدعان ( وعبد الله بن جدعان سيد بني تيم في
الجاهلية).
- فجده هو عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة التيمي،
وكان عقيماً فتبنى زهير أبا ملكية، فاستولى على المال والذرية فأصبح يقال ( آل أبي
مليكة)[7]،
ومات قبل البعثة بنحو 15 عاماً، وكان في داره حلف الفضول الذي قال فيه النبي (ص)
: لو دعيت لمثله لأجبت) وكان في نصرة
المظلوم، وقد نسب علي بن زيد إلى جده الرابع (جدعان) لشهرته وسيادته وغرابة الاسم،
وعائلة آل جدعان هم رهطه الأدنون.
- وأما
رهطه الأبعدون فهم تيم كلها، ومن أشهر بني
تيم أبو بكر بن أبي قحافة الخليفة وطلحة بن عبيد الله ( كان أبو قحافة والد أبي
بكر موظفاً عند عبد الله بن جدعان ينادي على طعامه ويطرد الذبان عن مائدته بأجياد
بمكة، وكان عبد الله بن جدعان سيداً جواداً منحه كسرى طباخون مهرة يجيدون طبخ
الفالوذج! في قصة ذكرها البلاذري).
وابن
عبد الله بن جدعان ( بالتبني) : هو زهير المكنى بأبي مليكة، وهو جد آل أبي ملكية بفرعيه، وإليه
انتهى نسب آل جدعان، لأنه الابن الوحيد بالتبني لعبد الله بن جدعان[8].
ولزهير المكنى بأبي مليكة ابنان :
عبد الله وعبيد الله[9].
وأشهر ولد عبيد الله: هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة صاحب
ابن الزبير.
وأشهر ولد عبد الله: هو علي بن زيد بن جدعان..
ووالد
علي بن زيد: هو
زيد بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان، وله ذكر أيضاً، فقد كان مع أولاد
زياد بن أبيه بخراسان[10].
هل يغلب
على ههذ العائلة الخير أم الشر؟:
يظهر
أن هذه العائلة ( من بيت جدعان خاصة) بعد وفاة سيدها عبد الله بن جدعان كانت عائلة
شريرة أو يغلب عليها الشر، فقد ذم منها أبو طالب بعض أعلامها في قصيدته اللامية
المشهورة، ومن ذلك البيت شيطان قريش قنفذ بن عمير بن جدعان ( ذكره أبو طالب في
قصيدته وكان له أثر سيء في محاربة النبي (ص) وهو الذي أدرك صهيب بن سنان عام
الهجرة، ثم كان له موقف سلبي من بني هاشم وقيل أنه الذي ضرب فاطمة) وقتل علي أحدهم
يوم بدر.
خروج علي بن زيد عن طبائع العائلة: علي بن زيد بن جدعان خالف العائلة، فقد اعتدل
وصاحب أفاضل الناس وأخذ العلم عنهم وروى بعض الأخبار الصحيحة المشهورة يومئذ[11]
في ذم بعض بني أمية كمعاوية فلم يحتمل له أهل الحديث ولا النواصب هذا التحول!
إذن
ليس والده بالمشهور لأنه كان شبه الأمير مع أولاد زياد، وأما جده عبد الله بن أبي
ملكية فلم أجد له ذكراً، وهو شبه المجهول.
وكذلك
علي بن زيد بن جدعان نفسه لا عقب له..
وله أخ
اسمه محمد بن زيد له عقب بالبصرة..
كنيته
وبلده: كنية
علي بن زيد بن جدعان أبو الحسن، وهو بصري البلد، وأصله من مكة، فلعله أول من سكن
البصرة، ولعل بعض آل أبي مليكة قدموا مع مصعب بن الزبير إلى العراق ( البصرة) وبقي
بعضهم في نصرة أخيه عبد الله بمكة، فكان من آل أبي مليكة البصريين علي بن زيد هذا.
وهذه
العائلة التيمية بالتبني، سكنت مكة وبقيت فيها وكان منها الطلقاء وأبناؤهم، ويظهر
أن تأخر إسلامهم كان خشية من مخالفة قومهم قريش، فقد يعيرونهم بنسبهم لو أسلموا
مبكراً، ولذلك وجدنا هذه العقدة عقدجة النقص تدفعهم للمبالغة في نصرة قريش، ولو
أنهم أبناء عبد الله بن جدعان صليبة لبقوا من أسياد قريش وكان لهم رأي، ولكنهم
أبناؤه بالتبني فلم ينهضوا في قريش، وبقوا في الظل التيمي وما قاربه، وانتقل بعضهم
للمدينة وبعضهم للبصرة، وعائلة علي بن زيد لعلها سكنت البصرة مبكراً فقد غزا والده
مع أولاد زياد بن أبيه وقتل بخراسان.
فضل
علي بن زيد وعلمه وعبادته:
لم
أعثر على تاريخ ولادته، لكن يظهر أنه ( بين 40هـ و50هـ) على ما يظهر من أخباره،
وكان علي بن زيد حافظاً للقرآن، عابداً، مكرماً من كبار علماء عصره كالحسن البصري
وسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين والزهري وقتادة وأمثالهم، فهو كما قال عنه حماد بن
سلمة ( إنما يجالسه الأشراف)، وربما هذا لقرشيته ولاعتداله رغم تيمية النسب
وزبيرية الهوى وبصرية الموطن، فآل جدعان التيميون كانوا أنصاراً لدولة ابن الزبير،
والبصرة عثمانية، ومع ذلك خرج علي بن زيد معتدلاً رغم أوهامه في الحديث، فلم
يحتملوا له الخروج عن النصب الآتي من ثلاثة أطراف التيمية والبصرية والزبيرية..
بالإضافة
إلى أنه واجه الاضطهاد الأموي كشيخه الحسن البصري، فسجنه الحكم بن أيوب الثقفي
والي البصرة للحجاج[12]،
فلذلك صعب على أهل الحديث أن يقبلوه كله! فاتهموه بالتشيع! مثلما اتهموا من لم يسب
علياً بالتشيع ولعله ثم الضعف في الحديث
على هذا الأساس الفاسد، مع أنه ليس كل أهل الحديث ولا كل النواصب يضعفونه، ففي
النواصب من يقويه ويأخذ بحديثه وخاصة الناصبية منها، فعلي بن زيد بن جدعان بقيت
فيه بقايا نصب نلحظها في بعض الأحاديث التي نصرها ابن تيمية وفرح بها لإخراج خلافة
علي من خلافة النبوة.
كان
فقيه البصرة الثاني بعد الحسن البصري، إذ أمروه أن يجلس مكانه بعد وفاته ( كاشف
الذهبي)، وكان الحسن البصري قد اختفى عنده في بعض فترات هروبه من الحجاج ( علل
أحمد)، وله مكانة كبيرة عند أهل العلم في زمنه، لكن مكانته بدأت تقل بعد تشكل
الفريق المذهبي أيام سفيان بن عيينة، وكان لسفيان الدور الأكبر في التزهيد فيه،
وهو حافظ ولذلك ترجمه الذهبي في تذكرة الحفاظ.
وقد
وثقه الحسن البصري وحماد بن سلمة وكان يحدث عنه شعبة وأمثاله من الكبار ( وشعبة لا
يحدث إلا عن ثقة عنده) إلا أنه يرى أن علي بن زيد يرفع بعض الأحاديث الموقوفة، وقد
ذكر حماد بن سلمة أنه لم يكن يجالسه إلا الأشراف ووجوه الناس ، ووثقه من المتأخرين الترمذي و العجلي ويعقوب بن شيبة، وعباراتهم في
توثيقه خفيفة ( صدوق، لا بأس به،..) ونحو ذلك.
وضعفه
جماعة منهم: وهيب بن خالد ( ورد عليه حماد بن سلمة) والقطان ( وكان فيه نصب) وسفيان بن عيينة رغم أنه يروي عنه لكنه زهد فيه
( وكان في سفيان بن عيينة ما فيه من نصب وعلو)، وابن سعد في الطبقات ( وهو عثماني
كأهل البصرة) وابن معين وأحمد وأبو حاتم وتضعيفهم له غير شديد.. وكلهم عثمانية من
إنتاج فترة الرشيد، مما يدل على شيء من
الحرج أو الاعتراف بالتضعيف المذهبي، وأنكر ما أنكروا عليه هو هذا الحديث لاصطباغ
أهل الحديث بصبغة الجرح المذهبي من أيام القطان، وأما المتقدمون فلم يكن يضعفه إلا
وهيب وقد رد عليه حماد بن سلمة.
أما من
ضعفه بعبارات شديدة فهم النواصب كيزيد بن زريع والجوزجاني[13]..
ومن
رؤية تضعيف سفيان بن عيينة وتلميذه أحمد بن حنبل لعلي بن زيد ومجموعة كابن عقيل
وجعفر الصادق وعاصم بن عبيد الله ...الخ [14]
معه يدل على الفرز المذهبي في الجرح والتعديل، فقد انتقى المتشيعين من أهل البصرة
وأبقى على توثيق النواصب منهم.. وهذا الفرز بدأ من عهد معاوية بالعزل القسري للرأي
الآخر، وتكرس في عهد المنصور والرشيد في
أوائل الجرح والتعديل باستثناء قلة من الكبار كشعبة، ثم استقر تماماً في عهد
المتوكل، وهؤلاء الحكام نواصب والثقافة الناتجة عنهم ستكون ناصبية سواء في الجرح
أو التعديل أو انتقاء الحديث أو هجر الثقلين..الخ.
والخلاصة:
من واقع ترجمة علي بن زيد بن جدعان نرى أن الرجل فقيه
عابد صدوق، وأسوأ أحواله عند التنزل أن يكون ضعيفاً ضعفاً غير شديد وليس متهماً
بالكذب، بمعنى أنه - على من يرى هذا الرأي - قد اختلط ويرفع أشياء موقوفة ويتصرف
في الألفاظ كثيراً ويتشيع ونحو هذا مما يدل على أن ضعفه غير شديد، بل حتى عبارات
المضعفين له تدل على هذا، مثل (ليس بالقوي، يكتب حديثه وليس بالقوي، قد روى عنه
الناس، ليس بذاك القوي، لا أحتج به لسوء حفظه، مع ضعفه يكتب حديثه،...)
فعباراتهم تدل على ضعف غير شديد لا سيما
مع وجود أقوال الموثقين ومثل هذا تقبل روايته في المتابعات والشواهد لا في الأصول،
وقد مال لتحسين حديثه - بعد بحث- الدكتور الشريف حاتم العوني في رسالته عن المرسل
الخفي (1/322)، وأرى أن تهمة الاختلاط ونحوه هي حيلة لتضعيف هذا الحديث فقط! فإنه
أنكر ما روى! استعظاماً منهم لهذا الحديث وهو استعظام سياسي ومذهبي لا علمي،
ثم لولا أن حديثه هذا جاء من طرق أخرى قوية ولولا الواقع التاريخي الشاهد على سوء
الرجل ( معاوية)، لما قبلت إسناد علي بن زيد لهذا الاختلاف، مع أن علي بن زيد
مظلوم على ما يترجح عندي لأنه كان من دعاة الإمام زيد بن علي، إضافة إلى أن
النواصب يقبلونه منفرداً خاصة إذا روى شيئاً فيه انتقاص من خلافة علي بن أبي طالب!
لكنهم لا يقبلونه في متابعات المتابعات إذا روى في ذم معاوية! كما هو لحال هنا؛ مع
أن الحديث يمكن تحسينه من غير طريقه أصلاً!.ومادة علي بن زيد بن
جدعان التيمي البصري كبيرة جداً تحتاج إلى كتاب مفرد، لسبر أحاديثه ومريواته
وسيرته وعصره ..الخ.ولو تمت هذه الدراسة لكانت إضافة مميزة لفترة مهمة ومفصلية من
تاريخ المسلمين الثقافي ( وهي الفترة المروانية التي امتدت من عام 65 هـ إلى
132هـ).
الراوي الثاني: أبو الوداك جبر بن نوف الهمداني:
تقريب التهذيب - (ج 1 / ص 137) :
جبر بن نوف الهمداني
بسكون الميم البكالي بكسر الموحدة كوفي صدوق يهم من الرابعة م د ت س ق
وفي تهذيب التهذيب - (ج 2 / ص 52):
م د ت في ق مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة:
جبر بن نوف الهمداني البكالي أبو الوداك الكوفي
روى عن أبي سعيد الخدري وشريح القاضي وعنه مجالد وقيس بن وهب وأبو إسحاق ويونس بن أبي
إسحاق وعلي بن أبي طلحة وإسماعيل بن أبي خالد وأبو التياح
قال بن معين ثقة وقال النسائي صالح قلت أخرج النسائي حديثه
في السنن الكبرى في الحدود وغيرها ولم يرقم له المزي وقال البخاري في تاريخه قال يحيى
القطان هو أحب إلي من عطية وقال ابن سعد كان قليل الحديث وقال بن أبي خيثمة قيل لابن
معين عطية مثل أبي الوداك قال لا قيل فمثل أبي هارون قال أبو الوداك ثقة ما له ولأبي
هارون وقال أبو حاتم وأبو الوداك أحب إلي من شهر بن حوشب وبشر بن حرب وأبي هارون وقال
النسائي في الجرح والتعديل ليس بالقوي وذكره بن حبان في الثقات اهـ
ذكره ابن حبان في مشاهير علماء الأمصار - (ج 1 / ص
150) وقال:
أبو الوداك جبر
بن نوف البكالي من أهل الصدق والاتقان.
الراوي الثالث: مجالد بن سعيد الهمداني (
144هـ):
هو مجالد بن سعيد بن عمير ذي مران الهمداني الكوفي،
روى عن الشعبي فأكثر – وهما من نواصب الكوفة وسلاطينها- وروى أيضاً عن قيس بن أبي
حازم – وهو ناصبي- وأبي الوداك ووزياد بن
علاقة – وهو ناصبي- وإسماعيل بن أبي خالد ( وهو من أقرانه على نصب فيه أيضاً)
وغيرهم.. وعنه شعبة والسفيانان وابن
المبارك و هشيم بن بشير وحفص بن غياث وغيرهم من الكبار! وقد روى له الإمام مسلم
وأصحاب السنن الأربع.
وقد ضعفه يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي
والنسائي –في رواية- وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأبو حاتم وقال ابن عدي: (عامة
ما يرويه غير محفوظ) وضعفه أيضاً ابن سعد والترمذي والعقيلي وابن حبان والدارقطني
والذهبي وابن حجر وقوى أمره النسائي -في رواية أخرى- والبخاري والعجلي ويعقوب بن
سفيان فمثل هذا سيكون ضعفه غير شديد لو نظرنا للأقوال فيه، لكن عند التحقيق في
أمره وبعد سبر مروياته وما انفرد به تبين لي أنه ضعيف جداً وأتحرج من أن أقول أكبر
من هذا مع أنه قد اتهم بالكذب أيضاً.
واتهامي لمجالد بالكذب ليس من هذا الباب، أعني ليس من
روايته الأحاديث المشهورة التي يتابعه عليها غيره، ولها شواهدها وحواضنها
وقرائنها، وإنما اتهمه بالكذب لأحاديث وروايات منكرة انفرد بها، ثم إن هواه
الناصبي لا مكان له في إنصافه القليل لأهل البيت الذي يتابعه عليه غيره، وإنما
نجده في الثناء على بني أمية الذي لا يوافقه عليه غيره، كحديث علي ( لا تكرهوا
إمارة معاوية فإنكم لو فقدتموه لرأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها)! فهذا افتراه مجالد
بإسناد إلى علي، وهو حديث منكر، وكأن الرؤوس لم تندر في عهد معاوية وبسبب بغيه
وخروجه؟ وكأنها لم تندر في خلافته في قصة حجر بن عدي وإبادة زياد لشيعة الإمام علي
في العراق؟ وكأن أحد ولاته ( سمرة بن جندب) لم يقتل الآلاف في البصرة؟! فقطع
الرؤوس في عهد معاوية أكثر وأبلغ وأفظع مما حصل في عهد ابنه يزيد بل وفي عهد مروان
وعبد الملك وسائر بني أمية .. فهذا الأثر الذي رواه مجالد وأمثاله عن علي في
الثناء على معاوية بما يعلم الجميع أنه ليس فيه! هو نموذج من أكاذيب مجالد، فنحن
نكذبه فيما ينفرد به في الثناء على بني أمية بما ليس فيهم، وليس روايته لما صح في
ذم بني أمية واشتهر عن غيره، إذن فالحكم عليه بأنه ضعيف جداً أو كذاب فهذا قلته
قديماً في (نقد تقريب التهذيب) لكن الكاذب لا يستطيع أن يكذب في كل شيء، وإلا لو
فعل ذلك لما روى عنه أحد، ثم ظهر لي أن مجالد فقد يصدق الكاذب وخاصة إذا روى في ما
يخالف هواه فإنه لا يرويه إلا لسبب، إما أنه لا يجد بداً من روايته لشهرته، أو
لأنهم سألوه عنه فأقره، أو لأنه رواه لأجل الطعن في أبي الوداك فأخذوا روايته
وتركوا رأيه في أبي الوداك أو نحو هذا.. إذن فهناك أسباب كثيرة تجعل الناصبي يروي
في ذم من يحب أو فضل من يكره، وقد لا يقصد هذا ولا هذا، ولكن الرواية تسير، ويبقى
هنالك رأيه ومقصده وسبب تحديثه.
وقد يرد البعض بأن أهل الحديث لم يتهموه بالنصب، ونحن
لا نعول على أهل الحديث في الاتهام بالنصب أو التشيع، وإنما على دراسة الشخص
ومروياته، فأهل الحديث لا يصفون بعض من لعنوا علياً بالنصب، لو كان لعنهم ثابتاً
كمروان بن الحكم ومعاوية، كما أنهم يتوسعون في وصم كثير من أهل السنة بالتشيع
ظلماً، بل اتهموا بعض الصحابة بذلك كأبي الطفيل وغيره، أهل الحديث لهم جهود
مشكورة، لكن الواقع السياسي المنحرف عن أهل البيت في الدولتين الأموية والعباسية
جعلهم يستجيبون لهذا الواقع، وليس أدل على ذلك من تجنبهم الرواية عن أهل البيت إلا
في القليل النادر الذي نصفه لا يثبت عنهم ويكون هذا النصف ضد منهجهم، فأهل البيت
والدولتان كانا على تضاد حاد، كما أن أهل البيت وأهل الحديث كانوا على تضاد ما،
يعرف ذلك في أمور كثيرة جداً، منها ما سبق ومنها حضور الاهتمام بتضعيف كل شيعي إن
أمكن، وحضور الاهتمام المضاد بالاحتفاء بكل ناصبي إلا ما ندر، وعلى هذا لا يصلح
أهل الحديث حكماً إذا كان فيهم بعض خصومة وانحراف في الجملة، كما أن في أهل الحديث
متشيعة ولكنهم قلة وغير مؤثرين في الجرح والتعديل ومسيرة الحديث، فالغلبة هي
للإنتاج السياسي.
ورغم قناعتي
بضعفه واتصاله بالسطان ونصبه إلا أن هناك من وثقه وقواه، كالنسائي في قول ويحيى بن
معين في قول والبخاري في قول .. والعجلي، وابن عدي في الجملة، ..الخ، وفي كتاب : ذكر من اختلف العلماء ونقاد الحديث فيه
- (1 / 93): قال أبو حفص – مؤلف الكتاب- : وهذا الخلاف في أمر مجالد يوجب التوقف فيه وهو إلى
التعديل أقرب لأن الذي ضعفه اختاره والذي ذمه مدحه لأن يحيى ابن سعيد ضعفه في رفع الحديث
ثم اختاره على حجاج وليث ووثقه يحيى ابن معين بعدما ضعفه والله أعلم.
إذن
فالخلاصة:
أن مجالد بن
سعيد غير مؤتمن على أهل البيت، لكن أحاديثه في ذم بني أمية يكون أقوى لنصبه
ولوقوعها تحت أصل صحيح.. وحديثه هنا متابعة لحديث روي بأسانيد قوية، فيقبل في
المتابعات والشواهد دون الأصول.
الراوي الرابع: أبو بشر المروزي شيخ ابن حبان –
في متابعة لحديث أبي سعيد:
وأبو بشر المروزي هذا هو أحمد بن محمد بن مصعب بن بشر بن
فضالة بن عبد الله بن راشد بن موان ( مروان) أبو بشر الفقيه من أهل مر – هكذا نسبه
ابن حبان- وهو شافعي المذهب ( كما في روضة العقلاء لابن حبان ص 106)
وللاستزادة
فقد توسع في ترجمته ابن حبان في المجروحين ( وهو مصدر معظم من جاء بعده) والخطيب
في تاريخ بغداد ( 5/ 73) والأصبهاني في أخبار أصبهان، وغيرهم.
وذكر ابن حبان
في ترجمته أحاديث كثيرة لكنها مشهورة غير منكرة، وكأن ابن حبان ينكر عليه في
أسانيدها لا متونها، من حيث دعاوى السماع وتركيب الأسانيد، والرجل كان صلباً في
السنة والرد على مخالفيها، فهو عندهم قدوة في السنة على الأقل، وأما في الحديث فهو
من حيث الحفظ إمام، ولكنهم أخذوا جرح ابن حبان في حديثه، وهو أول وأبلغ من طعن
فيه.
ثم الدارقطني
فقال كما في (موسوعة أقوال الدارقطني - (ج 5 / ص 359) : أحمد بن محمد بن مصعب بن بشر
، أبو بشر المروزي الفقيه ، كان مجودًا في السنة ، وفي الرد على أهل البدع ، وكان
حافظًا عذب اللسان ، ولكنه كان يضع الأحاديث ، عن أبيه ، عن جده ، وعن غيرهم ، متروك
يكذب اهـ وهذا رأي ابن حبان نفسه، كأن الدراقطني نقله منه، إضافة إلى أني لا
أستبعد أن يكون هذا الفقيه السني الحافظ من ضحايا رواية مثالب معاوية، يدل على ذلك
قول الدارقطني (عن أبيه عن جده) فرواية هذا الحديث رواه من هذا الطريق).
وقد ترجم له
أبو نعيم الأصبهاني (430هـ) في تاريخ أصبهان ولم يصفه إلا برواية غرائب، ولم يأخذ
أقوال ابن حبان والدارقطني فكأنه يعرف أن في الأمر مبالغة.
ثم ترجم له
الخطيب ووصفه بالفهم والمعرفة وأخذ عليه ما أخذه ابن حبان فقال في تاريخ بغداد
- (ج 5 / ص 73): (وكان أبو بشر من أهل المعرفة والفهم غير أنه لم يكن ثقة وله من النسخ
الموضوعة شيء كثير).
وأورده الذهبي
في طبقات الحفاظ - (ج 1 / ص 66) وقال فيه : الحافظ الأوحد أبو بشر أحمد بن محمد بن
مصعب بن بشر بن فضالة المروزي الفقيه، حدث عن محمود بن آدم وسعيد بن مسعود والطبقة
ثم زعم أنه سمع من علي بن خشرم فأنكروا عليه، قال الدارقطني: كان حافظاً مجرداً
في السنة والرد على المبتدعة لكنه يضع الحديث، وقال ابن حبان: يضع المتون ويقلب
الأسانيد لعله قلب على الثقات أكثر من عشرة آلاف حديث ثم ادعى شيوخاً لم يرهم مات في
ذي القعدة سنة ثلاث عشرين وثلاثمائة اهـ
قلت حديثه في معاوية ليس من تلك الأحاديث التي وضعها
فالحديث صحت أسانيده من غير طريقه، بل لا أرى أنه يضع الحديث وإنما علته في دعاوى
السماع وتركيب الأسانيد، هذا إن صح كلام ابن حبان فيه فإنه هو المصدر الوحيد في
هذه الأقوال، وعنه أخذ من بعده والوفاة المبكرة لأبي بشر تجعل الناس عالة على جرح
ابن حبان، وإذا رأيت ابن حبان يشن هجوماً حاداً على أحد الرواة فشك! فقد يكون لهذا
الهجوم أسباب غير علمية، وعائلة أبي بشر عائلة علمية مشهورة في الفقه والحديث
بمرو.
الراوي الخامس: نصر بن مزاحم ( من رواة حديث ابن مسعود والحسن وغيرهم)
هو أبو
الحسين، ويقال أبو الفضل، نصر بن مزاحم بن
سيار العطار الكوفي المنقري من بني تميم، سكن بغداد، وله كتاب (صفين - مطبوع) قد له سهيل هارون مقدمة مفيدة، وفيها
توثيق نصر، وقد أكثر عنه يحيى بن سليمان الجعفي شيخ البخاري في كتابه ( كتاب صفين)
– مفقود- ونقل ابن عساكر كثيراً من أحاديث الجعفي عنه، وعن نصر أيضاً، كما أكثر عنه الأصفهاني في مقاتل الطالبيين ثم
الأغاني، والطبري في تاريخه، وله رواية متوسطة في كتب تراجم الصحابة، وابن أبي
الحديد في شرح النهج، وصاحب تاريخ حلب وغيرهم، ونقل عنه الذهبي في تاريخ الإسلام
رواية وسكت عنها [15]
وكذا ابن كثير روى له رواية أخرى وسكت عنها. وابنه الحسين محدث ومؤرخ أيضاً..
وابنه الآخر : مزاحم بن نصر بن مزاحم ( يروي عن هلقام بن جميع)
وفي
عائلته إخباريون.. منهم عبد الله بن يسار بن مزاحم..
من
كلام عبد السلام هارون:
في مقدمته لوقعة صفين :
نصر بن
مزاحم: هو أبو الفضل نصر بن مزاحم بن سيار المنقرى.
ونسبته
إلى بنى منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
وهو مؤرخ
عربي، شيعي يغلو في مذهبه، كما يذكر المؤرخون، وهو كوفى النشأة ولكنه سكن بغداد وحدث
بها عن سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وحبيب ابن حسان، وعبد العزيز بن سياه، ويزيد
بن إبراهيم التسترى، وأبى الجارود زياد بن المنذر، وروى عنه ابنه (الحسين بن نصر)،
ونوح بن حبيب القومسى، وأبو الصلت الهروي، وأبو سعيد الأشج، وعلى بن المنذر الطريقي،
وجماعة من الكوفيين.
ولسكناه
بغداد أورد له الخطيب البغدادي ترجمة في تاريخه
ولم تذكر
لنا التواريخ مولده، ولكن عده في طبقة أبى مخنف يحملنا على القول بأنه كان من المعمرين،
إذ أن أبا مخنف لوط بن يحيى توفى قبل سنة 170 كما ذكر ابن حجر في لسان الميزان، وذلك
يرجح أن ولادة نصر كانت قريبة من سنة 120 هـ ، ويذكر المترجمون له أنه كان عطارا يبيع
العطور، ولعل ذلك مما أسبغ على تأليفه ذلك الذوق الحسن الذى يلمع في أثناء كتابه، ولعل
ذلك أيضا مما أكسبه هذه الروح البارعة في التأليف، إذ أنه يسوق مقدمات حرب صفين في
حذق، ثم هو يصور لنا الحرب وهى دائرة الرحى في دقة تصوير وحسن استيعاب، ويروى لنا أحاديث
القوم وخطبهم وأشعارهم، على ما في ذلك الشعر من صناعة الرواة أو تلفيق أصحاب الأخبار،
ولكنه في ذلك كله يكاد لا يخطئه التوفيق في مراعاة الانسجام، واستواء التصوير، واتساق
العرض.
والمؤرخون
يختلفون في توثيق نصر، شأنهم في كل راو من الشيعة، فبينا يذكره ابن حبان في الثقات
، ويقول ابن أبى الحديد الشيعي في شأنه : (ونحن نذكر ما أورده نصر بن مزاحم في كتاب
صفين في هذا المعنى، فهو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى ولا إدغال، وهو من رجال
أصحاب الحديث)، ثم ذكر قول العقيلي وأبي حاتم – وسيأتي- ثم قال:
ومهما يكن
فإن الناظر في كتابه هذا يلمس هدوء المؤرخ الذى لا تستفزه العصبية إلى هواه، إلا في
القليل لا يستطيع منه إفلاتا، فهو حين يذكر مثالب معاوية لا يخفى مطاعن الأعداء في
على، فأنت ترى أن جهد هذا الرجل كان موجها إلى التأليف الشيعي، ولم تحفظ لنا الأيام
من آثاره إلا هذا الكتاب، (كتاب صفين).
وقد ذكر كتبه فحذفتها وستأتي..
(إضافة)
وقد
أثنى على روايته معاصرون وفضلوه في بعض الأخبار على ابن أبي شيبة فقال سليمان الرحيلي في بحثه عن ( التاريخ عند ابن
أبي شيبة): مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - (ج 38 / ص 107) قال : وعلى الرغم
من أن نصر بن مزاحم معاصره ذكر الرايات الإسلامية الأولى بعدة ألوان ومنها راية بيضاء
وأخرى حمراء , فإننا لا نعرف تعليلاً لاقتصار ابن أبي شيبة على مرويات الرايات السوداء
إلا أن يكون ذلك بتأثير روح العصر العباسي الذي عاش فيه حيث كان السواد شعاره.
وقال أحد الباحثين المعاصرين ( د. فوزي ساعاتي )
: مجلة جامعة أم القرى - (ج 1 / ص 478)
مولده
: ... لم تذكر لنا المصادر التي ترجمت له عن سنة ولادته ولكن عبد السلام محمد هارون
- محقق كتاب وقعة صفين - رجح ولادته بأنها كانت قريبة من سنة 120هـ .
ومن مؤلفاته
: ... - فذكر أشهرها – ثم قال:
منهجه في
كتابه (وقعة صفين) : كتاب جمع فيه تفاصيل ما في "وقعة صفين" من أحداث في
اسلوب حسن الاستيعاب مع ذكره للخطب والأشعار التي رواها أصحاب الأخبار في معركة صفين
.
وبدأ نصر
بن مزاحم كتابه بذكر خبر قدوم على بن ابى طالب رضى الله عنه من البصرة إلى الكوفة
- وذلك في رجب سنة 36هـ - ومنها أخذ في توجيه كتبه ورسله إلى معاوية بن أبى سفيان رضى
الله عنه . ثم مسيره (على) إلى صفين حيث أخذ (المؤلف) يروى لنا في استطراد للحرب وهى
دائرة بين الفريقين إلى أن انتهت بالتحكيم واختيار الحكمين ثم اجتماعهما ونتائجه ويختم
كتابه بذكر اسماء قتلى وجرحى معركة صفين وكذا في المصابين في معركة النهروان، والتزم
بنقل الأخبار التاريخية بالروايات المسندة . ولم يتعرض في كتابه لترجيح الروايات وإنما
أوردها على علاتها ، وفاته : توفي في سنة 212هـ
الخلاصة في نصر بن مزاحم:
والرجل مؤرخ ومحدث وثقة في الرواية على تشيع
ظاهر، لكنه ليس إمامياً بل زيدي في الظاهر، ورواياته تدل على ذلك، وكذا سيرته فقد
ثار مع ابن طباطبا وجعله على السوق، ولذلك جعل ابن أبي حاتم من أباب ضعفه أنه (
كان شبه عريف)، فمن كان عريفاً لآل محمد يكون ضعيفاً ومن كان عريفاً لهشام بن عبد
الملك كالزهري يتنافسون على رواية حديثه!
وأهل الأخبار يعرفون قيمة مروياته، فهذا الأصفهاني في مقاتل الطالبيين يقول
(مقاتل الطالبيين - (ج 1 / ص 134) وهو يعرض منهجه في ترجيح الروايات في ثورة ابن
طبابا:... لأن علي بن محمد ( يقصد النوفلي)كان يقول: بالإمامة فيحمله التعصب لمذهبه
على الحيف فيما يرويه، ونسبة من روى خبره من أهل هذا المذهب إلى قبيح الأفعال، وأكثر
حكاياته في ذلك بل سائرها عن أبيه موقوفاً عليه لا يتجاوزه، وأبوه حينئذٍ مقيم بالبصرة
لا يعلم بشيء من أخبار القوم، إلا ما يسمعه عن ألسنة العامة على سبيل الأراجيف، فيسطره
في كتابه عن غير علم، طلباً منه لما شان القوم، وقدح فيهم، فاعتمدت على رواية من
كان بعيداً عن فعله في هذا، وهي رواية نصر بن مزاحم، إذ كان ثبتاً في الحديث والنقل،
ويظهر أنه ممن سمع خبر أبي السرايا عنه، قالوا: كان سبب خروج محمد بن إبراهيم وهو محمد
بن إبراهيم بن إسماعيل، وهو ابن طباطبا،... ثم ذكر القصة)، فهنا الأصفهاني يوثق
نصر بن مزاحم لأنه شاهد عيان، ولأنه ليس متعصباً .. والأصفهاني روى ولاية نصر بن
مزاحم على السوق كانت في عهد محمد بن محمد بن زيد بن علي، وليست أيام محمد بن
إبراهيم، فسرد بيعة محمد بن محمد بن زيد
بن علي ثم قال (مقاتل الطالبيين - (ص 138) : وولى نصر بن مزاحم السوق، وعقد لإبراهيم
بن موسى بن جعفر على اليمن..الخ) ونصر بن مزاحم معتدل وهو راوي تلك الرواية التي
يفرح بها النواصب ويروونها وهي كما في (بغية الطلب في تاريخ حلب - (ج 1 / ص 71)
...حدثنا يحيى بن سليمان حدثني نصر بن مزاحم قال: حدثنا محمد بن سعد عن عبد الرحمن
بن زياد بن أنعم وذكر أهل صفين فقال: كانوا عرباً يعرف بعضهم بعضاً في الجاهلية، فالتقوا
في الاسلام معهم تلك الحمية ونية الاسلام، فتصابروا واستحيوا من الفرار، وكانوا إذا
تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء، وهؤلاء في عسكر هؤلاء فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم..الخ)
و قد ترجم له الخطيب في تاريخه - تاريخ بغداد -
(ج 13 / ص 282)-و الصفدي في الوافي بالوفيات - (ج 7 /
ص 331) وترجم له ابن حبان فقال في : ثقات ابن حبان
- (ج 9 / ص 215) وأنصفه،
والبخاري في التاريخ الكبير- (ج 8 / ص 105) ولم يذكره بجرح ولا تعديل، وابن أبي حاتم في في الجرح والتعديل - (ج 8
/ ص 468) وفيه قول ابن أبي حاتم: سألت
أبى عنه فقال: واهى الحديث متروك الحديث لا يكتب حديثه كان شبه عريف مات قبل
دخولنا الكوفة اهـ يقصد أنه عريف لإبراهيم
بن طباطبا أخا القاسم الرسي من فضلاء أهل البيت،، وإنما ولاه على السوق، بينما لا
يضعفون من ولاه معاوية على قتل الأطفال أو يزيد على شرطته أو الحجاج على التعذيب..
الخ.و ترجم له ابن النديم في الفهرست - (ج 1 / ص 106)و ياقوت في معجم الأدباء -
(ج 2 / ص 479) وغيرهم وقد ترجمت له ترجمة حافلة لعلي أخرجها في كتاب.
الراوي السادس: الصحابي عبد الرحمن بن سهل الأنصاري ( حديثه نفسه):
وهو صحابي شهد بدراً في قول، وكان قوياً في الحق
فقيهاً، وترجم له ابن عبد البر في الإستيعاب
في معرفة الأصحاب - (1 / 252) : عبد الرحمن بن سهل الأنصاري يقال: إنه شهد بدراً
وكان له فهم وعلم ذكر ابن عيينة؛ قال: حدثنى يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد
يقول: جاءت إلى أبى بكر جدتان فأعطى السدس أم الأم دون أم الأب فقال: له عبد الرحمن
بن سهل؛ رجل من الأنصار من بنى حارثة قد شهد بدراً يا خليفة رسول الله صلى الله عليه
وسلم أعطيته التى لو ماتت لم يرثها وتركت التى لو ماتت ورثها فجعله أبو بكر بينهما
.. وروى عنه محمد بن كعب القرظى أنه غزا فمرت به روايا تحمل خمراً فشقها برمحه وقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندخل الخمر بيوتنا وأسقيتنا " اهـ مختصراً، وفي غوامض الأسماء المبهمة - (2 /
595): .. أبو بكر البرقاني قال أنا أبو الحسن
علي بن عمر الدارقطني الحافظ قال سماه سفيان بن عيينة منفردا في حديثه وقال هو عبد
الرحمن بن سهل الأنصاري شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اهـ مختصراً
ويحتاج لترجمة مفردة اهـ
الراوي السابع: بريدة بن سفيان الأسلمي ( في حديث عبد الرحمن بن
سهل):
جده صحابي[16] وقيل هو له صحبة ولكن لا يصح.
وهو الذي روى عن محمد بن كعب القرظي عن عبد الرحمن بن
سهل الأنصاري تهديده بأنه سيبقر بطن معاوية إذا تحقق ما أخبر النبي (ص) به .. أي
من رقيه على منبره .. وهو شاهد لحديث أبي سعيد ( إذا رأيتم معاوية على منبري
فاقتلوه)..
وبريدة هذا اختلفوا فيه كثيراً، من وصفه بالصحبة إلى
نقله إلى التابعين إلى تضعيفه! إلى ذكر أسباب الطعن فيه، من كونه يذم عثمان أو نحو
ذلك..
الظاهر أنه ليس صحبة أيضاً، وإنما هو تابعي .. وهو
ثقة، وأما التضعيف بذم عثمان فهذا تضعيف مذهبي، وهو في هذا متبع لمثل عمار وابن
مسعود وحذيفة بن اليمان وأبي ذر وطلحة والزبير وعائشة ( وغيرهم كثير جداً، ولإثبات
هذا بحث منفصل).
وهو صحيح
العقيدة، وهو من رواة حديث الطير ( رواه
عن سفينة) وحديث خيبر ( عن سلمة بن الأكوع) وحديث الهجرة .. فيما يخص أهل البيت، ولم يتلبس بنصب ذلك
الزمان، يدل على ذلك ذم الجوزجاني له بقوله (تهذيب الكمال 742 - (4 / 56): (وَقَال
إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني : ردئ المذهب جدا ، غير مقنع ، مغموص عليه في دينه )
والناصبي لا يذم إلا محباً لأهل البيت، وهذه درجة من التوثيق، ويدل على حسن عقيدته
روايته لهذا الحديث، وقال ابن عدي ( لم أر له شيئاً منكراً) وهذا توثيق أيضاً،
وقال النسائي ( ليس بالقوي في الحديث) وهذا عند النسائي كالصدوق عند غيره، وأما
البخاري فإنه لتشيعه لمعاوية قال ( فيه نظر) وهو عند البخاري جرح شديد وقد قالها
البخاري في صحابة وتابعين كبار عندما يجد فيهم شدة ضد معاوية ( والبخاري عالم –
بفتح اللام- لم يكتشف بعد)! وقال الجوزجاني في أحوال الرجال - (1 / 125) بريدة بن سفيان
بن فروة رديء المذهب اهـ وبشره الله بالخير! وقد سبق الكلام على الجوزجاني وأن
جرحه توثيق.
وقد استقرأ أحاديثه ابن عدي ولم ير فيها حديثاً منكراً
ظاهر النكارة..
واستقرأتها أنا كذلك وسأسردها بعد قليل وليس فيها حديث
منكر..
والاستقراء هو أبلغ أدوات الحكم على الراوي.
والخلاصة في ترجمته:
أن الرجل من
خلال استقراء أحاديثه نجد له اهتماماً خاصاً بآل محمد صلوات الله عليهم والملتصقين
بهم، وفي رواياته قصة استشهاد حمزة وقصة فتح خيبر وحديث الطير وغير ذلك، وهو ثقة
وإنما أنكروا عليه إكثاره من أخبار أهل البيت، هذا هو الظاهر، وقد توبع على تلك
الأحاديث، ولكن لعل هذا الاهتمام هو الذي جرّ عليه بعض الهجر والريبة، والعاقل من
اتعظ بنفسه!
الراوي الثامن:
إسماعيل بن موسى الفزاري ابن بنت السدي ( نحو 145هـ) في حديث عبد الرحمن بن سهل الأنصاري:
وهو
السدي الصغير ( 240هـ) ثقة. فهو من طبقة أحمد، إلا أنه أقدم سماعاً منه، يروي عن
مالك وشريك وأمثالهم، ولم يرو أحمد إلا عن من بعدهم كهاشم البريد وهشيم بن
بشير، واسمه إسماعيل بن موسى بن بنت
السدي، وقد وصفوه بالتشيع، ومع ذلك وثقوه،
وهذا يعني أنه ثقة بإطلاق، وإلا لما احتملوا له هذا، ( ففي تهذيب التهذيب ـ محقق - (1 / 292): وقال ابن
أبي حاتم سألت أبي عنه فقال صدوق وقال مطين كان صدوقا وقالى النسائي ليس به بأس وقال
ابن حبان في الثقات يخطئ وقال عبدان أنكر علينا أبو بكر بن أبي شيبة أو هناد بن السري
(!) ذهبنا إليه وقال ذاك الفاسق يشتم السلف، وقال ابن عدي وصل عن مالك حديثين وتفرد
عن شريك باحاديث وإنما انكروا عليه الغلو في التشيع.. ولم أجد في ثقات ابن حبان قوله يخطئ، وقال الآجري عن أبي داود صدوق في الحديث وكان يتشيع)
هذه كل الأقوال فيه، فهو ثقة بلا شك، وفي (الجرح والتعديل - (2 / 196) وسألت أبي عنه
فقال: صدوق [ روى عنه أبي وأبو زرعة -)) قلت: ولا يرويان إلا عن ثقة عندهما فكيف
إذا علمنا تشددهم في الشيعة؟ فهذا إذن فوق الثقة! ووثقه ابن حبان في الثقات ( وهو
متشدد في المتأخرين، وإنما تساهله في المتقدمين)، وكان يروي في فضائل علي أيضاً،
وقد روى عنه أصحاب السنن إلا النسائي والبخاري في خلق أفعال العباد وغيرهم، وقال
الذهبي في سير أعلام النبلاء [ مشكول + موافق للمطبوع ] - (21 / 210): الشَّيْخُ، الإِمَامُ، مُحَدِّثُ الكُوْفَةِ، أَبُو
مُحَمَّدٍ - وَقِيْلَ: أَبُو إِسْحَاقَ - إِبْرَاهِيْمُ بنُ مُوْسَى الفَزَارِيُّ،
الكُوْفِيُّ، سِبْطُ إِسْمَاعِيْلَ السُّدِّيِّ..الخ، وذكر له الذهبي قصة طريفة مع
مالك، وهي سير أعلام النبلاء [ مشكول + موافق للمطبوع ] - (21 / 211): وَقَالَ عَلِيُّ
بنُ جَعْفَرٍ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ ابْنُ بِنْتِ السُّدِّيِّ، قَالَ:كُنْتُ فِي
مَجْلِس مَالِكٍ، فَسُئِلَ عَنْ فَرِيْضَةٍ، فَأَجَابَ بِقَولِ زَيْدٍ، فَقُلْتُ مَا
قَالَ فِيْهَا عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُوْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فَأَوْمَأَ إِلَى
الحَجَبَةِ، فَلَمَّا هَمُّوا بِي، عَدَوتُ، وَأَعجَزْتُهُم، فَقَالُوا: مَا نَصنَعُ
بِكُتُبِهِ وَمِحْبَرَتِهِ؟ فَقَالَ: اطْلُبُوهُ بِرِفقٍ. فَجَاؤُوا إِلَيَّ، فَجِئتُ
مَعَهُم، فَقَالَ مَالِكٌ: مِنْ أَينَ أَنْتَ؟قُلْتُ: مِنَ الكُوْفَةِ.قَالَ: فَأَيْنَ
خَلَّفْتَ الأَدَبَ؟ فَقُلْتُ: إِنَّمَا ذَاكَرتُكَ لأَستَفِيدَ/ فَقَالَ: إِنَّ عَلِيّاً
وَعَبْدَ اللهِ لاَ يُنْكَرُ فَضْلُهُمَا، وَأَهْلُ بَلَدِنَا عَلَى قَوْلِ زَيْدِ
بنِ ثَابِتٍ، وَإِذَا كُنْتَ بَيْنَ قَوْمٍ، فَلاَ تَبدَأْهُم بِمَا لاَ يَعْرِفُوْنَ،
فَيَبدَأَكَ مِنْهُم مَا تَكْرَهُ، تُوُفِّيَ إِسْمَاعِيْلُ الفَزَارِيُّ: فِي سَنَةِ
خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَكَانَ مِنْ أَبْنَاء التِّسْعِيْنَ - سَامَحَهُ
اللهُ – اهـ هكذا وكأنه ارتكب جريمة سواء بحب علي أو مذاكرة مالك.. وقد ترجم له
ابن العديم في تاريخ حلب ترجمة جيدة، وذكر له قصة مع الوليد بن مسلم، وأنه كان
أحلم من مالك..
الراوي
التاسع: يحيى بن واضح: وهو ثقة من رجال الجماعة،
ومع ذلك فقد نقل عن البخاري تضعيفه، وكأن البخاري
يتتبع كل من روى في ذم بني أمية فيضعفهم!
وقد دافع الذهبي عن البخاري ونفى أن يكون ضعف يحيى بن واضح، ففي سير أعلام النبلاء
[- (17 / 218) : قَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: ثِقَةٌ / وَقَالَ أَحْمَدُ: كَتَبنَا
عَنْهُ عَلَى بَابِ هُشَيْمٍ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ - إِنْ شَاءَ اللهُ - / وَوَهِمَ
أَبُو حَاتِمٍ حَيْثُ حَكَى أَنَّ البُخَارِيَّ تَكَلَّمَ فِي أَبِي تُمَيْلَةَم وَمَشَى
عَلَى ذَلِكَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ/ وَلَمْ أَرَ ذِكْراً لأَبِي تُمَيْلَةَ
فِي كِتَابِ (الضُّعَفَاءِ) لِلْبُخَارِيِّ، لاَ فِي الكَبِيْرِ وَلاَ الصَّغِيْرِ/
ثُمَّ إِنَّ البُخَارِيَّ قَدِ احْتَجَّ بِأَبِي تُمَيْلَةَ، وَقَدْ كَانَ مُحَدِّثَ
مَرْوَ مَعَ الفَضْلِ بنِ مُوْسَى السِّيْنَانِيِّ/ مَاتَ: سَنَةَ نَيِّفٍ وَتِسْعِيْنَ
وَمائَةٍ اهـ وقال ابن حجر في تقريب التهذيب
- (2 / 598): يحيى ابن واضح الأنصاري مولاهم
أبو تميلة بمثناة مصغر المروزي مشهور بكنيته ثقة من كبار التاسعة ع اهـ
الراوي العاشر: محمد بن أحمد بن حمدان شيخ أبي
نعيم:
أبو عمر الحيري محدث نيسابور ( 356هـ) ، ثقة
حافظ كبير...
قال الذهبي سير أعلام النبلاء - (31 / 228):
مُحَمَّدُ
بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدَانَ الحِيْرِيُّ ابْنِ عَلِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ سِنَانٍ،
الإمَامُ، الحَافِظُ، أَبُو العَبَّاسِ،.. وأطال في الثناء عليه، ثم قال: ( وَكَانَ مُؤتمناً عِنْدَ الأُمَرَاءِ وَالكُبَرَاءِ،
يقومُ بِالأُمُورِ الخطيرَةِ، وَكَانَتِ الأَمتعَةُ النَّفِيسَةُ تَأْتِيهِ مِنْ كُلِّ
جَانبٍ، وَكَانَ وَرِعاً فِي معَاملاَتِهِ، كَبِيْرَ القدرِ، جُعِلَ نَاظراً للجَامِعِ،
فَعَمَرَهُ، وَكَانَ حَافِظاً للقُرَآنِ، عَارِفاً بِالحَدِيْثِ، وَالتَّارِيْخِ، وَالرِّجَالِ،
وَالفِقْهِ، كَافّاً عَنِ الفَتْوَى.... وَكَانَ إِذَا صَحَّ عِنْدَهُ حَدِيْثٌ عملَ بِهِ وَلَمْ
يَلْتَفِتْ إِلَى مَذْهَبٍ/ وَكَانَ يحفظُ حَدِيْثَهُ وَيَدْرِيهِ/ وَكَانَ محبَّباً
إِلَى النَّاسِ مُتبَرِّكاً بِهِ، نَافِذَ الكَلِمَةِ، قَدَّمُوهُ للاسْتِسْقَاءِ بِهِمْ/
وَكَانَ لَهُ مَجْلِسٌ للإِملاَءِ فِي كُلِّ اثنينِ وَخمِيسٍ، فَكَانَ يحضُرُهُ الأَئِمَّةُ
وَالكُبَرَاءُ، وَكَانَ يَرَى الجَهْرَ بِالبَسْمَلَةِ.... وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ السَّبتِ
حَادِيَ عشرَ صفرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ/ فَعَظُمتِ المُصيبَةُ،
وَاجتمعَ الكلُّ لجِنَازَتِهِ، وَأَقَامُوا رَسْمَ التَّعزِيَةِ سِتَّةَ أَيَّامٍ تعزيَةً
عَامرَةً بِالفُقَهَاءِ، وَالأَكَابِرِ وَوُجُوهِ الدَّهَاقِين، وَحضرَ خُوَارِزْمَ
شَاهَ أَبُو سَعِيْدٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عرَاقٍ تعزيتَهُ مَعَ أُمرَائِهِ،
وَكثُرتْ فِيْهِ المرَاثي) اهـ قلت فانظروا إلى هذا الحافظ العابد كيف روى الحديث
بتمامه مع ما فيه من ذم معاوية بالمرفوع والموقوف، ثم انظروا إلى نظيره الآتي
الراوي للحديث عن الشيخ نفسه ( الحسن بن سفيان) وكيف أفسد الحديث وحذف كل ما يتعلق
بمعاوية اهـ
ملحق الردود والتعقيبات:
أولاً: البخاري ففي التاريخ الأوسط
256 - (2 / 797)
قال
البخاري:
وروى حماد
بن سَلَمة ، عَن علي بن زيد ، عن أبي نضرة: أن معاوية لما خطب على المنبر قام رجل فقال : قال
ورفعه إذا رأيتموه على المنبر فاقتلوه, وقال آخر اكتبوا إلى عُمَر فكتبوا فإذا عُمَر
قد قتل وهذا مرسل لم يشهد أبو نضرة تلك الأيام.
التعليق:
لم
يروه أبو نضرة مرسلاً البتة، إنما روى أبو
نضرة الحديث ومناسبته عن أبي سعيد كما في :
أنساب الأشراف - (2 / 121) حدثنا إسحاق بن أبي اسرائيل وأبو صالح الفراء الأنطاكي
قالا: حدثنا حجاج بن محمد حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي
سعيد الخدري أن رجلاً من الأنصار أراد قتل معاوية، فقلنا له: لا تسل السيف في عهد
عمر حتى تكتب إليه، قال: إني سمعت روسل الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا رأيتم
معاوية يخطب على الأعواد فاقتلوه " ، قال: ونحن قد سمعناه ولكن لا نفعل حتى نكتب
إلى عمر، فكتبوا إليه فلم يأتهم جواب الكتاب حتى مات اهـ
فمن
أخبر البخاري بأنه مرسل؟ أو أن ابا نضرة رواه مرسلاً؟ ولم أجد غير البخاري من قال
هذا، فقد رواه قبله شيخه أبو بكر بن أبي شيبة مرفوعاً..إذن فالبخاري نفسه أول من
قلب الحديث إلى حديث مرسل، من أجل حماية معاوية، وعلى هذا فإطبقاهم على الثناء على
البخاري وصدقه محل نظر.. هو من أنقى الناس رجالاً لكنه ليس أنقاهم قلباً بدلالة
هذا التحريف الشنيع الذي فعله في الإسناد، وله نماذج كثيرة في كل حديث لا يعجبه،
فالبخاري رحمه الله وسامحه أموي الهوى شديد الأموية.
ثم قال البخاري :
وقال عَبد
الرزاق ، عنِ ابن عيينة عن علي بن زيد ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد رفعه.
وهذا مدخول
لم يثبت.
التعليق:
لم يذكر البخاري الدليل على ذلك؟ كيف مدخول؟
وكيف لم يثبت؟ .. هذه متابعة لحديث حماد بن سلمة عن علي بن زيد.. وللحديث شواهد..
وقد توبع عبد الرزاق عن ابن عيينة وتوبع ابن عيينة عن ابن جدعان وتوبع ابن جدعان
عن أبي نضرة وتوبع أبي نضرة وأبو سعيد أيضاً فماذا يريد البخاري؟
ثم قال البخاري:
ورواه مجالد
، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيدٍ ، رفعه.
وهذا واهٍ.
قال أحمد
: أحاديث مجالد كلها حلم.
وقال يحيى
بن سعيد : لو شئت لجعلها كلها (1): عن الشَّعبِيّ ، عَن مسروق ، عَن عَبد الله.
التعليق:
قوله
هذا واهٍ صحيح لو كان السند وحده، ومجالد من رجال السنن وفيهم من وثقه، فضعفه
عندهم غير شديد.. وأحمد لعله طعن فيه لهذا الحديث وليس لأخبار له في ذم أهل البيت،
فمجالد ناصبي، وقد ذكرنا السبب المحتمل لروايته هذا الحديث، لأجل تحريف ونحوه، كما
يفعل البخاري هنا، ولكن أهل الحديث أخذوا روايته وتركوا رأيه.. وهذا تفسير كثير من
روية الحديث التي يرويها من ليس عليها
وعلى يلتزم بمضمونها.
وأما
يحيى بن سعيد وهو القطان ففيه نصب، وكلامه في مجالد صحيح لولا أن مجالد توبع على
الإسناد والمتن، والضعيف لا يكذب في كل ما يرويه.. ولو كذب مجالد في كل ما يرويه لما روى له أهل
السنن ولا غيرهم.
ثم
البخاري لم يذكر بقية الأحاديث فاقتصر على إسناد أبي سعيد، وترك أكثر من عشرة
أسانيد أخرى، كأنه يخشى من استعراضها أن يثبت هذا في الذهن..
ثم
انتقل البخاري إلى مثالب أخرى قيلت في معاوية فقال:
ويروى عن
معمر ، عنِ ابن طاووس ، عَن أبيه ، عَن رجل ، عَن عَبد الله بن عَمْرو رفعه في قصته.
وهذا منقطع
لا يعتمد عليه.
التعليق:
لم يذكر القصة ولا نص الحديث وهو ( يموت معاوية
على غير ملتي) وهذا له أسانيد صحيحة وأراه من دلائل النبوة وقد أفردنا هذا الحديث
ببحث وله طرق بعضها على شرط الشيخين، وهذا الرجل المدخل لا أساس له إلا عند غلاة
السلفية كالخلال والبخاري، وليس موجوداً في أصل الحديث في المصادر الأخرى، فقد
زادوه حماية لمعاوية مثلما حذفوا ( أبا سعيد) للغرض نفسه، فمرة يزيدون ومرة
يحذفون، وهؤلاء الغلاة من أهل الحديث لا شك أن فيهم نصباً، ولا يكتشفهم أغلب طلبة
العلم، لأنهم يوردون شبهاتهم وحججهم بهذه الطرق المجتزأة المنتقاة المبتورة من كل
جانب، فيأتي صبيان أهل الحديث ليحللوا، وليحتملوا أن الحديث فيه كذا وكذا .. وقال
البخاري كذا وكذا.. ولو اختصر الطريق ووصف البخاري بالنصب وذهب إلى الحق رأساً
لكان هذا أرضى لله ورسوله.
ثم
أورد مثالب أخرى لكنه لا يذكر إلا الإسناد! ويضعفه بعبارات مختصرة دون بحث عن
الشواهد ولا المتابعات ولا استقصاء الاسانيد في ذلك..
ثم عاد البخاري إلى حديث أبي سعيد لينقضه متناً بقوله:
( وقد أدرك
أصحاب النبي صَلَّى الله عَليهِ وسَلَّمَ معاوية أميرا في زمن عُمَر بأمر عُمَر
وبعد ذلك عشر (2) سنين فلم يقم إليه أحد فيقتله.
وهذا مما يدل على هذه الأحاديث أن ليس لها أصول ولا
يثبت ، عَن النَّبيّ صَلَّى الله عَليهِ وسَلَّمَ خبره على هذا النحو في أحد من أصحاب
النبي صَلَّى الله عَليهِ وسَلَّمَ
إنما يقوله
(3) أهل الضعف بعضهم في بعض إلا ما يذكر أنهم ذكروا في الجاهلية ثم أسلموا فمحا الإسلام
ما كان قبله)[17]
اهـ
التعليق:
ليس كل
شيء أمر به النبي (ص) فعله الصحابة، فقد نهاهم ألا يهابوا من قول الحق واعترف أبو
سعيد الخدري بقوله ( وقد رأينا اشياء فهبنا) وامرهم بألا يتقاتلوا بعده وتقاتلوا
بغض النظر عن المصيب والمخطيء، فقاتل أبو بكر بني يربوع من بني تميم ورأسهم ( مالك
بن نويرة) صحابي، وتقاتلت فئة عثمان مع فئة الثوار وصار بينهم قتلى، وكذلك فئة علي
مع فئة عائشة ثم فئة معاوية.. ونهاهم عن التنافس في الدنيا فوقعوا فيها .. إلى
أمور كثيرة من الأوامر والنواهي.. فليست هذه العلة بمستقيمة..
ثانياً: كلام أحمد بن حنبل ومنهجه والتعقيب عليه:
في كتاب العلل - (2 / 414) من رواية ابنه عبد
الله قال:
سمعت أبي يقول في حديث بن نمير عن سفيان قال حدثنا
يونس عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم معاوية على منبري هذا يخطب قال
أبي ليس هو من حديث يونس اهـ
التعليق:
هذا فيه أقرار من أحمد بأن الحديث قد روي عن الحسن من غير هذا الطريق، وهذا جيد..
لكنه لم يرو هذا الحديث وسكت عليه مع أنه على شرطه..
ثم أحمد يروي أحاديث علي بن زيد ولو كان فيها رجل
مجهول ، من نفس الطريق إلى ابن جدعان ( حماد بن سلمة عنه) ولكنه لم يروي حديثه
هذا، ففي مسند أحمد ط الرسالة - (16 / 444): حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ،
يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "
لَيَرْعَفَنَّ عَلَى مِنْبَرِي جَبَّارٌ مِنْ جَبَابِرَةِ بَنِي أُمَيَّةَ، فَيَسِيلُ
رُعَافُهُ " قَالَ: فَحَدَّثَنِي مَنْ رَأَى عَمْرَو بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ
رَعَفَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَالَ
رُعَافُهُ اهـ إذن فلا إشكال في علي بن
زيد عند أحمدولو روى عن عن مجهول، فكيف إذا روى عن ثقة كأبي نضرة عن أبي سعيد؟ اين
هذا الحديث؟
زيادة وتفصيل مهم في منهج أحمد مع الأحاديث التي تتناول معاوية:
أحمد
بن حنبل رحمه الله وسامحه، كان له منهج وهو أنه لا يروي أي حديث يطعن في أحد من
الصحابة حتى ولو كان صحيحاً، وهذا أمر خطير جداً، ولا أدري ما حكم هذا العمل عند
الوهابية والسلفية، وحتى لا نتكلم عن الرجل من فراغ، يحسن بنا أن ننقل منهجه هنا
من كاتب عقيدته وجامعها والمعول عليه عند القوم، ألا وهو أبو بكر الخلال ( 311هـ)
فقد أمضى عمره في جمع أقوال أحمد في العلل والفقه والعقائد، وألف كتابه المشهور (
السنة) أي سنة أحمد بن حنبل لا سنة رسول الله، وهذا ظاهر من المقدمة أنه يرى فعل
أحمد وقوله كله سنة، وهذا غلو، وعلى أية حال هذا منهجه كما كتبه الخلال بأسانيده،
وسنعقب بكلام مختصر وإلا فهذا المنهج يحتاج إلى نقض في دراسات وبحوث كاملة، لأن
هذا يتعلق بغش أهل الحديث أكبر مما يتعلق بمسألة اختلاف في التصحيح والتضعيف،
وسأقسم كلامه وأعقب على كل رواية أو كل
روايتين، وأحذف ما لا يدل على المنهج للاختصار:
ففي كتاب السنة
للخلال [ جزء 3 - صفحة 501
إلى
515]
تحت عنوان:
التغليظ
على من كتب الأحاديث التي فيها طعن على أصحاب رسول الله، قال:
1- أخبرنا أبو بكر المروذي قال : سمعت أبا عبدالله
يقول إن قوما يكتبون هذه الأحاديث الرديئة في أصحاب رسول الله وقد حكوا عنك أنك
قلت: أنا لا أنكر أن يكون صاحب حديث يكتب
هذه الأحاديث يعرفها؟!
فغضب وأنكره إنكارا شديدا وقال باطل! معاذ الله!
أنا لا أنكر هذا؟ لو كان هذا في أفناء الناس لأنكرته فكيف في أصحاب محمد؟! وقال أنا لم أكتب هذه الأحاديث!
قلت لأبي عبدالله فمن عرفته يكتب هذه الأحاديث
الرديئة ويجمعها أيهجر؟
قال نعم يستاهل! صاحب هذه الأحاديث الرديئة
الرجم (!!)
وقال أبو عبدالله ( يعني
أحمد بن حنبل):
جاءني عبدالرحمن بن صالح فقلت له تحدث بهذه
الأحاديث؟ فجعل يقول قد حدث بها فلان وحدث
بها فلان وأنا أرفق به وهو يحتج فرأيته بعد فأعرضت عنه ولم أكلمه.
قال المحقق السلفي: إسناده صحيح اهـ
وأقول في
الرد والتعقيب:
إن لم يكن المروذي (وهو
تلميذ أحمد رقم 1) قد كذب في هذه القصة ففيها خطورة في منهج أحمد بن حنبل ورؤيته
لكتابة الحديث، وورعه عن جليل الأمور ووقوعه في جليلها الآخر.. وذلك لأسباب من
أهمها:
أولاً:
أحمد يتأثر بأصحابه
الخاصين ويؤثرون عليه ويزايدون ... كحال كثير من العلماء اليوم.. ولي بالإمام أحمد
ومدرسته اهتمام خاص..وهو رجل عابد تقي ورع .. إلا أن الورع في جانب دون آخر ..كورع
الثوري عن تذوق فاكهة البستان واتهامه عباد الله كالحسن بن صالح بالنفاق! ولأحمد قصص مشابهة..وفي قصة ورع أهل
الحديث وتقواهم خلط كبير.. فورعهم ليس في حرمة دم المسلم ولا عرضه .. وإنما في
الامتناع عن الأمور اليسيرة الدقيقة، كتذوق فاكهة البستان ..والطهي في تنور من يعمل عند السلطان..
فينسينا هذا الورع الدقيق عن نقدهم في ذلك التهور العظيم في دماء الناس وأعراضهم..
وهكذا سارت الدنيا..
ثانياً:
كلامه يعني ترك كتابة التاريخ مطلقاً..لأن
مفهومهم للطعن في الصحابة مفهوم واسع جداً.. لا يبقي معه كتابة غزوة ولا حدثاً من
الأحداث.. والتاريخ أحداث فيها المحسن والمسيء والمتوسط..وإذا كتبنا أخبار
المحسنين وتركنا أخبار المسيئين فهذه خيانة.. وإن كتبنا الأخبار الحسنة وتركنا
السيئة فهذا أيضاً تزوير للتاريخ.. وإن كتبنا التعديل وتركنا الجرح اختلت
الرواية..فما بقي إلا أن نذكر جرح المخالفين بلا تعديل، ونذكر تعديل الموافقين بلا
جرح.. وهذه عصبية ظاهرة..
ثالثاً:
أحمد لا يطرد في هذه
الأقوال، وهو يحرص على معاوية أكثر من حرصه على أهل بدر أو المهاجرين والأنصار،
وهذه علة السلفية إلى اليوم، ولإثبات هذا
مبحث آخر.
وقد روى أحمد مثالب في صحابة كبار في مسنده
وفضائل الصحابة وغيرها..
فمثلاً روى طعن عبد الرحمن بن عوف في عثمان بن
عفان بما يفيد أنه نكث شرط البيعة (سيرة
الخليفتين = التي اشترطها عليه عبد الرحمن بن عوف) وأن عثمان اعترف بذلك! وقال :
وأما سنة عمر فلا أطيقها..!..
وهذا الطعن في أحد العشرة
عند أهل الحديث، وليست في أفناء الناس ولا
الطلقاء، إلا أن يكون أحمد لم يفهم منها طعناً ولا نقداً لعثمان، وهذه مشكلة أخرى!
ثم جرح أحمد لكثير من الرواة أليس كلاماً في
أفناء الناس؟! فكيف يقول إنه لا يرضى الطعن في أفناء الناس؟ هذه مبالغة شديدة ليس
عليها أحمد، وراجعوا ( بحر الدم)!
وأهل الحديث هكذا، وعلى منهجهم السلفيون إلى
اليوم، يأتون بالقاعدة ولا يلتزمون بها، فيأتي المقلدون ليحجروا واسعاً..
القرآن حوى أخطاء
الأنبياء فكيف لا تكتب أخطاء الصحابة؟..
رابعاً:
قوله (لم يكتب تلك
الأحاديث؟.. فيه نظر.. والصواب أنه كتب تلك الأحاديث لكنه بتر وحذف كثيراً من مناسبات
تلك الأحاديث الصحيحة لأن فيها طعناً على بعض الصحابة..
وكذلك فعل البخاري وكثير من العقائديين، وهذه خيانة في النقل
فيجب تأدية الحديث كما هو بمناسبته..
لأن المناسبة مفسرة للحديث، أو مسهمة في ذلك..
مثل ذكره لحديث عبادة بن
الصامت[18]
وحذف مناسبته التي تصرح بأن معاوية كان يتاجر في الخمر.. فهذا الحذف كوّن صورة عند أتباع أحمد عن معاوية
تغاير ما يعرفه من يثبت تلك المناسبة..
ثم إذا ذكر أحد معاوية ببيع الخمر، قام عليه
الحنابلة بأنه يطعن في الصحابة وأن الزيادة (المناسبة لا تصح) ولو صحت لرواها
أحمد! مع أن أحمد أولى بالنقد لأنه بتر الحديث!
لأن الإسناد الذي عند الحاكم والشاشي وغيرهم هو
إسناد أحمد نفسه إلا أنهم كانوا أكثر دقة
وأمانة منه في نقل الحديث بحذافيره، وبتره أحمد، فأصبح أتباع الأكثر أمانة
مذمومين، وأتباع الأجرأ بتراً وحذفاً وتحريفاً ممدوحين..
وهذا للأسف قلب لموازين
الجرح والتعديل إن كان ولابد من جرح وتعديل.. فكيف إن روى مثل أحمدأو البخاري في
نقد بعض الكبار كالعشرة وحذفوا نقد بعض الصغار بل
البغاة الظلمة كمعاوية وسمرة..
هذا يفتح باباً كبيراً بعنوان (خيانة أهل الحديث
في الميزان) فيتم تحديد معايير الأمانة والخيانة.. ثم ينظر في هذه الأمة هل تميل
لأهل الأمانة أم لأهل الخيانة؟
وما أثر هذا على فكر الأمة وتشكيلاتها المعرفية؟
وهل هذا من أسباب تخلف الأمة أم رفعتها؟ .
خامساً:
قوله بأن من يروي هذه
الأحاديث-التي قد تكون صحيحة- يستاهل الرجم(!) جرأة كبيرة على حدود الله.. فمن هو
أحمد حتى يزيد على حدود الله ما ليس منها ؟
ولماذا هذا التورع عن الصغائر والإفتاء
بالعظائم؟
هذه هي السلفية المحدثة
التي نحرص على نقدها
وكل سلف يزيد على الشرع ما ليس منه
فهو أهل للذم والرد والبيان .. وإظهار الشهادة لله..
أقول هذا مع محبتي لورع أحمد
وفضله في غير هذه الخيانات العلمية.
الفقرة
الثانية :
ثم قال
الخلال:
وكتب
إلي أحمد بن الحسين قال ثنا بكر بن محمد عن أبيه عن أبي عبدالله:
وسأله عن الرجل يروي الحديث فيه على أصحاب رسول
الله شيء يقول أرويه كما سمعته؟
قال ما يعجبني أن يروي الرجل حديثا فيه على
أصحاب رسول الله شيء !
وقال – يعني أحمد بن
حنبل- :
وإني لأضرب على غير حديث
مما فيه على أصحاب رسول الله شيء!!
قلت:
هذا اعتراف
صريح بالخيانة العلمية، ودعوة صريحة للانتقاء والحذف بما يتوافق مع العقائد
المستحدثة..
ولا أستطيع أن
أعلق أكثر من هذا الكلام !!
الفقرة الثالثة: ثم قال الخلال:
أخبرني
العباس بن محمد الدوري قال ثنا إبراهيم أخو أبان بن صالح قال كنت رفيق أحمد بن
حنبل عند عبدالرزاق قال فجعلنا نسمع فلما
جاءت تلك الأحاديث التي فيها بعض ما فيها! قام أحمد بن حنبل فاعتزل ناحية وقال ما أصنع
بهذه؟ فلما انقطعت تلك الأحاديث فجاء فجعل يسمع / قال المحقق: في إسناده إبراهيم لم أجد ترجمته
- وأخبرنا مقاتل بن صالح
الأنماطي قال سمعت عباس الدوري يقول كنا إذا اجتمعنا مع أحمد بن حنبل نسمع الحديث
فجاءت هذه الأحاديث في المثالب اعتزل أحمد بن حنبل حتى تفرغ فإذا فرغ المحدث رجع
فسمع!
قال مقاتل: وسمعت غير شيخ يحكي عن أحمد بن حنبل هذا // في
إسناده مقاتل بن صالح مجهول الحال
قلت:
من مجموع ما
سبق، يدل على أن السلف القديم من أهل
الحديث كانوا أكثر أمانة..
وعلى أن الانتقاء والحذف والبتر قد بدأ بمرحلة
أحمد ومدرسته وما زال إلى اليوم.
وبلغ أوجه في
بغداد على أيدي الحنابلة كالمعمري..
ثم على يد ابن تيمية تحريف كثير وخيانات كبرى..
ثم على يد الشيخ حامد الفقي القاهري ..
وكذلك المدرسة
السلفية المحدثة لا يرون الخيانة والبتر
والتحريف خيانة ..
وتحريفهم في
التراث واسع.. بما يتوافق مع معتقداتهم..
الفقرة
الرابعة: ثم قال الخلال:
وأخبرني العباس بن محمد بن إبراهيم قال سمعت جعفر
الطيالسي يقول سمعت يحيى بن معين:
يقول كانوا عند عبد الرزاق؛ أحمد وخلف ورجل آخر،
فلما مرت أحاديث المثالب وضع أحمد بن حنبل إصبعيه في أذنيه طويلا حتى مر بعض
الأحاديث ثم أخرجهما ثم ردهما حتى مضت الأحاديث كلها أو كما قال // في إسناده
العباس بن محمد اهـ
قلت: شيوخ
أحمد معظمهم في أمانة عبد الرزاق..
ثم
قال الخلال:
سمعت محمد بن عبيدالله بن
يزيد المنادي يحكي عن أحمد بن حنبل فلم أحفظه ولم أكتبه فأخبرني محمد بن أبي هارون
قال سمعت ابن المنادي قال كنت عند أحمد بن حنبل فجاء أحمد بن إبراهيم الموصلي الذي
كان يحدث ومعه ابن له فأخرج الموصلي من كم ابنه دفترا فدفعه إلى أبي عبدالله فنظر
أحمد في الكتاب وجعل يتغير لونه كأنه ينتقص
فلما فرغ أحمد من النظر في الدفتر قال:
قال عز وجل (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي
ولا تجهروا له بالقول..) الآية ..
أما يخاف الذي حدث بهذه أن يحبط عمله وهو لا
يشعر؟ ثم قال أحمد بعد أن مضى الموصلي تدري من يحدث بهذه؟\ قلت لا قال هذا جارك يعني خلف // إسناده حسن اهـ
قلت: خلف
هذا هو خلف بن سالم المخرمي (231هـ) من طبقة أحمد وابن معين، محدث كبير.. نقموا عليه جمعه فقط لأحاديث فيها
طعن –حسب مفهومهم- على بعض الصحابة..وهذا يعني أن التنقية بدأت من ذلك العصر ..
ثم قال الخلال:
وأخبرنا أبو بكر المروذي:
قال سألت أبا عبدالله عن خلف المخرمي؟
فقال خرج معي إلى طرسوس وكتبه على عنقه خرجنا
مشاة فما بلغنا رحبة طوق حتى أزحف بي قال وخرجنا في اللقاط يعني بطرسوس وما كنت
أعرفه إلا عفيف البطن والفرج
قال أبو عبدالله فلما كان بعد ذهبت إلى منزل عمي
بالمخرم فرأيته فأعرضت عنه
ثم قال وأيش أنكر الناس على خلف إلا هذه
الأحاديث الرديئة؟
لقد كان عند غندر ورقة أو قال رقعة فخلا به خلف
ويحيى فسمعوها فبلغ يحيى القطان فتكلم بكلام شديد // إسناده صحيح اهـ
أقول:
الانتقاء كان على مراحل ... والقطان من هؤلاء ثم إن روي حديث عن شعبة فيه هذا
الكلام قيل وأين كان منه غندر؟ مع أن
الذنب ليس ذنب شعبة ولا غندر وإنما القطان
وأحمد..ومن وافقهم.
ثم
قال الخلال:
806 - أخبرنا محمد بن علي
قال ثنا مهنى قال سألت أحمد عن خلف بن سالم فلم يحمد ولم ير أن يكتب عنه // إسناده
صحيح
قلت: هو
ثقة..وليس أول ثقة ينهى عنه أحمد لسبب مذهبي..
ثم
قال الخلال:
وأخبرني محمد بن علي قال
ثنا مهنى قال سألت أحمد عن عبيدالله بن موسى العبسي!
فقال كوفي! فقلت فكيف هو ؟ قال كما شاء الله ، قلت كيف هو يا أبا عبدالله؟ قال لا يعجبني أن
أحدث عنه ! قلت لم ؟ قال يحدث بأحاديث فيها تنقص لأصحاب رسول الله // إسناده صحيح
اهـ
قلت:
إذن فالسبب مذهبي...وقد اجتب الرواية عنه فعلاً
في المسند واستدرك ابنه عبد الله ثلاثة أحاديث..
ثم
قال الخلال:
- سمعت محمد بن عبيدالله
بن يزيد المنادي يقول كنا بمكة في سنة تسع وكان معنا عبيدالله بن موسى فحدث في
الطريق فمر حديث لمعاوية فلعن معاوية ولعن من لا يلعنه
قال ابن المنادي فأخبرت
أحمد بن حنبل فقال متعدي يا أبا جعفر
فأخبرني محمد بن أبي هارون أن حبيش بن سندي
حدثهم أن أبا عبدالله ذكر له حديث عبيدالله بن موسى فقال ما أحسب هو بأهل أن يحدث
عنه وضع الطعن على أصحاب رسول الله
ولقد حدثني منذ أيام رجل من أصحابنا أرجو أن
يكون صدوقا أنه كان معه في طريق مكة فحدث بحديث لعن فيه معاوية فقال نعم لعنه الله
ولعن من لا يلعنه فهذا أهل يحدث عنه؟ علي الإنكار من أبي عبدالله أي إنه ليس بأهل
يحدث عنه // إسناده حسن
قلت: أحمد
يروي عمن يلعن علياً كمروان ومعاوية وحريز ... ويترك الحديث عمن يلعن معاوية..
والخلاصة :
هذه
انتقاءات سريعة من منهج أحمد وتطبيقاته وإلا فالأمثلة كثيرة جداً، تبين أن الإمام
أحمد له منهج خطير في الرواية والحديث على علمه وورعه وتألمنا من نقده، لكن ماذا
نفعل؟ بلغ السيل أطراف الهضاب..
ثالثاً: كلام ابن كثير والرد عليه:
البداية والنهاية - (8 / 141)
وقد روي
ابن عدي من طريق علي بن زيد، وهو ضعيف، عن أبي نضرة عن أبي سعيد، ومن حديث مجالد، وهو
ضعيف أيضا، عن أبي الوداك عن أبي سعيد: أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه
".
التعليق:
سبق أن
علي بن زيد بن جدعان صدوق، ومن ضعفه فإنما بسبب هذا الحديث فهو عندهم أنكر ما روى!
وقد توبع كما سبق..
ثم قال
ابن كثير:
وأسنده
أيضا من طريق الحكم بن ظهير - وهو متروك - عن عاصم عن زر عن ابن مسعود مرفوعا.
وهذا الحديث
كذب بلا شك، ولو كان صحيحا لبادر الصحابة إلى فعل ذلك، لانهم كانوا لا تأخذهم في الله
لومة لائم.
التعليق:
هذا
الحماس من ابن كثير في تكذيب الحديث قرينة نصب خفي، يظهر في مثل هذه المواطن،
وحجته في ذلك قد أجبنا عليها..
ثم قال
ابن كثير:
وأرسله
عمرو بن عبيد عن الحسن البصري، قال أيوب: وهو كذب.
التعليق:
ولم
يذكر ابن كثير الرواة الآخرون عن الحسن كالأعمش وإسماعيل بن مسلم عند البلاذري
ونصر بن مزاحم، ثم أيوب السختياني بصري ناصبي لا يؤخذ قوله في ذم عمرو بن عبيد،
فعمرو بن عبيد أفضل منه وأتقى لله رغم أنه معتزلي، إنما نتكلم هنا عن التقوى، وليس
في مجال تصحيح العقائد، فلكل مسلم ما يدين الله به، والله بصير بالعباد، أما
التقوى فلا شك أنهم كلهم طالب صيد غير عمرو بن عبيد!
ثم قال ابن كثير :
ورواه الخطيب البغدادي باسناد مجهول عن أبي الزبير
عن جابر مرفوعا: " إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقتلوه (1) فإنه أمين مأمون
". اهـ
التعليق:
ليس في
السند مجهول، وإنما نعم فيه رجل ضعيف، وقد ترجمناه في الملحق..
رابعاً: كلام الذهبي معتدل:
قال في
سير أعلام النبلاء - (3 / 149)
محمد بن
بشر العبدي: حدثنا مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد مرفوعا: " إذا رأيتم فلانا
يخطب على منبري، فاقتلوه "، رواه جندل بن والق ، عن محمد بن بشر، فقال بدل
" فلانا ": معاوية، وتابعه الوليد بن القاسم، عن مجالد، / وقال حماد وجماعة:
عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد مرفوعا: " إذا رأيتم معاوية على منبري،
فاقتلوه "/ الحكم بن ظهير - واه - عن عاصم، عن زر عن عبدالله (6) مرفوعا نحوه/
وجاء عن الحسن مرسلا / وروي بإسناد مظلم، عن جابر مرفوعا: " إذا رأيتم معاوية
يخطب على منبري، فاقبلوه، فإنه أمين مأمون " هذا كذب/ ويقال: هو معاوية بن تابوه
المنافق.
التعليق:
الذهبي أخطأ في قوله عن الحكم بن ظهير ( واه)
وهذا من بقايا نصبه وإن كان أخف من نصب ابن كثير، وابن كثير أخف نصباً من ابن
تيمية، وابن تيمية أخف نصباً من معاوية، وهكذا ..
لكن
الذهبي أنصف في تكذيب رواية ( فاقبلوه) فهو جزم بكذبها لعلمه بأنها التفاف على
الحديث، أما أنا فاعتبرتها من شواهد الحديث، باللفظ الصواب، بمعنى أن الناصبي الذي
حرف اللفظة وزاد في الحديث إنما دليل على ضيق ذرعه بهذا الحديث وأنه قد روي..
وسكت عن الروايات في وجوب قتل معاوية ولم يقل عنها كذب..
وأما
قوله ( قيل هو معاوية بن التابوت)! فذها اقتراح اقترحه أحد نواصب الحنابلة وهو أبو
بكر بن أبي داود، فقد رواه عن عباد بن يعقوب
( من حديث أبي سعيد) ثم اقترح ذلك.. ولم يقل به غيره، ولا يعرف أحد اسمه
معاوية بن التابوت.. وأبو بكر بن أبي داود كان ناصبياً وكاد أن يقتل لطعنه في علي
وأمهات المؤمنين بذكره رواية من تلك الروايات الأموية التي كانت تريد إلصاق
الفاحشة بأمهات المؤمنين وعلي بن أبي طالب ( راجع ترجمته في تاريخ بغداد) ومثله لن
نقبل منه حماية معاوية باسم خرافي مخترع.. حتى الحنابلة كابن الجوزي لم يقبله
منه.. وكان الأولى بالذهبي أن يرده، ولا يكفي أنه رواه بصيغة التمريض.
خامساً: كلام ابن الجوزي والرد عليه:
قال في
الموضوعات - (2 / 24)
وأما الاحاديث
التى وضعت لذمه – يعني في ذم معاوية- :
فالحديث
الاول : في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله إذا صعد على منبره ، وهو يروى من
حديث ابن مسعود وأبى سعيد والحسن مرسلا.
التعليق:
ثم
استعرضها وقد سبقت دراستها، وابن الجوزي له أوهام كثيرة، وهو ينقل الجرح ولا ينقل
التوثيق ولا يبالي إلا بجمع ما يطرح كل إسناد بمفرده! ثم لم يذكر بقية الطرق ..
فأهمل نحو خمس طرق مشهورة ..
إلا
أنه أحسن بزيادة لطيفة وهو قوله:
قال المصنف:
وقد تحذلق قوم لينفوا عن معاوية ما قذف به في هذا الحديث!
ثم انقسموا قسمين
فمنهم من غير لفظ الحديث وزاد فيه!
ومنهم من صرفه إلى غيره.
ثم
قال:
ذكر ما
صنع القسم الاول:
أنبأنا عبدالرحمن بن محمد القزاز أنبأنا أحمد ابن
على الخطيب حدثنى الحسن بن محمد الخلال حدثنا يوسف بن أبى حفص الزاهد حدثنا محمد بن
إسحاق الفقيه إملاء قال حدثنى أبو نصر الغارى حدثنا الحسن بن كثير حدثنا بكر بن أيمن
القيسي حدثنا عامر بن يحيى الصريمى حدثنا أبو الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " إذا رأيتم معاوية يخطب على منبرى فاقبلوه فإنه أمين (
مأمون)".
قال الخطيب:
لم أكتب هذا الحديث إلا من هذا الوجه ورجال إسناده ما بين محمد بن إسحاق وأبى الزبير
كلهم مجهولون، ومحمد بن إسحاق كثير المناكير.
قلت-
أنا حسن المالكي- لو لم يجد النواصب للحديث أصلاً عن جابر بن عبد الله ما حرفوه،
فهذا يضاف لشواهد حديث جابر بن عبد الله..
ثم قال
: ذكر صانع القسم الثاني:
أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ أنبأنا عبد القادر ابن
محمد أنبأنا أبو إسحق البرمكى أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال : قال لى أبو
بكر بن أبى داود لما روى حديث معاوية " إذا رأيتم معاوية على منبرى فاقتلوه
" قال هذا معاوية بن التابوت نذر أن يقذر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم
وليس هو معاوية بن أبى سفيان.
قال المصنف
قلت: وهذا يحتاج إلى نقل ومن نقل هذا ومن معاوية ابن التابوت؟. اهـ
التعليق:
إذن
فرواية مثل أبي بكر بن أبي داود للحديث لم يكن لوجه الله وإنما لصرفه من معاوية
إلى أسطورة لا وجود لها.. والسلفية والحنابلة منهم خاصة، والنواصب بشكل أخص، من
أقدر الناس على تعطيل مفاعيل النصوص الشرعية إذا اقتربت من عجلهم الكبير.
سادساً: كلام ابن طاهر المقدسي والرد عليه وهو من النواصب الكبار:
قال في
ذخيرة الحفاظ - (1 / 320) – مع تعليقات لي سريعة بين الأقواس-
حديث :
إذا رأيتم معاوية على منبرى ؛ فاقتلوه .
رواه الحكم بن ظهير الفزاري الكوفي : عن عاصم ، عن
زربن حبيش ، عن عبدالله . والحكم كذاب يضع الحديث ( هكذا!!)
وسرقه منه عباد بن يعقوب الراوجني ( هكذا!! من أخبره بذلك؟)
، فرواه
عن شريك ، عن عاصم ، عن زر ، عن عبدالله .
وعباد هذا من غلاة الروافض (!! هكذا) ،ويروي المناكير
عن المشاهير ، يستحق الترك
وإن كان محمد بن إسماعيل البخاري روى عنه حديثاً
واحداً في الجامع ، فلا يدل ذلك على صدقه ، لأن البخاري روى عنه حديثا ، وثقه عليه
غيره من الثقات ، وأنكر الأئمة في عصره عليه روايته عنه (!! الله أكبر!! أنكر الأئمة في عصره؟)!
وترك الرواية عن عباد جماعة من الحفاظ (!!)
قال ابن
عدي : وعباد روى أحاديث أنكرت عليه في فضائل أهل البيت ، وفي مثالب غيرهم (!!)
وقد اختلف عليه ، فرواه محمد بن صالح عنه ، عن شريك
، ورواه علي بن عباس عنه ، عن الحكم بن ظهير ، فدل أن تلك الرواية عن شريك لا أصل لها
، والحديث راجع إلي الحكم ، وهو كذاب . ورواه عمرو بن عبيد ، عن الحسن ، أن رسول الله
( قال ذلك . قال حماد بن زيد : قيل لأيوب : إن عمروبن عبيد يروي عن الحسن هذا ؟ قال
: كذب .
قال المقدسي
: والحسن عن النبي ( مرسل .
ورواه علي
بن زيد بن جدعان : عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري . ورواه عن علي بن زيد : ابن عيينة
، وجعفر بن سليمان ، وغيرهما . ورواه عن كل واحد جماعة .
والحديث بجميع طرقه راجع إلى علي ، وهو لا شيء في
الحديث (!! كذا)!
ورواه مجالد بن سعيد : عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد
الخدري ، ورواه عنه جماعة . ومجالد ضعيف .
ورواه سفيان بن محمد الفزاري : عن منصور بن سلمة
، عن سليمان بن بلال ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر . قال ابن عدي : سوّى سفيان
الفزاري هذا ، فقال : عن جعفر ، عن أبيه جابر . ورواه عن منصور : عن سليمان ، وسليمان
ثقة ، ومتقن ، لابأس به ، وإنما روى هذا سليمان : عن جعفر بن محمد ، عن جماعة من أهل
بدر .
قال المقدسي
: وجعفر ، وأبوه لم يدرك أحدا من الصحابة المتأخرين ، فكيف في جابر؟ ( عجيب)!!
وسفيان الفزاري من أهل المصيصة ، يسرق حديث الناس
، ويروي عن الثقات المناكير .
ورواه محمد بن إسحاق : عن محمد بن إبراهيم التيمي
، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه . وهذا بهذا الإسناد لم أكتبه إلاّ عن علي
بن سعيد ، عن الحسن بن عيسى الرازي ، عن سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق . وسلمة
رازي يعرف بالأبرش ضعفه إسحاق بن راهويه . وقال البخاري : في حديثه مناكير .
وهذا اللفظ
مع بطلانه قد قريء بالمعجمة الواحدة من تحتها ( يعني ذلك اللفظ المحرف: فاقبلوه)، ولايصح أيضا ، وهو أقرب إلى العقل (
يا سلام)!
ولأن الأمة رأوه يخطب على منبر النبي ( ولم ينكروا
ذلك عليه ، ولا يجوز أن يقال : إن الصحابة ارتدت بعد نبيها ( وخالفت أمره ، نعوذ بالله
من الخذلان ، والكذب على رسول الله ).
التعليق:
ما بين
الأقواس تعليقات من عندي .. لكثرة العجائب في كلام المقدسي..
ولا
أدري من اين أرد على المقدسي، إلا أن معظم الردود قد سبقت..
إلا أنه أعجبني منه قوله ( وهو أقرب إلى العقل)! متى كان أهل الحديث يحتجون
بالعقل؟ وإنما الصواب أنه أقرب إلى الهوى..
وأعجبني
منه كذلك احتماله أحد أمرين:
إما بطلان الحديث وإما ردة الصحابة!
هكذا
يخوف أولياءه! وقد أجبنا بأن المعصية أو العجز لا يعد كفراً ولا ردة..
وفي
الأخير يتعوذ بالله من الخذلان..والكذب على رسول الله، وهم من أكذب خلق الله في
أمرين: في النصب والتجسيم، وابن طاهر معروف بالأمرين وهو الطاعن في الحاكم
بأنه منحرف عن _(معاوية وآله)! وأنه رافضي ..الخ.
هذا
الرجل مجنون نصب لكن نصبه فج واضح.. وليس خفياً متذاكياً كابن تيمية.. فلذلك يسهل
حتى على العامة ملاحظة تعصبه وتهوكه في الدفاع والهجوم..
سابعاً: الجوزقاني وهو من كبار
النواصب: يكفر من صحح الحديث!!
وقال الجورقاني
في الأباطيل (1/200):
« هذا حديث موضوع باطل لا أصل له في الأحاديث، وليس
هذا إلا من فعل المبتدعة الوضاعين؛ خذلهم الله في الدارَين، ومن اعتقد هذا وأمثالَه؛
أو خطر بباله أن هذا جرَى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو زنديقٌ خارجٌ
من الدين».
التعليق:
هذا
الجوزقاني مجنون نصب، وليس عليه العمدة، إلا أنه يمكن أن نقول أنه بناء على هذا
الأساس فمن صحح أن عبد الله بن أبي بن سلول منافق فهو زنديق خارج من الدين من باب
أولى، لأنه صحابي شهد بيعة الرضوان، وتاب في آخر حياته وطلب من النبي (ص) أن يكفنه
في قميصه..الخ، فهو أولى بالدفاع من معاوية إلا أنه لم يحكم ليدلي بحجته ليتلقفها
الحمقى والمغفلون.
ثامناً: كلام ابن تيمية وهو مجدد
النصب بحق وأول من ألبس النصب لباس السنة:
قال ابن
تيمية في المنهاج (4/380): « وهو عند أهل المعرفة بالحديث كذب موضوعٌ مُختلَقٌ على
النبيِّ صلى الله عليه وسلم».
التعليق:
لا تعليق...! نحن لا نتحدث مع من لا يريد
الحقيقة.. وهل لو خرج النبي (ص) بنفسه وقاله وسمعه ابن تيمية هل سيقبل؟ هو لم يقبل
ما تيقن أن النبي (ص) قاله سواء في فضل علي كحديث المنزلة، أو في ذم معاوية كحديث
عمار فهل ننتظر منه أن يقبل ما لم يبحث ولم يتيقن من صدوره عن النبي (ص)؟ نحن لا
نعاتب ابن تيمية في مثل هذا الحديث، فهو
أقل بكثير مما رده ابن يتمية عناداً، دلالة أو إسناداً، فابن تيمية حسم
أمره في الوقوف مع بني أمية ولو ضد النبي (ص)، وقد أجلت معظم ما أريد أن أقوله عنه
مفصلاً في كتابي ( النقض الكبير) في الرد على منهاج السنة، وما ورد فيه من أخطاء
عظيمة في حق أهل البيت، من النبي (ص) إلى اصغر رجل فيهم.
تاسعاً وأخيراً: كلام الألباني والرد عليه مختصراً:
والألباني
رحمه الله له فضل عليّ خاصة، فقد كنت في بداية الطلب ممن قرأ كتبه كلها وتعصبت له
مدة، مع أني كنت أرى تعصبه في تضعيف فضائل علي وتقوية فضائل معاوية وعمرو بن
العاص، وهذا جزء من ضعف الوعي التاريخي عند السلفية عامة، فهم لا يأخذون إلا عن
سلفهم، وسلفهم لا يروون التاريخ ويرون تعطيل دراسته وتداوله، إلا ما يخص تاريخ
الرواة، فلذلك ضمر الوعي التاريخي عندهم فضمر نقدهم العلمي.. وأهل الحديث هم عالة
على أهل التاريخ والسير كما ذكر ابن عبد البر، ورحم الله الألباني فرغم فضله على
كثير من طلبة العلم إلا أنه في الأصل منحرف عن أهل البيت تبعاً للمنهج السلفي، وكل
سلفي يحب ابن يتمية لابد أن ينحرف عن آل محمد شاء أم أبى.. وخاصة علي والحسين
وفاطمة.. لا يمكن أبداً لسلفي يحب ابن تيمية أن يحب النبي (ص) أو علياً أو فاطمة
أو الحسين.. إلا أن يكون يجهل هؤلاء أو يجهل ابن تيمية.
وإني
لأعجب كيف كنا نرى كلام الألباني منزهاً
عن الأخطاء.. وههذ عادة سلفية في تضخيم العلماء حتى يتعطل عقل الطالب عن الأسئلة
والاستشكالات..
يقول الألباني في السلسة الضعيفة - (10 / 464)
حديث: إذا
رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه.
قال الألباني
: 10/ 605 : موضوع
وقد روي
من حديث أبي سعيد الخدري ، وعبدالله بن مسعود ، وسهل بن حنيف ، والحسن البصري مرسلًا.
( ولم يذكر بقية الطرق).. ثم قال:
1- أما
حديث أبي سعيد ؛ فله عنه طريقان : الأولى : عن علي بن زيد نضرة عن أبي سعيد مرفوعًا
به، أخرجه ابن عدي (ق 309/ 1) ، وعنه ابن عساكر
في "التاريخ" (16/ 362/ 1.وأشار ابن عدي إلى أنه حديث منكر ، وقد أورده في
مناكير علي بن زيد بن جدعان (286/ 1-2) بزيادة في آخره ؛ نصها : فقام إليه رجل من الأنصار
، وهو يخطب ، بالسيف . فقال أبو سعيد : ما تصنع ؟! فقال : سمعت رسول الله صلي الله
عليه وسلم يقول ... فذكر الحديث . فقال له أبو سعيد : إنا قد سمعنا ما سمعت ، ولكنا
نكره أن نسل السيف على عهد عمر حتى نستأمره ، فكتبوا إلى عمر في ذلك ، فجاء موته قبل
أن تخرجوا به.
قلت : وعلي
بن زيد ، وهو ابن جدعان ، متفق على تضعيفه لسوء حفظه ( قلت: كلا، ليس متفقاً على
تضعيفه = راجع ترجمته)
ثم قال:
بل قال ابن حبان فيه : يهم ويخطىء ، فكثر ذلك منه
، فاستحق الترك، ( والالباني نفسه يرد على ابن حبان كثيراً في تهوره في النقد)
وهذا الحديث يدل على أنه كما قال فيه يزيد بن زريع
: لم أحمل عنه ؛ فإنه كان رافضيًا"
(قلنا
: يزيد بن زريع ناصبي، ولا يقبل قول ناصبي في شيعي، وكيف برافضي في البصرة؟ لا
يمكن)
ثم قال:
وقال الحافظ في آخر ترجمته من "التهذيب"
: وهذا الحديث أنكر ما حدث به ابن جدعان.
( قلت:
ابن حجر ينقل هذا عن جمهرة من طعن في ابن جدعان وفيهم نصب، فلا يكون الناصبي حجة على
الشيعي، لأن الناصبي غيه نفاق بالنص، والشيعي فيه إيمان بالنص، هذا أقل ما يمكن في
تفعيل النص، أن ننزل لفظه من : لا يحب علياً إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، إلى :
من احب علياً ففيه أصل إيمان، ومن ابغضه ففيه أصل نفاق، والمنافق يكذب والمؤمن لا
يكذب، والنزول بالحديث إلى دون هذا بحيث يكون التشيع لعلي علامة على الضعف وبغضه
علامة على الثقة لا يجوز، لأنه تعدي على النص)
ثم قال الالباني:
قلت : والزيادة
التي ذكرناها تؤكد بطلانه ؛ إذ لا يعقل أن يكون أبو سعيد سمع الحديث عن النبي صلي الله
عليه وسلم كما سمعه ذلك الأنصاري ، ثم يبادر إلى الإنكار عليه حينما أراد تنفيذ الأمر
بقتل معاوية رضي الله عنه حين رآه على المنبر ، محتجًا على ذلك بقوله : ولكنا نكره
أن نسل على عهد عمر ...
[ كلا
ليس منكراً.. لأن أبا سعيد فهم من الحديث أن يقتل بأمر من السلطة القائمة، ولا يتم
التقدم عليها بالعقوبة كسائر الحدود]
ثم قال الألباني:
وإنما تنفق
مثل هذه الحجة فيما إذا لم يكن هناك نص خاص منه صلي الله عليه وسلم بقتل شخص معين ،
أما والمفروض أنه صلي الله عليه وسلم قال : إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه"
؛ فلا وجه لتلك الكراهة ! لكن الزيادة المذكورة تؤكد ، كما ذكرنا ، بطلان الحديث ؛
إذ إنه قد ثبت أن معاوية رضي الله عنه خطب على المنبر ، فلم لم يقتلوه إن كان رسول
الله صلي الله عليه وسلم قد قاله ؟!
[ هذه الشبهة يتناقلها النواصب حتى صدقها
الألباني، وقد سبق الجواب عليها]
ثم
قال:
وسيأتي
قول ابن عدي الذي نقله عنه السيوطي بهذا المعنى قريبًا إن شاء الله تعالى.
والطريق
الأخرى : عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد به.
أخرجه ابن
عدي (397/ 2) من طريق بشر بن عبدالوهاب الدمشقي حدثنا محمد بن بشر : حدثنا مجالد
... وقال : قال ابن بشر : فما فعلوا ! وقال ابن عدي عقبه : لا أعلم يرويه عن أبي الوداك
غير مجالد ، وعنه ابن بشر . وقد رواه غير ابن بشر عن مجالد . ومجالد له عن الشعبي عن
جابر أحاديث صالحة ، وقد روى عنه غير الشعبي ، ولكن أكثر روايته عنه ؛ وعامة ما يرويه
غير محفوظ.
قلت : وحال
مجالد في الضعف ؛ نحو علي بن زيد بن جدعان.
[ قلت:
كلا.. ابن جدعان أرفع بكثير..]
ثم
قال:
وقد ساق
حديثهما هذا ابن الجوزي في "الموضوعات" ، وقال : مجالد وعلي ؛ ليسا بشيء.
وأقره السيوطي
في "اللآلىء" (1/ 221) ، وكذا ابن عراق في "تنزيه الشريعة"
(2/ 8) ، ولكنه استظهر أن الآفة ممن دون مجالد ، وهذا محتمل بالنسبة لهذه الطريق ؛
فإن بشر بن عبدالوهاب الدمشقي ؛ الظاهر أنه بشر بن عبدالوهاب الأموي الذي اتهمه الذهبي
بوضع حديث مسلسل العيد.
وأما الطريق
التي عناها ابن عراق ، وهي التي ساقها ابن الجوزي ، ؛ فهي عنده من رواية ابن عدي أيضًا
: أنبأنا علي بن العباس : حدثنا علي بن المثنى : حدثنا الوليد بن القاسم عن مجالد به.
قلت : فهذا
الإسناد ليس فيه من هو أولى بتعصيب الآفة من مجالد ؛ فإن الوليد بن القاسم ، وهو الهمداني
الكوفي ، ؛ وثقه أحمد ، وابن عدي ، وابن حبان . وقال ابن معين : ضعيف الحديث.
وأورده
ابن حبان في "الضعفاء" أيضًا ! فقال : انفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث
الأثبات ؛ فخرج عن حد الاحتجاج بأفراده" ! وقال الحافظ : صدوق يخطىء، وعلي بن
المثنى ، وهو الطهوي ، ؛ روى عنه جماعة من الثقات ، وذكره ابن حبان في "الثقات/
لكن أشار ابن عدي إلى ضعفه ؛ كما في "التهذيب" . وقال في "التقريب"
: مقبول/ وعلي بن العباس : هو المقانعي ؛ كما في ترجمة ابن المثنى من "التهذيب"
، وقد أورده السمعاني في هذه النسبة . وقال : يروي عن محمد بن مروان الكوفي وغيره ،
روى عنه أبو بكر بن المقري ، ومات بعد شوال سنة ست وثلاث مئة.
فهو من
الشيوخ المستورين . والله أعلم.
[ قلت
وكأن الألباني قد جزم بأن الحديث موضوع ولذلك لا بد من البحث عمن وضعه! وهذا بحث
عن سبق إصرار على تضعيف الحديث، وهنا يخرج البحث عن كونه بحثاً]
ثم قال:
وأما حديث ابن مسعود ؛ فيرويه عباد بن يعقوب : حدثنا
الحكم بن ظهير عن عاصم عن زر عنه مرفوعًا/ أخرجه ابن عدي (ق 67/ 1) ، وعنه ابن عساكر
: أخبرنا علي بن العباس : حدثنا عباد بن يعقوب به/ ساقه ابن عدي في جملة أحاديث مستنكرة
للحكم بن ظهير . وقال : وللحكم غير ما ذكرنا من الحديث ، وعامة أحاديثه غير محفوظة"
. وروى عن ابن معين أنه قال فيه : ليس بثقة" . وفي رواية عنه : كذاب" . وقال
ابن الجوزي : موضوع . عباد رافضي . والحكم متروك كذاب/ وأقره السيوطي ؛ وابن عراق / وعباد بن يعقوب ، وإن كان رافضيًا ، ؛ فقد وثق
. وقال الحافظ : صدوق ، رافضي ، حديثه في "البخاري" مقرون ، بالغ ابن حبان
فقال : يستحق الترك/ قلت : وقد خولف في متن الحديث ؛ فرواه محمد بن علي بن غراب عن
الحكم بن ظهير ... بلفظ : يكون هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء من قريش أخرجه ابن عدي/
لكن محمد بن علي بن غراب مجهول الحال ؛ أورده ابن أبي حاتم (4/ 1/ 28) من رواية محمد
بن الحجاج الحضرمي عنه ، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
وهو بهذا
اللفظ صحيح ؛ له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعًا : رواه البخاري وغيره ، وهو مخرج في
"الروض النضير"
وأما حديث
سهل ؛ فيرويه سلمة بن الفضل : حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي
أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه مرفوعًا به ، إلا أنه قال : فلانًا" مكان : معاوية
/ أخرجه ابن عدي (ق 343/ 2) : حدثنا علي بن سعيد : حدثنا الحسين بن عيسى الرازي : حدثنا
سلمة بن الفضل ... وقال عقبه : لم نكتبه إلا عن علي بن سعيد/ قلت : وهو متكلم فيه/
لكن العلة ممن فوقه ، وهو سلمة بن الفضل ، وهو الأبرش ، ؛ قال الحافظ : صدوق كثير الخطأ
( عجيب!!) وشيخه محمد بن إسحاق مدلس ؛ وقد عنعنه ( أعجب)!/ فلعل الآفة منها ! (
وهذا أعجب وأعجب!! ما بقي إلا أن يحتمل أن الضعف من قبل تدليس ابن إسحاق؟؟)
ثم قال :
وأما حديث الحسن البصري ؛ فيرويه عمرو بن عبيد المعتزلي.
( ولم يذكر الرواة الآخرين عن الحسن)!!
فقال حماد
بن زيد : قيل لأيوب : إن عمرو بن عبيد روى عن الحسن أن رسول الله صلي الله عليه وسلم
قال ... فذكره ؟! فقال : كذب عمرو.
أخرجه العقيلي
في "الضعفاء" (ص 307) ، والخطيب في "التاريخ" (12/ 181) ، وابن
عساكر . وقال : وهذه الأسانيد كلها فيها مقال" .
ثم قال : وقد روي : فاقبلوه" : بالباء ، وهو
منكر.
ثم روى هو ، والخطيب (1/ 259) من طريق محمد بن إسحاق
الفقيه : حدثني أبو النضر القازي قال : أخبرنا الحسن بن كثير قال : أخبرنا بكر بن أيمن
القيسي قال : أخبرنا عامر بن يحيى الصريمي قال : أخبرنا أبو الزبير عن جابر مرفوعًا
بلفظ : إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه ؛ فإنه أمين مأمون" . وقال الخطيب
: لم أكتب هذا الحديث إلا من هذا الوجه ، ورجال إسناده ، ما بين محمد بن إسحاق وأبي
الزبير ، كلهم مجهولون.
قلت : وابن
إسحاق هذا : هو المعروف ب- شاموخ) ؛ قال فيه الخطيب : وحديثه كثير المناكير.
وفي ترجمته
ساق هذا الحديث.
وساق له
قبله حديثًا آخر في فضل علي وفاطمة والحسن والحسين ؛ واستنكره . وقال الذهبي : هذا
موضوع.
وقال السيوطي
في "اللآلىء" ، بعد قول الخطيب المتقدم ، : قلت : قال ابن عدي : هذا اللفظ
، مع بطلانه ، قد قرىء أيضًا بالباء الموحدة ، ولا يصح أيضًا ، وهو أقرب إلى العقل
؛ فإن الأمة رأوه يخطب على منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم ، ولم ينكروا ذلك عليه
. ولا يجوز أن يقال : إن الصحابة ارتدت بعد نبيها صلي الله عليه وسلم وخالفت أمره ،
نعوذ بالله من الخذلان والكذب على نبيه !.
( هذا
وهم من الألباني فهذا قول ابن طاهر لا قول السيوطي ولا الخطيب )
قال
الألباني :
وهذا الحديث
مما اعتمده الشيعي في "المراجعات" في حاشية (ص 89) في الطعن على معاوية ،
مشيرًا بالطعن على من أشار إلى استنكاره من أهل السنة ، متجاهلًا ما يستلزمه الاعتماد
عليه من الطعن بكل الصحابة الذين رأوا معاوية يخطب على منبره صلي الله عليه وسلم ،
فنعوذ بالله تعالى من الهوى والخذلان !! اهـ
التعليق:
وأقول : نعم .. نعوذ بالله من الخذلان! فلا استيعاب
للطرق ولا حسن تعليل لضعف الحديث إلا بإحسان الظن بأن الصحابة لا يمكن أن يعجزوا
عن أمر ولا يمكن أن يتركوا وصية ولا أن يخالفوا أمراً ولا لا ... وهذا كله تم
إبطاله، وليس أدل على ذلك من وصيته ألا يتقاتلوا فتقاتلوا.. وأنا هنا لا أذم
الجميع ففي القوم محق ومبطل، لكمن الوصية عامة لم يتم تنفيذها.. كذلك الوصية بألا
يتنافسوا في الدنيا .. وألا يتحاسدوا ولا يتباغضوا .. الخ.
ولأن
السلفية وآخرهم العلامة الألباني رحمه الله بعيدون عن رؤية مسئولية الناس، لذلك
نذكرهم ببعض الآيات الكريمة، ومن لم يشفه كتاب الله فلا شافي له..
القرآن الكريم يضع المسئولية على الناس والسلفية يلقونهاعلى النبي (ص):
والله تعالى يقول: (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ
بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [آل عمران] )..
وقال
: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ
فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [المائدة : 92] )
وقال
تعالى : (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ
وَمَا تَكْتُمُونَ (99) قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ
كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
(100) [المائدة : 99 ، 100] )
وقال
(وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا
عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (40) [الرعد : 40])
وقال
: ( وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ
مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ
فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
(35) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا
الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ
فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
(36) إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا
لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (37)
[النحل : 35 - 38]
وقال
: ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا
عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا
عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) [النور : 54 ، 55]
وقال
: ( اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ
مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47)
فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ .. الآية [الشورى : 47 ، 48]
وقال
تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا
عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [التغابن : 12]
بعد
هذه الآيات وأمثالها نأمل ألا يحمل السلفيون المسئولية رسول الله، ولا يستبعدون
ضعف الصحابة أيضاً عن تنفيذ الأوامر فقد ضعفوا والنبي (ص) بين أظهرهم، فكيف لا
يضعفون وقد غادرهم؟
والقرآن الكريم يثبت معصية أكثر الصحابة والنبي (ص) حي فكيف بعد موته؟ :
قال تعالى : (
سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ
مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ
(151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى
إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ
مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ
ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو
فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ
وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا
تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
(153) [آل عمران : 151 - 153]
التعليق:
فإذا كانوا لا يستجيبون والنبي يدعوهم مباشرة فلا يستغرب أن ينكصون في آخر عهد عمر
مع تأولهم بالطاعة وأن هذا زمن غير زمن،
وأن الأمر للإرشاد وليس للوجوب.. وغير ذلك من الأعذار التي يعتذر بها سائر
الناس عند الضعف عن أمر أو الخوف من نتائجه السريعة.
وكذلك
قوله تعالى :
(لَقَدْ
نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا
رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) [التوبة : 25] )
فهاهم
الآن يدبرون مرة أخرى يوم حنين بعد نزول آية الفرار من الزحف وهم يسممعون النبي
(ص) مباشرة، ولكنهم هابوا المشركين فهربوا فكيف بعد ذلك بزمن ألا يعقل أن يهابوا
أيضاً؟
إذن
فالصحابة على فضلهم ومكانتهم لم يكونوا على استعداد لتنفيذ كل الأوامر الإلهية أو
النبوية، وخلق الإنسان ضعيفاً، وهم من جنس الإنسان.
والآيات
كثيرة جداً فذ هذا الموضوع، فالصحابة رضي الله عنهم قد يضعفون ويخافون ويفرون
ويذنبون .. فلماذا نستغرب خوفهم في مكان ونرفضه في مكان آخر؟ نعقل تقصيرهم والنبي
(ص) بين أظهرهم ولا نستغرب تقصيرهم وقد فارقهم؟ هذا تحكم..
إلا إذا
كان هؤلاء الحمقى يقولون إن الصحابة كانوا أشجع في عدم وجوده (ص) وأن وجوده صلوات
الله عليه بينهم هو سبب إدبارهم في أحد وحنين.. إما بعد موته (ص) فقد تحلى كلهم
بالشجاعة؟ ماهذا التفكير السخيف؟..
الملحق (3) : نصب البصرة
قد
يأتي بعض طلبة العلم ويستغربون مثل هذا الحشد المعلوماتي، أن هذا فيه نصب وهذا فيه
تشيع والبصرة ناصبية و...الخ وأنا إنما أتحدث هنا مع أهل العلم، ومن الصعب توثيق
كل شيء، فلا يستعجلوا، وليبحثوا، ونصب البصرة مثلاً قد يستغربه أكثر أهل الحديث
اليوم، بل المتميزين منهم، ويشككون فيه،.. مع أن هذا معروف في التاريخ وعند أهل
الحديث أيضاً.. ولا بأس أن تذكر هنا موجزاً عن نصب البصرة : فالنصب من خصائص شخصية
البصرة.. فانحراف أهل البصرة عن الإمام علي معروف عند كبار أهل الحديث.. وهو وإن
كان أغمض من نصب أهل الشام ..إلا أنه أبرز ظهوراً من بقية الأمصار، وهو أيضاً أعمق
أثراً من نصب الشام لكثرة أحاديثهم وسريان
عقائدهم ، ولكنه معروف عند أهل التدقيق والتحقيق كابن عبد البر وغيره، ولغموضه لابد من شيء من كشفه هنا، أهل البصرة
كانوا من شيعة بني أمية من قديم .. وبقي فيهم هذا الرأي، وكان قد صنع فيهم عبد
الله ابن عامر صنائع أموية من أيام عثمان، ثم ناصروا أهل الجمل على الإمام علي وهو
خليفة الوقت، ولم يطمع معاوية في ضم أي بلدة عراقية إلا البصرة (في قصة ابن
الحضرمي وجارية بن قدامة) وتجنبها بنو العباس أيام تخطيطهم للثورة لميلها المعروف لبني أمية، وذم علي لأهل البصرة
في وقته معلوم مشهور، وغفلة أهل البصرة أشهر ( كلهم كان مغفلاً إلا الطيالسي قاله
أبو نعيم كما في نبلاء الذهبي 10/ 343)، وبهذا سرى فيهم النصب الشامي والعثمانية
السياسية وانضم إليهم بعض النواصب الخلص بعد زوال بني أمية ..ولهذا كان بعض أهل
الحديث إلا ذهبوا إلى البصرة أظهروا التشيع (لغلبة النصب على البصرة راجع ترجمة
ابن المديني في نبلاء الذهبي)، وعلق الذهبي على هذا بقوله (كان إظهاره لمناقب
الإمام علي بالبصرة لمكان أنهم عثمانية فيهم انحراف على علي)، وكان أهل
البصرة يغالون في تضعيف كل من فيه تشيع يسير ولو كان ثقة، ومن ذلك بغضهم لجعفر
الصادق ورفضهم أحاديثه (راجع ترجمته)، وقد اتهمهم
بالنصب أحمد بن حنبل مع أخذه أغلب عقائده من المدرسة البصرية، ففي تهذيب
الكمال [ جزء 5 - صفحة 46 ] في ترجمة جعفر بن سليمان الضبعي: ..
قال أبو طالب عن أحمد بن حنبل: لا بأس به (يعني جعفر بن سليمان)، قيل له : إن سليمان
بن حرب – وهو بصري- يقول: لا يكتب حديثه!
فقال (أحمد): حماد بن زيد لم يكن ينهى عنه
كان ينهى عن عبد الوارث ولا ينهى عن جعفر إنما كان (جعفر) يتشيع وكان يحدث
بأحاديث في فضل علي وأهل البصرة يغلون في علي اهـ.. يقصد يغلون في الانحراف عن
علي بتضعيف الثقات إذا رووا في فضل علي..وقال ابن عبد البر: (وأهل البصرة يفرطون فيمن يتشيع بين أظهرهم
لانهم عثمانيون، اهأ نقله عنه الحافظ
في التهذيب ترجمة أبي هارون العبدي)، وقال ابن حجر في ترجمة الفضل بن الحباب في
اللسان (والنصب معروف في كثير من أهل البصرة).. وهذا الموروث من النصب البصري كالتوجس من علي
وأهل البيت وشيعتهم الثقات، أو بغضهم أو تجنب ذكرهم بخير ما أمكن.. هذا الموروث
باق إلى اليوم في السلفية، تمت وراثته عبر غلاة السفية الأولى ثم الحنابلة
الوسطى ثم التيمية المتأخرة ثم السلفية المعاصرة، كيف ومن أبرز عثمانية أهل البصرة
المنحرفين عن علي، ابن سيرين وأبو
رجاء العطاردي وأبو قلابة و أيوب السختياني وعبد الله بن شقيق وعاصم الأحول وابن عون ويونس بن عبيد وداود بن أبي هند وإسحاق بن سويد
وبلال بن أبي بردة وعبد الوهاب الثقفي ومعاذ
بن معاذ ويزيد بن زريع وحماد بن زيد ويحي القطان و عبد الرحمن ابن مهدي
وسليمان بن حرب وغيرهم وأحاديثهم تملأ الدنيا وقد سرت في العقائد والأحكام
والفضائل، ولأحاديثهم وآثارهم ومواقفهم العقيدة أثرها الكبير على أهل السنة ومن
زاوية أخص على السلفية.. وفي أهل البصرة فضلاء ومنصفون، لعلي بن زيد بن جدعان ولكن
أهل البصرة كيزيد بن زريع وأمثاله من النواصب لم يتركوه اهـ
الخاتمة:
هذا
حديث من سلسلة أحاديث (مثالب معاوية)، والأحاديث في مثالب معاوية هي جزء من كتابي
الموعود من زمن ( معاوية بن أبي سفيان قراءة في المناقب والمثالب)..
وسيأتي
تباعاً بقية الأحاديث في ذم معاوية، وسيتغرب طلبة العلم كيف أن معظم الأحاديث التي كنا نظن أنها باطلة من أول
نظرة ، وأنا كنت عندما بحثت هذه الأحاديث ومنها هذا الحديث، كنت أريد أن اثبت
مصداقيتي بتضعيفها وأنني لا أقبل إلا الصحيح، ثم تفاجأت بجودة طرقها وقوتها، فأصبح
تضعيفها - هكذا بالتحكم – شهادة للمذهب لا شهادة لله.. ولا للحقيقة..
نعم
أنا إلى الآن أشعر بوحشة منها، لأن الإنسان بحسب التربية، يستغرب أشياء حتى لو
صحت.. مادام أن الوسط الذي تعلم فيه يستنكرهاـ والتخلص من الضغط الاجتماعي من أصعب
الأمور، لكني أرحت نفسي بالقول: إنه على منهج أهل الحديث يكون الحديث صحيح الإسناد
على الأقل، وهو ظني الصدور كأكثر أحاديث الآحاد التي نصححها بالمنهج نفسه..
والبقية على الله..
ثم أمر
آخر أقنعني بأن النبي (ص) الذي صححنا عنه التحذير من الدجالين والظالمين والكذابين
.. لابد أن يحذر ممن يجمع هذه الخصال كلها ويبني دولة تحرف دينه وتكذب عليه وتقتل
أهل بيته وتسبهم على المنابر.. الخ لا يمكن أن يترك النبي (ص) أمته بلا بيان واضح
صريح، فكانت مثل هذه الأحاديث التي لا تبقي عذراً لمتوهم أو مغفل أو عيي أو بطيء
الفهم.. فالتعريض في هذه المواطن لا تجدي، لأن النبي (ص) كان يعلم بتعليم الله له،
أن الأمة ستكابر حتى في قتال الفئة الباغية، واستنكار قتل عترة النبي (ص) وهدم
الكعبة واستباحة المدينة .. الخ فلذلك لا بد من التصريح والبيان والتأكيد حتى يهلك
من يهلك عن بينة، وينجو الذين كتب الله لهم الحسنى.
وهنا
أذكر القاري انه لا يجب عليه الإيمان بصحة أي حديث لا يؤمن به، لكن يجب عليه أن
يبرأ من معاوية وأمثاله لتواتر ظلمهم وبغيهم وأثرهم على الدين والفكر والسلوك..
فذم الظلم وأهله أصل قرآني كبير.. والبراءة من معاوية أول مفتاح للدخول إلى فهم
النبوة وحب الله ورسوله (ص).
كتبه
حسن بن
فرحان المالكي
الرياض
ضحى
يوم الجمعة / 27 ذي الحجة / 1431هـ
[1] هذا إمامي من أصحاب الأصول الستة عشر عند الشيعة الإمامية.. وإذا نقل
الشيعة عن أهل السنة بالأسانيد فغالباً يكونون ثقات في النقل، أما أسانيدهم ففيها
كثير من الوضاعين والمستفيدين، وقد تبين لي أنهم في النقل عنا أصدق منا في النقل
عنهم، ووجدت في كتب التراجم الشيعية خبراً عجيباً يكادون يجمعون عليه، وهو أن عباد
العصفري هذا ما هو إلا عباد بن يعقوب الرواجني شيخ البخاري، وهو من شيوخ الشيعة
وأهل الحديث، ثم تتبعت هذا الخبر فوجدته مشهوراً عند الشيعة في رجال أبي دواود
ومستدركات رجال الحديث ورجال النجاشي وغيرهم. وتوسع فيه محقق الأصول الستة عشر
ضياء الدين المحمودي، وعباد بن يعقوب عندهم عامي المذهب، وبعضهم يعتبره إمامياً
يبالغ في التقية، ومن تقيته تأليفه هذا الأصل باسم فيه تدليس ( أي إخفاء شخصيته خوفاً على نفسه من الفتك)
وهذا مباح، والسلفية اليوم تجد لبعضهم ثلاثة أسماء أو أربعة! وكنت متردداً في
تصحيح هذا الأثر لجهالة عباد العصفري، أما الآن وقد ترجح عندنا أنه عباد بن يعقوب
شيخ البخاري، فإسناد الحديث لا يقل عن رتبة الحسن.
[2] في الجرح والتعديل - (3 / 145)
حماد بن عيسى العبسى الكوفى روى عن بلال ابن يحيى البسى روى عنه عثمان بن ابى شيبة
سمعت ابى يقول ذلك./ وذكره المزي في الرواة عن بلال بن يحيى، وفي تهذيب التهذيب ـ محقق
- (3 / 17) تمييز حماد بن عيسى العبسي / روى عن بلال بن يحيى العبسي/ وعنه عباد بن
يعقوب الاسدي وعثمان بن أبي شيبة/ قلت – ابن حجر- : ذكر عبد الغني بن سعيد الازدي أن
غريق الجحفة يقال له أيضا العبسي ويقال له أيضا النحاس ويقال له صاحب الرقيق فكأنهما
واحد اهـ قلت: كلا غريق الجعفة جهني..
[3] وهو ثقة، ففي تهذيب التهذيب ـ محقق
- (1 / 443) بخ 4 (البخاري في الادب المفرد والاربعة) بلال بن يحيى العبسى الكوفي/ روى عن حذيفة بن اليمان وعلي بن أبي طالب
وأبي بكر بن حفص وشتير بن شكل/ وعنه سعد بن أوس الكاتب وحبيب بن سليم العبسي
وليث بن أبي سليم وغيرهم/ قال اسحاق بن منصور عن يحيى بن معين ليس به بأس/ قلت – ابن حجر- : وقال الدوري عن ابن معين روايته
عن حذيفة مرسلة وفي كتاب ابن أبي حاتم وجدته يقول بلغني عن حذيفة وقال ابن القطان القابسي
(1) صحح الترمذي حديثه فمعتقده أنه سمع من حذيفة وذكره ابن حبان في الثقات اهـ.
[4] ولفظ الحديث كاملاً من أصل عباد هو : عباد أبو سعيد عن حماد بن عيسى العبسي
عن بلال بن يحيى عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله ص إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان
على المنبر فاضربوه بالسيف وإذا رأيت الحكم بن أبي العاص ولو تحت أستار الكعبة فاقتلوه
قال ونفاه رسول الله ص إلى الدهلك ارض من ارض الحبشة قال فلما ولى أبو بكر كلموه فيه
قال فأبى ان يأذن له قال فلما ولى عمر كلموه فيه فقال نفاه رسول الله ص وأبو بكر أفأءذن
له انا فلم يأذن له فلما ولى عثمان قال عمرو شيخ من المسلمين قال فاذن له وأجازه بمأة
ألف درهم من بيت مال المسلمين اهـ وبقية الحديث مشهور عند أهل السنة.
[5] يحسن لأتباع معاوية أن يستعدوا على المؤلف أو الكاتب إذا قال مثل هذا
الكلام ليصرفوه إلى غير وجهته، ومن هنا وجب البيان، بأنني لا أقصد ما يراه في أهل
الحكم، وإنما ما يراه في أهل العلم، سيظن أن ذريته حاكمة إلى اليوم لكثرة ما يرى من آثاره في غلاة السلفية.
[6] قال ابن الكلبي في جمهرة النسب لابن الكلبي - (1 / 16): ومن ولده – أي ولد عبد الله بن جدعان سيد قريش-
: علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان الفقيه البصري الذي كان
يروى عن سعيد بن المسيب، وعبد الله عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة، كان يروى عن
ابن عباس عليه السلام، والمهاجر بن قنفذ بن
عمير بن جدعان، ولى شرط عثمان بن عفان اهـ /
وقال ابن حزم في جمهرة أنساب العرب - (1 / 136) ومن ولد عبد الله بن جدعان
: عبد الله ابن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة - واسمه زهير - بن عبد الله بن
جدعان ، محدث ثقة ، وابن أخيه عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبيد الله ، محدث ضعيف ؛ وابنه
أبز غرازة محمد بن عبد الرحمن ، محدث أيضاً : أمه جبرة الخزاعية ؛ وابن عمه علي
بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة ، بصري ، ضعيف . اهـ وهذا الأخير هو ابن
جدعان/ وأبو مليكة من الطلقاء، ففي الإستيعاب في معرفة الأصحاب - (2 / 67): أبو مليكة القرشي التيمي. اسمه زهير بن عبد الله
بن جدعان بن عمرو ابن كعب بن سعد بن تيم بن مرة جد ابن أبي مليكة المحدث له صحبة. يعد
في أهل الحجاز من حديثه ما ذكره عمرو بن علي عن أبي عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة
عن أبيه عن جده عن أبي بكر الصديق أن رجلاً عض يد رجل فسقطت سنه فأبطلها أبو بكر الصديق
اهـ وهذه الأسرة تيمية مختصة بآل ابي بكر ثم آل الزبير ( وآل الزبير أنفسهم مختصون
بآل أبي بكر من جهة عائشة أم المؤمنين فهي التي تربى عندها عبد الله بن الزبير
وتأثر بها ثم عروة أيضاً وهو راوية عائشة) فهذه الأسرة تيمية زبيرية، بعد أن كان
الزبير بن العوام نفسه هاشمي الهوى لجهة أمه صفية بنت عبد المطلب، وكان مع علي يوم
السقيفة ثم حرفه ابنه عبد الله إلى بني تيم وقاده وقاد خالته عائشة إلى حرب الجمل،
ومن هذه الأسرة قنفذ بن عمير بن جدعان التيمي، كان من فجار قريش الكبار ( ذكره أبو
طالب في قصيدته) وهو من الطلقاء، وكان ضارب فاطمة عند الشيعة، ولاه أبو بكر على
جدة ذكر ابن عبد البر أن عمر ولاه مكة ثم عزله بنافع بن عبد الحارث الخزاعي مولى
ابن أبزى/ وابنه المهاجر له صحبة وهو راوي
حديث في ذم معاوية، ، وذكر البلاذري أن عمر حده مع امرأته في شراب، ومن مواليهم
صهيب بن سنان الصحابي المشهور، اشتراه عبد الله بن جدعان، وكان رضي الله عنه ورحمه
موالياً لهذا البيت، والذي أدركه في الطريق إلى الهجرة كان شيطان قريش قنفذ بن
عمير المذكور في قصيدة أبي طالب ( ذكر ذلك ابن عساكر في ترجمة صهيب).
[7] أنساب الأشراف - (3 / 343) قالوا: وكان ابن جدعان عقيماً فادعى بنوة رجل
فسماه زهيراً، وكناه أبا مليكة فولده كلهم ينسبون إلى أبي مليكة، ويقال أبو مليكة بن
عبد الله بن جدعان، فمن ولد أبي مليكة عبيد الله ( وعبد الله) ابني أبي مليكة ( كذا والصواب: ابنا أبي مليكة) وقد
ذكر البلاذري وغيره أخباراً أخرى في عقم عبد الله بن جدعان، ومنها أنه خلف على
امرأة هوذة بن علي الحنفي فلم تلد له، وتزوجها هشام بن المغيرة والد أبي جهل فولدت له سلمة بن هشام المستضعف
الذي كان النبي (ص) يدعو له مع جماعة في القنوت.
[8] وهذا سبب كون ذرية عبد الله بن جدعان لم تكن في
الصدارة ولم يطالب أحد منهم بالخلافة، وإنما اكتفوا بالوقوف خلف كل من يطلب
الخلافة من بني تيم فوقفوا مع أبي بكر ( قنفذ بن عمير بن جدعان) ومع ابن الزبير (
عبد الله بن أبي ملكية الجدعاني) والسبب أنه لا ذرية أصلاً لعبد الله بن جدعان،
وإنما تبنى رجلاً اسمه زهير لا يعرف من أي العرب هو؟ ولو أراد أحد الجدعانيين طلب
الخلافة لعيّر بنسبه، فانتقلت سيادة بني تيم بعد وفاة عبد الله بن جدعان إلى بيت
أبي بكر الصديق، ثم استطاع ابن الزبير لقربه من بيت أبي بكر ( أمه اسماء وخالته
عائشة) أن يجلب بني تيم إلى نصرته في الخلافة، فتولاها تسع سنين بمكة، وكان آل
جدعان من أنصاره وأشهرهم عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة توفي 117 هـ
[9] وعبيد الله هذا من أصحاب عمر، وفي
أنساب الأشراف - (3 / 343): أما عبيد
الله بن أبي مليكة فأقامه عمر بن الخطاب مقيماً
للحدود بمكة اهـ قلت: وهو الذي أمره عمر
بجلد الأسود بن عوف أخي عبد الرحمن بن عوف في الخمر ففي (أنساب الأشراف
- (3 / 303): وقال غير الواقدي: أمر (
عمر) عبيد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان فجلده الحد، وكان الأسود
مع عائشة يوم الجمل، فقتله جندب بن زهير الأزدي)،
وولد عبيد الله هذا - أعني صاحب عمر - عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة
هو صاحب ابن الزبير، وقد ينسب إلى جده فيقال ( عبد الله بن أبي مليكة) ولهذا يحدث
أحياناً بعض الخلط.
[10] أنساب الأشراف - (3 / 343) : وأما عبد الله فمن ولده زيد بن عبد الله
بن أبي مليكة، وكان زيد مع بعض ولد زياد بن أبي سفيان بسجستان، فقتله الترك، وكان
ابنه علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة الذي يقال له: علي بن زيد بن جدعان محدثاً،
روى عن سعيد بن المسيب وغيره، ومات في أرض بني ضبة بالطاعون ولا عقب له.
[11] وكم من خبر صحيح تم تضعيفه فيما بعد للعصبية والهوى، وكم من خبر كان
معروفاً بالكذب تم تصحيحه لاحقاً للسبب نفسه.
[12] وقام الحسن البصري بشفاعة في إطلاق سراحه فنجح في ذلك، ففي أنساب الأشراف
للبلاذري - (3 / 3) المدائني عن سعيد بن عبد الرحمن عن مالك بن دينار قال: حبس الحكم
بن أيوب الثقفي علي بن زيد بن عبد الله بن أبي مليكة بن عبد الله بن جدعان التيمي،
والحسن يومئذ مستخف ونحن معه مستخفون فأتاه الحسن ليلاً وأتيناه فأجلسه معه على السرير،
فما كنا عنده ليلتنا إلا مثل الفراريج...
فذكر وساطة الحسن البصري في إطلاقه ووعظه الحكم بن أيوب وفيه .. قال الحكم:
وأنا أقول: لا تثريب عليكم، لو لم أجد إلا ثوبي هذا لسترتكم به، وأطلق علياً
)والحكم بن أيوب هذا هو نائب الحجاج على البصرة، ومعنى هذا أن علي بن زيد سجن نحو
عام 75هـ، والجبابرة قد يتعظون أحياناً.
[13] وهذه أقوال أهل الحديث : هو علي بن زيد بن
جدعان بن عبد الله بن أبي مليكة التيمي القرشي البصري، قال ابن سعد: (فيه ضعف ولا
يحتج به)، وقال أحمد: (ليس بالقوي وقد روى عنه الناس) وضعفه أيضاً يحيى بن معين
وأبو زرعة والنسائي وابن خزيمة وأبو حاتم والجوزجاني والعجلي وابن عدي وحماد بن
زيد وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وسفيان بن عيينة ووهيب بن خالد وابن حبان، أما
الموثقون له فلا يقلون أهمية وعلماً وفقهاً فقد وثقه الحسن البصري ويعقوب بن شيبة
والترمذي والعجلي -في رواية- وتوقف فيه الدارقطني وشعبة –في رواية- وكأنه يرى أن ضعف
علي بن زيد جاء من اختلاطه وقد روى عنه هذا الحديث حفاظ يدركون تجنب اختلاطه، وقد وثقه
أيضاً حماد بن سلمة وكان بعض أجلة التابعين يكرمه كسعيد بن المسيب وعلي بن الحسين،
وروى عنه كثير من العلماء الكبار من أهل البصرة وغيرهم وكان من فقهاء البصرة
الكبار وأمروه بالجلوس مجلس الحسن البصري بعد وفاته، وروى له مسلم مقروناً وأصحاب
السنن
[14] موسوعة أقوال الإمام أحمد - (6 / 90) وقال أبو داود : سمعت أحمد ، قال
: علي بن زيد ، وجعفر بن محمد ، وعاصم بن عُبيد الله ، وعبد الله بن محمد بن عقيل ،
ما أقربهم من السواء ننقاد بهم. "سؤالاته" (152)! وهذا الوضوح في الجرح
المذهبي ظاهر في وجود جعفر الصادق نفسه، وهذا من دلائل استقرار الافتراق بين أهل
الحديث والشيعة، ولا وريب أن الانحراف إنما يكون من القوي المقرب من السلطة وفكرها
ضد الضعيف، والظلم يصدر من ، القوي أيضاً، وهذا ملاحظ إلى اليوم.
[15] وترجم له في تاريخ الإسلام - (ج
4 / ص 167) فقال: نصر بن مزاحم المنقري الكوفي. سكن بغداد، وروى عن: شعبة، والثوري،
ويزيد بن إبراهيم، وغيرهم، وعنه: نوح بن حبيب، وأبو سعيد الأشج، وعلي بن المنذر، وغيرهم.
وكان يترفض.، قال أبو إسحاق الجوزجاني: كان زائغاً عن
الحق، وقال صالح بن محمد: يروي عن الضعفاء، وقال أبو الفتح الأزدي: هو غالٍ في مذهبه
غير محمود في حديثه، مات سنة اثنتين عشرة ومائتين.
[16] المعجم الكبير للطبراني - (2 / 58) تَمِيمُ بن حُجْرٍ أَبُو أَوْسٍ السُّلَمِيُّ
جَدُّ بُرَيْدَةَ بن سُفْيَانَ لَهُ صُحْبَةٌ لَمْ يُخَرَّجْ حَدِيثُهُ
ففي التاريخ الصغير للبخاري - (1 / 162) – وهو المطبوع
باسم التاريخ ألوسط أيضاً-
وروى حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي نضرة أن معاوية
لما خطب على المنبر فقام رجل فقال قال ورفعه إذا رأيتموه على المنبر فاقتلوه وقال آخر
اكتبوا إلى عمر فكتبوا فإذا عمر قد قتل وهذا مرسل لم يشهد أبو نضرة تلك الايام وقال
عبد الرزاق عن بن عيينة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد رفعه وهذا مدخول لم
يثبت ورواه مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد رفعه وهذا واه، قال أحمد أحاديث مجالد
كلها حلم وقال يحيى بن سعيد لو شئت لجعلها كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله ويروى
عن معمر عن بن طاوس عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن عمرو رفعه في قصته وهذا منقطع لا
يعتمد عليه وروى الاعمش عن سالم عن ثوبان رفعه في قصته وسالم لم يسمع من ثوبان والاعمش
لا يدري سمع هذا من سالم أم لا قال أبو بكر بن عياش عن الاعمش أنه قال نستغفر الله
من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب اتخذوها دينا وقد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم معاوية أميرا في زمان عمر وبعد ذلك عشر سنين فلم يقم إليه أحد فيقتله وهذا مما
يدل على هذه الاحاديث أن ليس لها أصول ولا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خبره على
هذا النحو في أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إنما يقوله أهل الضعف بعضهم في
بعض إلا ما يذكر أنهم ذكروا في الجاهلية ثم أسلموا فمحا الاسلام ما كان قبله.اهـ
[18] وحديث عبادة بن الصامت رواه الحاكم (3/401،
402) والشاشي (3/172) والبزار (7/164) ثم أحمد في المسند (8/415) – مع بتره- رووه كلهم من طريق إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن عبادة بن
الصامت فذكروا قصة بقر عبادة لروايا الخمر التي كانت تباع لمعاوية!! ثم تسيير
عبادة إلى عثمان في المدينة ودخوله على عثمان ثم تحديثه بحديث (سيكون عليكم أمراء
يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا تضلوا –وفي لفظ
فلا تعتلوا- بربكم فلا طاعة لمن عصى الله ووالله إن معاوية –وفي لفظ
فلاناً- لمن أولئك) فما راجعه عثمان بحرف/ أقول: وقد تبرع بعض المحدثين كأحمد فحذف
أول الحديث –قصة
بقر روايا الخمر- وحذف آخره (قول عبادة: والله إن معاوية لمنهم)!! وهذه من أخطاء
أحمد – وعلى منهجه شيخه سفيان بن عيينة وتلميذه البخاري لكن أهل الجرح والتعديل لا
يتكلمون!- وهؤلاء المحدثون يحذفون من
الحديث مايخالف عقيدتهم! فكل ما يخشون أنه قدح في فلان أو فلان! أو ما يخشون أن
يحتج به عليهم المخالفون، حذفوه أو بتروه وهم يعترفون بهذا ولا يرون في ذلك ضرراً،
فمن يجرؤ على تضعيفهم؟
وقد صرح أحمد في هذا الحديث بالحذف –حذف
قصة الخمر- عندما قال )فذكر الحديث)-!! فهو يلمح إلى أن الحديث معروف
عند أهل الحديث لكنه تحرج من إيراد هذا ، وبهذا البتر وأمثاله نسي الناس مثالب معاوية
ومعرفتها مهمة لأهل التاريخ ولأهل الدين أيضاً، والحديث قد رواه الحاكم بسند صحيح من طريق أبي
الزبير عن جابر عن عبادة بن الصامت مختصراً –بلا ذكر
للمناسبة ولا للزيادة آخره- لكن هذا من اختصار حد الشيوخ المتقدمين، لا دخل للحاكم
به فقد رواه مطولاً، وإنما حديث جابر شاهد،
وأما مراد عبادة فواضح، أنه يريد معاوية لا عثمان – كما يزعم بعض الشيعة- والزيادات تؤكد أن المراد معاوية فقد جاء ذكره
صريحاً في رواية الحاكم الأخرى.
وهذه
ليست المرة الوحيدة ولا العاشرة ولا المئة التي يحذف فيها أحمد ما لا يعجبه من
الحديث، فمن النماذج الأخرى الحديث الذي
رواه الإمام أحمد في مسنده - مسند أحمد - (40 / 258):
حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ جَارِهِمْ قَالَ سَمِعْتُ حُمَيْدَ
بْنَ هِلَالٍ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ: كَانَ أَبْغَضَ النَّاسِ أَوْ أَبْغَضَ الْأَحْيَاءِ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَقِيفُ وَبَنُو حَنِيفَةَ
) اهـ!
وحذف
بني أمية من الحديث، وهو بالإسناد نفسه إلى شيخه حجاج بذكر بني أمية أول هذه
الأحياء، ففي مسند أبي يعلى الموصلي - (15
/ 228): حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، قال
: حدثني حجاج بن محمد ، حدثنا شعبة ، عن أبي حمزة ، جارهم ، عن حميد بن هلال ، عن عبد
الله بن مطرف ، عن أبي برزة ، قال : « كان أبغض الأحياء إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم بنو أمية وثقيف وبنو حنيفة » اهـ ورواه غير أبي يعلى باللفظ نفسه،
ولم أجد من حذف بني أمية إلا أحمد، لكن من يجرؤ على الشك فيه؟!
وكذلك
حذف حديث : ( لا أشبع الله بطنه) بعد أن أورد أول الحديث، والأمثلة عن أحمد كثيرة
جداً، وهذه الأمثلة هي ترجمة لمنهجه الذي يعلنه صريحاً كما في كلامه السابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق